الأخلاق أولا ثم العبادة - الجزء الثانى
مقدمة :
فى الجزء الأول تكلمنا على أن الأخلاق ٌقبل العبادة أو بمعنى آخر قبل إفعل ولا تفعل ، وذلك حسب تسلسل نزول الوحى. فخاطب الله سبحانه النفوس الذى خلقت قبل الأجساد ووضع فيها حاسية التعرف على الفجور أو التقوى وهذا دليل على أن الله سبحانه أودع فى النفس أخلاقيات ومبادئ يريدها الله سبحانه من عباده حتى يمكنهم تنفيذ أوامر وأحكام الهدى الذى جاء بعد ذلك ليستحقوا الفوز بالجنة.
نتيجة لذلك فعلينا أن نقوم بعملية تغير فى حياتنا العامة والخاصة ونعود إلى أخلاقيات القرءآن الكريم لعل وعسي أن نصل إلى مرحلة التقوى ثم الفلاح. لذلك وضع الله سبحانه تعاليم وإرشادات ونصائح لهذا التغير وكيف يتم على ارض الواقع وهذا هو موضوعنا اليوم فى هذا الجزء.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الشورى وأيضا فى سورة يونس :
وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " الشورى 24"
وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " يونس 82"
قانون التغيير فى كتاب الله و كلماته التى يمح بها الباطل وبها يحق الحق :
إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حـتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" الرعد11
ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَـوْمٍ حَـتّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " الانفال 53
أنظر فى كلمات الله البيناتماذا قال" يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " قلنا سابقا أن الله سبحانه يخاطب النفس فى كتابه الكريم والنفس التى ألهمها فجورها وتقواها ، فلابد أن التغير يبدأ فى النفس أولا ثم يتبعها حركات وأفعال الجسد حين نبدأ فى تنفيذ إفعل ولا تفعل وأداء الفرائض والواجبات والشعائر وما إلى ذلك. فهل هناك شروط لكى يتم التغيير الذى يرضاه الله سبحانه ... من هنا يجب أن ندخل على كتاب الله تعالى للبحث عن إجابة لهذا السؤال. قبل الدخول على كتاب الله السميع العليم دعنا نوضح شيئا من الأمر:
إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حـتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ... فمن هم القوم المقصود به فى هذه الآية ... فلنقرأ فى سورة الحجرات آية 11
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نساء مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ.... " الحجرات 11
فحسب فهمى المتواضع أن كلمة ما بقوم فى هذا المجال هم رجال (هذا لا يعنى تقليل من أهمية دور المرأة على الإطلاق)، رجال الأمة أو المجتمع والذى منهم ما يسموا أنفسهم رجال الدين أو رجال الكهنوت المغضوب عليهم والمسؤلون عن ضلال الناس بالإقتراء على الله ورسوله.
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) (سورة هود 18 - 19
هل المسلمون اليوم غيروا ما بأنفسهم ، وإن كان كذلك فما هو التغير الذى قاموا به.... كذَّبوا بآيات الله وأضلهم رجال النقل بدون عقل واصبحت الأمة المسلمة فى معظمها منبوذة من معظم دول العالم لما بدا من بعضهم تصرفات وافعال لم ينزل الله بها من سلطان. الفرد المسلم مسؤول أولا ثم هذا الكهنوت الذى كذب بآيات الله وعصى الله سبحانه وهو يشعر أنه رجل دين يحافظ على دين الله ويرشد أبناء هذه الأمة إلى الهدى .... سبحان الله على الكذب والإفتراءات وخداع الناس . لآ ألومه بالدرجة الأولى ولكن كما قلت سابقا أن كل منا مسؤول وكل منا سيقابل ربه فردا ويقرأ كتابه بنفسه ... فماذا فعل هذا المسلم... سمع وإتبع ولم يتحقق من صحة ما وصل إليه وصدَّق هذا الكهنوت عميانا ولم يقم بمسؤليته ليتحقق مما سمعه هل هو يرضى الله سبحانه أم هو كذب وإفتراء على الله ورسوله.
