مسلسل الدم فى خلافة المهدى العباسى ( 158 : 169 )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٨ - أبريل - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مسلسل الدم فى خلافة المهدى العباسى ( 158 : 169   )

مقدمة عن مستجدات الخليفة المهدى :

1 ــ بعد أبيه الطاغية الذى وطّد الدولة العباسية جاء دور ابنه المهدى ليُريح الناس بعد وحشية أبيه المنصور . خلف له ابوه ثروة بمئات الملايين فقام بتوزيعها بكرم غير مسبوق ، تقول الرواية عنه عام 160 : (  مات المنصور وفي بيت المال شيء لم يجمعه خليقة قط مائة ألف ألف درهم وستون ألف ألف درهم فلما صارت الخلافة إلى المهدي قسم ذلك وأنفقه ) (  وقسم مالاً عظيماً، وكان معه من العراق ثلاثون ألف ألف درهم، ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار، ومن اليمن مائتا ألف دينار، ففرق ذلك كله، وفرق مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ) (  وقسم المهدي في أهل مكة والمدينة مالًا كثيرًا فذكر أنه قسم في تلك السفرة ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه ووصل يه من مصر ثلاثة مائة ألف دينار ومن اليمن مائتا ألف دينار قسم كل ذلك كله وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب .   ورد المهدي على أهل بيته وغيرهم قطائعهم التي كانت مقبوضة عنهم . ) .

وعفا عن كثيرين من ضحايا ابيه ، تقول الرواية عنه عام  : 159:( وفيها أطلق المهدي من كان في حبوس المنصور، إلا من كان عنده تبعة من دم أو مال، أو من يسعى في الأرض بالفساد.). كما قام بإصلاحات الطرق وفى مكة والمدينة والمسجد الحرام ورعاية المساجين .

2 ـ هو بهذا يقترب مما عمله الخليفة الوليد بن عبد الملك ـ والذى جاء أيضا بعد طغيان ووحشية ابيه عبد الملك بن مروان . ولكن يختلف الحال بين الدولتين الأموية والعباسية . الدولة الأموية كانت عسكرية عربية قبلية ( نسبة للقبيلة ) ، وإستغلال الدين فيها كان بسيطا لا يتعدى الجبرية التى عرفتها قريش والتى كانت تبرر معاصيها بأنها إرادة الله .

 أما الدولة العباسية فقد أسّس فيها أبو جعفر المنصور ملامح الدولة الدينية ، ليس فقط بإعلانه أنه خليفة الله وأنه يحكم باسم الله وأنه سلطان الله فى أرضه ، ولكن أيضا فى إعتماده على فقهاء تابعين له يسبكون له الأحاديث ، وهو نفسه كان فقيها من أصحاب الحديث ، وخالط هذا الصنف من البشر ، وكوّن منهم ( ميليشيات ) مدنية تخترع الأحاديث فى دولة بنى العباس ، وأذاعوا أحاديث عن إبنه ( المهدى ) باسمه وصفته . وبدأ بهذا تلقيب الخليفة العباسى بلقب كهنوتى ( المهدى ) ( الهادى ) ( الرشيد ) ثم :( المعتصم بالله ) ( الواثق بالله ) ( المتوكل على الله )..الخ . ولم يكن هذا معروفا فى الدولة الأموية .

وبلقبه الكهنوتى والأحاديث التى صيغت من أجله بدأ الخليفة ( المهدى ) يخفى إدمانه للخمر والنساء بوظيفة جديدة أعطاها لنفسه بإعتباره حامى الدين ، وهى قتل ( الزنادقة ).

مسلسل الدم فى قتل الزنادقة

1 ـ كان قتل الزنادقة عملا سياسيا . بعد أن قتل المنصور ( أبا مسلم الخراسانى ) ثار أتباعه فى خراسان فى عهد المنصور والمهدى ومن جاء بعدهما ، وكان لأبى مسلم أتباعه داخل البلاط العباسى ، عملوا جواسيس للثوار الخراسانيين . ولهذا إقترن فى الدولة العباسية فى هذه الفترة إرسال جيوش لمحاربة الثائرين الفرس ، بملاحقة أنصارهم وجواسيسهم فى بغداد وما حولها ، وبدلا من قتلهم قتلا مجردا كما كان يفعل السابقون من الأمويين وحتى أبى جعفر المنصور ، إخترع ( المهدى ) بلقبه الكهنوتى أن يقتلهم بسيف الشرع السّنّى ، ومن ثم كان إختراع ما عُرف فيما بعد ب ( حد الردة ) .

