التنوير كما قلنا هو المعرفة والاطلاع بلا حدود، هو إعمال العقل في الأشياء، هو البحث عن الحقيقة لذاتها وليست لأغراض أخرى..
وهذا التعريف لا يمكن تحقيقه بعنصر واحد، أي لا يمكن لعنصر المثقفين وحدهم أن يجدوا التنوير، ولا عنصر الشيوخ وحدهم، ولا عنصر السلطة وحدها، ولا المجتمع الأمي ولا المتحضر..
كل هؤلاء تروس في منظومة التنوير لا يستغنوا عن بعضهم
توضيح أكثر
هل رأيت مباريات الكرة؟
تخيل هذا المشهد: مباراة لكرة القدم في ملعب مستطيل ، وجمهور في المدرجات، وحَكَم حيادي ونزيه، ولاعبين متنافسين كل يخرج ما لديه من طاقة لهزيمة المنافس..
هذا بالضبط مشهد التنوير
فملعب الكرة هو الدولة التي تحتضن التنوير، فلا يمكن لتنوير أن يكون إلا بدولة تحتضنه وترعاه..وليست تسجنه كما يحدث في مصر..
وحَكَم المباراه هي السلطة التنفيذية التي يجب أن تكون حيادية..لا إقصائية تهدد فصيل من الناقدين والمثقفين من الظهور في القنوات والصحف المصرية..لحساب فريق آخر..
واللاعبين هم كل عناصر التنوير المتنافسين..الشيوخ والناقدين والحكام وذوي المصالح، حتى في كل فصيل منهم يوجد صراع على أحقية تمثيل طائفته..
أما الجمهور فهم الشعب الذي كما في ملعب الكره يتفاعل مع اللعبة الحلوة، سيتفاعل أيضا مع الفكرة الحلوة والمنطقية والأسلوب الجميل..
هذا يعني أن قيام فئة واحدة من هؤلاء بالتنوير هو كذب في كذب، ووهم كبير، لا السلطة وحدها قادرة على التنوير، ولا الشيوخ وحدهم، ولا المثقفين ولا الجمهور ولا القانون ولا الدولة..كل هؤلاء عناصر رئيسة تعمل وفق أجواء من الحرية التي أتيحت للاعب الكرة أن يكون مثل ليونيل ميسي ورونالدو وأبو تريكة وحازم إمام..بالضبط كما أتيحت للتنويريين حتى ظهر منهم أمثال روسو وديكارت وابن رشد وفرج فودة وغيرهم..
التنوير هو حالة خلق إبداعية لن تكون إلا بالحرية، وبتفاعل كل ذوي المصلحة أن يكون في هذا البلد وفي هذا المكان تنوير، أي يلزم قبل البدء في التنوير هو وجود إرادة حقيقية وسلوكيات متوافقة مع هذه الإرادة ، وأفكار واضحة غير ملتبسة..دون ذلك فهو نوع من الغش والكذب..
السيسي في مصر يكلف الأزهر بالتنوير..هذا غش وكذب وتدليس..لأن الأزهر مجرد لاعب في مباراه للتجديد والنقد، وفي المباريات لا يمكن أن يلاعب الشخص نفسه، لابد من منافس ، ومنافس على قدر المكانة الأزهرية من العلم، أي وكما منع الفيفا أن يلاعب فريق14 سنة منتخب أول..فالأزهر ممنوع أن يخاطب ويتنافس إلا مع مثقفين حقيقيين وناقدين متمرسين..سوى ذلك هو نوع آخر من الغش والتلبيس على العوام..
قيل في الصين أن الارتباك القليل يؤدي إلى الضلال، والكثير يؤدي إلى فقدان الطباع، والسلطة في مصر مرتبكة بعد عامين على دعوتها للتجديد والتنوير..وستفقد طباعها وتصبح معها أكثر وضوحا مع زيادة حدة ارتباكها بمواجهة صريحة مع الثقافة والفكر..وما حبسهم الآن بقانون متخلف وهمجي إلا مقدمة لما يمكن حدوثه .