.عمرو حمزاوي كبير الباحثين بمعهد «كارنيجي» للسلام في ندوة «المصري اليوم»: أمريكا تفتح قنوات مع كل ال

في الخميس ٢٤ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

أكد الدكتور عمرو حمزاوي كبير الباحثين في معهد كارنيجي للسلام أن العلاقات الأمريكية المصرية تمر بأزمة حقيقية خاصة بعد حالة الغموض التي تكتنف المستقبل السياسي لـ«مصر بعد مبارك».
وقال حمزاوي في الندوة التي نظمتها وحدة الإسلام السياسي بـ«المصري اليوم»، إن أمريكا تفتح حوارات مع جميع النخب السياسية والأمنية في مصر وليس مع جمال مبارك وحده لمعرفة من سيكون الرئيس القادم، مشيراً إلي أن هناك بالفعل لقاءات تمت بين الأمريكيين وجماعة الإخوان باعتبارهم إحدي النخب البديلة لكنها مقاربة خطرة.
وأشار حمزاوي إلي أن وزارة الخارجية لا تجيد أداء دورها مما أكد تراجع دور الخارجية المصرية واصفاً إياها بأنها تم بمرحلة «بيروقراطية» تبدأ من الوزير انتهاء بالموظفين.
* ما مغزي الزيارة الأمريكية السريعة لمصر التي وصفها الكثيرون بأنها بروتوكولية وليست سياسية، وهل لها دلالات علي موقع مصر فيما يتعلق بأفضليات المطبخ الأمريكي وأيضاً موقعها الإقليمي بالنسبة للقرار الأمريكي؟
- بوش جاء للمنطقة لتسويق سياسة احتواء عنيفة ضد إيران أهم ملامحها سباق تسلح يستنزف اقتصادها المأزوم بالفعل، فعندما تنظر لمعدلات الأداء الاقتصادي لإيران تجد تدنيا واضحا في مستوي المعيشة وتفشيا للبطالة، ولتسويق إيران علي أنها «فزاعة الإقليم»
وتحديداً للخليج، لذلك قال إن إيران هي الدولة الأولي في العالم الراعية للإرهاب وساوي بينها وبين القاعدة ونلاحظ أن الإدارة الأمريكية تواصل التصعيد ضد إيران وأهم ملامح هذا التصعيد صفقات السلاح الضخمة التي تتضمن صفقة بـ20 مليار دولار مع السعودية.
واللافت للنظر في زيارة بوش لمصر محدودية الوقت الذي قضاه فيها وأن الملفين الشاغلين لبوش سواء الملف الإيراني الذي تديره أمريكا مع الخليج، وبعض الأطراف الدولية، والملف الثاني ورغم أهمية الأوراق المصرية ولكن النقلة التي نجحت فيها إدارة بوش هي إقناعها الفلسطينيين بأنه لا داعي للوساطة الإقليمية المنتظمة ولا داعي للقرارات الأممية،
الأمر الذي دفع بوش لئلا يكون حواره مع الطرف المصري حول المفاوضات حواراً منتظماً وشديد التفصيل، وهناك جزء من القناعة الأمريكية أن مصر والأردن كانتا أحد أسباب تعقد المفاوضات الأخيرة في عهد كلينتون في كامب ديفيد عندما اختلفوا علي القدس وبعض قضايا الحل النهائي،
أعتقد أن هذا هو المغزي الحقيقي للساعات الأربع التي قضاها بوش في مصر أما مسألة بداية الجولة أو نهايتها فلها عدة قراءات ولكن الساعات الأربع تفيد أن الوزن الإقليمي لمصر في تراجع وأن الدور المصري لم يعد فعالاً في الملفات التي جاء بها بوش وهناك أدوار أهم، واللافت للنظر المقارنة بين مصر والسعودية ففي حين يتراجع دور مصر في الملفين الإيراني والفلسطيني نجد دور السعودية في تقدم بالإضافة إلي ملف لبنان.
