كان خطاب أبي علي الشامي حادا..حتى أن الدكتور عطية لم يستطع تحمله وخاطب نفسه بعدم جدوى الحوار، وأن مشاعر الشيخ عبدالعال كانت صادقة، هؤلاء قوم يفسرون أحكام الدين بطريقة متعسفة، وهي طريقة مشهورة عند كل متطرفي الأديان، ويسقطون آيات الكفر على المؤمنين، وصفات الظلم والبغي في أعدائهم، فيلبسون معاركهم لبوسا مقدسا هو ما يحملهم على الصبر والتضحية في المعارك..
وبعد خطاب للنفس قصير اتخذ أخيرا قراره
هم الجميع بالانصراف من المكان، ولكي يصبح خروجهم لائقا أقدم الشيخ عبدالعال على تصدر الكلمة وقال:
" أيها الأخوة جئناكم لا نبغي دنيا ولا مال، بل ابتغينا مرضاة الله وأن نوحد صفوفنا ضد أعداء الأمة، ولكن لم يشأ الله أن نتوحد الآن على أمل أن ننظر في أمرنا جميعا ونخلص إلى الله..
أنتم بشر مميزون ومخلصون وعالمين بالحق والشريعة، وخلافكم مع الأزهر هو خلاف تنوع وليس خلاف ديني حقيقي، نرجو منكم إعادة النظر في موقفكم لأن الدين يحمل من المفاهيم والنصوص ما يعارض بعض مواقفكم وسلوكياتكم خصوصا التي اتخذتموها معنا، ونحن الآن سنسافر إلى مصر ونبلغ تحياتكم إلى مشيخة الأزهر..والسلام عليكم".
عاد الوفد الأزهري إلى مصر وفي الطائرة دار هذا الحوار:
الشيخ عبدالعال: هل جاءكم كلامي الآن؟..قلنا أن هؤلاء لا يصلح معهم حوار، وأن الخير كل الخير في ما يفعله بشار بهم والجيشين الروسي والأمريكي، والحمد لله إن الجيش المصري قايم معاهم بالواجب في سيناء وزيادة..
هنا اعترض الشيخ الجندي قائلا: ياشيخ عبدالعال كل جماعة إسلامية تعتقد أنها الإسلام، حتى الأزهر يعتقد نفسه أنه ممثل الدين..يجب أن لا نخجل من الاعتراق بذلك ، فأنا أرى أننا لم نوفق في رد حجج الدواعش، وكانت أدلتهم عليكم كالسهم.
الشيخ عبدالعال: ولماذا لم ترد بالنيابة عنا ياشيخ جندي؟
الشيخ الجندي: كيف أرد وقد ابتلانا الله في الأزهر بقيادة ضعيفة ومنهج فكري ضعيف دائما يجنح إلى التبرير دون اتخاذ موقف حقيقي، صراحة بدأت أخجل من انتمائي للأزهر خصوصا بعد ما رأيته في هذه المناظرة..
هنا تدخل د عطية بصوت هادئ ومستنكر: أراك تميل ناحية الدواعش واقتنعت بفكرهم ياشيخ جندي..!
الشيخ الجندي: بصراحة نعم..هم أقوى حجة وواضحين جدا
د عطية: طب ولماذا سافرت معنا ..كنت خليك معاهم
الشيخ الجندي: الإقتناع بأفكارهم وليس بدولتهم..هذه دولة ستزول حتما وهم ضعفاء في السياسة، لكن في الشريعة هم السادة ونحن التلاميذ..لكن نخشى التصريح بذلك..
د عطية: وهل ما زلت تخشى التصريح؟..يمكنك فعل ذلك لو أردت فور الرجوع إلى مصر..اطلع على الإعلام وقول بوضوح أننا فشلنا في المناظرة كي يحدث ما لا يحمد عقباه وأنت تعلم ماذا سيحدث خصوصا للمشيخة التي وثقت فينا وصدرتنا إلى هذا الحوار..