2 ـ والغريب أن البلاط العباسى عاش فيه ملحدون حقيقيون كانوا يفخرون بإلحادهم يعتبرونه نوعا من التمدن والتحضر ، وتمتعوا برعاية المهدى لأن ولاءهم كان لدولته بلا أدنى شك ، ومن هؤلاء كان  مطيع بن إياس وحماد عجرد ويحيى بن زياد. زذكر ابن قتيبة في ‏"‏ طبقات الشعراء ‏"‏ قال‏:‏ كان بالكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون‏:‏ حماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان النحوي وكانوا يتعاشرون وكانوا كلهم يرمون بالزندقة . ) لم يتعرضوا للقتل ، بينما تعرض آخرون لمسلسل سفد الدماء .

3 ـ وفى عام  161 ، وعندما ساءت علاقة المهدى بوزيره أبى عبد الله أمر بقتل ابن الوزير بتهمة الزندقة .وكان هذا بتدبير الربيع حاجب المهدى والمنافس للوزير أبى عبد الله ، فأقنع المهدى بأن ابن الوزير له علاقة بحريم المهدى ، تقول الرواية إن المهدى إمتحن محمدا ابن الوزير فى حفظ القرآن فلم يجده يحفظ القرآن المهدى : (  فقال لأبيه: ألم تعلمني أن ابنك يحفظ القرآن؟ قال: بلى ولكنه فارقني منذ سنين، وقد نسي. قال: فقم فتقرب إلى الله بدمه، فقام ليقتل ولده، فعثر فوقع، فقال العباس بن محمد: إن رأيت أن يعفي الشيخ، فافعل. فأمر بابنه فضربت عنقه.! )  .

4 ـ فى عام 163 ، وفى جهيزه لغزو الروم ومصاحبته لابنه هارون ( الرشيد ) وحين وصل (حلب ) أمر المهدى بجمع الزنادقة وقتلهم . 

5 ـ وفى عام 166 ( اضطربت خراسان على المسيب بن زهير، فولاها الفضل بن سليمان الطوسي أبا العباس، وأضاف إليه سجستان، فاستخلف على سجستان تميم بن سعيد بن دعلج.) هذا الاضطراب جاء نقمة على كثيرين فى العراق ، إتهموهم بالزندقة ، ومنهم :
( داود بن روح بن حاتم، وإسماعيل بن مجالد، ومحمد بن أبي أيوب المكي، ومحمد بن طيفور) 

6 ـ وفى هذه السنة قتل المهدى الشاعر المشهور بشار بن برد ، وكان بشار وقتها فى أرذل العمر . كان بشار متمتعا بالحظوة ، ولكن لسانه إنطلق فى هجاء المهدى. عن سطوة الوزير يعقوب بن داود  فى خلافة المهدى ومجون المهدى قال بشار بن برد:

بني أميّةً هبّوا طال نومكم **          إنّ الخليفة يعقوب ابن داود

ضاعت خلافتكم يا قوم فالتمسوا **   خليفة الله بين النّاي والعود

وقال فى مجون المهدى :

خليفة يزني بعماته ** يلعب بالدبوق والصولجان

أبدلنا الله به غيره ** ودس موسى في حر الخيزران

( الحر ) هو العضو الجنسى للمرأة . والحيزران هى زوجة المهدى .

7 ـ فى عام 167  . تقول الرواية : ( جدّ المهدي في طلب الزنادقة، فأخذ يزيد بن الفيض، فأقر، فحبس، فهرب، فلم يقدر عليه. وكان المتولي لأمر الزنادقة الكلوذاني.)

8 ـ وفى عام 168  : ( مات عمر الكلوذاني، صاحب الزنادقة، وولي مكانه محمد بن عيسى بن حمدوية، فقتل من الزنادقة خلقاً كثيرا ) وارتبط هذا بحملة أرسلها المهدى الى طبرستان (   وفيها سير المهدي سعيداً الحرشي في أربعين ألفاً إلى طبرستانً.)، أى حارب المهدى عسكريا فى طبرستان ، وتتبع عملاء العدو بالزندقة . وظلت حروب المهدى مع الفرس حتى سنة وفاته عام 169 حين : ( خروج المهدي في المحرم إلى ما سبذان ‏) .

