إن شعوب العالم كافة تتفاخر في تراثها الموروث بانحدارها من أصول رفيعة تنتمي إلى جبابرة عظام أو من "سلالة الآلهة" , وذلك إنما يدل على أن أسلافنا الأوائل عاشوا عصرا ذهبيا. وهناك من يرى أن التطور الذى طرأ على الإنسان وحضارته كان من "الأفضل" إلى "الأدنى" , أي عكْس السائد الموروث الذي أُريد لنا الوقوف عنده , وأصحاب ذلك الرأي لهم أسانيدهم وحججهم الوجيهة. فعلماء الآثار من المدرسة "التكوينية" , وهم من أشد المناهضين لمدرسة "دارون", يرون أن أسلافنا الأوائل كانوا خيرا منا نحن المعاصرين , وذلك من الناحية الجسدية والفكرية والروحية. ولا يعز على الملاحظة بعض مظاهر ذلك التفوق القديم المفقود: فالأثريون مثلا يجدون بالحفْر على أعماق كبيرة مجمعات مدن أفضل "من الوجهة الإنشائية" من تلك الموجودة في أعماق أدنى , والطب في مصر القديمة كان خيرا منه بكثير في طب أوروبا في القرون الوسطى , وكانت الخرائط القديمة مرسومة بدقة تفوق مثيلاتها فيما بعد , والتقويم المستخدم في (مايا) قديما, أفضل من تقويمنا الحالي , وقديما كانت مجموعات الكتل الحجرية المستخدمة في البناء أضخم حجما بكثير من تلك المستخدمة في الثقافات والعصور التالية .ففي "بيرو" مباني "الإنكا" الأوائل أفضل بكثير مما بنوه بعد ذلك .وفي حين لا تستطيع المباني الإسبانية الحديثة الصمود أمام الزلازل , إلا أن مباني" الإنكا" و"الإنكا" الأوائل تبقى سليمة .ويرى البعض أن التدهور بعد الطوفان مباشرة قد طال أيضا القدرات العقلية للإنسان , فذكاء الإنسان المعاصر ليس أفضل من ذكائه من ألف سنة خلت , لكننا نملك تراكمات علمية أكثر من تراث الماضي تمكننا من إحراز التفوق . وقبل حوالي خمسة آلاف سنة عرف الأوائل تقانات "تكنولوجيات" وعلوما فلكية وإنشائية ورياضية وهندسية متقدمة , وتفُوقُ في معظمها ما نعرفه الآن في عصر غزو الفضاء , وسنفصّل ذلك في موضعه من الكتاب بإذن الله تعالى . فقصة الإنسان وحضارته على هذا الكوكب لم تبدأ بساكني الكهوف , ثم تطورت وانتهت إلينا نحن المعاصرين , فسكان الكهوف القدامى (البدائيون) كانوا بقايا مجتمعات أكثر تقدما , لكنهم أُجبروا على العيش حياة بدائية بسبب الكوارث والحروب . فالحضارة بدأت زاهرة تامة على نحو ما , وبوسائل لم يتسن الكشف عنها إلى الآن , فلا شيء مما نعرفه يمكن أن يحمل إلينا الجواب , ثم طالها التدهور بفعل سلسلة من الكوارث والنكبات الطبيعية التي حلت بكوكب الأرض على مدار تاريخه , مما ليس يتسع كتابنا هذا لبسط القول فيها تفصيلا , لكننا مع ذلك سنعرض في عجالة لبعضها في موضعه من الكتاب. يتبع - من كتابنا (القرآن بين المعقول واللامعقول)- لنبيل هلال هلال