قضية المراة و الحركة الامازيغية اية علاقة و اية جدلية؟
قضية المراة و الحركة الامازيغية اية علاقة و اية جدلية؟

مهدي مالك في الأحد ٢٠ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

قضية المراة و الحركة الامازيغية اية علاقة و اية جدلية؟

مقدمة   مطولة                                                    

احتفل المغرب كما هو معلوم باليوم العالمي للمراة المصادف ليوم 8 مارس حيث اخذ اعلامنا الرسمي يعد المكاسب المحققة لفائدة المراة المغربية منذ صدور مدونة الاسرة الى اليوم من التنصيص الدستوري على المناصفة في فصل 19 الخ.

انني اعتبر ان هذه المكاسب المحققة لصالح المراة المغربية هي تراكم مفيد يحسب على الحركة النسائية المغربية بالرغم من وجود ثقافة مجتمعية ذكورية مستوردة  من المشرق العربي بمعنى انها ليست اصيلة على الاطلاق في مجتمعنا الامازيغي قبل الاسلام و بعده في عز حضارتنا الامازيغية الاسلامية كما اسميها شخصيا..

ان هذه الثقافة الجاهلية بعد الاسلام كما اصبحت اسميها جعلت المراة عورة لا يجوز لها فعل اي شيء الا طاعة الزوج او السيد الذي يملكها وفق اراء و اجتهادات فقهاء السلف الصالح و لا يجوز لها تولي الولاية العامة اي ان تكون رئيسة الدولة الاسلامية بمفهومها السلفي اي الخلافة الاسلامية و ليس بمفهومها الحقيقي كما شرح لنا الاستاذ احمد صبحي منصور في كتبه المنشورة في موقع اهل القران ..

ان خطاب السلف الصالح قد اصبح مرجعية جوهرية لدى الخطاب الديني الرسمي لجميع دول المغرب الكبير و دول المشرق العربي و قد اصبح كذلك مرجعية جوهرية لجل تيارات الاسلام السياسي كما تسمى حيث هنا يمكن تفسير قمع المراة بمختلف مظاهره من الضرب و الاهانة داخل مجتمعاتنا الاسلامية حيث لا يمكن حدوث اية نهضة للمراة المسلمة الا التخلي عن فقه الحريم و فقه الذكور الخ من هذه الافكار التي اكل عليها الدهر و شربها بغية  احقاق حقوقها كما هي متعارف عليها في المواثيق الدولية لحقوق الانسان و في الاسلام نفسه.

 ان نخبتنا الدينية الرسمية بالمغرب  مازالت جامدة جمود الجبال حيث تناهض عملية التحديث في مجتمعنا المغربي حيث منذ كنت صغيرا في اواسط التسعينات و اتابع برنامج اذاعي ديني على الاذاعة الامازيغية لفقيه معروف حيث ان هذا الفقيه كان يقول دائما ان من الواجب على الرجل ضرب زوجته اذا امتنعت عنه في الفراش و صوت المراة هو عورة و يجب على المراة ان تسجد لزوجها الخ من هذه الافكار الحاملة للثقافة المشرقية التي تحتقر المراة بجعلها سلعة تعرض في اسواق الدعارة السلفية حيث اتساءل ما فرق بين الجارية و العاشقة في وقتنا المعاصر حسب رايي الشخصي؟

و بينما في ثقافتنا الامازيغية فان المراة كانت ذات شان عظيم سواء قبل الاسلام و بعده حيث استحضرت في كتابي الجديد مجموعة من الحقائق مثل يقول المرحوم امحمد العثماني في اواسط السبعينات  باعتباره فقيه الدين التقليدي لكنه كان ذو نزعة تقدمية بالمقارنة مع عصره حيث قال بالحرف ان المراة الجزولية أي الامازيغية في لغة هذا العصر تعتبر عماد الاسرة و العمل ببعده الانتاجي و هي اكثر حرية من الاوروبية حيث تفوقها بالاخلاق و الصيانة حسب راي المرحوم .

و ينحصر  دورها داخل حياتها العائلية في السهر على شؤون بيتها الداخلية من قبيل تربية ابناءها  الخ حيث اذا كان الزوج غائبا لسفر او لوفاة فان الاشراف الفعلي على سائر شؤون البيت الخارجية يعود اليها من قبيل حرث الحقول و تربية الماشية و جمع المنتوجات الفلاحية و ثمار الاشجار الخ..

يقول المرحوم يعترف الزوج لزوجته بالسعاية و الكيد أي نظام عرفي اصيل يرمي الى اعطاء المراة حقوقها المادية بسبب سهرها الدائم على الاعمال الفلاحية أي تقاسم الثروة بين الزوجان.