* حالة الشد والجذب والصعود والهبوط وتحديداً الضغوط الأمريكية التي تشتد علي مصر في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح ثم تعود لتنخفض تلك المطالبات والبعض يرجعها لحاجة الولايات المتحدة لمصر في بعض الملفات كالعراق، كيف تحلل العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر وهل فعلاً تتحدد نبرة الضغوط الأمريكية وفقاً للملفات الأمريكية في المنطقة؟
- التوصيف الأدق للعلاقات الأمريكية - المصرية أنها الآن في «أزمة»، وهي أزمة استراتيجية، فالعلاقة الأمريكية - المصرية يحكمها حتي 2008 التعريف الاستراتيجي الذي تبناه الطرفان بعد توقيع اتفاقية السلام وقامت علي أن تقوم مصر بتغيير منظومة تحالفاتها الإقليمية والدولية وتعقد سلاماً مع إسرائيل الحليف الأهم لأمريكا في المنطقة وتنعزل عن منظومة الدول الاشتراكية وتتحول إلي خانة الدولة الحليفة للولايات المتحدة وتلتزم ببعض السياسات الإصلاحية التي هي في أساسها سياسات اقتصادية، ثم تتبعها إصلاحات سياسية باعتبارها الخيارات الأفضل لدي الأمريكيين.
والتعريف الاستراتيجي كان يقول إن مصر تستجيب للرؤية الأمريكية في المنطقة، كما حدث مثلاً عندما قام صدام بغزو الكويت ولعبت مصر دوراً مهماً، إلا أن الدور المصري يمر حالياً بأزمة وتحديداً مع بدء ولاية بوش الثانية وهناك ملامح عديدة للأزمة أهمها أن مصر لم تعد قادرة علي أداء المنتظر منها إقليمياً ولم تعد الطرف المركزي، وأصبحت طرفاً من عدة أطراف في المنطقة وبعضها أكثر أهمية.
ثاني ملامح الأزمة بين مصر وأمريكا أن الطرف المصري وخاصة في قضايا حقوق الإنسان والإصلاح الداخل ونشر الديمقراطية يظهر بمظهر المتحايل علي الضغوط الأمريكية والمثال الأهم أيمن نور، فأمريكا ضغطت في وقت ما لإخراجه من السجن وخرج ليخوض انتخابات رئاسية ثم يصدر عليه حكم يوصف في أروقة الإدارة الأمريكية بأنه «مطبوخ»،
لذلك عندما طلب النظام المصري بدء مفاوضات التجارة الحرة مع أمريكا باعتبارها - طبقاً لرؤية الطرف المصري - شهادة للإصلاح الاقتصادي لمصر، ربط الطرف الأمريكي بين الملفين الاقتصادي والسياسي ورفض التفاوض لأن مصر تتحايل علي الإصلاح السياسي، والنظام المصري متأكد من أن الأزمة قائمة بالفعل، ولكنه ورغم أهمية العلاقة مع أمريكا يشعر بالصدمة من سياسات بوش التي تختلف عما تعود عليه من النظام الأمريكي.
وأهم ملامح الأزمة بين النظام المصري وأمريكا هو قرار الكونجرس باحتجاز جزء من المعونة وربطها ببعض الإصلاحات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحل مشكلة الأنفاق في غزة، الأمر الذي وصفه النظام المصري حينئذ بأنه شأن داخلي ويمس السيادة الوطنية وكان واضحاً في نهاية الأمر أن العلاقة الأمريكية علاقة استراتيجية ولكنها ليست الوحيدة وذلك صحيح وجيد.
والجميع في المنطقة العربية بشكل عام ينتظر رحيل إدارة بوش التي تكلمت كثيراً عن الديمقراطية ولكنه كان خطاباً للاستهلاك المحلي فقط، المشكلة أن أمريكا عندما تتحدث عن الديمقراطية لم تستطع التوصل لصيغة واحدة للمكسب المحتمل والمخاطر المحتملة، فأمريكا ليست «فاعل خير» ومصلحتها ليست في نشر الديمقراطية فقط بل لها العديد من المصالح مثل أمن إسرائيل ومشكلة إيران وتأمين البترول وهناك تجارة واقتصاد.