 

مسلسل الدم بين الداخل ( دار السلام ) والخارج ( دار الحرب )

  عام 158

 مات المنصور فى طريقه الى مكة وبويع المهدى .

وغزا الصائفة معيوف بن يحيى من درب الحدث، فلقي العدو، فاقتتلوا، ثم تحاجزوا. .
 عام 159  : ثورة المقنع الخراسانى

  ظهر المقنع بخراسان، وكان رجلاً أعور، قصيراً، من أهل مرو، ويسمى حكيماً، وكان اتخذ وجهاً من ذهب فجعله على وجهه لئلا يُرى، فسمي المقنع وادعى الألوهية..وكان يقول: إن الله خلق آدم، فتحول في صورته، ثم في صورة نوح،وهكذا إلى أبي مسلم الخراساني ، ثم تحول إلى هاشم، وهاشم، في دعواه، هو المقنع، ويقول بالتناسخ؛ وتابعه خلق من ضلال الناس وكانوا يسجدون له من أي النواحي كانوا، وكانوا يقولون في الحرب: يا هاشم أعنا.واجتمع إليه خلق كثير، وتحصنوا في قلعة بسنام، وسنجردة، وهي من رساتيق كش، وظهرت المبيظة ببخارى والصغد معاونين له، وأعانه كفار الأتراك، وأغاروا على أموال المسلمين.وكان يعتقد أن أبا مسلم أفضل من النبي، صلى الله عليه وسلم....واجتمعوا بكش، وغلبوا على بعض قصورها، وعلى قلعة نواكث، وحاربهم أبو النعمان، والجنيد.. وقتلوا حسان بن تميم بن نصر بن سيار، ومحمد بن نصر وغيرهما.وأنفذ إليهم جبرائيل بن يحيى وأخاه يزيد ..) .   

 عام 160

 خرج يوسف بن إبراهيم، المعروف بالبرم، بخراسان، منكراً هو ومن معه على المهدي سيرته التي يسر بها، واجتمع معه بشر كثير، فتوجه إليه يزيد بن مزيد الشيباني، وهو ابن أخي معن بن زائدة، فلقه، فاقتتلا، حتى صارا إلى المعانقة، فأسره يزيد بن مزبد وبعث به إلى المهدي، وبعث معه وجوه أصحابه، .. وقطعت يدا يوسف ورجلاه، وقتل هو وأصحابه، وصلبوا على الجسر.

  فتح مدينة باربد بالهند :عام 160

1 ـ كان المهدي قد سير، سنة 159، جيشاً في البحر، وعليهم عبد الملك بن شهاب المسمعي إلى بلاد الهند في جمع كثير من الجند والمتطوعة، وفيهم الربيع بن صبيح، فساروا حتى نزلوا على باربد، فلما نازلوها حصروها من نواحيها، وحرص الناس بعضهم بعضاً على الجهاد، وضايقوا أهلها، ففتحها الله عليهم هذه السنة عنوةً واحتمى أهلها بالبلد الذي لهم، فأحرقه المسلمون عليهم، فاحترق بعضهم، وقتل الباقون، واستشهد من المسلمين بضعةٌ وعشرون رجلاً، وأفاءها الله عليهم، فهاج عليهم البحر، فأقاموا إلى أن يطيب، فأصابهم مرض في أفواههم، فمات منهم نحو من ألف رجل فيهمالربيع بن صبيح، ثم رجعوا.
فلما بلغوا ساحلاً من فارس يقال له بحر حمران عصفت بهم الريح ليلاً، فانكسر عامة مراكبهم، فغرق البعض، ونجا البعض.( من الممكن تفسيره بالانتقام الالهى )

2 ـ غزا ثمامة بن العبس الصائفة، وغزا الغمر بن العباس الخثعمي بحر الشام.

3 ـ  وفيها خرج عبد السلام الخارجي بنواحي الموصل.