إن الله سبحانه وتعالى يعلمنا دروسا ومواعظ وحكم مستخدما رسوله الكريم حتى نتعظ ونتقدم لمن شاء أن يتقدم فقال له بعض الإرشادات فقال :
فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِّلْكَافِرِينَ{86} وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ القصص87
وتابع الله سبحانه إرشادات وتحذيرات للرسول عليه السلام فقال ايضا: وعد الله ، إن الله لا يخلف وعده ،
وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 112
والنتيجة....وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ " هود 113
لقد غير المسلمون أنفسهم إلى ما لا يرضى الله ورسوله لذلك غير الله سبحانه أوضاعهم إلى النقيض فلنقرأ فى سورة النور:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " النور55-65
وعد الله ، إن الله لا يخلف وعده ، وعد مشروط استحقه الذين آمنوا وعملوا الصالحات طالما ظلوا يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئا ..
أما اليوم بل منذ قرون ، فمن بعد أن كانوا مستخلَفين في الأرض صاروا مستعبَدين .. ومِن بعد أن كان دينُهم الذي ارتضى اللهُ لهم مُمكّنا له صار دينهم الذي زوّروه ، فلم يعد يرتضيه الله ، ومِن بعد أن بدّلهم الله من بعد خوفهم أمنا صاروا مُبدَّلين خوفا.
قد غيّر المسلمون ما بأنفسهم فكرا وسلوكا،وثقافة مسيطـرة ظلت تُحركُهم وتهوي بهم إلى هذا المكان السحيق ، فاستحقوا ان يُغير اللهُ ما بهم إلى هذه الأوضاع المخزية . لقد طال عليهم الامـد واصبحوا خدما وعبيدا للاخَرين .
لن يكون تغييرٌ إلاّ حسب قانونِ الله في التغيير...
" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ،وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ " الرعد 11
في آية الرعد هذه ، يبيّن الله سبحانه للمصلحين دعاةِ التغيير الأساسَى السِّلمي مضمونَ النتائج لتغيير حالة المجتمع ، تحذيرا لهم وللناس من أنْ يضلوا إذا غفلوا عن بيان الله " يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " النساء 176.
لهذا لن يتغير شيء في أوضاع المسلمين طالما بقيتُم هاجرين للقرآنِ و كلماتِ الله وبقيتْ صلاتكم وخُطب جُمعكم الخرافية تتسمُ بالزعيق والغوغائية حتى لو شهدتمْ مئاتِ الانقلابات وقمتم بمئات الإضرابات والمظاهرات والمسيرات والانتفاضات والثورات ، وأُجرِيتْ لكم مئاتُ الانتخابات الهزلية وأجريتم على التعليم والامتحانات مئاتِ التغييرات الشكلية.
فى القرءآن الكريم عشراتُ بل مئات الايات التي تبين سوء مصير المُعرضين عن الذكر 123-127/طه , والهاجرين للقرءان الكريم 27–31/الفرقان ، والمنسلخين من ايات الله 175/الأعراف ، والذين يستبدلون بها لهْوَ الحديث 6-7/لقمان .. الذين وصفهم الله سبحانه بأنهم مُكذبون وظالمون وأنهم مجرمون مستحقون للعذاب الاليم ، خاصة وأن المسلمين حُذروا مُقدّما مما وقع فيه مَن قبلهم وأُنذروا بسوء العاقبة فلم يعتبروا:
" قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) (سورة آل عمران 137 - 138
ويقول أيضا : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37) } (سورة النحل 36 - 37
لما زاغ المسلمون ، كالذين من قبلهم " أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " الصف 5، واضلّهم حتى صار القرءان عندهم طلاسم واكثرُه منسوخ بالأحاديث وحمّالُ أوجه لا يصلح للاستدلال به وكأنه كتاب اعجمي لا يستطيع حتى العرب ان يفهموه او يعقلوا اياته.
" وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نفورا" الإسراء46
نكتفى بهذا القدر ونلتقى بإذن الله تعالى مع الجزء الثالث وإن كان فى العمر بقية...