* إذن لماذا رفعت لواء المناداة بالديمقراطية في العالم العربي وخاصة في عام 2005؟
- مسألة الديمقراطية ظهرت دون أي ترتيب للأولويات في إدارة بوش ولذلك بعد انتخابات مجلس الشعب المصري التي شارك فيها الإخوان وفازوا بأكبر نسبة مشاركة فيها وفي فلسطين فازت حركة «حماس» وتراجع الخطاب الأمريكي في هذا المجال، وأمريكا التي تصدع رؤوسنا بحقوق الإنسان لا تتكلم بكلمة عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في السعودية، وفي البحرين حيث قتل عدد من المتظاهرين الشيعة علي أيدي قوات الأمن.
* لكن أمريكا ساندت نخب بديلة في عدة بلاد أوروبية وجنوب أفريقيا؟
- حالات التغيير التي ساندتها أمريكا كانت النخب البديلة فيها حليفة للولايات الأمريكية، وفي حالة مصر لا يوجد تصور للبديل سوي الإسلاميين الذين إذا لم يكونوا معارضين لها فإنهم لن يكونوا أصدقاءً.
وأعتقد أن هناك فكرا خاطئا في الصحف القومية يري أن الولايات المتحدة ستكف عن انتقاد حقوق الإنسان عندما ترحل إدارة بوش، ويتناسون أن أمريكا بها مؤسسات متخصصة لذلك سنجد هناك مكتبا مسؤولا عن إدارة ملف حقوق الإنسان في المنطقة، وأي رئيس لأمريكا لابد أن يسأل نفسه ماذا سوف يفعل في هذا الملف.
ولأن مستقبل السلطة بعد مبارك يسوده الغموض في أمريكا وبسبب تعدد السيناريوهات ووجود خلافات في داخل النخبة الحاكمة في مصر تعمل الولايات المتحدة علي مستويين: الأول فتح قنوات مع كل مكونات النخبة الرسمية من مؤسسة الرئاسة، المجموعة الفعالة في الحزب الوطني، والمؤسسة العسكرية التي تربطها بها علاقات وثيقة بفعل المعونة، والأجهزة الأمنية.
أما المستوي الثاني فهو استكشاف الغموض السياسي الذي تراه أمريكا منذ انتخابات 2005 والحراك السياسي الذي حدث في السنوات الثلاث الماضية، فأمريكا كانت تري أن المجتمع المدني والصحافة المصرية انتزعا خلال عامي 2004 و2005 حريات غير مسبوقة مما أسفر عن نتيجة فوز الإخوان بعدد كبير من مقاعد البرلمان رغم القمع والتزوير.
ولأن القراءة الأمريكية كانت أن الحريات ستستمر في الاتجاه التصاعدي، إلا أنها فوجئت في 2006، 2007 بأنها تتدهور، من خلال التعديلات الدستورية التي تنهي الإنفراجة
التي حدثت، وتضع ضغوطاً جديدة علي المجتمع المدني وعلي المعارضة، هذا فضلاً عن قضايا الرأي والصحفيين الذين يتعرضون للسجن، الأمر الذي زاد الغموض في المشهد المصري، ويؤكد أنه عند انتقال السلطة فإن الاحتمالات كلها ممكنة «من الألف إلي الياء»، بكل ما يعنيه التعبير الأخير من احتمالات في نظام سلطوي.
* إذن أمريكا تفتح مع جميع النخب في مصر من أجل ما بعد مبارك؟
- هذا صحيح وللتعامل مع احتمالات تغير الوضع مستقبلاً تتعامل الولايات المتحدة وفقاً لاستراتيجية «الانفتاح»، بمعني أن تبقي القنوات مفتوحة مع كل القوي، واستراتيجية أن الأفضل في مصر هو ضمان الحد الأدني، بمعني أنه إذا نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في التأكد من أن انتقال السلطة في اتجاه معين يحفظ الحد الأدني من الاستقرار ويحافظ علي شبكة العلاقات الإقليمية والدولية المصرية دون تغير فأهلاً وسهلاً به، بغض النظر عن شخوص هذا السيناريو أو مكوناته.
