شخصية المعتصم العباسى
مسلسل الدم فى خلافة المعتصم ( 218 : 227 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢١ - يونيو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مسلسل الدم فى خلافة المعتصم ( 218 : 227 )

شخصية المعتصم

1 ـ المعتصم ( محمد بن هارون الرشيد ) يحتل الرقم 8 ملمحا عجيبا فى حياته:  ( مولود عام 180 ، فى الشهر 8 ، وهو رقم 8 فى الخلفاء العباسيين ، ومات وعمر 48 عاما ، وحكم 8 سنوات و 8 شهور ، وترك ميراثا قدره  8 مليون دينار ذهبا و 8 مليون درهم . وتوفى فى 18 ربيع الأول ، وفتح 8 فتوحات عسكرية ، وله 8 أولاد و 8 بنات . )

 2 ـ وقالوا ( أنه لم تجتمع الملوك بباب أحد قط اجتماعها بباب المعتصم ولا ظفر ملك كظفره : أسر بابك ملك أذربيجان والمازيار ملك طبرستان وباطس ملك عمورية والأفشين ملك أشروسنة وعجيفًا - وهو ملك - وصار إلى بابه ملك فرغانة وملك اسيشاب وملك طخارستان وملك أصبهان وملك الصغد وملك كابل وباطيس ورئيس الزنادقة والأفشين وعجيفًا وقارن وقائد الرافضة ‏.)

3 ـ ( وكان يكتب كتابًا ضعيفًا ويقرأ قراءة ضعيفة ‏.) كشأن معظم ملوك الأسرة السعودية فى عصرنا .

4 ـ حبُّه للمال :  فى عام 221  أخذ المعتصم من وزيره الفضل بن مروان ما قيمته عشرة آلاف ألف دينار .بسبب وشاية .  ومع هذا كان بخيلا ، فقد كان يشتهى جارية يملكها النخّاس محمود الوراق ، فطلب المعتصم شراءها ، وعرف النخاس رغبة المعتصم فيها فطلب ثمنا لها سبعة آلاف دينار فامتنع المعتصم من شرائها . وانتظر المعتصم حتى مات محمود الوراق النخاس ،  فلما مات تم عرض تركته للبيع ومنها تلك الجارية التى يهواها المعتصم، فإشتراها المعتصم بسبعمائة دينار فقط . وتباهى المعتصم بهذا أمام الجارية حين جىء بها اليه . تقول الرواية (  فلما دخلت عليه قال لها‏:‏ كيف رأيت تركتك حتى اشتريتك من سبعة آلاف دينار بسبعمائة ؟ قالت‏:‏ " أجل، إذا كان الخليفة ينتظر بشهواته المواريث فإن سبعين دينارًا كثيرة في ثمني فضلًا عن سبعمائة".  فأخجلته ‏. . )

5 ـ  شهد المعتصم الحروب الأهلية بين أخويه ( الأمين والمأمون ) ولم يكن يستريح الى الفرس والعرب وهما معا عصب الجيش العباسى . لذا أحدث المعتصم تغييرا خطيرا فى بنية الجيش العباسى الذى تأثر بالمنافسة والصراع بين نوعى الجنود ( العرب والفرس ) ، وهما معا كانا أساس القلاقل فى صراع ( الأمين والمأمون ) . جاء المعتصم فقام بتجنيد عناصر عربية جديدة أتى بهم من أعراب مصر الذين كانوا يعيشون فى ( الحوف الشرقى : محافظة الشرقية الآن ) وسماهم المعتصم ( المغاربة ) وقام بتجنيد عناصر آسيوية من الشرق ، من سمرقند، وأشروسنة، وفرغانة، وسماهم الفراغنة. ومع ذلك فلم يأمنهم على نفسه فإستكثر من شراء وإستقدام الأتراك وجعلهم حرسا له واسكنهم معه فى بغداد . ثم ترك المعتصم بغداد وأسّس عاصمة جديدة هى (سامرا ) أو ( سُرّ من رأى ) بدأ البناء فيها فى عام 221 ، وكان السبب أن بغداد ضاقت بغلمانه الأتراك ، هذا مع خوفه من بقية جيشه أن يهاجموه هو وغلمانه الأتراك ، فرآى أن يقيم لهم مدينة جدية يتقوى بهم إذا حدث ( إنقلاب عسكرى ) عليه من المغاربة و الفراغنة ، ثم إن غلمانه الأتراك كانوا همجيين ، يركضون فى شوارع بغداد بخيولهم فيقتلون المارّة من الأطفال والنساء فينتقم منهم اهل بغداد بالقتل إغتيالا . وشكى بعضهم للمعتصم وهو فى موكبه ، فعجّل بالبحث عن عاصمة جديدة تتسع لجنده الأتراك .

