القتال فى سبيل الله جل وعلا قبل نزول القرآن الكريم ( عن قصة سليمان وملكة سبأ )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٥ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

جاءتنى اسئلة عن موقف سليمان عليه السلام من ملكة سبأ ، وقوله : (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) النمل ) ، وهذا يعنى الاعتداء ، وهذا يخالف تشريع رب العزة بعدم الاعتداء . وقد أجبت على السؤال من عشر سنوات تقريبا ، ولكن تكرار التساؤل يدفع الى كتابة هذا المقال عن القتال فى قصص الأمم السابقة ، لنفهم منه موضوع سليمان عليه السلام ، وأقول :

أولا : التشريع لا يؤخذ من القصص القرآنى لأنّه للعبرة والعظة والهداية.

1 ـ  ولأنه للعظة والهداية فهو لا يخلو من أسلوي المجاز كقوله جل وعلا : ( فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ )(77) الكهف ) ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)الاعراف).   والتشريعات القرآنية لا تأتى بأسلوب المجاز بل بالاسلوب العلمى التقريرى المحدد ، وهذا هو المتبع حتى الآن فى صياغة القوانين فى الدول الديمقراطية ( عكس دول المستبد الشرقى حيث العبارات الضخمة المطاطة والهلامية التى يفسرها أعوان المستبد على هواهم ) . أسلوب التشريع القرآنى يأتى بالأمر والنهى بكلام محدد واضح ، وفيه التفصيل وفيه الإستثناء ، كما هو الحال فى تشريع المحرمات فى الزواج ( النساء  23 : 24 ) والمحرمات فى الطعام ( البقرة 173 ، المائدة 3 ، النحل 115 ، الانعام 145 ) والوصايا العشر ( الانعام 151 : 153 ).

2 ـ ولأنه للعظة والهداية فليس الاهتمام فى القصص القرآنى بذكر أسماء الأشخاص ولا زمانهم ولا مكانهم ولا ترتيب للحوادث . والقصص اقرآنى لا يذكر كل أحداث القصّة ،بل تظل هناك فجوات بين الأحداث . وهذا عكس المنهج فى التاريخ ، الذى يذكر أحداث الموضوع كلها مرتبة ، وبأسماء أبطال الأحداث وزمانها . ينطبق هذا على قصة سليمان مع ملكة سبأ ، فهناك أحداث مجهولة لنا ليست مذكورة فى سياق تلك القصة القرآنية ،وبالتالى فإن الاجابة على هذا التساؤل لا تأتى من القصص القرآنى بشأنها ، ولكن من التشريع القرآنى ، والذى هو فى قواعده العامة قد نزل من قبل فى كل الرسالات السماوية ، إذ جاء القرآن الكريم مصدقا لما سبقه من كتب سماوية:( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ )(3) آل عمران).  

ثانيا : تشريعات القتال فى سبيل الله جل وعلا فى الرسالات السماوية لإقامة القسط  

1 ـ ( أن يقوم الناس بالقسط ) أو ( إقامة الناس للعدل ) يعنى أن (العدل / القسط ) مقصد وهدف ، ومن أجل تحقيقه أرسل الله جل وعلا الرسل وأنزل الرسالات السماوية ، وجاء هذا فى قوله جل وعلا : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ). أنزل الله جل وعلا للناس شيئين ( الرسالات السماوية ، والحديد ). الرسالة السماوية للدعوة للقسط ولأن يقوم الناس متعاونين فى إقامة القسط والعدل ومنع الظلم ، إن لم يتحقق هذا فالسبيل الآخر هو القوة المسلحة بالحديد ، قتالا فى سبيل الله جل وعلا وإقامة للقسط الذى هو مقصد أساس لكل الرسالات السماوية . وهنا فالذى يقوم بإقامة القسط سواء بالدعوة الاصلاحية السلمية ، أو أن يضطر للقتال دفاعا ـ إنما ينصر الله جل وعلا وينصر رسله ورسالاته: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ).

2 ــ والمستبد الظالم الذى أسّس سلطانه على البغى والجور لا يمكن أن يتنازل عن سلطانه طوعا ولا يمكن أن يتراجع عن ظلمه ورعا ، بل يضرب بكل قوته دُعاة الحق والعدل المُسالمين، ويضطرهم الى الهرب أو الصمت أو الهجرة فرارا بأنفسهم ، ثم قد يتعقبهم بعد هجرتهم ، وبالتالى يتحتم على الناس ( الشعب ) إستخدام ( الحديد ) دفاعا ، وقتالا فى سبيل الله جل وعلا ونُصرة لدينه وإقامة للقسط .