* بما في ذلك احتمال صعود جمال مبارك لقمة السلطة؟
- يخطئ من يعتقد أن إدارة بوش أو «أمريكا الرسمية» تريد جمال مبارك رئيساً لمصر، والأصح أنها لن تمانع في أن تري جمال مبارك أو غيره رئيساً، طالما ضمنت توافر العناصر الرئيسية في القيادة الجديدة، وهي حد معقول من الاستقرار، وبقاء تحالفات مصر الإقليمية والعالمية علي ما هي عليه، بدون تهديد للمصالح الأمريكية.
* في رأيك، ما الدوائر الفاعلة الأخري، بالإضافة لمجموعة جمال مبارك؟
- المؤسسة العسكرية، والمؤسسة الأمنية، والرئاسة (المستشارون والمقربون من الرئيس)، ومجموعة جمال مبارك، وفضلاً عن هذه الدوائر هناك «تربيطات»، مثل تلك القائمة بين مجموعة جمال مبارك ورجال الأعمال، وبين المؤسسة العسكرية وعدد من أصحاب المصالح في القطاع العام.
* ما شكل المقاربة الأمريكية مع التيار الإسلامي في مصر، باعتباره الطرف الآخر من المعادلة، لاسيما أن البعض قال إن هناك اتصالات بين أمريكا والإسلاميين باعتبارهم بديلاً محتملاً -ولو بنسبة ضعيفة- للتيار الحاكم في مصر؟
- هناك أكثر من مستوي للتفكير في هذا الأمر، فعن مقاربة إدارة بوش لجماعة الإخوان المسلمين بمصر فإن العنصر الحاكم فيها هو مقاربة «الخطر»، بمعني أن واشنطن تري جماعة الإخوان المسلمين مصدر تهديد محتمل، لاسيما في حالة اتساع نطاق نفوذ الجماعة في مصر، إلا أن الإدارة الأمريكية لا تري الجماعة مصدر تهديد في المستقبل القريب جداًَ،
ولهذا لا تعترض علي المحاكمات العسكرية وعلي قمع الإخوان، فلو كانت المحاكمات العسكرية تستهدف تيارات أخري، لاعترضت واشنطن، لكن المعضلة أن الولايات المتحدة تري أن جماعة المعارضة الأهم في مصر تشكل مصدر تهديد محتمل،
كما أنها المؤهل الوحيد لتغيير حالة الحكم السلطوي في مصر من خلال الضغوط الشعبية، فعملية التحول الديمقراطي تحدث من خلال المطالبة بالديمقراطية، والولايات المتحدة تري أن الإخوان هم الأقدر علي القيام بهذا الدور من خلال قواعدهم الانتخابية ووجودهم في الشارع،
وهذه الرؤية كانت ظاهرة للإخوان في عام 2005، حيث ظهر الحديث عن الحوار بين أمريكا والإخوان المسلمين، عندما أرادت أمريكا أن تعرف -مباشرة- كيف يفكرون فيما يتعلق بكامب ديفيد، وبالعلاقات مع إسرائيل، وعن العراق.
وظهر هنا تناقض رئيسي بين مقاربة الخطر، وهي المقاربة الرئيسية، والمقاربة الثانية التي تري الإخوان بوصفهم جماعة تمتلك مساحة من البراجماتية ولكنها في النهاية جماعة أيديولوجية، وهو ما تخشي منه واشنطن تاريخياً، فأي حركة عقائدية أو أيديولوجية تثير المخاوف الأمريكية، فالحليف الأيديولوجي غير مستحب بالنسبة لواشنطن.
* وما شكل المقاربة الثالثة بين أمريكا والإخوان في مصر؟
- المقاربة الثالثة والأخيرة تأتي بحكم حالة الغموض في مستقبل مصر، وبحكم حجم الوجود الجماهيري والتنظيمي للجماعة، الأمر الذي يجعل واشنطن حريصة علي الأقل أن تعرف كيف تفكر الجماعة، وأين يقع «عقلها الاستراتيجي».