اما دورها في الحياة الاجتماعية للقبيلة  فهي تقوم بدورها في كل ما يلزم الجماعة من اذا شرط امام المسجد او استاذ المدرسة العتيقة من مؤونة تشتمل على الطعام و المال و بالاضافة لمساهمتها في الاعمال الخيرية و لم يقتصر دور المراة الجزولية على ما ذكره المرحوم بل قال ان ربات البيوت يقدمهن الضيافة لمعارف أزواجهن و عائلاتهن طبعا في ظل الاحترام التام للمبادئ الاسلامية اولا و اخيرا ..

ان المراة الجزولة ولجت الى ميادين التعليم حيث لا نتجاهل بان نساء كثيرات في مختلف العصور يقمن بارشاد الناس عامة و النساء خاصة السنة المثلى و يأمرن بالمعروف و ينهين عن المنكر ..

اذن من المستفاد من  كلام  المرحوم هو ان المراة في تاريخنا الاجتماعي كانت فاعلة في كل مناحي الحياة العامة دون قيود سلفية تعتبرها عروة يجب ان تبقى في البيت لكي لا تثير شهوات الرجال  فان المراة في ثقافتنا الاصيلة هي رمز الوقار و الاحترام غير ان فقهاء عصرنا الحالي سواء ان كانوا تابعين للسلطة او تابعين لحركات الاسلام السياسي لا يعترفون بهذه الحقائق التاريخية....

و مثل في العهد المرابطي  حيث بعد دخولهم في الاسلام  ساهموا في نشره في اكبر رقعة و ساهموا كذلك في الاعتناء باللغة العربية كثيرا دون تجاهل او نسيان هويتهم الاصيلة من حيث اللغة و علمانيتهم المحلية بدليل ان المرابطون استطاعوا ملائمة خصوصياتهم مع الدين الاسلامي حيث كانوا يحكمون بالعرف الامازيغي المراعي لمقاصد الشريعة الاسلامية حيث كانت المراة كمثال سوف استحضره هنا حيث انها في عهدهم تتوفر على المسؤولية في حكم الدولة المرابطية المشهورة في التاريخ بفضائلها الكبرى على نشر الاسلام و انقاد الاندلس من السقوط في الفشل المهين بعد انشغال ملوك الطوائف في شهواتهم المعروفة..

انني وجدت في كتاب الدولة و المجتمع في العصر الموحدي معلومات مهمة حول مكانة المراة في العصر المرابطي حيث يقول الاستاذ الحسين اسكان مؤلف الكتاب يبدو ان افضل مدخل للاحاطة ببعض مميزات الاسرة و نظام القرابة لدى صنهاجة الصحراء و للتعرف الى المكانة الاجتماعية للمراة عند تلك القبائل و المقصود هنا هي قبائل صنهاجة الامازيغية و هي النواة الاولى لقيام دولة عبد الله بن ياسين في المغرب .

و يقول المؤلف و هو يتحدث عن شهادة متاخرة لكنها ذات قيمة تاريخية كبرى على اكثر من مستوى فهي شهادة رجل مطلع على احوال مجتمعات عديدة  و خبر كذلك المجتمع الصنهاجي باعتباره مكث بين ظهرانيهم المدة الكافية للاطلاع على اهم احوالهم و اوضاعهم بحكم علاقاته الشخصية ببعض افراد هذا المجتمع كالقضاة و التجار .

و هذه الشهادة المثيرة بالنسبة لي هي للرحالة المغربي ابن بطوطة حيث قام بزيارة لمضارب قبائل صنهاجة سنة 753 للهجرة الموافق لسنة 1353 م و استقر في مدينة ولاتة و لاحظ ان اغلب سكانها ينتمون الى قبيلة مسوفة احدى اهم القبائل  الصنهاجية الكبرى و المشهورة في الصحراء قبل العصر المرابطي و لمس عن قرب عاداتهم الاجتماعية و تقاليدهم خلال المدة التي قضاها بالمدينة و مما اثار استغرابه و اندهاشه هو المكانة التي تتمتع بها المراة هناك حيث هن اعظم شانا من الرجال حسب تعبير ابن بطوطة حيث قال تتجلى مظاهر هذه المكانة و الحرية التي تتمتع بها المراة المسوفية أي الامازيغية المسلمة في اربع عادات اساسية هي سفور النساء و عدم الاحتجاب و عدم الاحتشام من الرجال مع مواظبتهن على الصلوات .

