حوار بين الرئيس السيسي و .. بيني!
في واحدٍ من حواراتي المتخَيــَـلَةِ والتي تضاهي في الخيالَ أكثر صور الواقعيةِ وضوحـًـا، كادتْ أناملي تشتعل فوق الكي بورد عندما سرىَ جهازي العصبي في كل مسامات جسدي، فخرج الحوارُ كالآتــي، بعدما كاد الرئيسُ يُعيد المسافةَ الضوئية بينه وبيني ليقول وهل أذنت أنا لك بالحديث؟ لكنه استمر في الاقتراب مني، وعــَـدَل نظارتَه السوداءَ القاتمة فلم أتبيـّـن عينيه، فالعينان نصفُ الحديث، وثلثُ الحسم، ورُبعُ الخجل، وثُمـْـنُ الوعيد، وسُدسُ الترهيب:
الرئيس: أراك واجمًا كأنَّ عِفريتـًـا ربط لسانـــَـك بشجرة جـِـمّيز، ألمْ تتوقع تحليلاتـُـك في أربعين عامـًـا تلك العلاقةَ الطبيعيةَ بين الآلهةِ والشعب، بين السُلطةِ والرعـيــّـةِ، بين القصرِ والكوخِ، بين الكبير والصغار؟
ألم تقمْ بتأييدي، والتعاطفِ معي رغم أنفِ كل أصدقائك الذين ناهضوا حُكـْـمي، بل إنَّ كتابـَـك السادسَ عشر والمعنونَ بـ ( لماذا يكرهون مصر؟) كان إهداءً لي، أرسلتـَـه مع خمسة كتب أخرى من مؤلفاتـِـك فبدا الأمرُ بصمةَ تأييدٍ علىَ ورقةٍ بيضاءَ ساطع سطحُها تُسرّ الطامعين؟
أنا: هذه مغالطة، سيدي الرئيس، فلم أكتب مقالاً منذ أنْ توليـّـتَ أنتَ الحُكْمَ دون وضع شروط شرَفية للتأييد والتعاطف بين ثناياه، وأنا لم يكن أمامي طريقٌ آخر، فقد انتقدت السادات، وناهضت مبارك، واعترضت علىَ المشير، وعارضت محمد مرسي ومُريديه قبل وصولـِـهم إلىَ الإتحادية وخلال عام البؤس الأِخواني وبعد إطاحتك بهم، ثم جئت أنت في أيام إزاحة الجماعة، فإذا كنتُ قد عارضتُ،يوليوئذٍ، فلم يكن ليُصــَـدّقني أحدٌ، وسيظنونني رضعت المعارضةَ بُعيـّـد مولدي.
كنتُ أكثرَ الناس فرحـًـا بانفصال المُقطــَّـم عن الاتحادية، ولم أرَ في محمد مرسي شرعيةً فصندوقُ الانتخابات في العالم الثالث أكذب من إبليس، والترشح والترشيح باسم السماءِ لا يختلف عن أوراق "بنما"، ودخولُ الجماعات الدينية قصر الرئاسة كالسماح لأحفاد إيلي كوهين بكتابة الدستور المصري.
أعارضك الآن، لكنني أعرف أنه لم يكن إنقلابـًـا، فملايين المصريين خرجوا يستجدون، ويتوسلون، ويرجون القوات المسلحة أن تقوم بتخليصهم من مرسي ومرشده وجماعته ومُقطـَّـمـِـه.
لم أندم لحظة واحدة علىَ تعاطفي معك، لكنني لن أندم علىَ قطع رحم هذا التعاطف، فأنت الذي قطعته، واخترتَ طريقاً معاكساً تماما لجُل أحلامي وآمالي وتمنياتي.