وقد أدت هذه المقاربات إلي تجنب الإدارة الأمريكية الحديث عن الإخوان بصورة مباشرة، كما لم تمانع في الضربات الأمنية المكثفة والمحاكمات العسكرية، إلا أنها تريد أن تعرف أيضاً توجهات الإخوان وأفكارهم، وماذا يحدث في أروقة الجماعة.
وكان هناك حوار بين الإدارة الأمريكية ونواب الإخوان في النصف الثاني من التسعينيات، وتحدثت السفارة الأمريكية عن هذا بصراحة، وبعد ذلك قررت الإدارة ألا تتعامل مع الجماعة بعد أن اختفي تمثيلها في مجلس الشعب، بوصفها «جماعة غير قانونية»،
وفي 2005 و2006 اختفي الخط الأحمر السابق، وعادت واشنطن إلي الحوار من خلال نفس الأسلوب، أي الحوار مع الكتلة البرلمانية، فلا تهتم بمكتب الجماعة في المنيل وتتصل بالبرلمانيين بصفتهم، وأبرز نموذج دعوة سعد الكتاتني للقاء السفير الأمريكي.
* وهل تختلف مقاربة أمريكا مع الإخوان عن الحركات الإسلامية في باقي دول العالم؟
- مقاربة أمريكا مع الإخوان لا تماثل مقاربتها مع الحركات الإسلامية في بقية دول العالم، ففي العراق تحالفت مع بعض الحركات الإسلامية، وكذلك في الصومال، وفي المغرب ليس لديها مشكلة في أن يكون حزب العدالة والتنمية جزءاً من الحكومة، والمعيار هنا هو مدي اقتراب أو ابتعاد الدولة عن إسرائيل، فكلما اقتربت الدولة من إسرائيل زادت الخطوط الحمراء.
والعامل الآخر، هو طبيعة الساحة السياسية، فهل هي ساحة تسمح بالتعددية أم أن هناك احتمالاً بأن يستأثر بها التيار الإسلامي، ولذلك تري أمريكا أن هناك استقطاباً في مصر بين النخبة من جانب والتيار الإسلامي من جانب آخر، وهو ما لا يشجعها علي التحرك بعيداً عن مقاربة الخطر، لاسيما في ظل ضعف التيارات اليسارية والليبرالية.
* هل تعتقد أن أمريكا تؤيد الديمقراطية التي تأتي بالإخوان إلي السلطة في مصر؟
- أمريكا لا ولن تؤيد الديمقراطية التي تأتي بالإخوان إلي السلطة في مصر، لأن مصر قريبة للغاية من قلب الصراع العربي الإسرائيلي، ورغم محاولات بعض قيادات الإخوان التخفيف من تصريحاتهم ضد إسرائيل، فإن الأمريكيين حريصون علي سؤال الإخوان عندما يلتقونهم بخصوص موقفهم،
وطالما بقي موقف الجماعة معارضاً لإسرائيل وبقيت حالة الاستقطاب بين السلطة الحاكمة والإخوان قائمة فلن تؤيد واشنطن أن تقوم الجماعة بدور أكبر مما تقوم به في النظام السياسي.
* انقسم التيار الإسلامي تاريخياً في مصر إلي تيار عنيف وآخر سلمي، رحل الأول ولم يبق سوي الثاني الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين، فما تقييمك لمستقبل التيار الإسلامي بما في ذلك جماعة الإخوان، بعد تراجع التيار الراديكالي؟
- خيار العنف الذي مثله عدد من الجماعات الإسلامية انتهي داخل المزاج العام المصري، فلا وجود تنظيمياً له، ولا قواعد شعبية، ولا قبول عاماً له، وهو ما يختلف عن الصورة التي كانت قائمة في الثمانينيات والتسعينيات.
أما الآن فلا وجود تنظيمياً لتلك الحركات العنيفة ولا مصداقية لديها في الفضاء المصري، كما ظهر البديل لها داخل الحالة الإسلامية نفسها من خلال الرغبة في إحداث تغير تدريجي في الساحة السياسية.
