عن ملك اليمين ( 3 من 6 ): ردُّ إجمالى على تعليقات الأحبة على المقال السابق :

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٧ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

عن ملك اليمين ( 3 من 6 ): ردُّ إجمالى على تعليقات الأحبة على المقال السابق :

مقدمة :

1 ـ أعتز بالمدرسة القرآنية ـ أحبتى فى موقع أهل القرآن ـ الذين يترصدون ما أكتب فيتبارون فى التعليق والنقاش والنقد . سعادتى بهم لا يعادله سوى إمتنانى لهم ، لأنهم يؤسسون قاعدة أساس فى ديننا الاسلامى ، أنه لا مجال لبشر أن يزعم إمتلاك الحقيقة ، وأن كل بشر مهما بلغ علمه فما يقوله هو مجرد وجهة نظر تحتمل الخطأ والصواب ، وهو نفسه قد يتخلى عنها . هذا يتناقض تماما مع أئمة الأديان الأرضية الذين يحتكر كل منهم لنفسه ( رأى الدين ) . أيضا فتاوينا فى الموقع مفتوحة للنقاش . وهذا أملا فى تحطيم الكهنوت الدينى لدى السنيين والشيعة والصوفية . وفى أولى مقالاتى فى صحيفة الأخبار القاهرية دعوت لأن نكون جيل الحوار ليكون أبناؤنا جيل الاختيار . والمقال منشور هنا . وقد مضى عليه أكثر من ربع قرن ـ ولا تزال الدعوة قائمة ، وتتحقق فى موقع ( أهل القرآن ) .

2 ـ أعتز ـ ثانيا ـ بالمدرسة القرآنية فى موقعنا ، ولا أتذكر كل الأسماء ، وأذكر منهم هنا : د عثمان محمد على ،داليا سامى ، نهاد حداد ، أبو أيوب الكويتى ، سعيد على ، اسامة قفيشة ، بن ليفانت ، محمد شعلان ، عائشة عبد الرحمن ،  د رضا عامر ، شكرى الساقى ، عبد الرحمن اسماعيل ، دنيا الفرات ، مكتب حاسوب ، عبد الله امين ، مروة احمد مصطفى ، د. صلاح الدين كرفة ، صلاح عامر النجار ، مراد الخولى ، مهدى مالك . وقد إنضم الى هذه الكتيبة الشيخ أحمد الدرامى . جزاهم الله جل وعلا خيرا .

3 ـ وهنا ردُّ إجمالى على تعقيبات حول المقال السابق : التشريع الاسلامى فى ملك اليمين ، سيعقبه رد تفصيلى حسبما يقتضلى الحال .

4 ـ حقيقة الأمر أن لى قصة خاصة فى موضوع ( ملك اليمين ) ، بدأت وأنا طالب فى الاعدادى والثانوى الأزهرى حيث تمتلىء كتب الفقه عن تفصيلات عن أحكام الرقيق ، وكنت أستهجنها ، وعندما كنت أقرأ إستشهاداتهم بالقرآن أحتار ، وكنت أقول لو كان هذا صحيحا سأخرج من الاسلام ( مثل ذلك الشخص الذى إعتنق الدين السُّنّى ثم خرج منه ) . لكن إيمانى بأن ربى جل وعلا أرسل رسوله رحمة بالعالمين وأنه جل وعلا لا يريد ظلما للعالمين دفعنى من وقتها للبحث عن الحقيقة ، وبدأت رحلة البحث القرآنى طلبا للهداية .

واذكر أننى توقفت ثائرا مع آية ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَيْكَ... الأحزاب: ٥٠) ورأيتها صريحة فى أنه كان للنبى ملك يمين . ثم هدأت وبحثت بروية فعرفت أنه لم يمتلكها بالحرب ، بل جاءت اليه هبة من الخارج ، أى ليس فى دولة الاسلام إسترقاق وسبى ، ولكن يوجد هذا خارجها ، ولقد بعث اليه بعضهم ( المقوقس ) هدية مملوكة له فتزوجها النبى ، فأى خطأ فى هذا ؟ كانت مستعبدة هناك فأصبحت زوجة لنبى عظيم !؟

وتوقفت مع قوله جل وعلا : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا (3) النساء ) ، ووجدتها تبيح التعدد الذى كان موجودا بالفعل ولكن تقوم بترشيده فى ان يكون فى رعاية اليتيم لينشأ اليتيم فى رعاية أسرة بالحض على التزوج من الأرامل ، مع إشتراط العدل ، مع التوضيح بأن مراعاة العدل متعذرة بقوله جل وعلا : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (130) النساء )  ، أو أن يكون الحل بزواج ملك اليمين ، ثم تشير آية 4 من سورة النساء على فرضية الصداق على الزوج للنساء حرة كانت أم مملوكة : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء ).

