لنتدبر آيات الحرب قبل آيات السلام !

نهاد حداد في الأحد ٢٦ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مذ دخلت إلى موقع أهل القرآن ، ومسألة استغلال أصحاب القلوب المريضة لسور مثل التوبة والأنفال تؤرق مضجعي ، و بعد توقفي عن تقديس الأحاديث ، ووضعها جانبا ، اكتشفت مدى تشابه بعضها في ماتدعو إليه ، بالقرآن الكريم ! وهنا يكمن الخطر الأكبر على القرآن وعلى الإسلام ، فحين يأتي أحدهم ، ولغرض في نفس يعقوب ليملي إيديوليجيته السادية الدموية انطلاقا من أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان ، فإن ما يلفت النظر هو تشابهها مع القرآن في المضمون فتتساءل ! لو كان الله سبحانه يريد هذا ، فقد قاله في القرآن ، فهل كان النبي في حاجة لإعادتها بألفاظ أخرى ليقربها من الناس ، علما بأن العرب كانوا يفهمون لغة أصعب من لغة الأحاديث ! وقد أكد القرآن في مواضع عدة على أنه جاء بلسان عربي مبين ! ومعنى هذا أن كل العرب يفهمونه ، عامتهم وخاصتهم ، ولو كان النبي قد فسر القرآن ، لكان لدينا كتاب اسمه التفسير المحمدي ، وليس تفسير القرطبي أو الجلالين أو غيرهم ! كل هذا يجعلنا نتساءل ! كيف أتت بعض الأحاديث شبيهة بالقرآن ، طبعا أنا هنا لا أتحدث عن البلاغة بل عن المضمون !
 لقد كانت المعلقات والأشعار تحمل من الكلام المنمق ومن الذكاء وسرعة البديهة  ومن البلاغة ماهو أصعب من الكلام البسيط الذي عبرت به الأحاديث ، وكان العرب يفهمونها ويحفظونها ويروونها ، فقد كانت قريبة من بيئتهم ، ومستمدة منها ، لذلك ، فالنبي عليه السلام لم يكن يفعل أكثر من أنه كان يتلو آيات ربه ! وحينما كان يُسأل ، كان يجيب بالقرآن وليس بالأحاديث ، فأسلوب القرآن كان مفهوما ، لذلك كان القرآن يجيب على السؤال مباشرة : " ويسألونك عن الروح ، قل الروح من أمر ربي ". وعن الأهلة ، قل هي مواقيت للناس " إلى غيرها من الآيات ! 
لقد كانت قريش أصلا تعير النبي بقولها بأن كلامه قول بشر ، لذلك لم يكن يجيب بأحاديث من تأليفه ، بل من القرآن مباشرة ، ولو أجاب بالأسلوب البسيط الذي جاء فيما يسمى بالسنة القولية لسخرت منه العرب ! لقد كانوا يقولون بأن كلامه من أساطير الأولين ، لذلك ، لم يكن لينفع ردا على هؤلاء بغير بلاغة القرآن ! ولو كان الرد عاديا هكذا مثلا : انتم تقولون لي بان ماأقوله هو أساطير الأولين ، لا إنه ليس كذلك ، ولكن إلاهي هو الذي أملاه علي " . فهل تظنون بأن جملة كهذه كانت خليقة بأن تؤثر في قلوب قرشية وعربية متحجرة ؟ كم من مجنون قال بأنه ليس مجنونا ولم يصدقه أحد ! لذا لم يكن النبي في حاجة إلى نسج أحاديث تدافع عنه ! ولو تكلم رد بغير القرآن لسخروا منه أكثر ولوجد في العرب من هم أكثر بلاغة من لغة الأحاديث وأكثر منطقية ونقاشا لتلك الأحاديث ! لقد تحدث القرآن الكريم كثيرا عن جذال قريش للرسول ! جاذلوه في الآيات ، فهل تظن أيها القارئ بآنهم كانوا سيسكتون عنه في الأحاديث ويتقبلون منه ذلك دون أن تنبس شفاههم ببنت شفة ؟ 
ولا أقل في ذلك من الأحاديث الجنسية الشرهة في كتاب البخاري ! ألم يوجد في قريش ولا في كلب ولا في تغلب ولا بني مرة من يرد ليقول ، محمد يعلمنا كيف نطأ ومتى نطأ نساءنا ؟ أو لم يكن هناك من يرد ليقول ، كيف تحرم علينا مجامعة نساءنا في المحيض ثم تحل ذلك لنفسك و تأتي اليوم فتناقض ربك نزولا عند شهوتك فتأمر نساءك بالاتزار ؟ أو كانت نساؤك كلهن يحضن في نفس الليلة ولم يكن لديك بديل فتبدل إحداهن ليلتها بليلة أخرى عند المحيض ؟ لقد جادلوه في القرآن نفسه، وسألوه عن المحيض ، فهل يناقض نفسه بحديث ، فقد كان في مكة والمدينة من الدهاة من لايتورع عن الرد ، ليقول بأن محمدا يعصى ربه ليطأ نساءه ! لذلك فإني أقول ، بأن الأحاديث الي تناقض القرآن هي سهلة الرفض ، ويسهل على الجميع نفيها لأنها تعارض القرآن ولكن ، ماذا عن الأحاديث التي وُضعت لتشبه القرآن ، وتظهر على أنها تفسره أو تؤكده ، كيف نتخلص منها نحن القرآنيون عندما تتعارض مع دعوتنا للسلم ؟ 
هنا بيت القصيد ! وهنا المعضلة الشائكة ! 
فحديث مثل هذا ، " جئتكم بالذبح " يوافق آية مثل هاته : " فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ " 
أولا يلائم حديث كهذا : عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ.)  آية كهاته :  " فإذا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ". 
نحن  كقرآنيين نحترم الأديان جميعا والناس جميعا وندعو للتآخي والسلام بين كل الناس مهما كان انتماؤهم العرقي والديني أو العقدي ، أولسنا بهذا نناقض القرآن حين يقول : 
  1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ

  2. قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ! 

    أو ليس هذا ما يدفع الشباب والأبناء إلى ترك آبائهم وإخوانهم ودراساتهم أو أعمالهم للالتحاق بداعش ؟ 

    وحين يعادي المسلم الجميع على سطح الكرة الأرضية من يهود أو نصارى فلأن لديه آية كهاته :" 

  3. وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ".

    وحين يأتي الحويني وغيره ليكفر النصارى واليهود فهل سيصدقه الناس هو علما بأن هناك آيات أخرى تكفر اليهود والنصارى أم سيصدقون القرآنيين المسالمين ؟ ومع ان هناك آيات كثيرة أيضا تدعو إلى السلام معهم ، فغاية مايمكن أن يقولوه علينا هو أننا نتبع أهواءنا وشهواتنا ونتبع مانحب ونترك ما نحب ! مع ان كلا من عند الله ! 

    أقول لكم أيها الإخوة ، إن تغليب آيات السلم على آيات القتال أو العكس هو التحدي الكبير الذي يواجهنا وسيواجهنا دوما إذا لم نجد منهجا متكاملا نتعامل به ! هذا مايجب أن يشغل بالنا حاليا كقرآنيين ! أما العبادات والشعائر ، فهي بين العبد وخالقه والصيام لله وهو يجزي به ! أما وجودنا وبقاؤنا ، فهو رهن بإيجاد حلول لما يبدو تناقضا بين السلم والحرب في القرآن ، بين البراء والموالات ، بين العداوة والبغضاء لكل البشر والسلم والتسامح مع كل البشر ! بين المصالحة مع الذات والآخر ، أو الإعلان عن العداء لكل البشر ! 

    منذ سنتين ، ترجمت دستور أهل القرآن ، وقد كان ولله الحمد ، أكثر مقالاتي قراءة ، ومعنى هذا أن الناس تطلع عليه ، ولكننا غلبنا فيه السلم والتسامح والإخاء دون أن نكون قد خرجنا من مآزق تناقضنا مع ما يأخذه أرباب الإرهاب من آيات ، ليخدموا بها ساديتهم ودمويتهم !