والملاحظ هنا أن جميع الجماعات التي استخدمت العنف في مصر استخدمته كأداة للتغيير ولم يكن «العنف للعنف»، فالإخوان لم يثبت عليهم، مثلاً أي استخدام للعنف منذ عام 54، حيث اكتشف الإخوان قبل الحركات الأخري أن العنف، لا معني له، ومن ثم توقفوا عن استخدامه مبكراً للغاية - مقارنة بالجهاد والجماعة الإسلامية - ثم اكتشفت الجهاد والجماعة الإسلامية أيضاً عدم قدرة الوسائل العنيفة علي التغيير ومن ثم توقفت محاولاتهم في التسعينيات.
والإخوان المسلمون لا يريدون العنف ويرغبون في المشاركة في العملية السياسية، إلا أن لديهم التباساً حول قضية المرجعية هل هي للشريعة أم للدستور؟ ولكنهم حسموا أمرهم حول الوسيلة حيث رأوا أنها المشاركة في العملية السياسية في إطار الهامش الذي تحدده السلطة أو ترسمه توازنات القوي وتحركاتها في المجتمع المصري.
أما جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية فلم يسفر بحثهم عن وسيلة جديدة عن شيء، نظراً لتداعي تنظيم الجماعتين مقارنة بالإخوان التي لاتزال جماعة متوازنة، فعلي الرغم من إنجازهم الجزء الأول من المراجعات المتعلق بالتوقف عن استخدام وسيلة العنف للتغيير فإنهم لم يستقروا بعد علي وسيلة أخري.
* وكيف تقرأ المستقبل الراهن لوضع الإخوان في مصر؟
- لا يمكن قراءة الوضع الراهن لجماعة الإخوان ولا مستقبلها بعيداً عن السياق السياسي العام، فلا يمكن أن ننسي أننا أمام ساحة سياسية بها «لاعب أكبر» هو النظام، الذي يمتلك أدوات اللعبة الرئيسية، فعندما يسمح النظام بالمشاركة يشاركون، والعكس صحيح والأمر يتوقف إلي حد كبير علي استمرار النظام في لحظة المواجهة والقمع الحالية، أم العودة إلي لحظة التعايش السابقة، فهناك مساحات من الحركة الموجودة ولكنها غير مستقرة أمام الجماعة.
* هل تعتقد أن برنامج حزب الإخوان عبر عن الجماعة؟
- البرنامج عبر عن الصراع داخل الإخوان بين توجهين، الأول يركز علي مسألة السياسات العامة وهو الأكثر براجماتية، والآخر يتخوف من ذلك، لأن هذا قد يكلف الجماعة غالياً علي مستوي القواعد التنظيمية، وهنا تقع الجماعة في معضلة، فالمزيد من البراجماتية يؤمن لها مساحة مشاركة أكبر مع النظام غير أنه يفقد الجماعة جزءاً من شعبيتها لدي القاعدة، والعكس صحيح.
وبالتالي صدر برنامج الحزب وفيه اتجاهان الأول هو اتجاه عصام العريان وعبدالمنعم أبوالفتوح وجمال حشمت الذي يرغب في الانفتاح والمزيد من البراجماتية، وهذا كان ضد القواعد الجماهيرية، والاتجاه الآخر الذي يتخوف من تبعات هذا الانفتاح وصدر من مكتب الإرشاد نفسه، ليؤكد للقواعد الجماهيرية أنها مازالت جماعة إسلامية ملتزمة بما التزمت به سابقاً.
وفشلت الجماعة في تهدئة المخاوف الداخلية والخارجية، كما زاد حجم التغطية السلبية للجماعة من خلال الانتقادات للجماعة، وشهدت لأول مرة حديثاً لأحد أعضاء الجماعة في الصحافة ثم قبل أن يناقش أفكاره في مكتب الإرشاد، ليعود المكتب ليسأله عما قاله بعد ذلك.
ورغم تلك السلبيات فإن الإيجابية الوحيدة في برنامج الحزب هي أن الجماعة «حية»، وليست كبقية الأحزاب الورقية، وإذا كان هذا يبدو سلبياً في مصر لكنه في الأنظمة السياسية الطبيعية يعد مؤشراً إيجابياً.