الرئيس: وهل ذهب بك الظن أنني أكترث بك أو بغيرك؟ هل سمعت أنني غضبت لظلم أو أمرت بإخراج تلاميذ من السجون والمعتقلات؟ هل تخيلتني وقد دافعت عن إسلام بحيري أو فاطمة ناعوت؟ لقد قام الشعب بثورة رفعت مصر مئة ميل إلى السماء، وخسفت بمبارك ورجاله مئة مثلها تحت الأرض، ومع ذلك فقد تمـَّـت تبرئته أمام عيني التي كنتم أنتم، وفقا لأدبياتي، نورَها!
هل تناهىَ إلىَ سمعك صهيل غضبي وطفل مصري مازال رحم أمه دافئـا بعد سقوطه إلى عالم الظلم، فوقف أمام قضاة ومستشارين ليحكموا عليه بالسجن، واليـُـتم المجتمعي؟
أنا الذي اخترت أصحاب القلم والحنجرة لتأييدي، ويتساوى هذا مع اختيارهم لي، فلم أوافق ولم أعترض، فمن يدخل القصر لا يسمع ما يحدث خارجه.
أنا: حزين أنا من أجلك فقد أتيحت لك الفرصة أن تقفز للصفحات الأولى في كتب التاريخ، لكنك لم تزل في دهشة السلطة، فلم تعُدْ تسمع إلا صوت نفسك، ولم تأذن لأحدٍ أنْ يرفع رأسَه في حضرتك، بل إنك أتيت بـِـثــُـلةٍ من المثقفين والإعلاميين والنواب والمسؤولين لتشرح لهم حديث الجزيرتين، المصرسعوديتين، فلما همّوا بالاستفسار أسكتـَّـهم، فأنت الأول والآخر، و ( لا تسمعوا لأحدٍ غيري)!
هل هذا يعني أنني أتعاطف مع الرابعيين والصفراويين وأيمن نور والبرادعي وحمدين صباحي وأبي الفتوح وأبي اسماعيل وأبي إسلام وردحيات ( وطن ) و( الشرق ) و( مكملين) وغيرهم؟
معاذ الله أنْ أكون من الجاهلين، واعتصام رابعة كان استفزازًا، وتهديداً، ووعيداً، وبلطجة، واحتلالا لمنطقة سكنية، ومحاولة خبيثة للتضحية بالنساء والأطفال أمام العالم كله، والمنصّة كان فوقها قرود تتراقص، وإرهابيون يتبادلون الميكروفونات استعدادا لمعركة مع الجيش، ورفضا لكل صور فضّ الاعتصام، ومحاولة صريحة لجمع إرهابيي الجماعات الدينية لإنهاء سطوة وسلطة القوات المسلحة، والقتلة كانوا هم المنصّيين الذين خططوا لرواندا مصرية تقوم فوق ركامها دولة الخلافة.
وأنا عدتُ للمربع الطاهر، رغم أنَّ روحي لم تغادره قط، إنه ميدانُ التحرير الذي كان قــِـبْلــَةَ المصريين في ثمانية عشر يومـًـا، وأطهرَ بقاع وادي النيل.
في أشدّ عهود الاستبدادِ طــُـغيانـًـا سُمـِـحَ للغاضبين بالتنفيس في مظاهرات يهدأ بعدها الشارعُ، وفي عهدك يُحـْـكـَـم بالسجن عدة سنوات على المتظاهر الذي لم يتمكن عقله من استيعاب عبقريتك في قضية الجزيرتين، فقد خالفـَـك في " لا تسمعوا لأحدٍ غيري"، وعرف كيم يونج أون أنَّ زعيمـًـا مصريا تفوَّق عليه!
الرئيس: في تراثـِـنا" إنما يبكي علىَ الحبِ النساءُ" وقد فوضتموني لما بقيَ من عُمري، وهو عقدٌ لا رجعة فيه.
لن يعود لكم قرشٌ واحدٌ من مليارات هرَّبـَـها مبارك وأعوانُه وحيتانـُـه، ولن أردّ علىَ طلبٍ من سويسرا أو أمريكا أو بريطانيا في توسلاتهم من أجل إعادة منهوبات شعبنا.
لن يرتفع إصبعٌ لي بالاحتجاج إذا أصدر القضاءُ أحكامـًـا بالإعدام علىَ مئات أو آلاف أو ملايين أو الشعب كله في دقائق معدودة.