5 ـ وبعد أن إستقر المعتصم بأتراكه فى سامرا ، ظل فى قلق من خروج بقية الجيش عليه ، وتشكك فى  القادة العرب والفرس، وأراد الفتك بهم خصوصا بعد الانتصارات التى حققوها له . وإستغل وشاية وصلت له عن تآمر ابن أخيه العباس ابن المأمون فعصف بمن يخشى منهم من القادة وكان هذا عام 223 ، تقول الرواية : (وتتبع المعتصم أولئك القواد فأخذوا جميعًا ، وكان منهم أحمد بن الخليل فأمر به أن يحمل على بغل بإكاف بلا وطاء ويطرح في الشمس إذا نزل ويطعم كل يوم رغيفًا واحدًا،  وكان منهم عجيف فدُفع إلى إيتاخ ( القائد التركى ) فعلق عليه حديدًا كثيرًا ، فلما نزل العباس ( ابن المأمون ) منبج - وكان العباس جائعًا - سأل الطعام فقدم إليه فأكل فلما طلب الماء منع وأدرج في مسح فمات فيه بمنبج،  وكذلك عجيف قدم إليه الطعام ومنع الماء فمات ، وأهلك كل واحد من القوم . ) .( وتتبع المعتصم أولئك القواد، وكانوا يُحملون في الطريق على بغال بلا وطاء، وأخذ أيضاً الشاه بن سهل، وهومن أهل خراسان، فقال له المعتصم: يابن الزاني! أحسنت إليك فلم تشكر؛ فقال: ابن الزانية هذأ، وأومأ إلى العباس، وكان حاضرأ ، لوتركني ما كنت الساعة تقدر أن تجلس هذا المجلس، وتقول هذا الكلام! فأمر به فضربت عنقه، وهوأول من قتل منهم، ودفع العباس ( ابن المأمون ) إلى الأفشين.فلما نزل منبج طلب العباس بن المأمون الطعام، فقدم إليه طعام كثير، فأكل ومنع الماء، وأدرج في مسح، فمات بمنبج، وصلى عليه بعض إخوته.وأما عمر الفرغاني فلما وصل المعتصم إلى نصيبين حفر له بئرأ،  وألقاه فيها وطمها عليه.وأما عجيف فمات بباعيناثا من بلد الموصل، وقيل بل أطعم طعاماً كثيرأ، ومنع الماء، حتى مات بباعيناثا.وتتبع جميعهم، فلم يمض عليهم إلا أيام قلائل حتى ماتوا جميعاً، ووصل المعتصم إلى سامرا سالمأ ،  فسمى العباس ( ابن المأمون ) يومئذ اللعين، وأخذ أولاد المأمون من سندس، فحبسهم في داره حتى ماتوا بعد. ).

 تخلص المعتصم من عجيف بعد أن خدمه عجيف وهزم ( الزُّط ) ، وبهذا تصدر الأتراك جيش المعتصم ، ، ثم فيما بعد تخلص من قائده الافشين بعد أن قضى له الأفشين على الثائر بابك الخرمى . وسنعرض لهذا فيما بعد .

