الإسراء في التنزيل الحكيم/ الجزء الاول)مقدمه(
----------------------------------------
قال تعالى:" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴿١﴾ وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا ﴿٢﴾" (سورة الإسراء)
ما هو الاسراء في القراءن؟؟؟ من الذي أسري في الأيات أعلاه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى؟؟؟ هل هو الرسول موسى أم الرسول محمد؟؟؟ ما هي كيفيه الإسراء هل كانت ببراق أم كانت روحا ام كانت مناما؟؟؟ من جديد أسئله عديده تملؤها الحيرة و الظنون, و لذلك السبيل الوحيد و الطريقه المثلى لقطع الشك باليقين في هذه التساؤلات و للخروج من الظلمات إلى النور في وحي الغيبيات. علينا الرجوع إلى القراءن الكريم فهو كتاب معجز وسلطان مبين من لدن رب العالميين, وفيه تفصيل لكل شيء. قال تعالى:" وَمَا كَانَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ" ﴿٣٧/سورة يونس﴾. و قوله تعالى:"قَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" ﴿١١١/سورة يوسف﴾. قوله تعالى:"الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" ﴿١/سورة هود﴾
تعريف الإسراء من وحي القراءن:
--------------------------------
كلمة "الإسراء" هي من الفعل "سرى" وفي القراءن تعني السير مع شخص أخر طوعا, و هذه المسيره تكون تحت إشرافه بغض النظر أكان هذا المسيير ليلا أو نهارا, و أكان من يسيرون متجانسيين في العقيدة أو مختلفيين فيها. فلنتأمل الأيات أدناه والتي تؤكد هذا المعنى;
قال تعالى:" سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" ﴿١/سورة الإسراء﴾.
قال تعالى: "قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ" ﴿٨١/سورة هود﴾
قال تعالى:"فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ" ﴿٦٥/سورة الحجر﴾
فلو كان الإسراء تعني السير ليلا لما استلزم إضافة كلمة "ليلا" في الأيه السابقه.
قال تعالى :"لَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَىٰ"﴿٧٧/سورة طه﴾. فهنا يأمر الله تعالى موسى أن يقود من معه بالسير ويضرب طريقا يبسا في البحر بعصاته. ولاحظ كلمة "عبادي" هنا فهي تعني "المؤمن و غير المؤمن برسالة موسى"; تأمل قوله تعالى:"إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ" ﴿٤٢/سورة الحجر﴾.فالغاوين هم فئة من عباد الله.
فليس كل بني إسرائيل خرجوا مع موسى من "أتباعه" اي يؤمنون برسالته ولكن منهم من خرج خوفا من فرعون. قال تعالى:"فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ" ﴿٨٣/سورة يونس﴾.
بعد أن بينت معنى كلمة "الاسراء" من وحي القراءن, فلنتأمل الاية التاليه و نقوم بفهمها فهما ربانيا;
قال تعالى:"مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٦٧﴾ لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٦٨﴾ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٦٩﴾ " ﴿٦٧/سورة الأنفال﴾. من قرأ مقالي السابق "البدريون أكثرهم منافقون" فسيستيقن أن من خرج مع الرسول محمد لمحاربة الكفار فئتين; فئه مؤمنه صابره و كان عددهم (١٠٠), وفئه منافقه كانت غير مشاركه في القتال وكانت تنوي خيانة الرسول محمد ومن معه من المؤمنين وعددها (٤٠٠) فرد, وكلتا الفئتين هما من "الأسرى" لأنهم ساروا مع و بقيادة الرسول محمد نحو بدر. ولذلك فالتفسير الرباني للأيه أعلاه. "ما كان لنبي(شخص أو كتاب) أن يكون له فئه يسيرون معه و تحت قيادته ليعيي ويضعف ويوهن في الأرض فالله يريد لهذه الفئه أن تصلح في الأرض حتى تنال نعيم الأخره ولا يريد لها الإفساد من أجل مكاسب دنيويه كغنائم", فالله تعالى عفا عن هؤلاء الفئه المنافقه في بدر و إن كانوا لم يشاركوا و يعاونوا المؤمنين الصابرين في حربهم ضد كفار مكه في معركة بدر, وذلك لأن هذه الفئه المنافقه التزمت ب "كتاب الله", لاحظ قوله " لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ", فما هو كتاب الله الذي به نجا هؤلاء المنافقين!!! هو قوله تعالى:" إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّـهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ۚ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّـهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا" ﴿٩٠/سورة النساء﴾ .
أما التفسير الشيطاني الذي يستهوي من في قلبه زيغ أو مرض لقوله تعالى:"مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " فهو أن الله نهى كل نبي يقاتل في سبيله من أن يأخذ أسرى حرب حتى يكثر من القتل في الأرض", أيعقل هذااا!!! و الله قال لرسوله محمد "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالميين". و كيف يعقل هذا والله بين أن هذا القراءن يهدي أتباعه سبل السلام . قال تعالى:"يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴿١٥﴾ يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿١٦﴾" (سورة المائدة).
فلقد تم الخلط بين كلمة "أسرى" و كلمة "أسارى" , فكلاهما جمع لكلمة "أسير" كما في قوله:"وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا" ﴿٨/سورة الانسان﴾. ولكن "أسرى" هي لمن يسير طوعا تحت قيادة شخص أخر. أما "أسارى" هي لمن يسير كرها وغصبا تحت قيادة شخص أخر. وكلمة "أسرى" لها فعل ماض هو "أسرى" كما في قوله:"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ". أما كلمة "أسارى" ففعلها الماض هو "أسر" كما في قوله:"وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا" ﴿٢٦/سورة الأحزاب﴾. و قوله:"إِنَّ هَـٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا ﴿٢٧﴾نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا ﴿٢٨/سورة الانسان﴾.
بعد تفصيل الفرق بين فعل "أسرى" و "أسر" , فلنتأمل الأية التاليه:"ثُمَّ أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" ﴿٨٥/سورة البقرة﴾
فكان بني إسرائيل فريقان; فريق اتبع الحق من موسى وفريق زاغ عن الحق, والأخير كانوا يقتلون الفريق المؤمن ويخرجونهم من أرضهم, والله حرم عليهم أن يفعلوا ذلك في كتاب موسى, ثم قال تعالى: " وَإِن يَأْتُوكُمْ أسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ " بمعنى إن يأتوكم مكرهين للإقامه والسير تحت توجيهكم و إشرافكم تفادوهم أي تستبدلوهم بأشخاص أو متاع لكم" , والأسلوب الخطابي الذي إستخدمه الله في جملة "وَإِن يَأْتُوكُمْ أسَارَىٰ" يدلل على حدث وقوعه ذو إحتمال ضئيل. كقوله:" قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّـهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٩٤﴾ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴿٩٥﴾" (سورة البقرة)
ففي الختام نستنتج أن الإسراء كلفظ لا يحمل في كينونته إي إعجاز مادي, فكل الرسل والأنبياء كان لهم أسرى يسيرون معهم طواعية و يمتثلون لتوجيهاته قبل إهلاك الله لأي قريه ظالمه, فكل من سار معهم وأمتثل لتوجيهاتهم هو من "أسراهم" و ليس "أساراهم". وأيضا كانت كل معركه للرسول محمد هي بمثابة إسراء له ولمن سار معه من المؤمنين. قال تعالى:"وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ"﴿٦٤/سورة النساء﴾