تنتظر مني مشروعا قوميـّـا في التعليم والاقتصاد والطب والعلاج المجاني وتنظيف الوطن من النفايات والنيل العظيم من المخلفات..
تنتظر مني مشروعـًـا قوميـّـاً في القراءة والأدب والتطور والتحضر والنهضة والغلاء لتصبح الأسعار في متناول الطبقة تحت المتوسطة..
تنتظر مني أمرًا بجمع علماء ومثقفين وخبراء وقانونيين وحقوقيين في مؤتمر لإعادة سنّ قوانين لا يمر منها ريح فساد أو أنفاس غش أو زفير تحايل ..
تنتظر مني محاكمةَ قنـَّـاصة العيون والقـَـتـَـلة وساديي التعذيب وتجار المخدرات والأراضي والعقارات ..
تنتظر مني ذوقا رفيعا في شتـــّـىَ مناحي الحياة وكل ما تقع عليه عيون المصريين ..
تنتظر مني جعلَ الشرطة في خدمة الشعب، وإعادة صناعة الكرامة، ليرفع المصري رأسَه حتى وهو يواجه أشدَّ التـُـهَم عقوبة..
تنتظر مني أن أستمع إلى الشعب، وأختص لنفسي بأرفع الكفاءات، وأجعل منصب وزير ومحافظ مقتصرًا علىَ الرسل والأنبياء والمصلحين، أعني من يتمثلون بهم ويماثلونهم ..
تنتظر مني مشروعا قوميا يسرق سيـَـاح مئة وثلاثين مدينة في حوض البحر المتوسط، وأجعل مصر وِجهـَـتـَـهم الوحيدة ..
تنتظر مني دعما معنويا وحقيقيا وملموسا لقوى الاستنارة الدينية بدلا من حرية برهامي مقابل زنزانة لفاطمة ناعوت..
تنتظر مني حديثا أدبيا، وشعريـًـا، وثقافيا، وعلميا، وإجتماعيا، وتربويا، فإذا بي أحدثك عن قبضة الجيش وقدرة العسكر، وأنني الوحيد المسموح لكم بالإنصات إليه، والتعلـّـم منه.
أنا: لماذا حشرت الملائكةَ الينايريين في أقبية السجون، وأعدت للصِّ القرن وولديه المالَ والكرامة والحرية؟
لماذا تركت الإعلامَ ينهش أبناءَك شبابَ مصر الذي ثار علىَ صمت الآباء، ولولا هؤلاء الأنبياء الصغار ما كان للكبار أن يهنئوا بيوم واحد، وجاءوا بك إلى القصر، ورفعوك فوق أعناقهم، فزعمت أنك لا تراهم.
لماذا خسرتَ الرهان على الشعب وبين يديك كل الأوراق السليمة والصحيحة، فلعبتَ بأوراق مهلهلة نفرَ منها إبليس طوال ثلاثين عاماً.
الرئيس: حتى لو لم يكن لديَّ ما أقدمه، فشعبنا سيصفق لي لأن البديلَ قبيح ومُزايد دينيــًـا وسليطُ القلب واللسان، ووضيعُ الخُلــُـق والروح، وكوهينيُّ الفكر والنفس.
نعم، أنا قلت حُلْوَ الكلام عن تجديد الخطاب الديني، وابتسمت لدعاة الخطاب الطائفي.
هل تتوقع مني حُســْـنَ اختيار مسؤول أو محافظ أو وزير؟
انظر إلى كل الذين خرجوا بفضيحة فسادٍ، فأعادهم عهدي. وكل الذي فضحوا الفسادَ، فاستبدلت بهم الذين هُمْ أدنىَ.
غريبٌ أنك لم تلاحظ سوطي اللاسعَ خلف صوتي الناعمِ، ولم تستوعب إنشاء مصنع جديد في الرئاسة للعبودية، فكل عهد له مصانعه، منها ما يقطع، ومنها ما يُعـَـلـّـب، ومنها ما يحشر العبيدَ سردينيًا حتى لو انتهت مُدة صلاحيتهم.
