ثورات الخوارج فى خلافة معاوية
تعددت ثورات الخوارج فى خلافة معاوية قبل الفتنة الكبرى الثانية ، ومنها:
أولا : ثورات متفرقة فى عامى 41 : 42
1 ـ : ( فروة بن نوفل الأشجعي ) : إعتزل (فروة بن نوفل الأشجعي ) في خمسمائة من الخوارج قتال (على ) فلما تولى معاوية قرروا حرب معاوية ، فتحركوا نحو الكوفة بقيادة ( فروة بن نوفل ) وإقتربوا من النخيلة عند الكوفة، فأرسل معاوية الى (الحسن ابن علي ) يدعوه إلى قتال الخوارج ، فكتب الحسن إلى معاوية: ( لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها.) . فأرسل اليهم معاوية جيشا فهزمه الخوارج . فأمر معاوية أهل الكوفة بقتال الخوارج ، وهددهم إن لم يفعلوا ، فخرج الكوفيون لقتال الخوارج ، فقالت لهم الخوارج:( أليس معاوية عدونا وعدوكم؟ دعونا حتى نقاتله، فإن أصبنا كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا.) فقالوا: ( لابد لنا من قتالكم. ). فأخذت قبيلة (أشجع ) ابنهم ( فروة بن نوفل الأشجعى ) فحادثوه ووعظوه فلم يرجع، فأخذوه قهراً وحبسوه فى ( الكوفة) ، فجعل الخوارج قائدا عليهم هو ( عبد الله بن أبي الحوساءالطائى ) ، وقاتلهم أهل الكوفة وهزموهم ، وقتلوا ابن أبي الحوساء.
2 ـ : ( حوثرة بن وداع ) : قادهم حوثرة بن وداع الأسدى ، وتحرك بهم الى (النخيلة ) قرب الكوفة ، ومعه مائة وخمسون ولحق به آخرون . فأرسل معاوية والد حوثرة ليعظه ، ولم يتعظ حوثرة بوعظ أبيه، فقال له أبوه : ( ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه؟) فقال حوثرة لأبيه : ( أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أتقلب فيه ساعة أشوق مني إلى ابني.!). فرجع أبوه فأخبر معاوية بقول حوثرة ، فأرسل معاوية إليهم عبد الله بن عوف الأحمر في ألفين، وخرج أبو حوثرة فيمن خرج، فدعا ابنه إلى البراز، فقال: ( يا أبه لك في غيري سعة.! ). وإنهزم الخوارج، وقُتل حوثرة بيد عبد الله بن عوف قائد جيش معاوية. ورأى ابن عوف بوجه حوثرة أثر السجود، وكان صاحب عبادة، فندم على قتله.
3 ــ ثورة فروة بن نوفل الثانية ومقتله : عاد ( فروة بن نوفل الأشجعي ) للثورة فى ولاية (المغيرة بن شعبة ) على الكوفة ، فأرسل إليه المغيرة خيلاً عليها شبث بن ربعي، ويقال: معقل بن قيس، فلقيه بشهرزور فقتله.
4 ـ ثورة شبيب بن بجرة:خرج شبيب على (المغيرة ) فى الكوفة ، فبعث إليه المغيرة خيلاً عليها خالد بن عرفطة، وقيل: معقل ابن قيس، فاقتتلوا فقتل شبيب وأصحابه.
5 ـ قتل معين الخارجي:كان للمغيرة بن أبى شعبه جواسيسه فى الكوفة ، فأبلغوه أن (معين بن عبد الله ) يريد الخروج، فحبسه المغيرة ، وبعث إلى معاوية يخبره أمره، فكتب إليه معاوية: ( إن شهد أني خليفة فخل سبيله ). فأحضره المغيرة وقال له: ( أتشهد أن معاوية خليفة وأنه أمير المؤمنين؟) فقال معين : ( أشهد أن الله، عز وجل، حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. )، فأمر به فقتل، قتله قبيصة الهلالي. ثم فيما بعد قام رجل من الخوارج بإغتيال قبيصة .