     "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ "، أو ليس هذا مايفعله الشاب الإرهابي المسلم في أوروبا وأميكا !  أنه يقاتل من يليه من الكفار؟بموجب قاتلوا الذين يلونكم من الكفار؟

     كل خلايا الإرهاب النائمة مقتنعة بالقرآن حرفيا هكذا ، وإذا لم نقم زباستقراء كل آيات الحرب وتدبرها قبل آيات السلم ، فإن مستقبل السلم مع المسلمين سيظل مجرد شعارات واهية ! وسيظل هناك ، رغم دعوة الإسلام للسلم من يعتمد على آيات الحرب الناسخة لكل شيء ، حتى وإن قضينا على الإرهاب بحرب تبيدهم ولا تذر منهم ، فإن ما سيحدث ، هو عودة الإرهاب تماما كما عاد النازيون الجدد ، والجبهات الوطنية المتطرفة في أوروبا وأمريكا ! وما وصول اليمينيين والمتطرفين إلى أوروبا وآمريكا ، إلا نتاجا لتطرف المسلمين ! وياليت الأمر اقتصر على السلفية الواضحة وداعش في أهدافها ومراميها ، فهم ذيول الأفعى ، أما رأسها فهو الأزهر بلا منازع ! أزهر الوسطية الكاذبة ، الذي مازال يأمل بأن نعود إلى زمن السبايا ونكاح الإماء ، إذا ما فتح الله لنا يوما أبواب إسرائيل وفتح لنا أمريكا فتحا مبينا ! إذ مازالوا يحلمون بالفتح والغنائم والأنفال والخمس. ! ومازالوا يحلمون بأعوام مجاعة وجفاف يأكلون فيها لحوم المسيحيين والمرتدين نيئا ، ومازالوا يحلمون بهدم الكنائس. وعدم بنائها ! بل مازالاوا يحلمون بنكاح الأطفال وعودة خلافات الغلمان والقين ! فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم استفيقي قبل أن ينقضوا عليك كما فعلوا مع ألمانيا وإيطاليا واقتسموا مستعمراتها وثرواتها ، وكما فعلوا باليهود والأرمن والأقليات في العالم كافة ! 

    هذا المقال ، هو دعوة لتدبر كل آيات الحرب قبل السلم في القرآن ، وعندما أقول كل الآيات ، فأنا لا أهذي ، بل أعي تماما ما أقول وأعنيه ! فكل آية حرب أو آية براء أو ولاء ، يجب أن تُتٓدبّر بعمق ، وأن نعقلها كما أمرنا الله عز وجل ، لقد غلبوا آيات الحرب وقاموا بغزو الشعوب واستعبادها ، وهذا حرام ! لا يمكن للبارئ عز وجل أن يحل قتل الأبرياء واستعباد الناس واستحلال أعراضهم ! لذا ، يجب علينا أن ندافع عن الإله العادل الذي نؤمن به ، عن هذا الإله الذي خلق هذا الكون الهائل الخارق وجعل لكل فيه رزقه ، بداية من بكتيريا الخلية الواحدة إلى أقصى وأعظم المجرات ، إن إلها حسب بالملمتر بُعد المجرات عن بعضها كي لاتعدو احداها على الأخرى فيفنى الكون ، لايمكن أن يدعونا إلى إفناء ملايير البشر لنتربع على عرش الكون لنسبي نساءه ونستحل أعراض الناس تماما كما فعل فرعون وتفعل داعش اليوم ! فتعالوا ننطلق من عدالة الإله ، لنصل إلى عدم إمكانية وجود اعتداء على الناس يتعارض مع عدالته عز وجل ! وللنظر فقط إلى هذا الكم الهائل من الحيوانات المختلفة الأشكال والألوان والأنواع ، أليس هذا دليلا على أن الله يريد لكل منها أن تعيش باختلافها ورغم اختلافها ؟ لنتدبر ونتعظ فقد جعل الله في كونه آيات لقوم يتفكرون ! 

اجمالي القراءات 19632