رفح: «الشرق الأوسط»
فجأة قامت النسوة اللواتي كن يجلسن في طرف كرم الزيتون من مكانهن في الساعات المبكرة من صباح أمس، وأخذن يطلقن الزغاريد، وعلا صوت أهازيجهن في الفضاء. كانت النسوة ينظرن صوب الشمال، حيث كان شاب يرتدي بزة جديدة ويتأبط فتاة غطت رأسها بعباءة، تمشي الهوينا على استحياء. وكلما اقترب الإثنان من تجمع النسوة، ازدادت خطوات الفتاة تثاقلاً، وما أن وصلاهن، حتى زمجرت الزغاريد واهتز المكان من وقع الأهازيج وكل صنوف التراث البدوي.
ولم تمض سوى لحظات حتى توجهت مجموعة من الرجال الى خمس سيارات كانت تقف في المكان لنقل النساء. اقتربنا من العريس واسمه خالد الدرباري ،26 عاما، وهو من سكان إحدى القرى البدوية المحيطة بمدينة العريش، هنأناه واستفسرنا منه عن ظروف زواجه، ليخبرنا أن هذا العرس تتويج لخطبة استمرت أكثر من عام ونصف العام.
وحسب العريس، فانه قام قبل عام ونصف بزيارة للقطاع، وهناك شاهد ابنة خالته نهى ،21 عاما، الطالبة الجامعية فأعجبته، وعلى الفور تقدم لخطبتها واتفق على أن يتزوجا بعد أن تكمل نهى فصلها الثاني في الجامعة، على أن تواصل تعليمها في جامعة العريش.
وانتهى الفصل الدراسي وتلاشت مع انتهائه آمال نهى وخالد في إتمام الزواج. فقد شددت اسرائيل الحصار، لدرجة أن خالد، وكما قال لـ«الشرق الأوسط»، فكر بفسخ الخطوبة، لكنه امتنع عن ذلك خشية أن يسبب الأمر الضيق لأهل نهى التي كانت تبلغه دائما أنها مستعدة للصبر. من هنا فقد شكل فتح الحدود بين مصر وقطاع غزة مصدر سعادة كبيرة لهذين العروسين. لم يكن خالد ونهى هما الخطيبان الوحيدان اللذين لمت الأحداث الأخيرة شملهما، فكل من عبر الحدود من الطرف الشرقي لمدينة رفح شـاهد عددا من مواكب الأفراح لعرائس يقطعن الحدود جنوباً، أو شمالاً.
فقد كان فتح الحدود، هي لحظة سلمان الوضيحي ،24 عاما، من سكان منطقة دير البلح، وسط القطاع، اذ تم لم شمل هذا الشاب على خطيبته وابنة عمه التي تقطن في مدينة العريش المصرية بعد خطبة دامت عاما.
فتح الحدود من جديد جعل الكثير من الشباب على طرفي الحدود يسعى للزواج من الطرف الآخر. وعلي ابو نعيم، الذي يسكن بلدة «الشيخ زويد» هو مثال اخر. فقد قدم للمنطقة الوسطى في القطاع، في زيارة لاقاربه، وانتهز الفرصة وتقدم لخطبة احدى قريباته، ومثله كثيرون.
ومن القصص التي تثير الشجون في النفس هي قصة رجل، تقطعت السبل بزوجته التي كانت قادمة من رحلة علاج مع طفلها من الخارج، وعلقت على الحدود مدة اربعة اشهر، وكان كل هذه الفترة يتميز حرقة على طفله الذي اجريت له عملية علاجية ليجد نفسه مضطراً هو وأمه للبقاء عند احد اقاربها. وبانهيار الجدار عاد الطفل الى حضن والده والتم شمل الاسرة.
ومن القصص التي تعكس الجانب الإنساني في الحصار المفروض على القطاع، قصة الطفلة شذى زعرب، سبع سنوات، التي كانت برفقة والدتها وشاركت في مسيرة النساء التي اشتبكت مع الامن المصري قبل يوم من فتح الحدود عنوة، فقام الامن المصري باحتجاز الأم، التي قامت بتسليمها لسيدة على بوابة محطة الامن وطلبت منها ارجاع شذى الى رفح الفلسطينية، لكن بعد ساعتين من الاحتجاز لم تعثر الام على السيدة او شذى فجن جنونها. وكما قال لـ «الشرق الاوسط» الصحافي عادل زعرب، قريب الطفلة، أن الأم والعائلة بأسرها ظلت قلقة طوال يومين متتالين، فقام هذا الصحافي ببث اعلان في اذاعة محلية. وشاء الله أن يستمع لهذا البث طبيب فلسطيني يدعى ابراهيم ابو علوان الذي كان متواجداً في العريش، فأخبر مختار العائلات الفلسطينية في المدينة محمود ابو زاهر الذي اخبره بدوره أن جارتهم لديها طفلة لا تعرف اين اهلها، وكانت هذه شذى.