6 ـ ثورة أبى مريم :خرج أبو مريم مولى بني الحارث بن كعب، ومعه امرأتان: قطام وكحيلة، وكان أول من أخرج معه النساء، فوجه إليه المغيرة جابراً البجلي، فقاتله فقتل أبو مريم وأصحابه .
7 ـ ثورة سهم بن غالب عام 42: خرج سهم بن غالب الهجيمي في سبعين رجلاً منهم الخطيم ، فنزلوا بين الجسرين والبصرة، وقتلوا فى طريقهم رجلا وابن أخيه، فخرج إليهم والى البصرة ابن عامر بنفسه وقاتلهم وهزمهم ، وهرب بقيتهم إلى غابة وفيهم سهم والخطيم، فعرض عليهم ابن عامر الأمان فقبلوه، فآمنهم، فرجعوا، فكتب إليه معاوية يأمر بقتلهم، فكتب إليه ابن عامر: إني قد جعلت لهم ذمتك .فلما أتى زياد البصرة سنة 45 هرب سهم والخطيم خوفا منه فخرجا إلى الأهواز، فاجتمع إلى سهم جماعة ، فأقبل بهم إلى البصرة، فتفرق عنه أصحابه، فاختفى سهم،وطلب الأمان فلم يؤمنه زياد، وبحث عنه، فدُلّ عليه، فأخذه وقتله وصلبه في داره عام 45 .
ثانيا : ثورة الخوارج بزعامة المستورد بن علفة فى عامى 42 : 43
1 ـ كان (على ) قد عفا عن بعض الخوارج ، فارتحلوا شرقا الى منطقة ( الرى ) ، وكانوا بضعة عشر ، وتزعمهم ( حيان بن ظبيان السلمي ) ، ولما علموا بمقتل (على ) دعاهم ( حيان ) إلى الخروج ومقاتلة أهل القبلة، فأقبلوا إلى الكوفة فأقاموا بها حتى قدمها معاوية، واستعمل على الكوفة المغيرة بن شعبة، وكان المغيرة يتسامح مع من يرى رأى الخوارج طالما لا يتأهب للثورة ، وكانت عيونه تأتيه بأخبارهم ( فيقال له: إن فلاناً يرى رأي الشيعة وفلاناً يرى رأي الخوارج، فيقول: قضى الله أن لا يزالوا مختلفين وسيحكم الله بين عباده. فأمنه الناس.) وأسفرت إجتماعات الخوارج عام 42عن تكوينهم جماعة من 400 شخص ، بقيادة ( المستورد بن علفة التيمي ) وقد جعلوه ( أمير المؤمنين ). وتواعدوا على الخروج فى شعبان 43 .
2 ـ ووصلت أخبارهم الى المغيرة فأرسل صاحب شرطته، فإعتقلهم ولم يكن معهم المستورد وقتها ، وحقق معهم المغيرة فلم يعترفوا بشيء، وذكروا أنهم اجتمعوا لقراءة القرآن، وظلوا في السجن نحو سنة. وسمع إخوانهم فحذروا، وخرج صاحبهم المستورد فنزل الحيرة، واجتمعت به الخوارج إليه، وبلغ المغيرة خبرهم وأنهم عازمون على الخروج تلك الأيام، فجمع رءوس القبائل وحذرهم ، وأيده معقل بن قيس الرياحي ، وكان من شيعة (على ) وكارها للخوارج ، فقال : ( أنا أكفيك قومي فليكفك كل رئيس قومه. ) فقال المغيرة : ( ليكفني كل رجل منكم قومه وإلا فوالله لا تحولن عما تعرفون إلى ما تنكرون، وعما تحبون إلى ما تكرهون.) ، فرجعوا إلى قومهم فناشدوهم الله والإسلام إلا دلوهم على كل من يريد أن يهيج الفتنة. ) وجاء أصحاب المستورد إليه فأعلموه بما قام به المغيرة في الناس وبما قام به رؤوسهم فيهم ، فتحرك بثلثمائة من أصحابه وساروا إلى الصراة، فسمع المغيرة بن شعبة خبرهم فدعا رؤساء الناس فاستشارهم فيمن يرسله إليهم،وانتهى الأمر بإرسال ( معقل بن قيس) ومعه ثلاثة آلاف فارس معظمهم من شيعة (على ) .