عن ملك اليمين ــ للمرة الأخيرة ( 2 من 4 )

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٤ - يوليو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

رابعا : ( ملك اليمين ) فى الدولة الاسلامية :

1 ـ الدولة الاسلامية التى أسسها النبى محمد عليه السلام كانت تقوم على :

1/ 1 :( السلام ) : (مع الخارج ) كما أوضحنا فى تشريع القتال فى الاسلام ، وبالتالى فلا إعداء ولا ظلم ولا سبى ولا سلب . والسلام ( فى الداخل ) فالمواطن داخل الدولة هو المسالم حتى لو كان مدمنا على العكوف على الأوثان رافضا دعوة الاسلام ( الحج 30 ، المائدة 90 : 92) وحتى لو كان معاديا للدولة وللاسلام معارضا لها بدون أن يحمل سلاحا كالمنافقين .

1 / 2 : العدل والذى يتضمن المساواة بين كل المواطنين بغض النظر عن المكانة الاجتماعية والاقتصادية والذكورة والأنوثة فالأفضلية بالتقوى، وهذا سيحدده رب العزة جل وعلا يوم القيامة ( الحجرات 13 ) .

1 / 3 : الحرية ( الدينية والسياسية ) . وهنا تتداخل الحرية مع مفهوم المواطنة ، ويتجلى هذا فى حرية الفرد المطلقة فى الدين ( عقيدة وشعائر ودعوة ) وحرية الفرد السياسية ليس فقط فى المعارضة وإعلان الرأى بل أيضا مشاركته فى الديمقراطية المباشرة وكونه عضوا فاعلا فى الدولة . والأساس الاسلامى العقيدى هنا هو أن الجميع ( عباد الله ) أو ( عبيد الله ) ولا رب لهم إلا الله ، ولا سيد لهم إلا الله جل وعلا ، وأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ( النساء  59 ) . وبالتالى فإنه لا يجوز إسلاميا أن ( يتعالى ) فرد على الآخرين بأن يكون حاكما ( القصص: 83  ) لأن المجتمع هو الذى يحكم نفسه بنفسه فى آلية للشورى أو الديمقراطية المباشرة ، وقد أوضحناها فى بحثين بالانجليزية والعربية .

2 ـ فى هذه الدولة الاسلامية يتمتع ( ملك اليمين ) بنفس الحقوق فى المواطنة وحرية الدين والحرية السياسية ، شأن الجميع . وفى هذا الاطار نزلت تشريعات القرآن الكريم عن ( ملك اليمين ) . وهذه التشريعات تم طمسها فى خلافة أبى بكر ، بدءا من حرب الردة ، ثم الفتوحات .

خامسا : إرتباط السبى ( الاسترقاق ) بحروب العرب فى حرب الردة والفتوحات بدءا من خلافة ابى بكر

1 ـ   تشريعات الاسلام فى القتال الدفاعى توجب المنً على الأسير المحارب بإطلاق سراحه مجانا أو بتبادل الأسرى (فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) 4  محمد )، وإقرأ أيضا : ( التوبة 6 ، الانفال  68 : 71 ، النساء  94 ). ولا قتل للأسير فى الاسلام ، وهناك بحث ينتظر الاستكمال والنشر فى نقد روايات ابن اسحق فى السيرة عن قتل الأسرى .

2 ـ وكانت العادة فى الفتوحات العربية ثم فى الحروب التالية لها ــ حتى بين المسلمين ــ هى قتل الأسرى العاديين ، والإبقاء على القادة للمتاجرة بهم . هذا مع الأسرى المحاربين . أما غير المحاربين من النساء والأطفال ( من المدنيين ) فكان يتم إسترقاقهم حسب الظروف . كان الاسترقاق والسبى عادة فى الغارات فى الجاهلية ، أوقفها الاسلام حين أشاع السلام ( الاسلام السلوكى ) ودخل الناس فى دين الله جل وعلا أفواجا. ثم عاد السبى سريعا فى حرب الردة ، وفقا للروايات التاريخية ، ثم كان التوسع فى السبى فى الفتوحات بحيث أصبح الحصول على الجميلات ضمن أهداف الحروب.ونستشهد ببعض ما أورده ابن الأثير فى ( تاريخ الكامل ) فى خلافة أبى بكر عام 12 هجرية ، ونركز فى روايات الفتوحات على الفقرات التى تتحدث عن الاسترقاق أو السبى   .

