معنى الايمان الحق بالله جل وعلا وباليوم الآخر

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٣ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

معنى الايمان الحق بالله جل وعلا وباليوم الآخر

1 ــ الايمان بالله جل وعلا وباليوم الاخر سلوك عملى صالح ومستمر يتمسك به المتقون من البشر من كل الملل والنحل ، طيلة حياتهم :( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) ( البقرة )( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) المائدة ) . وهم بذلك عند الموت يكونون  أولياء الله جل وعلا  الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) فصلت ) (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) يونس ).

2 ــ هذا السلوك العملى يشمل كل أنواع البر والأخلاق العالية ، وليس مجرد التظاهر بالصلاة والتدين السطحى ، يقول جل وعلا :( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177) ( البقرة ).

3 ـ ولأن الايمان بالله جل وعلا هو موقف عملى فإن الله جل وعلا يعظ المؤمنين  بتطبيق التشريع الالهى على أنفسهم بدافع ذاتى إذا كانوا فعلا يؤمنون بالله واليوم الآخر: (البقرة: (228، 232)(الطلاق (2: 3) . ويدعوهم الى الاحتكام الى كتابه عندما يقع بينهم تنازع ،  إذا كانوا يؤمنون بالله جل وعلا واليوم الآخر: ( النساء  59) ( الأنعام 114 ــ ) ( الشورى 10).

ثانيا : زعم الايمان بالله جل وعلا وباليوم الآخر :

1 ــ الايمان بالله جل وعلا وباليوم الاخر ليس كلمة تقال أو شعارا يُرفع كما يفعل بعض الناس فى كل زمان ومكان ، يقولون آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين ، (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) ( البقرة ).

منهم المرائون بالصدقة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِوَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)البقرة  ) (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنْ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَاءَ قَرِيناً (38) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39) النساء )

كما يتجلى الكفر بالآخرة فى السلوك العاصى للمنافقين والمرائين ومروجى الأحاديث الضالة المنسوبة كذبا لله تعالى ورسوله :( الانعام 112 ، 113)  ( الاعراف  45، 147) (هود 18 : 20) ( ابراهيم 2 : 3 ) ( النحل 19 : 23 )( الزمر 45 )  هم المتكالبون على حطام الدنيا والذين من أجلها يصدون عن سبيل الله جل وعلا يبغونها عوجا ، فالويل لهم : ( وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) ابراهيم ) ، ومنهم الذين يسعون فى الأرض بالفساد يريدون العلو والرئاسة والزعامة ظلما وعدوانا ، وليس لهم فى الآخرة نصيب سوى النار : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) .

الايمان باليوم الآخر والراحة النفسية

1 ـ  بصيغة التأكيد قال جل وعلا للنبى محمد فى حياة النبى محمد (إِنَّكَ مَيِّتٌ ) (30) الزمر ). كل حى مصيره الموت لا محالة. لو كنت فى أزمة وقلت لنفسك ( إنك ميت ) وتصورت الموت ستهون عليك الأزمة . فالتفكير فى حتمية الموت وأن الانسان يسير نحو قبره بسرعة 24 ساعة فى اليوم يجعل أزمات الانسان تتضاءل وتتصاغر . وربما لو فكر الناس حميعا فى الموت لأدركوا عبث التصارع على حُطام الدنيا الزائل لأنه ببساطة هو مجرد حُطام زائل ، ليس فقط لهم بل لورثتهم أيضا ، وأنه من الأفضل أن نعيش هذه الحياة بتوافق وتناغم وسلام وتسامح ، فهذا هو الذى يجلب الراحة النفسية والسعادة الدنيوية ، أما التصارع فهو مرهق للنفس ومضيعة للسعادة ومجلبة للقلق والمرض النفسى والجسدى .