وتحرك المستورد بالخوارج إلى بهر سير ، وأرادوا العبور إلى المدينة العتيقة التي فيها منازل كسرى، فمنعهم سماك بن عبيد الأزدي العبسي، وكان عاملاً عليها . وأقام المستورد بالمدائن ثلاثة أيام، ثم بلغه مسير معقل إليهم ، فتحرك المستورد الى المذار. وبلغ ابن عامر والى البصرة خبرهم فأرسل اليهم (شريك بن الأعور الحارثي )، وكان من شيعة علي، ومعه ثلاثة آلاف فارس من الشيعة، وكان أكثرهم من ربيعة، وسار بهم إلى المذار.وأما معقل بن قيس فسار إلى المدائن حتى بلغها، فبلغه رحيلهم. فأرسل معقل فرقة إستطلاع من 300 فارس يقودهم أبو الرواغ الشاكري ، فتبعهم أبو الرواغ حتى لحقهم بالمذار، وتقاتل معهم ، ثم لحق معقل بأبى الرواغ وقاتل معه المستورد وجماعته ، وجاءت الأخبار بوصول مدد من البصرة لمعقل يقوده (شريك بن الأعور) ومعه ثلاثة آلاف. فانسحب المستورد بأصحابه ، فارسل معقل خلفهم أبا الرواغ يطاردهم ومعه 600 فارس ، وأدركهم أبو الرواغ ونازلهم ، وخاف المستورد أن يأتى معقل بجيشه فمضى هو وأصحابه فعبروا دجلة ووقفوا في أرض بهرسير وتبعهم أبو الرواغ حتى نزل بهم بساباط، فانسحب المستود ليلقى معقل ، فوجد أصحاب معقل على وشك الرحيل ففاجأهم وتقاتل معهم وكادوا يهزمونهم لولا لحق ابو الرواغ ونشب قتال مرير ، وتبارز معقل والمستورد وقتل كل منهما صاحبه . وتولى القيادة بعد معقل نائبه عمرو بن محرز فأكمل هزيمة الخوارج ولم ينج منهم غير خمسة أو ستة.
ثالثا : الخوارج وزياد ابن أبيه
1 ـ إشتد زياد فى مطاردة الخوارج فى ولايته على الكوفة ثم بعد ضم البصرة اليه، فقتل منهم كثيرين ، وأمر نائبه سمرة بذلك فقتل منهم بشراً كثيراً. وخطب زياد على المنبر فقال: ( يا أهل البصرة والله لتكفنني هؤلاء أو لأبدأن بكم! والله لئن أفلت منهم رجل لا تأخذون العام من عطائكم درهماً!) فثار الناس بهم فقتلوهم.
2 ـ وفى عام 52 خرج زياد بن خراش العجلي في ثلاثمائة فارس فأتى أرض مسكن من السواد، فسير إليه زياد خيلاً عليها سعد بن حذيفة أو غيره، فقتلوهم وقد صاروا إلى ماه
3 ـ وخرج معاذ الطائي:فى نفس السنة في ثلاثين رجلاً هذه السنة، فبعث إليه زياد من قتله وأصحابه.
رابعا : الخوارج وعبيد الله بن زياد
1 ـ تولى بعد أبيه زياد، وقد إتبع سياسة أبيه فى أخذ الخوارج بالشدة وتتبع من له ميول للثورة ، ومن يؤمن بدين الخوارج .