عندما أستعيد تفاصيل مشهد وجودي في كل يوم منذ المجلس العسكري إلى " هل أنا أذنت لكَ بالحديث" أضرب كفاً بكتفٍ فتطير صقورٌ ونسورٌ ونجومٌ مُحـَـلـّـقـَـةً فوق الشعب مثلما يصل صوتُ قائد معسكر التدريب إلىَ جنود ريفيين بسطاء في يومهم الأول وهم يرتعشون.
هل رأيت رئيسَ مجلس النواب وهو يقرأ، بلغة مريضة، كلمة تتقافز، وتتقاذف، وتتناثر حروفها رعبـًا رغم أنه كان يرحب بي؟
هل رأيت شبابا صغارَ وأطفالا يُساقون إلىَ أقبية السجون بعد الحُكم عليهم وهم لم يخرجوا بعد من جلباب الأب و..أحضان الأم؟
سويسرا وبنما وقبرص وبريطانيا وغيرها تكاد تركع لي كما فعلتْ مع المشير طنطاوي ومع المعزول مرسي لنطالب باسترداد أموال الشعب المصري المنهوبة، لكنه اتفاق الجنتلمان الذي احترَمَه كلُّ مَنْ جاء بعد الطاغية المخلوع، لا حقَّ للشعبِ في الأموال المهربة!
أنا: وهل أنت رأيت انحسار مؤيديك وأحبابك وعاشقيك، فتقزّموا، وصغروا، وانكمشوا، وانفرطوا، وكلٌّ منهم يريد أنْ يُصلي بعد العشاءِ الأخير في ميدان التحرير، ويأخذ معه هلالـَـه أو صليـَـبه، قرآنـَـه أو إنجيلــَـه؟
في عهدك القصير انفجرت، وتوسَّعتْ، وتحيّـتـَـنَتْ، الدولة المِزاجية في كل مناحي الحياة، كلُ مصري يفعل ما يشاء له هواه، فيرصّ ويركن سيارتـَـه فوق الرصيف، ويدهن بيتـَـه أو نصفه كعروس المولد، ويرفع دعوىَ قضائية ضد شخص ليس له به معرفة في موضوع لا يروق له ولو كان جُملة في حوار تلفزيوني، أو بيت شعر، أو تفسيرا ينزل غضبا على دواعش مصر، وهكذا دواليك، فالدولة غائبة لكنها تأتي علىَ عجل إذا اقترب أحدٌ من السلطة.
في عهدك القصير أعطيتَ الضوءَ الأخضرَ، ولو بالصمتِ، لتحتل الشاشةَ الصغيرةَ وجوهٌ وألـْـسـِـنـَـةٌ شعيراتها أعجمية وقد شرَّعَتْ لغةَ الشوارع، وحَشَتْ، وحشـَّـشـَـتْ، وخربشت لغتــَـنا الجميلة بمفرداتٍ يلطم منها المعجم، فهي مصنوعةٌ في المقاهي والسراديب والخرابات وسباب الشبحطجية.
في عهدك القصير ارتفعت ألسنةُ اللهب في سماء محافظات مصر، وكلما شبَّ حريقٌ، التهمت النيرانُ غيرَه، وبحثتُ عنك طويلا في كل شبر من محرقة الوطن فلم أعثر لك علىَ أثر!
في عهدك القصير بحثتُ عن أحبابـِـنا .. شركاء الوطن، فوجدت خطوطــًـا حمراءَ مرسومة أمامهم في المناصب الكبيرة والحسـَّـاسة والسيادية، فالسياسةُ الجديدة امتدادٌ للإهمال القديم، والقبطي مواطنٌ من الدرجة العاشرة، وهي تعليمات السلفيين والدواعش، حتى لو عانقك كل الأقباط في الكاتدرائية، فتسعة من كل عشرة أقباط وقفوا معك وخلفك وناصروك، فأصرَّ حزبُ النور أنَّ تهنئتك لهم مخالفةٌ لأصول الدين، فاحتل السلفيون قلبـَـك، واكتفىَ الأقباطُ بصمتـِـك!