بدأت مع عام 1977 بقراءة القرآن قراءة علمية بحثية موضوعية ، وانتهى الأمر بإتهامى أننى أدعو لدين جديد . والواقع أنه دين الاسلام الحق الذى جاء فى القرآن ، ذلك القرآن الذى إتخذوه مهجورا 14 قرنا من الزمان .!.

5 ـ فى الثمانينيات كنت قد أعددت مقالين عن ملك اليمين فى الاسلام ، وبدأت بحثا شاقا عن النقيض فى كتب الفقه والحديث ، وقمت بتجميع مادة بخط اليد ـ قبل ظهور نعمة الانترنت ، ولا تزال تلك المادة العلمية عندى تنتظر إخراجها فى كتاب أسوة بعشرات غيرها من مشروعات الكتب . وفى عام 1995 طلبت منى  مجلة روز اليوسف ـ التى كنت أكتب فيها ـ مقالا عن ( وما ملكت أيمانكم ) ونشرته ورز اليوسف بتاريخ 6/3/1995  تحت عنوان ( ماذا يعني تعبير" ماملكت أيمانكم " ؟ لمحة عن الاسلام والاسترقاق.)، وأعدت نشره هنا بعنوان ( الاسلام والرق :(1) مدخل :ماملكت أيمانكم ). وأظن أننى كتبت مقالا آخر ، ثم أخذتنى موضوعات أخرى . توالت نفس الأسئلة عن ( ملك اليمين ) فأعدت الكتابة فى هذا الموضوع راجيا الانتهاء منه لأكمل مقالات كتابين ، أحدهما عن ( شيطان التفصيلات : فى الهجص السنى ) و الاخر عن ( مسلسل الدم فى تاريخ الخلفاء ) . وكالعادة توالت اسئلة أخرى عما نشرته فى مقالات (  عن ملك اليمين ــ للمرة الأخيرة )، بما يستوجب الرد . 

أولا :   إضافة فى ( التشريع الاسلامى فى ملك اليمين ):

  الملاحظ  فى هذا المقال الاكثار من الآيات دون توقف معها بالتحليل ، لأنه سبق تحليل أكثرها فى موضوعات أخرى . المشكلة أننى عندما أكتب أبنى على كتبته سابقا ، أملا فى أن يكون الأحبة قد قرءوا ما فات . خصوصا وأن الموضوعات الاسلامية القرآنية متشابكة متداخلة . وأحزن لاضطرارى لإعادة ما قلت أو للتذكير به أو لرجاء السائل أن يقرأ ما سبق . هنا أُذكّر بمقالات كتاب ( وظيفة القضاء بين الاسلام والمسلمين ) والمنشور هنا .  يهمنا فيه الفصل الثالث من الباب الأول عن التشريع الذى يحكم به القاضى . وفيه حق الدولة الاسلامية فى سنّ تشريعات إضافية أو تطبيقية ( مثل المذكرة التفسيرية ) فى ضوء المقاصد الكبرى للتشريع الاسلامى ( العدل وحرية الانسان وكرامته وحفظ حقوقه). وهناك أيضا مقالات كتاب عن ( مبادىء الشريعة الاسلامية السبع وكيفية تطبيقها(  .

وفيما يخص موضوعنا عن ملك اليمين من الناحية التطبيقية فالمجال متسع للاجتهاد لى وللأحبة من أهل القرآن . ونعطى أمثلة  :

  1 :  يقول جل وعلا : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ). الدولة هى التى تجمع الصدقات عن طريق ( العاملين عليها ) ولهم أجرهم منها ، وفى الآية الكريمة مصارف الصدقة للفقراء والمساكين والمؤلفة قلوبهم وفى تحرير الرقيق وفى الدعوة الى الاسلام وفى رعاية ابن السبيل. هذه ( فريضة من الله ) جل وعلا . تطبيق هذه الفريضة يستلزم قوانين تحدد معنى الفقر ( الفقر بمعنى الاحتياج الى الطعام والعلاج والايواء والملابس ) وشرائح الفقراء والمساكين ، أى مستوي الفقر ، ومستوى الأشد فقرا ( المساكين ). ونصيب كل منهم ، والمؤلفة قلوبهم ـ وتطبيقها الآن فى المعونات الخارجية التى تقدمها الدولة الاسلامية تحببا ونشرا للسلام ، وهو ما تفعله الآن الدول الغربية ومنظماتها . هنا يوضع القانون الذى يحدد المواصفات والمقدار . وهكذا فى الغارمين وفى الدعوة الى الاسلام وفى رعاية القادمين للدولة من الغرباء ( ابناء السبيل ) . وبعد صدور التشريعات يتم التطبيق بإقامة الملاجىء والمستشفيات ودور الرعاية للمرضى وأطفال الشوارع والمسنين والأرامل، ، وتدعيم السلع بالبطاقات التموينية للمحتاجين ، ومطاعم مجانية للمساكين تنفيذا للأمر المتكرر بإطعام المساكين . وبيوت الضيافة لأبناء السبيل..الخ . 