الشيخ الجندي: حقيقة لا أنوي التصريح وأثق أنكم لن تصرحوا..وشخصيا مستعد للاعتكاف فترة أراجع فيها أفكاري..فلربما كنتم مصيبون وأن مخطئ..وربما العكس..
د عطية: خذ وقتك وأتمنى لي ولك الهداية
الشيخ عبدالعال:مشكلة الشيخ الجندي أعرفها من زمان، أنت ياشيخ لست ضليعا بأصول الفقه، وكل ما لديك من علم هو في اللغة العربية والتاريخ الإسلامي ، لكن ضعيف جدا في الفقه والعقيدة وعلم الكلام..لذلك لم تثق فيك المشيخة للتحدث ولكن للمشوره الفنية.
الشيخ الجندي: صراحة ياشيخ عبدالعال أنا لا أنكر ما قلت..لكن في نفس الوقت لن تنكر أن أدلتهم الحديثية والقرآنية كانت أقوى، حتى أن زعيمهم المناظر أبو علي الشامي كان واسع العلم ولديه ردود على كل شبهاتك عليهم، وأنا كنت معارض لهذه الرحلة ليس لأنها بلا فائدة..ولكن لأنها ليست نزيهة، فنحن سافرنا إليهم للتشهير بهم وتهديدهم ولم يكن غرضنا أبدا هو الحق لذلك خسرنا المعركة فكريا..وهم الآن تأكدوا مليون في المائة أنهم على الحق وأننا على الباطل.
قلت (سامح عسكر) ما لم ينتبه إليه هؤلاء جميعا أنهم يتحدثون من مرجعية واحدة وهي .."التراث السني"..وفي المناظرات -ذات المرجعية المشتركة- يكسب الأكثر وضوحا، لذلك كانت حجة داعش أقوى لأنها الأوضح، أما حجج الأزهر ورغم أنه يمتلك مخزون عظيم من علم الكلام والفقه.. إلا أن هذا لا يمثل شئ بجانب توظيف القرآن كعلم قديم بجانب السنة القاضية عليه، أي أن الطرفين يتعاملان مع القرآن والسنة كوحيين مكملين لبعضهما، علاوة على إيمانهم المشترك بالناسخ والمنسوخ وهذا ما حمل الأزهر بعدم التركيز على قضايا الحريات في القرآن كون أغلب الآيات التي تسمح بحرية العقائد هي لديهم منسوخة...انتهى
استغرب الشيخ عبدالعال من مقولة الجندي التي يكرر فيها "مزاعم" انتصار داعش وقال:
"ياشيخ جندي أنت تعلم جيدا أن الإنكار على المجتهدين في الأمور الخلافية هو جهل عظيم وليس من أساسيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم ينكرون علينا اجتهادنا ..لسنا فقط..بل الجميع لديهم مخطئون..فكيف تقر بحجتهم رغم أننا تحدثنا معهم فقط في قضيتين خلافيتين فقط هما.."الربا والإمامة"..وكفرونا بسببها..
إن إقرارك بانتصارهم يعني تحولك لداعش فكريا..وهذا خطر عليك دينيا وسياسيا"..
الشيخ الجندي: اطمئن أنا لن أذهب إليهم لأنني لست حمارا ليحكمني شخص ساذج وغبي كأبي بكر البغدادي..الموضوع وما فيه أنني أفكر بصوت عالي معكم....وبعد قليل سندخل المشيخة ونقابل شيخ الأزهر ونسلمه التقرير..
وصلت الطائرة إلى مطار القاهرة وكان في استقبالهم ممثل وزارة الأوقاف الذي اصطحبهم للوزارة ثم لدار الإفتاء المصرية ثم للمشيخة لعمل مقابلة مع شيخ الأزهر بعد ذلك، وبعد وصولهم لمكتب سيادة الوزير أولا صافحهم مدير مكتبه وأجلسهم في بهو ساحة الاستقبال على أمل أن يعرف منهم ما دار في الحوار قبل أن ينشر..
وإلى حوار الأوقاف في الجزء التاسع من الرحلة