و قد بالغ ابن بطوطة كثيرا و الى ابعد الحدود حيث قال بالحرف ان العادة الثانية هي الاختلاط بين الجنسين اذ تربط النساء علاقات صداقة مع الرجال خارج دائرة ذوي المحارم و يفعل الرجال نفس الشيء مع نساء المدينة الخ من هذه الامور التي بالغ فيها ابن بطوطة كثيرا  حسب اعتقادي المتواضع .

و يقول الاستاذ الحسين اسكان قد يتساءل سائل عن مدى صحة هذه المعلومات و مما يدفعه الى التشكيك في جديتها و مصداقيتها.

و بالاضافة الى توفر عدد  من المعطيات التاريخية التي لا تسمح نظريا بتواجد مثل هذه العادات في هذه المدينة الاسلامية في القرن الثامن للهجرة  و الرابع عشر للميلاد و في مقدمتها ان بلاد صنهاجة عرفت الاسلام منذ ازيد من خمس  قرون على الاقل أي منذ بداية القرن الثالث للهجرة حسب رواية ابن خلدون  و هي مدة كافية لترسيخ الاحكام الفقهية في الارث و النسب على الاقل الخ من هذه الاعتراضات.

و بالرغم من وجاهة هذه الاعتراضات التاريخية فان جل المعلومات الواردة في شهادة ابن بطوطة عن العادات الاجتماعية لسكان مدينة ولاتة و غيرهم من الصنهاجيين تؤكد المصادر التاريخية صحتها و كما تؤكد الدراسات الانثروبولجية وجودها و استمرارها لدى قبائل التوارك الى القرن الماضي  فاذا اخدنا عادة الاختلاط بين الجنسين لدى قبائل صنهاجة سنجد حسب المصادر الوسيطية انها أي هذه العادة كانت مستمرة منذ القرن الخامس الى القرن العاشر للهجرة على الاقل فالبكري بصفته مؤرخ يتحدث عنها سنة 460 للهجرة  و سنة 1068 للميلاد حيث يقول بمركز تجاري صحراوي هو مدينة تادمكا حيث كانت النساء يقومن باستضافة التجار الواردين على المدينة في منازلهن لعدم وجود فنادق خاصة لايوائهم كما هو الشان ببعض مدن الشمال و يقول و اهلها بربر مسلمون الخ من هذا الكلام .

  اذن ان الباحث في حضارتنا الامازيغية الاسلامية سيجد العديد من الحقائق التاريخية تبين استقلال المغرب الديني و السياسي عن الشرق العربي حيث قال الاستاذ  انمن الظواهر الناتجة عن الاقامة الخؤولية أي ان المراة عندما تتزوج تقيم عند اهلها هي تفوق مكانة المراة الاجتماعية على  مكانة الرجل كما لاحظ ابن بطوطة عن نساء مسوفة بقوله هن اعظم شانا من الرجال و تجلى هذا التفوق في جل المجالات مثل تتمتع المراة بحرية واسعة في مجتمعها و تشكل ظاهرة السفور و الاختلاط بين الجنسين و بالاضافة الى مساهمتها في الانشطة الاقتصادية.

و تتجلى حرية المراة كذلك في العادات المنظمة للاحوال الشخصية مثل امتلاكها لحق الطلاق كاجتهاد فقهي و فرض الزواج الاحادي على الرجال أي يمنع التعدد في الزوجات..

و كانت تعرف الاسرة ذات النسب الامومي بمعنى ان الابناء كانوا يحملون نسب امهم في العهد المرابطي مثل ابن عائشة الخ من هذه الاسماء العائلية  .

و يبقى سؤال مطروح بالنسبة لي لماذا تم اقبار هذه الحقائق التاريخية و ابعادها عن المدرسة المغربية طيلة 60 سنة من الاستقلال الشكلي حيث ان الجواب المنطقي سيقول ان المخزن التقليدي اراد ان تكون روايته لتاريخ المغرب رسمية في المدرسة المغربية و خطابنا الديني الرسمي بغية جعل عامة المغاربة يتجهون فكريا و سياسيا نحو المشرق حيث عندما يدا الطفل في التسعينات اول دروسه للتاريخ المقرر في القسم الخامس الابتدائي بدرس حول تاريخ جزيرة العرب قبل الاسلام فان المخزن التقليدي اراد ان يربي هذا الطفل على ان المشرق العربي هو مركز الحضارة و المجد العروبي حتى قبل الاسلام...