ومسئولية الدولة الاسلامية فى تحرير الرقاب فى هذه الآية الكريمة لا يعنى أن تشنّ حربا ضد الدول التى تبيح السبى وتصدره وتتاجر فيه ، لأن القتال فى الاسلام دفاعى فقط إذا تعرضت الدولة الاسلامية لهجوم حربى . أتصور تطبيق هذا البند (وَفِي الرِّقَابِ ) متداخلا مع البند الآخر السابق له (وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ). أى   بالعمل على إستجلاب هذا السبى بالشراء وتحريره . هذا يستدعى قوانين تطبيقية فى تحديد الأولويات ، من هم الأولى بالتحرر من الرق ، وأهمية الجمع بين العائلات التى شتتها الاسترقاق ، بين الأم وأولادها والزوجة وزوجها ، ثم رعاية الأطفال والمرضى بعد الاتيان بهم .

 هنا نشير الى أمور غاية فى الأهمية :

1 / 1 : أنه تحرير كامل للرقيق .

1 / 2 : أن مستحقى الصدقات من الرقيق والفقراء والمساكين وابناء السبيل والغارمين والمؤلفة قلوبهم لا يُشترط أن يكونوا مسلمين . فالفقير مستحق لكونه فقيرا ، وكذا المسكين والغارم . بل بعضهم يغلب عليه ألا يكون مسلما مثل ابناء السبيل والرقيق والمؤلفة قلوبهم .

1 / 3 : إن هذه التشريعات يتم سنُّها فى دولة اسلامية ديمقراطية ، وفيها برلمان مهمته صياغة التشريعات التى تنفع الناس .

2 ــ ومن الممكن للدولة الاسلامية فى تشريعاتها التى تسترشد بالعدل والاحسان أن تسنّ قوانين فى عقوبات أو ( كفارات ) يكون منها عتق الرقيق .  هناك أخطاء وخطايا وجرائم ليست لها عقوبة قرآنية مثل الخمر والمخدرات والقمار والاحتكار والتطفيف فى الميزان وغش السلع والتزوير والتدليس وأكل مال اليتيم . ومتروك للدولة الاسلامية تحديد عقوبة لها بما لايصل الى الاعدام . وهناك جرائم منصوص على عقوبتها ، مثل جرائم الزنا والقذف وقطع الطريق والسرقة والقتل . وفى كل الأحوال باب التوبة مفتوح . وهناك توبة قلبية حقيقية مرجع الحكم فيها للخالق جل وعلا يوم القيامة ينجو صاحبها من الخلود فى النار ، وهناك توبة علنية أمام المجتمع تسقط بها العقوبة . وبالتالى يمكن سنُّ تشريع يجعل من قبول التوبة عتق الرقيق .

3 ـ ومن الممكن للدولة الاسلامية فى تشريعاتها التى تسترشد بالعدل والاحسان أن تسنّ قوانين تشجع الأفراد على عتق الرقيق ، وتسترشد بالآيات الكريمة التى تجعل من صفات المتقين تحرير العبيد : (البلد 13 : 16 ). (البقرة 177). وفى التشجيع على مكاتبة الرقيق ومساعدته على شراء حريته (  النور 33). 

4 ـ مسئولية المرأة ملك اليمين تقع أساسا فى عنق الدولة الاسلامية . بما فى ذلك زواجها أو تزويجها . ونتدبر قول رب العزة جل وعلا :  (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ ) النساء 25  ) . يبدو فى الظاهر هنا تناقض كيف تكون ملك يمين ثم ينكحها مالكها بإذن ( أهلها ) ــ مع إفتراض أن الولى هو الذى يملكها ؟ ثم كيف يملكها ويدفع له صداقها إذا كان مالكها هو ( أهلها )؟ ثم هو  ليس ( أهلها ) لأنها فارقت أهلها بالاسترقاق ؟ ثم اذا كان الذى يريد نكاحها شخصا آخر فكيف له أن يتعرف على أهلها وكيف يذهب اليهم يأخذ إذنهم ؟ . إذن الأهل هنا هو الدولة الاسلامية ، أى القائمون عليها ، والذين تكون مهمتهم تطبيق العدل والاحسان .