* هل كسبت الجماعة أم خسرت من طرح برنامجها بتلك الصورة التي حملت العديد من المتناقضات؟
خسرت بالطبع، حيث رغبت الجماعة من خلال هذا البرنامج في الخروج من نسق رد الفعل، فمنذ أحداث الأزهر والانتخابات وغالبية أخبار الجماعة «سلبية»، بدءاً من محاكمة الأزهر والمحاكمات العسكرية، وبعد أن ظلت فاعلة من خلال مبادرات الإصلاح في 2004 والمبادرة بعلاقات مع القضاة.
* هل هذا نجاح للنظام أم أخطاء استراتيجية من الجماعة؟
- كلاهما معاً، فالنظام المصري بدا في 2005 وكأنه يهتز، وفي 2006 و2007 استعاد العافية والتوازن الاستراتيجي في مواجهة أي حركة معارضة أخري، واعتمد في ذلك علي تغير البيئة الدستورية، وهو ما يعني تغير قواعد اللعبة تماماً، لاسيما من خلال تطبيق قاعدة القوائم النسبية، فضلاً عن استراتيجية القمع والمحاكمات العسكرية،
لاسيما أن الضربات تم انتقاؤها بعناية، فالعناصر التي تحاكم مؤثرة بالفعل، أما أخطاء الجماعة فتمثلت في دخولها في حالة زهو واسترخاء شديدة، ظناً أن المواجهة ليست من خيارات النظام حالياً، ففوجئت الجماعة بضربات النظام المتتالية فترنحت.
* ما قراءتك لمستقبل العلاقة بين الإخوان والنظام في ضوء كل هذا؟
- حتي حسم ملف انتقال السلطة، فإن الخيط الناظم لعلاقة النظام والإخوان هو المواجهة، التي قد تتفاوت درجاتها قوة وتراجعاً، إلا أنها ستبقي السائدة، فأنا لا أتوقع أن يكسبوا أي مقعد في المحليات، لتبقي الجماعة في خانة رد الفعل، لاسيما في ظل الانشقاق داخل الجماعة، أما اللحظة الثانية فستكون لحظة انتقال السلطة، وستتحدد علاقة الإخوان بالسلطة وفقاً لسلاسة انتقال السلطة ودور الإخوان في تلك اللحظة.
* كيف ترصد التحرك الدبلوماسي المصري في مواجهة المتغيرات الإقليمية والعالمية؟
- أخشي أن أوراقاً كثيرة يتم توظيفها بصورة غير سليمة بسبب بيروقراطية وزارة الخارجية، بدءاً من الوزير وانتهاءً بالموظفين أو السفارات، فدولة مثل الأردن قد تلعب أدواراً أكبر من مصر لتوظيفها الأدوات بصورة أفضل، فلدينا أدوات ولكنها تستخدم بشكل سييء.
وأخشي أنه علي الرغم من وجود الرؤية الاستراتيجية لدي مصر، بعكس السعودية مثلاً، فإنها رؤية الحد الأدني، والحد الأدني هذا يتآكل باستمرار، فالسعودية مثلاً توسع أدوارها في الملف الإيراني واللبناني والفلسطيني، علي العكس من مصر التي يتآكل دورها، فيغيب في جنوب السودان وفي دارفور رغم أنه أمن قومي مصري،
كما أن دور مصر أصبح محل تنافس مع دول عربية غير محورية، مثل قطر، فالدور المصري عموماً، والقراءة الاستراتيجية لايسمحان بلعب دور أكبر لأنها قراءة الحد الأدني، حتي أن هذا الحد الأدني أصبح بكل أسف الحفاظ علي النظام.
والأمر نفسه ينطبق علي العلاقات المصرية الأمريكية، فبدلاً من القيام بعملية إعادة تعريف كاملة لتلك العلاقات، فإذا بمصر تنتظر زوال لحظة الأزمة أو رحيل بوش لكي تتحسن العلاقات.

اجمالي القراءات 4987