2 ـ وفى عام 58 : ( كان قوم من الخوارج بالبصرة يجتمعون إلى رجل اسمه جدار، فيتحدثون عنده ويعيبون السلطان، فأخذهم ابن زياد فحبسهم ثم دعا بهم وعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضاً ويخلي سبيل القاتلين، ففعلوا، فأطلقهم. ) وندم القتلة بعد إطلاق سراحهم ، وكان منهم ( طواف ) وأصحابه ، وتعرضوا الى اللوم ، فعرضوا على أهل القتلى دفع الدية فرفضوا أخذها ، فعرضوا أن يقتلوهم قصاصا فأبوا .فلم يجدوا سبيلا للتوبة إلا بالثورة وقتل ابن زياد . وبويع طواف عام 58 ، وتبعه 70 رجلاً من بني عبد القيس بالبصرة، وعلم بهم ابن زياد، فأرسل ابن زياد الشرطة ، فتحرك طواف قبل مجىء الشرطة وهرب ، ولحقتهم الشرطة ، ولكن انهزمت الشرطة ، ودخل طواف البصرة ، وطاردتهم من بقى من الشرطة ، وذلك يوم عيد الفطر، وإنضم أهل البصرة للشرطة فقتلوا الخوارج ، وبقي مع طواف ستة فقط، وعطش فرسه فأقحمه الماء، فرمته الشرطة بالنشاب وقتلوه ثم صلبوه.
3 ـ وتابع عبيد الله بن زياد سياسته المتشددة مع الخوارج ، فقتل منهم جماعةً كثيرة، بمجرد الاشتباه . ومنهم: عروة بن أدية. أحد الوُعّاظ . وكان سبب قتله أن ابن زياد كان قد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه الناس وفيهم عروة، فأقبل عروة على ابن زياد يعظه، وكان مما قال له( أتبنون بكل ريعٍ آيةً تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين} الشعراء: 128- 130.)، فغضب ابن زياد ، فقام وركب وترك رهانه. فقيل لعروة: ليقتلنك! ، فاختفى عروة، فطلبه ابن زياد ، فهرب وأتى الكوفة، فأُخذ ، وجىء به لابن زياد، فقطع يديه ورجليه وقتله، وقتل ابنته.
4 ـ ( وأما أخوه أبو بلال مرداس فكان عابداً مجتهداً عظيم القدر في الخوارج، وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم، وشهد النهروان مع الخوارج، وكانت الخوارج كلها تتولاه، وكان يقول: ( لا نقاتل إلا من قاتلنا ولا نجبي إلا من حمينا.)
5 ـ ( وكانت البثجاء، امرأة من بني يربوع، تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته، وكانت من المجتهدات، فذكرها ابن زياد، فقال لها أبو بلال مرداس : ( إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك.) قالت: ( أخشى أن يلقى أحدٌ بسبي مكروهاً. ) فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، فمر بها أبو بلال في السوق فعض على لحيته وقال: أهذه أطيب نفساً بالموت منك يا مرداس؟ ما ميتةٌ أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء! .
6 ــ وبسبب تطرف ابن زياد فى الايقاع بمن يعتنق فكر الخوارج أحسّ مرداس بالخطر ( فخرج في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فكان إذا اجتاز به مالٌ لبيت المال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي، فلما سمع ابن زياد بهم بعث إليهم جيشاً عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين .. وكان الجيش ألفي رجل، فلما وصلوا إلى أبي بلال ، ناشدهم الله أن يقاتلوه فلم يفعلوا، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا: أتردوننا إلى ابن زياد الفاسق؟. فرمى أصحاب أسلم رجلاً من أصحاب أبي بلال فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدؤوكم بالقتال. فشدّ الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد ، فهزموهم . فقدموا البصرة، فلام ابن زياد أسلم وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين، لا خير فيك! فقال: ( لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميتٌ ). فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أما أبو بلال وراءك! فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم فانتهوا.وقال رجل من الخوارج:
أألفا مؤمنٍ منكم زعمتم ** ويقتلهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ** ولكن الخوارج مؤمنونا ).
أخيرا : لا بأس من عقد مقارنة بين فرار هذا الجيش الأموى الحكومى وفرار القوات الحكومية فى العراق أمام داعش .