5 ـ وتطبيق القواعد التشريعية هنا بأن تكون الدولة أهل تلك المرأة ، إذا كانت متزوجة وإنقطعت الصلة وتباعدت المسافة بينها وبين زوجها ، فالمتصور جمع شملها بزوجها ، وإلا فعن رغبتها وبرضاها تتزوج من آخر يدفع لها صداقا ، لا فرق أن يكون مالكها أو غيره . ويكون هذا بإذن ( أهلها ) أى أولى الأمر أى اصحاب الشأن المختص بهذا الأمر . هذا هو المنتظر من مجتمع إسلامى يؤمن بقول رب العزة جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ).

أخيرا :

1 ـ المسيح عليه السلام خانه بعض رفاقه ، وأنكره وتخلى عنه البعض الآخر . عاش المسيح فى  مجتمع يخضع للسلطة الرومانية . خاتم الأنبياء عاش فى مجتمع محارب ، قبائل متحاربة تكتسب قوتها بالسلب والنهب والسبى ، ولا ترى عارا أن تُغير أو يُغار عليها ، ولا أن تسلب الآخر أ أن يسلبها الآخر ، ولا ترى غضاضة أن تتحارب سنوات بسبب تافه مثل حرب البسوس التى صارت من ( أيام العرب )، ولا ترى بأسا فى سبى النساء ، نساؤها أو نساء الغير ، فالمرأة سلعة للمتعة . خاتم الأنبياء عاش فى قلب هذه الثقافة ، فى قريش زعيمة العرب والقائمة على كهنوتهم وعلى الكعبة وشعيرة الحج . وإذا كان الحواريون إنقلبوا على المسيح عليه السلام وفق ثقافتهم بمجرد الخيانة دون رفع السلاح ، فإن الأمر إختلف مع العرب والقرشيين المحاربين ، فقد إرتبط الرفض بحمل السلاح الذين لا يعرفون غيره وسيلة للتفاهم . وبدأت قريش مسيرة العُنف مع النبى وأصحابة حتى أخرجتهم من مكة ثم تابعوا حربهم ، وبموقفهم هذا كانوا السبب فى أن النبى أقام دولة وجيشا ليدافع عن نفسه ورفاقه ، ونزلت تشريعات هذه الدولة التى أصبحت يوتوبيا فى صحراء العرب . والقرآن الكريم بفصاحته جذب القبائل العربية الى دعوته السلمية فدخلوا أفواجا فى دين الله السلام ( والسلام من اسماء الله الحسنى ) ، وكما حاربت قريش الاسلام حرصا على زعامتها فقد أُضطرت الى دخوله قبيل موت النبى ـ ايضا ـ حرصا على مكانتها . وبمجرد موت النبى أخرجوا العرب من حالة السلام المؤقتة التى أعاشهم فيها الاسلام ــ الى ما إعتاده العرب من ثقافتهم الأصيلة وهى الحرب والسلب والنهب والسبى . أعطت  قريش للعرب مبررا دينيا للحرب والسلب والنهب والسبى . فالآخرون كفار يجب قتالهم وسلبهم ونهبهم وسبى ذرياتهم ونسائهم .

2 ـ كان منتظرا ـ فى أحلام اليقظة ، أن يقوم الصحابة بعد موت النبى محمد عليه السلام  برعاية الدولة الاسلامية ، وأن يواصلوا الطريق بسنٌّ تشريعات مستجدة . ولكن حدث العكس تماما . عادت الجاهلية العربية سلوكا فيما أجرمه الخلفاء القرشيون ، ثم جاء الأئمة العرب ( مالك من الأنصار ، والشافعى من قريش و غيرهم ) فأرسوا إجرام الخلفاء فى تشريعات فقهية أسّست الدين الأرضى السُّنّى ، وجاء غيرهم من أبناء الأمم المفتوحة فى العصر العباسى ( ابن حنبل ، البخارى ، مسلم ، الترمذى ، الخ ) فأكملوا المسيرة الشيطانية .

3 ـ وفى عصرنا البائس ظهرت الوهابية تعيد أسوا مذهب سنى ــ المذهب الحنبلى ــ وتنشره بالدولار على أنه الاسلام . وتوالد من الوهابية تنظيمات شتى ، نجحت منها داعش فى إقامة دولة ارهابية متحركة مؤقتة . ولم تتوان داعش عن إعادة التاريخ الأسود للخلفاء أبى بكر وعمر وعثمان وعلى ، فى موضوع السبى والقتل والسلب والنهب .

4 ـ كل هذا والقرآن الكريم محجوب مهجور . أتينا للقرآن نحتكم اليه فأتهمونا بأننا ندعو الى دين جديد ، وفى نظرهم أنه ليس الاسلام ، لأن الاسلاميين عندهم هم داعش والاخوان والأزهر وشيوخ الوهابية .

5 ـ حسنا ..موعدنا يوم الدين ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون .

اجمالي القراءات 10476