6 ـ كما تخلص المعتصم من منافسة العباس بن المأمون ، بل وحبس أبناء المأمون الذين لا يثق بهم حتى ماتوا ، كل هذا حتى يأمن وصول الخلافة لابنه هارون الواثق بلا قلاقل . والواقع أن كل الخلفاء  العباسيين اللاحقين كانوا من ذرية المعتصم ابن الرشيد .

7 ـ على أن المعتصم لم يهنأ طويى بالخلافة إذ سرعان ما مات فجأة عام 227 بعد حكم قصير (8 سنوات ) وكان عمره 48 عاما فقط . مات المعتصم فجأة بعد الاحتجام ، وهو فصد للدم كان من وسائل العلاج فى العصور الوسطى ، وكان أيضا طريقة مُثلى فى الاغتيال بمشرط جراحة مسموم أو تسميم الجرح . تقول الرواية ( وفي هذه السنة توفي المعتصم أبوإسحاق محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الأول، وكان بدء عليته أنه احتجم أول يوم في المحرم، واعتل عندها.) .

وعندما أحسّ بدنو أجله ركب سفينة فى دجله وأمر ( الزمار ) أى الموسيقى الذى يعزف على المزمار أن يغنى له شعرا حزينا ، تقول الرواية ( قال زنام الزامر: أفاق المعتصم في علته التي مات فيهأ، فركب في الزلال في دجلة، وأنا معه، فمر بإزاء منازله، فقال: يا زنام ازمر لى ....قال: فما زلت أزمر له هذا الصوت، وأكرره، وقد تناول منديلاً بين يديه، فما زال يبكي فيه، وينتحب، حتى رجع إلى منزله.ولما احتضر المعتصم جعل يقول: " ذهبت الحيل، ليست حيلة.! "، حتى صمت، ثم مات . ) .

 8 ـ جنى المعتصم على اولاده الآتين بعده ، إذ أن الأتراك وقد صاروا جُند الخلافة ما لبثوا أن تلاعبوا بالخلفاء العباسيين ، يعزلون هذا ويولون ذاك ، ويقتلون من يعزلون من الخلفاء ، وقد يسملون أعينهم ( إحراق العينين بحديد محمى ) .

وربما أدرك المعتصم خطر الأتراك قبيل موته الغامض . يروى إسحاق بن إبراهيم المصعبي أن المعتصم قال له فى لحظة صفاء وصداقة   : (  يا إسحاق إن في قلبي أمراً أنا مفكر فيه منذ مدة طويلة.. نظرت إلى أخي المأمون وقد اصطنع أربعة،  قلت: ومن الذين اصطنعهم المأمون؟ قال: طاهر بن الحسين، فقد رأيت وسمعت، وابنه عبد الله بن طاهر، فهوالرجل الذي لم ير مثله، وأنت، فأنت والله الرجل الذي لا يعتاض السلطان عنك أبداً، وأخوك محمد بن إبراهيم.! وأنا فاصطنعت الأفشين، فقد رأيت إلى ما صار أمره، وأشناس ففشل، وإيتاخ فلا شيء، ووصيفاً فلا معنى فيه.فقلت: أجيب على أمان من غضبك؟ قال: نعم! قلت له: يا أمير المؤمنين ، نظر أخوك إلى الأصول فاستعملهأ  فأنجبت، واستعمل أمير المؤمنين فروعأ،  فلم تنجب ،إذ لا أصول لها.فقال: يا أبا إسحاق، لمقاساة ما مرّ بي طول هذه المدة أيسر علي من هذا الجواب.) . المعنى أن المأمون إستعان بالأحرار ( أولاد الأصول ) من الفرس والعرب ، أما المعتصم فقد إستعان بالغلمان الأتراك ( الذين لا أصل لهم ) .

9 ـ وقيل فى وصف شخصية المعتصم : ( إنه كان لا يبالي إذا غضب من قتل، وما فعل،) . نتوقف مع مسلسل الدم فى خلافة المعتصم . 

اجمالي القراءات 11406