3 ـ تحت عنوان ( ذكر ردة أهل عمان ومهرة ) :يقول : ( قد اختلف في تاريخ حرب المسلمين هؤلاء المرتدين، فقال ابن إسحاق: كان فتح اليمامة واليمن والبحرين وبعث الجنود إلى الشام سنة اثنتي عشرة..أنه بلغ خالد بن الوليد أن ربيعة بالمصيخ والحصيد في جمع من المرتدين ، فقاتله ، وغنم وسبى ، وأصاب ابنة لربيعة فبعث بها إلى أبي بكر، فصارت إلى علي بن أبي طالب. ) . هنا سبى للذرية والنساء ، وقد ارسل خالد بهذا السبى الى أبى بكر . وكانت عادة ( على بن أبى طالب ) بعد موت زوجته فاطمة الزهراء أن يقتنص الفرصة ليشترى ( ما طاب ) له من نساء السبى ويدفع من نصيبه من فلوس الغنائم . وقد تكاثر أبناؤه من السبايا ، وقُتلوا جميعا فى كربلاء . هذا مجرد مثال من حروب الردة . فماذا عن الفتوحات فى العراق ؟

4 ـ تحت عنوان : ( ذكر وقعة الثني ) يقول (  ... وقتل من الفرس مقتلة عظيمة ، يبلغون ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم. وقسم الفيء وأنفذ الأخماس إلى المدينة وأعطى الأسلاب من سلبها، وكانت الغنيمة عظيمة، وسبى عيالات المقاتلة، وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا ذمةً. وكان في السبي أبو الحسن البصري، وكان نصرانياً ..)  . الأخماس الى الغنائم التى كانت تُرسل الى الخليفة ومعها طوابير السبى من النساء والأطفال . تخيل معاناتهم فى السير من العراق والشام ومصر وشمال أفريقيا الى أن يصلوا الى المدينة . هذا الظلم لا يرضى به إلا الشيطان . لذا فإن هذه الفتوحات هى فى سبيل الشيطان .

5 ـ ( ذكر وقعة الولجة ) : (  ... فانهزمت الأعاجم، وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، ومضى الأندرزعز منهزماً فمات عطشاً، وأصاب خالد ابناً لجابر بن بجير وابناً لعبد الأسود من بكر بن وائل، وكانت وقعة الولجة في صفر، وبذل الأمان للفلاحين، فعادوا وصاروا ذمةً، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم. ).

6 ـ  (.ذكر فتح عين التمر ) ( لما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر وسار إلى عين التمر وبها مهران بن بهرام جوبين، في جمع عظيم من العجم، وعقة ابن أبي عقة في جمع عظيم من العرب ... وسار عقة إلى خالد فالتقوا، فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه، فاحتضنه وأخذه أسيراً وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم. فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، فلما انتهى المنهزمون إليه تحصنوا به، فنازلهم خالد، فطلبوا منه الأمان، فأبى، فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى ، وقتل عقة ، ثم قتلهم أجمعين ، وسبى كل من في الحصن وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل، فأخذهم فقسمهم في أهل البلاء، منهم: سيرين أبو محمد، ونصير أبو موسى، وحمران مولى عثمان. وأرسل إلى أبي بكر بالخبر والخمس. )
 7 ـ ( ذكر خبر دومة الجندل ) : ( ولما فرغ خالد من عين التمر أتاه كتاب عياض بن غنم يستمده على من بإزائه من المشركين، فسار خالد إليه ... وانهزموا إلى الحصن، فلما امتلأ أغلقوا الباب دون أصحابهم فبقوا حوله، فأخذهم خالد فقتلهم حتى سد باب الحصن، وقتل الجودي وقتل الأسرى إلا أسرى كلب، فإن بني تميم قالوا لخالد: قد أمناهم، وكانوا حلفاءهم، فتركهم. ثم أخذ الحصن قهراً ، فقتل المقاتلة وسبى الذرية والسرح فباعهم، واشترى خالد ابنة الجودي، وكانت موصوفةً. ) أى موصوفة بالجمال .