هل رأيتَ رجلا يتغزل في فتاة ملائكية، يرسم الحادي عشر من فبراير تقاطيعَ وجهها الجميلِ، فلما ابتسمتْ له جرىَ خلف عجوز شوهاء تسير بصحبة شيطان عن اليمين و.. عزرائيل عن الشمال؟
والذي نفسي بيده لو إنَّ هناك معارضةً لك تستحق إرثَ يناير لما تأخرتُ عن الانضمام لها، وتقبيل رأس كل واحدٍ فيها، ولكن أكثرَ المعارضين مُرْسـِـيـّـو الروح ولو كانوا في أقصىَ اليسار أو من نسل لينين وبول بوت و..أنور خوجة!
لذا فلا مفرَّ من إنشاء جبهة خاصة بي لا تقبل عضوية أحد غيري حتى لو لم تُحرّك ورقة خريفٍ سقطتْ لتوّها!
ما فائدة رفع قبضتــِـك هاتفــًــا: تحيا مصر، في الوقت الذي تُعيد للمخلوع مكانــَـه، وللفكر المتطرفِ هرّاوتــَـه من فوق منصـّـة القضاء؟
أحيانا أشك في قدراتي العقلية وأنا أتابع شفتيك وهما تتحركان فلا أفهم شيئـًـا، وربما كان السببُ هو تصوري المُسْبــَــق عن الزعيم الحُلم.
كلنا خائفون وعبيدٌ وطوع بنانك، لذا لم يقل أيٌّ منــّـا لكَ إنَّ مصر كبيرةٌ عليك، بل لو نزل عليها من السماءِ نبيٌّ أو رسولٌ فربما تكون أيضـًـا كبيرةَ عليه، و.. اللهُ أعلم!
آليةُ صناعة القرار في القصر تحتاج إلىَ عقول الدنيا كلها تجتمع، وتحلل، وتشرح، وتُفســِّـر، ثم تنتهي إلى الموت ضحكـًـا أو.. الموت حــُـزنـًا!
المعارضة الحمقاء بجناحيها، التركي والقــَــطَري، والمفتوحة لها فضائيات يتسـَـمَّر أمامها البلهاءُ هي التي منحـَـتك قوةَ الاستمرار، وشعاراتها ضغيبٌ وفحيحٌ وخوار، وكلما استضاف طاووسٌ أرنبـًــا، وشتمـَك، وسبَّــك، وطال لسانُه حتى كاد يخترق الشاشة الصغيرة، زاد الخائفون علىَ مصر من البديل، وآمنوا أنَّ يونيفورمـًا واحداً قاسيـًـا أشدّ بأســًـا وصِدْقــًـا ومنعةً وقوة من سبعين مُعتزيـّــًـا مَطَريـًـا يجعل "الشرق" غربـًـا وغريبـًـا وغروبـًـا وغُـرْبَــة!
الرئيس: لقد انتهىَ الدرسُ أيها الغبي، وكتاباتك ومتابعاتك ومطالعاتك وخبراتك لأكثر من أربعة عقود لم تنفعك في شيء، والفلولُ أمامـَـك، والاخوانُ خلفك، والرقيق عن يمينك والقضاةُ عن يسارك، وآلاف المقالات التي نشرتـَـها أنت عادتْ شمسها الذهبُ إلىَ ينايرك بعد سنواتٍ ظننتَ أنَّ الشرفَ فارسٌ، والنُبلَ مُصلحٌ، وحُبَ الوطنِ من الإيمان.