3 ـ ثم إن هذا المستبد الظالم يؤكد ظلمه وإستبداده بدين أرضى يفرضه على الناس ، ويستخدم أحقر البشر ــ أئمة هذا الدين الأرضى ـ ليستعبد بهم الناس ، ولكى يسوغوا أستبداده فى قلوب الناس.

4 ـ  ثم إنه باستمرار إستبداده يقتل أشرف ما فى قلوب الناس ، يقتل فيهم العزة والكرامة ، ويجعل الرضى بالذُّل دينا ، يُفسد بأعوانه ( من رجال الدين ورجال الاعلام ) عقول الناس ، ويؤسس فيهم ثقافة العبيد والرضى بالقهر والاستسلام للبغى والظلم .

5 ــ الخطورة ( المُعتادة ) أن يستخدم فريق من الناس الثورة على الظالم ليزيحه ثم يجلس مكانه يعيد مسيرة الاستبداد والظلم بما يستوجب ثورة أخرى . ولهذا كان رب العزة جل وعلا واضحا فى كلامه ، محددا لمعنى القتال فى سبيله جل وعلا بأن ( يقوم الناس بالقسط ) ، أى أن يهب الناس جميعا بتأسيس القسط ، وما يعنيه من إقامة نظام عادل ديمقراطى بدولة يملكها الناس جميعا أوالأفراد جميعا على قدم المساوة ، يتمتعون فيها بالحرية المطلقة فى العقيدة والعبادات، وبالعدل السياسى والقضائى والاجتماعى . فلا بد من ( وعى ) يجمعهم لتحقيق هذا الهدف ، ويحشدهم من أجله،حتى لا تتكررالثورات والثورات المضادة ، وما يعنى هذا من حمامات دم لا داعى لها ولا آخر لها .

ثالثا :  القتال فى سبيل الله جل وعلا فى قصص الأنبياء السابقين  

1 ـ ومعنى أن الرسالات السماوية السابقة قد نزلت لتأسيس القسط ولمقاومة الظلم أنه كان هناك قتال فى سبيل الله جل وعلا ـ قبل الرسالة السماوية الخاتمة ـ القرآن الكريم . وهذا ما جاءت الاشارة اليه فى قصص القرآن الكريم فى سياق الدعوة للجهاد والقتال الدفاعى الاسلامى .

2 ـ يقول جل وعلا فى الحضّ على القتال فى سبيله جل وعلا : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة  ). أى هناك رُسُل سابقون ومعهم مؤمنون مستهم البأساء والضراء وزلزلوا وهم يُقاتلون دفاعا ، ويرجون ويتعجلون نصر الله جل وعلا ، وصبروا حتى جاءهم النصر .

3 ـ ويقول جل وعلا فى الحضّ على القتال فى سبيله جل وعلا يخاطب المؤمنين بالقرآن الكريم فى عهد النبوة ـ وحتى الآن ـ ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التوبة ). والآية الكريمة واضحة فى تأكيد أنّ : هناك عقد بين الله جل وعلا والمؤمنين ـ عقد بيع وشراء ـ أن يبيعوا لرب العزة جل وعلا أنفسهم جهادا وقتالا فى سبيله جل وعلا ـ وسبيله جل وعلا هو إقامة القسط الذى نزلت به كل الرسالات الالهية من رب العزة جل وعلا ـ ومقابل هذا البيع فالله جل وعلا يعدهم بالجنة ، والله جل وعلا لا يخلف الميعاد . هذه هى الحقيقة الأولى. الحقيقة الأخرى أن هذا العقد سبق نزوله قبل القرآن الكريم فى التوراة والانجيل .