الى صلب الموضوع                             

بعد هذه المقدمة المطولة يظهر لي ان قضية المراة لها علاقة وثيقة و عضوية بالحركة الامازيغية لان النسق الفكري السلفي يعتبر العدو الاول و الرئيسي للحركة الامازيغية و الحركة النسائية معا بالمغرب و لان ثقافتنا الامازيغية نفسها تتضمن فنونا اصيلة تحتفي بالمراة كشاعرة و كراقصة في فن احواش و في فن الروايس و في فن احيدوس الخ من هذه الفنون الاصيلة  في بلادنا قرون طويلة بمعنى ان اجدادنا الامازيغيين لم يكنوا سلفيين على الاطلاق بل كانوا مسلمين علمانيين .

ان الحركة الامازيغية تنطلق في دفاعها عن قضية المراة من منطلق تاريخنا الاجتماعي و من منطلق الواقع الاجتماعي الراهن لنصف المجتمع المغربي حيث ان حركتنا الامازيغية ببعدها الثقافي عملت على احداث مجموعة من الوسائط للحفاظ على ثقافتنا الامازيغية من قبيل الفيلم الامازيغي الذي انطلق في اوائل التسعينات كجواب منطقي على اقصاء الامازيغية في التلفزيون المغربي انذاك حيث شكل ظهور اول فيلم امازيغي في تاريخ المغرب تامغارت ؤورغ مفاجئة ثقيلة بحكم مضمون هذا الفيلم الرائع و الذي يحكي قصة امراة امازيغية حرة ظاهريا لكن في العمق يحكي قصة هويتنا الامازيغية الاسلامية مع الخرافات و الاتهامات في وفاءها للاسلام و للوطن ابان فترة الاستعمار.

ان جدلية العلاقة بين قضية المراة و الحركة الامازيغية لا يمكننا ان نفهمها الا باستحضار رهانات الدولة الحديثة الكبرى من قبيل الديمقراطية و ترسيخ حقوق الانسان فان المغرب منذ سنة 1956 الى حد الان حسب اعتقادي الشخصي يعيش ازدواجية عجيبة بين الاصالة المشرقية و العلمانية  الغربية التي تتجسد في المؤسسات العصرية و القوانين الوضعية التي تركتها فرنسا بعد عام 1956 بمعنى ان المغرب الان لم  يحسم بعد اختياراته الايديولوجية و السياسية بين هذان الخياران على مستوى التعليم و الاعلام فان كل طرف مدني او سياسي يدافع عن مشروعه انطلاقا من انتماءه للشرق او الغرب بدون اي تاصيل في تاريخنا السياسي او الاجتماعي حيث هنا اتساءل الى متى سنستمر في تشجيع المذاهب الوافدة من الشرق او الغرب على حد السواء...

 غير ان الغرب اصبح واحة للديمقراطية و الراي و الراي الاخر و اما في مجتمعاتنا الاسلامية يسود التخلف بكل مظاهره الاجتماعية او الدينية حيث لو سالت فقيه عن ما هو حكم الشرع في ضرب الزوجة و سيقول لك ان هذا الفعل هو جائز في قراءته السلفية الوهابية بمعنى ان جيلنا عليه عمل عظيم في محاربة الفكر المشرقي الجاهلي و ترسيخ حضارتنا الامازيغية الاسلامية التي كرمت المراة و اعطاءها مكانتها المستحقة ............

في نهاية هذا المقال اود تكريم بعض النساء المناضلات في صفوف حركتنا الامازيغية من قبيل الاستاذة امينة بن الشيخ التي اعطت للشيء الكثير للنضال الامازيغي عبر جريدتها العالم الامازيغي التي اسست سنة 2001 و اختلفنا كثيرا عبر تواصلنا الفايسبوكي في  عدة قضايا لكنني احترمها باعتبارها سيدة امازيغية حرة و مناضلة علمانية و مدافعة عن حقوق المراة الامازيغية .

الاسم الثاني هو الاستاذة مريم الدمناتي باحثة بالمعهد الملكي للثقافة الامازيغية و مؤسسة للمرصد الامازيغي للحقوق و الحريات حيث تتميز بالصرامة في مواقفها تجاه القضية الامازيغية و تجاه حقوق المراة الامازيغية ..

الاسم الثالث هو الاستاذة و الفنانة فاطمة تاباعمرانت التي اعطت الشيء الكثير للاغنية الامازيغية التقليدية بالمغرب .

الاسم الرابع و الاخير هو الاعلامية الامازيغية زينة همو التي كانت تعمل في احدى الاذاعات الخاصة منذ سنة 2001 كمقدمة للبرنامج الشهير انموكار ن تيفاوين د ومارك الذي اعطى الشيء الكثير لهويتنا الامازيغية و قضايا مجتمعنا المختلفة ..............

المهدي مالك                                                            

 

                                  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اجمالي القراءات 7947