هل صدَّقت تجديد الخطاب الديني وياسر برهامي في لجنة الدستور؟
هل صدَّقت مشروعات القرن وأنت تسير علىَ جبال من القمامة؟
هل رأيتَ الإسكندرَ الأكبرَ يبكي علىَ مدينتـِـه قبل غرقِها من قطرات مطر بألفي عام؟
هل صدَّقت أن الملائكة تدخل قاعة محكمة فيها من الظلم واللغة السقيمة والهرولة والفوضى ما يجعل السماوات والأرض تهتز؟
هل صدقت أنني أبحث عن شريف يتطهر به الجهاز المركزي للمحاسبات فيكشف، ويفضح، ويعريّ الفساد؟
هل صدَّقت أنني لا أستطيع الإفراجَ عن الأبرياء والأطفال والطلاب قبل فجر الغد أو بعد عشاء اليوم؟
هل صدَّقت أن مصرَ لا تستطيع أن تلعب دوراً في الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة؟
هل صدَّقت أنَّ السلطة التنفيذية لا ترفع عينيها أمام السلطة القضائية؟
تـَـمـُـنّ عليَّ أنك أهديتني مقدمة كتاب أملا في أن أكون أنا الزعيم الحُلم، فخُـذ، من فضلك، كتابـَـك، وأحلامَك، وآمالك، وثقتــَـك بي، فلا حاجة بي إليك، فمن يتسابقون من أجل أنْ أرضىَ عنهم أكثر عددًا من عاشقي مصر و.. محبيها.
أنا: من الآن يمكنك تُصنــيـفني مُعارِضـِا غير منحاز لأي جهة، وغير متعاطف مع أيّ أيديولوجية، وأجلس وفوق رأسي آية شبابية من الكتاب المقدس لميدان التحرير.
المعارضةُ العمياءُ هي التي تضع عَصابةً علىَ عينيها وتتحول إلى زاوية لا ترى منها مشروعـًـا إيجابيــًـا أو طريقاً جديدًا أو تـَـحـَـسُنـًـا في مرفق، ولن يكون هذا من شيمتي، لكن أولويتي تبدأ بالإنسان، بالكرامة، باخلاء السجون والمعتقلات من الأبرياء، بإنهاء عصر رجل الأمن السادي، بدخول التلفزيون المصري القرن الواحد والعشرين أو حتى التاسع عشر، وهذا هو خلافي الأكبر معك.
معركتك ضد الإرهاب ينبغي أن تمر عبر تغيير أفكار التطرف، والذي حدث أنك أعطيت الضوءَ الأخضر لمحاكمة الفكرة والاستنارة والعقل والتجديد، وأضحى برهامي أقربَ إليك من إسلام بحيري.
حلمتُ طويلا .. طويلا بالزعيم الذي رسمته في ذهني ثم اكتشفت أنَّ بطنَ مصر الولادة، الحبــَّـالة، ست الكل الطاهرة أسقطت جنينــَـها في القصر عدة مراتٍ، وكتب لها الأطباءُ شهادةَ زورٍ أنَّ فلذات كبدها كانوا أحياءً يُرزَقون، ويَحكمون، فسيّدُ القصر لا يموت حتى لو مات!
تُرىَ، سيدي الرئيس، مَنْ منــّـا يقوم بتقديم العزاءِ إلىَ الآخر؟
الآن أنا لستُ معك، ولستُ معهم، فشرفُ قلمي لا يسمح لي بتأييدك أو بتأييد مُعارضيك، ومصرُ العظيمة لم تعـُـدْ مع أيّ طرف أو جماعة أو حزب أو دين أو إعلام أو قضاءٍ ظالم أو مَذهب أو مسجد أو كنيسة أو.. سُلطة
مصر هربتْ وهي تختبيء بالقربِ من ميدان التحرير، ولن تعود قبل عودة الملائكة و.. فرار الشياطين!
سيدي الرئيس،
كلنا خائنون، وقتــَــلة، وكاذبون، وغشـَّـاشون، ومخادعون، وجبناء لأننا لم نـَـقـُـل لكَ عندما توليّت الحُكمَ أنَّ مصرَ كبيرةٌ .. كبيرةٌ .. كبيرةٌ!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
Taeralshmal@gmail.com
أوسلو في 16 مايو 2016