 عام 161 :  

1 ـ هلاك المقنع:

  سار معاذ بن مسلم وجماعة من القواد والعساكر إلى المقنع، وعلى مقدمته سعيد الحرشي، .. وأوقعوا بأصحاب المقنع، فهزموهم، فقصد المنهزمون إلى المقنع بسنام فعمل خندقها وحصنها، وأتاهم معاذ فحاربهم .... وطال الحصار على المقنع، فطلب أصحابه الأمان سراً منه، فأجابهم الحرشي إلى ذلك، فخرج نحو ثلاثين ألفاً، وبقي معه زهاء ألفين من أرباب البصائر. وتحول رجاء بن معاذ وغيره فنزلوا خندق المقنع في أصل القلعة، وضايقوه.
فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وأهله، وسقاهم السم، فأتى عليهم، وأمر أن يحرق هو بالنار لئلا يقدر على جثته؛ وقيل: بل أحرق كل ما في قلعته من دابة وثوب وغير ذلك، ثم قال: من أحب أن يرتفع معي إلى السماء فليلق نفسه معي في هذه النار! وألقى بنفسه مع أهله، ونسائه، وخواصه، فاحترقوا، ودخل العسكر القلعة، فوجدوها خالية خاوية.وكان ذلك مما زاد في افتتان من بقي من أصحابه، والذين يسمون المبيضة بما وراء النهر من أصحابه، إلا أنهم يسرون اعتقادهم . 

2 ـ المهدى يحاول غزو الاندلس ويفشل :

أرسل المهدى ( عبد الرحمن بن حبيب الفهري) ( ولقبه الصقلبى) من إفريقية فنزل  الأندلس محارباً لهم، ليدخلوا في الطاعة للدولة العباسية، وكان عبوره في ساحل تدمير، وكاتب سليمان بن يقظان بالدخول في أمره، ومحاربة عبد الرحمن الأموي، والدعاء إلى طاعة المهدي.وكان سليمان ببرشلونة، فلم يجبه، فاغتاظ عليه، وقصد بلده فيمن معه من البربر، فهزمه سليمان،  وسار عبد الرحمن الأموي نحوه في العدد والعدة، وأحرق السفن تضييقاً على الصقلبي في الهرب، فقصد الصقلبي جبلاً منيعاً بناحية بلنسية، فبذل الأموي ألف دينار لمن أتاه برأسه، فاغتاله رجل من البربر ، وحمل رأسه إلى عبد الرحمن، فأعطاه ألف دينار.

3 ـ غزا الصائفة ثمامة بن الوليد، فنزل بدابق، وجاشت الروم مع ميخائيل في ثمانين ألفاً، فأتى عمق مرعش، فقتل، وسبى، وغنم، وأتى مرعش فحاصرها، فقاتلهم، فقتل من المسلمين عدة كثيرة.  

4 ـ  وفيها غزا الغمر بن العباس في البحر.

عام 162

1 ـ  قتل الخارجى (عبد السلام بن هاشم اليشكري ) بقنسرين، وكان قد خرج بالجزيرة، فاشتدت شوكته، وكثر أتباعه، وهزم قادة للمهدى  ، فأرسل المهدى جيشا هزم عبد السلام، فهرب ، وقتلوه فى قنسرين .

 2 ـ خرجت الروم إلى الحدث، فهدموا سورها.

3 ــ غزا الصائفة السحن بن قحطبة في ثمانين ألف مرتزق سوى المتطوعة، فبلغ حمة أذرولية، وأكثر التحريق والتخريب في بلاد الروم، ولم يفتح حصناً، ولا لقي جمعاً، وسمته الروم التنين.

4 ـ غزا يزيد بن أسيد السلمي من ناحية قاليقلا، فغنم، وافتتح ثلاثة حصون، وسبى.( واضح أن السبى كان هدفا اساسا لدى أهل ( دار السلام ) لأن نساء الروم مشهورات بالجمال . لهذا إتجهت الغزوات الى حيث توجد الشقراروات الجميلات فى آسيا وفى أوربا . لم تتجه الى شرق أفريقيا ، وهى الأقرب الى العرب .

