أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
انه الشرك بالله جل و علا , هذا التساؤل الاستنكاري الوارد من رب العزة تعالى عما يصفون , لا اله الا هو , خالق كل شيء و له الامر من قبل و من بعد .
خمس تساؤلات متتالية , ملفتة للانتباه , يتبعها الاستنكار لهذا الشرك , بدفع ذاك المشرك نحو التفكر و العلم , كون كل الادلة و الدلالات على وجود الخالق المسيطر ظاهرة للعيان , واضحة متجلية في خلقنا و في ما حولنا .
وردت تلك التساؤلات في سورة النمل , في اشارة للمشرك بصغره و ضعفه امام الخالق الجبار , فأين انت أيها الانسان المشرك من عظمته جل و علا ! و ما هو حجمك في هذا الكون العظيم ! انت لا تكاد ترى , فلما كل هذا التكبر و الغطرسه , و لما هذا العدوان و الغرور .
تنصب نفسك مكان الله عز و جل لتشرع دينا باطلا موازيا لدين الحق , فتقدس المال و البشر من مخلوق او حجر , فتشرك الموجود بالواجد سبحانه و تعالى عما يشركون (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) 59 النمل .
التساؤل الاول
حول الابداع في خلق السماوات و الارض و جمالهما و روعتهما , و حول جمال و روعة النباتات التي اوجدها و أنبتها فجعلها مبعثا للبهجة و السعادة و السرور , بشتى الاشكال و الالوان من ثمار و زهور , مختلفا باللون و الشكل و الطعم و الرائحة , رغما انه ينبت بنفس الماء , قال تعالى (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ) 60 النمل ,
لكن المشركين ساووا ذلك كله بما هم به مشركون .
التساؤل الثاني
حول تكوين الارض و تسخيرها للحياة و العيش على ظهرها , و عن وجود الانهار التي تتخللها و ما لذلك من اهميه للحياة , و عن وجود الجبال و اهميتها في استقرار الارض , و عن تشكيل البحار و كيفية الحواجز التي تفصلها بفعل اختلاف الكثافة فيها , لاهمية الحياة فيها , قال تعالى ( أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) 61 النمل ,
و لكن اغلب المشركين لا يعلمون شيء عن أهمية وجود تلك الامور و سببها في استقرار الحياة على الارض .
التساؤل الثالث
حول لجوء المشرك و دعوته للخالق الحق حين يضطر به الامر خوفا على حياته من الموت , فيدعو الله ان ينجيه من ذلك الكرب , فحينها يعرف خالقه بفطرته التي يحاول جاهدا طمسها , و حول كشف ذاك السوء عنه و تمكينه من جديد خلفا لمن هلك من قبله , قال تعالى ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ ) 62 النمل ,
ولكن المشركين سرعان ما يتناسوا ذلك اللجوء و اجابة تلك الدعوة و ذاك التمكين , و كأن شيء لم يكن , فمعظم المشركين لا يتذكرون ذلك .
التساؤل الرابع
حول ارشادهم بالسير لتحديد الاتجاه المطلوب اثناء تنقلهم برا و بحرا من خلال ما اوجد في رحاب هذا الكون العظيم من كواكب و نجوم و معالم أخرى يستدل بها في المسير , و حول حركة الرياح في تشكيل السحاب , حاملا مياه الامطار رحمة منه جل و علا اعادة لدورة الحياة من جديد , قال تعالى ( أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) 63 النمل ,
لكن المشركين لا يكفون عن شركهم , فيعتقدون ان كل هذا من سبيل الصدفه , بل و ينسبون سقوط الامطار لبعض آلهتهم التي اخترعوها .
التساؤل الخامس
حول كيفية تجدد الحياة الارضية من نبات و حيوان , و تسخير ذلك كله رزقا للبشر , قال تعالى ( أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 64 النمل ,
لكن المشركين لديهم صفة الكذب بكل هذا , فان كانوا صادقين بما يشركون فاين هو دليلهم على ذلك .
هؤلاء المشركون الذين اشركوا بالخالق جل و علا و جعلوا معه اله آخر , او عبدوا و قدسوا غيره , قد ضلوا ضلالا كبيرا .
و على الجانب الآخر لتجنب الشرك بالخالق جل و علا , فانت مأمور بعبادة الله وحده لا اله غيره و لا تقديس لغيره , فهو سبحانه مالك كل شيء , و له كل شيء , و ان تسّلم بذلك و تكون مسلما و من الذين اسلموا بوجوده و وحدانيته , قال تعالى ( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) 91 النمل .
ليس هذا فحسب , فالآية التي تلي هذا الامر تدعوك بان تتلو القران , أي تتبع ما ورد فيه , لان التالي يعني اللاحق و التابع , فليس المقصود بتلاوة القران قراءته بل اتباعه , كي يوصلك للهداية و الايمان , و لان المطلوب اتباع القران فقط , كان أي اتباع لما سواه اشراك به و ضلال لمن اتبع غيره من الكتب التي تتسم بها الديانات الارضية الوضعية , فوجب التحذير و الانذار من ذلك , فقال جل و علا ( وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ ) 92 النمل .
و تتابع الايات البينات فتخبرنا بان الله جل و علا سيكشف زيف ما يدعون و ما يقولون في كتبهم التي كتبوها و جعلوها مصدرا لشرعهم الذي وضعوه , و بأن من كرس نفسه متتبع للقرآن وحده سيرى ذلك الافك و يعرفه جيدا و بكل وضوح , فيعرف الحق من الباطل و ما الله بغافل عما فعل اولئك المجرمون من تدليس و اتباع للباطل , فقال جل و علا ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) 93 النمل .
فأبى الظالمون اما أن يشركوا بالله اله , أو ان يشركوا بكتاب الله كتب أخرى لا حصر لها , و كل ذلك استكبارا و تعاليا على الله جل و علا , و على كتابه المبين فقال ( إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ) 35 الصافات .
سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا
سبحانك اني كنت من الظالمين