8 ـ (.ذكر وقعة الثني والزميل ): ( وكان ربيعة بن بجير التغلبي ... قد خرج غضباً لعقة وواعد روزبه وزرمهر والهذيل، ولما أصاب خالد أهل المصيخ واعد القعقاع وأبا ليلى ليلة، وأمرهما بالمسير ليغيروا عليهم، فسار خالد من المصيخ، فاجتمع هو وأصحابه بالثني فبيتهم من ثلاثة أوجهٍ كما فعل بأهل المصيخ ، وجردوا فيهم السيوف، فلم يفلت منهم مخبر، وغنم وسبى وبعث بالخبر والخمس مع النعمان بن عوف إلى أبي بكر، فاشترى علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، بنت ربيعة بن بجير التغلبي، فاتخذها فولدت له عمر ورقية. )

9 ـ (  ذكر مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام ) : (لما رأى المسلمون مطاولة الروم استمدوا أبا بكر، فكتب إلى خالد بن الوليد يأمره بالمسير إليهم...وقيل: إنما أمره أبو بكر أن يأخذ أهل القوة والنجدة، فأتى حدوداء فقاتله أهلها فظفر بهم، وأتى المصيخ وبه جمع من تغلب فقاتلهم وظفر بهم وسبى وغنم. وكان من السبي الصهباء بنت حبيب بن بجير، وهي أم عمر بن علي ابن أبي طالب، وقيل في أمرها ما تقدم. ) ( فقتل المسلمون مغنيهم وسال دمه في تلك الجفنة وأخذوا أموالهم ، وقتل حرقوص بن النعمان البهراني. ثم أتى أرك فصالحوه، ثم أتى تدمر فتحصن أهله ثم صالحوه، ثم أتى القريتين فقاتلهم فظفر بهم وغنم، وأتى حوارين فقاتل أهلها فهزمهم وقتل وسبى ..  ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل وسبى، وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد. )

10 ـ ابن الأثير إختصر تاريخ الطبرى . وتاريخ الطبرى ملىء بالروايات والتفصيلات . وفى رواياته عن   الردة والفتوحات تتوالى السطور عن قتل آلاف الأسرى وسبى مئات الألوف من الأطفال والنساء من عائلات المقاتلين الذين وقفوا أبطالا يدافعون عن أوطانهم وأهاليهم ، ثم كان خالد يحقن دماء الفلاحين ويجعلهم ( أهل ذمة ) يستغلهم فى الزراعة لصالح قريش .

11 ـ قريش لم تعايش الاسلام سوى سنوات ، وقبل أن تدخل فى الاسلام كان لها تاريخ أسود فى إضطهاد النبى والمسلمين وطردهم من مكة وحربهم فى المدينة ، ثم دخلوا متأخرين فى الاسلام حرصا على مصالحهم بعد أن دخل الناس أفواجا فى دين الله ( السلام بمعنى الاسلام الظاهرى السلوكى ) . وبمجرد موت النبى عاد لقريش نفوذها فى خلافة أبى بكر . وصمم أبوبكر على أن يدفع العرب الزكاة له ، وهى فى عهد النبى عليه السلام كانت تطوعا بحيث أن رب العزة جل وعلا منع النبى أن يأخذ صدقات من المنافقين ( التوبة 53 : 54 )، وكانت العادة فى دولة الاسلام أن تقوم القبيلة بجمع الصدقات وتوزيعها على مستحقيها داخل القبيلة . التغيير الجديد بتعيين حاكم ( خليفة ) وأن يقوم هذا الخليفة بالجباية أثار العرب فإشتعلت حرب الردة ، وتكاتفت قريش فى حرب الردة ، وقادها قرشيون لم تكن لهم سابق صحبة بالنبى محمد عليه السلام . وبإخماد حركة الردة كان لا بد لقريش من توجيه قوة العرب الحربية الى الخارج ، فكانت الفتوحات قادتها قريش ـ دون الأنصار ـ وإستفادت بها قريش دون الجنود العرب ، لذا كانت الفتنة الكبرى حركة مسلحة من الأعراب ضد إستئثار قريش بكنوز البلاد المفتوحة .

12 ـ هذا يتناقض مع الإسلام . وهذا هو الذى طمس تشريع الاسلام فى القتال وفى ( ملك اليمين ) بل وصل الطمس الى تغيير مصطلحات القرآن فى هذا الشأن .

نلتقى غدا بعون الله جل وعلا .  

اجمالي القراءات 11586