5 ـ خرجت الخوارج المحمرة بجرجان، عليهم رجل اسمه عبد القهار، فغلب عليها، وقتل بشراً كثيراً، فغزاه عمر بن العلاء من طبرستان، فقتله عمر وأصحابه،  

عام 163

    تجهز المهدي لغزو الروم، فأرسل جيشا يقوده ابنه هارون ( الرشيد ) وشيعه المهدى ، ثم  سار هارون، ومعه كبار القواد  ، فنزلوا على حصن سمالوا، فحصره هارون ثمانية وثلاثين يوماً ونصب عليه المجانيق، ( ففتحه الله عليهم بالأمان، ووفى لهم، وفتحوا فتوحاً كثيرة. )

عام 164

  غزا عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب من درب الحدث، فأتاه ميخائيل البطريق، وطاراذ الأرمني البطريق في تسعين ألفاً، فخاف عبد الكبير، ومنع الناس من القتال، ورجع بهم، فأراد المهدي قتله، فشفع فيه فحبسه.

عام 165 

تقول الرواية : (  سير المهدي ابنه الرشيد لغزو الروم صائفة، في جمادى الآخرة، في خمسة وتسعين ألفاً وتسعمائة وثلاثة وتسعين رجلاً، ومعه الربيع، فوغل هارون في بلاد الروم، ولقيه عسكر لقيظاً قومس القوامسة، فبارزه يزيد بن مزيد الشيباني فأثخنه يزيد وانهزمت الروم، وغلب يزيد على عسكرهم.وساروا إلى الدمستق، وهو صاحب المسالح، فحمل لهم مائة ألف دينار وثلاثة وتسعين ألفاً وأربعمائة وخمسين ديناراً، ومن الورق أحداً وعشرين ألف ألف درهم وأربعة عشر ألفاً وثمانمائة درهم.وسار الرشيد حتى بلغ خليج القسطنطينية، وصاحب الروم يومئذٍ عطسة امرأة أليون، وذلك أن ابنها كان صغيراً قد هلك أبوه وهو في حجرها، فجرى الصلح بينها وبين الرشيد على الفدية، وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في الطريق، وذلك أنه دخل مدخلاً ضيقاً مخوفاً، فأجابته إلى ذلك، ومقدار الفدية سبعون ألف دينار كل سنة، ورجع عنها.وكانت الهدنة ثلاث سنين، وكان مقدار ما غنم المسلمون إلى أن اصطلحوا خمسة آلاف رأس سبي رأس وستمائة وثلاثة وأربعين رأساً؛ ومن الدواب الذلل بأدواتها عشرين ألف رأس، وذبح من البقر مائة ألف رأس، وقتل من الروم، في الوقائع، أربعة وخمسون ألفاً، وقتل من الأسارى صبراً ألفان وتسعون أسيراً.) لاحظ تعداد رءوس السبى مثل رءوس الأنعام . ولاحظ قتل الأسرى صبرا ، أى تركهم يموتون جوعا وعطشا وبردا .!!

عام 166

ولم يكن في هذه السنة صائفة، للهدنة التي كانت فيها.

عام 167
1 ـ سار موسى الهادي إلى جرجان في جمع كثير وجهاز لم يتجهز أحد بمثله لمحاربة ونداد هرمز، وشروين، صاحبي طبرستان .

2 ـ  أفسد العرب في بادية البصرة بين اليمامة والبحرين،( أى منطقة نجد الآن ) ، وقطعوا الطريق، وانتهكوا المحارم، وتركوا الصلاة، فأرسل المهدي إليهم جيشاً، فقاتلهم، واشتد القتال، وصبر العرب، فظفروا، وقتلوا عامة العسكر المنفذ إليهم، فقويت شوكتهم وزاد شرهم.  

عام 168

1 ـ في رمضان، نقض الروم الصلح الذي كان بينهم وبين المسلمين، وكان من أوله إلى أن نقضوه اثنان وثلاثون شهراً، فوجه علي بن سليمان، وهو على الجزيرة وقنسرين، يزيد بن البدر بن البطال في خيل، فغنموا وظفروا.

2 ـ  خرج بأرض الموصل خارجي اسمه ياسين من بني تميم، فخرج إليه عسكر الموصل، فهزمهم، وغلب على أكثر ديار ربيعة والجزيرة، وكان يميل إلى مقالة صالح بن مسرح الخارجي، فوجه إليه المهدي أبا هريرة محمد بن فروخ القائد وهرثمة بن أعين مولى بني ضبة، فحارباه، فصبر لهما، حتى قتل وعدة من أصحابه، وانهزم الباقون.

 

 أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :

نذكركم بعنوان الكتاب : الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).

ونذكركم :

1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا  أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )

2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )

3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام .  ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم

4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ  )(76) النساء  )

اجمالي القراءات 10952