 ونعيد التذكير بأن هذا المستبد الظالم هو بظلمه وبغيه ليس فقط يظلم الناس ولكن يظلم رب الناس ، لأنه يؤكد ظلمه وإستبداده بدين أرضى يفرضه على الناس ، ويستخدم أحقر البشر ــ أئمة هذا الدين الأرضى ـ ليستعبد بهم الناس ، ولكى يسوغوا أستبداده فى قلوب الناس . وهو جاثم على صدور الناس بقهره وبغيه ولا يمكن أن ينزاح عنهم إلا بقوة السلاح والاقتتال ، وهنا يكون العهد والعقد  بين رب العزة جل وعلا والمؤمنين الساعين لاقامة القسط ، الذين (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ). ومصيرهم الجنة . و( مهر الجنة ) غال ولا يدخلها من هبّ ودبّ ، يقول جل وعلا : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)  آل عمران ).

4 ـ ويقول جل وعلا فى الحضّ على القتال فى سبيله جل وعلا يخاطب المؤمنين بالقرآن الكريم فى عهد النبوة ـ وحتى الآن ـ  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) الصف ) .

هو نفس المعنى السابق ، من التجارة مع رب العزة ، أن تجاهد فى سبيل رب العزة لتنصر رب العزة فينصرك رب العزة (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد )، وهو نصر مؤكد لمن أخلص قلبه لرب العزة جهادا فى سبيله جل وعلا وبلا أى مطامع دنيوية ، يقول جل وعلا مؤكدا : (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج  ) ، وهو جل وعلا الأعلم بخفايا القلوب ، وهو الأعلم بمن ينصر الله جل وعلا مخلصا (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ). ونتيجة هذه التجارة مع رب العزة الغفران والجنة والنصر . ثم تأتى حقيقة مجهولة ، هى حدوث قتال فى عهد المسيح عليه السلام ، وانتصر فيه المسيح وأتباعه أنصار الله جل وعلا ، والله جل وعلا يعظ المؤمنين بهذا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14) الصف )  .

5 ـ وجاءت إشارة فى القصص القرآنى عن بنى إسرائيل بعد موسى ، وقد تعرضوا للإعتداء ، وأخرجهم عدوهم الباغى من ديارهم وأبنائهم ، ممّا ألجأهم الى أن يطلبوا من النبى الذى كان فيهم أن يختار لهم ملكا يقودهم فى هذه الحرب. ولأنهم من قبل رفضوا طلب موسى بأن يدخلوا الأرض المقدسة التى كتبها الله جل وعلا لهم وقالوا له ( إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) المائدة ) فإن النبى تشكك فى جديتهم فى القتال ، وخشى أنه لو كُتب عليهم القتال أن يقعدوا كما قعدوا من قبل ، فأكدوا له جديتهم وإضطرارهم القتال (فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) جل وعلا بعد أن أخرجهم المعتدى من ديارهم وأبنائهم ، يقول جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ) (246) البقرة ) وجاءت تفصيلات القصة ، وفى نهايتها النصر للفئة القليلة المؤمنة  ( البقرة 247 : 251 ).  

ولكن الذى يهمنا أنه : 1 ــ من حق بل من واجب الذى يتعرض للإعتداء والاخراج من دياره وأبنائه أن يقاتل فهذا هو العدل والقسط  ، ويكون قتاله هذا فى سبيل الله جل وعلا : ( وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا ) . 2 ـ وأنه قتال فى سبيل الله جل وعلا حدث قبل الرسالة السماوية الخاتمة . 3 ــ وأنه ترتب عليه ظهور داود ، وأنه أصبح ملكا نبيا ، ثم أنجب سليمان ، وصار ملكا نبيا . وهو الذى حدثت معه قصة ملكة سبأ .

أخيرا :

فى ضوء ما سبق نفهم التفصيلات غير المذكورة فى قصة سليمان مع ملكة سبأ . لا يمكن لسليمان أن يعتدى مخالفا شرع الله جل وعلا ، هناك تفصيلات غير مذكورة أوجبت عليه أن يراسل ملكة سبأ  ، خصوصا وأن الله جل وعلا ذكر هذه القصة إشادة بسليمان عليه السلام وليس لوما له أو طعنا فيه ، وترددت الإشادة بداود وسليمان فى بداية القصة : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) النمل ) . ونفهم من القصة أن الملأ حول ملكة سبأ كانوا يفخرون بأنهم (أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ) . فعلى من مارسوا قوتهم وبأسهم الشديد ؟ لم يذكر رب العزة هذه التفصيلات ، لأن الأهم هو أن ملكة سبأ دخلت فى الاسلام الذى يعنى العدل والقسط والسلام ، وتابت عن الظلم : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) النمل ) .

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 12997