2 ـ ولنتدبر قوله جل وعلا (  لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) غافر )وقوله جل وعلا  (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة ) وقد تكرر كثيرا فى القرآن الكريم . وهذا التكرار وذلك التأكيد لا يلتفت اليه من غرته الحياة الدنيا بزخارفها ، ولذا يسير بهم الزمن الى الموت والخسران ، فلم يقدموا شيئا الى المصير الذى ينتظرهم ، ولم يطيعوا رب العزة الذى هم اليه يرجعون . ثم هى حياة دنيوية واحدة ، بإختبارها وبإبتلائها ، ولا فرصة أخرى غيرها بل إن اليوم الذى يمضى لا يرجع ، وإنما يتم تسجيله فى كتاب أعمالك محملا بعملك . وأنت تركب قطار الحياة السائر دائما الى الأمام لا يتوقف ولا يتعطل ، وستنزل فى محطة موتك لتكون رهين عملك . الذى يتدبر معنى أن مصيره الى رب العزة هو الذى يسعى بالايمان الصادق بأنه لا إله ألا الله وبالعمل الصالح متحسبا لهذا اليوم الآخر ، يحاسب نفسه ، ويرجو رحمة ربه . وإذا أصابته مصيبة عرف أنها مكتوبة أزلا ، ولا فرار منها لأنه لا يصيبنا إلا ما كتب الله جل وعلا لنا . وعرف أن كل آلام الدنيا ليست بشىء مقارنة بدقيقة عذاب فى النار ، فكيف بالخلود فيها . وأن كل متاع الدنيا وزينتها لو حصل عليها بل لو إحتكرها لنفسه بل لو أن كل متاع البشر ميع البشر لو تجمع لشخص واحد فهو لاشىء بلحظة نعيم فى الجنة ، فكيف بالخلود فى الجنة ؟ بهذا التفكير الايجابى فى الآخرة ـ دار العدل الالهى ـ يشعر المؤمن باليوم الآخر بالسعادة والطمأنينية ، كل ما يحدث له من خير أو شر فى هذه الدنيا مقدور عليه ، وهو شىء مؤقت وعرضى ، وله عوض فى هذه الدنيا المتغيرة . أما الذى لا مفر منه ولا بديل عنه فهو اليوم الاخر بما فيه من حساب وثواب وعقاب وخلود فى الجنة أو خلود فى النار .

 أخيرا

1 ـ تفكر فى هذا الكون بمجراته ، إقرأ عن المجرات وما فيها من نجوم وثقوب سوداء وبيضاء ومادة سوداء ، وما فى النجوم من كواكب وأقمار ، و تفكر أن الله جل وعلا خلق هذا الكون وما يتخلله من سبع سماوات وست من الأرضين لكى يختبرنا أينا أحسن عملا .! يقول جل وعلا : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً  ) (7) هود ) ، لذا فإنه بعد أن يتم إختبار كل النفس البشرية وبعد أن تدخل كل نفس بشرية فى جسدها وتأخذ إختبارها ، يدمّر الله جل وعلا هذه السماوات والأرض وما بينهما من مجرات وأفلاك ، ويخلق الله جل وعلا أرضا خالدة وسماوات خالدة ، ويخلق الجنة الخالدة والنار الخالدة ، فهو اليوم ( الآخر ) بعد إنقضاء اليوم الأول (أى هذه الدنيا ) ، وفى هذا اليوم يبرز الناس لرب العالمين ليحاسبهم على ما قدمت أيديهم ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52)ابراهيم )

2 ــ نزل هذا البلاغ إنذارا للناس من 14 قرنا ، ونزل فيه التخويف من قيام الساعة التى إقتربت يقول جل وعلا عن حال آخر جيل من البشر يشهد قيام الساعة : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)الحج  )، ويأتى التأكيد أنه إقترب للناس حسابهم ، ومع ذلك فهم فى غفلة معرضون، يقول جل وعلا : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) الانبياء ) .

3 ـ ومنذ 14 قرنا وهم لا يزالون فى غفلة معرضون ، والسبب فى غفلتهم أنهم لا يؤمنون باليوم الآخر ولا يعملون له . يقول جل وعلا يذكّر ويحذر البشر الذين ألهاهم التكاثر والتصارع والتنافس على حطام الدنيا : (  أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ (2) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ (8) التكاثر )

أحسن الحديث

يقول جل وعلا : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40)  النبأ ).

ودائما : صدق الله العظيم ..

اجمالي القراءات 12534