صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح
ولاية العهد وتداول السلطة فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٥ - مارس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

ولاية العهد وتداول السلطة فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )

صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح

مقدمة

1 ـ   يقول جل وعلا (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ). هذا حُكم الاهى ينطبق فى كل زمان ومكان على المستكبرين فى أى أرض، يتآمرون فيحيق بهم مكرهم السيء . ومن أبشع مظاهر المكر السىء الوصول للسلطة وتوارثها . أراد الأمويون الوصول للسلطة فأسهموا فى إدخال الصحابة فى الفتنة الكبرى الأولى ، ثم إبتدع معاوية توريث المُلك لابنه يزيد فأشعل الفتنة الكبرى الثانية ، وكان من ضحاياها مئات الألوف من الصحابة والتابعين من مختلف التيارات السياسية ، من الهاشميين والشيعة والزبيريين والخوارج ،ودفع الثمن الأمويون أنفسهم ، وكانت ذرية معاوية نفسه فى مقدمة الضحايا .

2 ـ قتل الحسين سنة 61، ثم فجأة هلك يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول سنة 64،وهو فى أوج شبابه وفروسيته ، قيل إن عمره 38 عاما أو 35 عاما ، بعد خلافة استمرت حوالى ثلاث سنوات فقط . وموته الفجائى يرفع علامة استفهام ، وتتراقص علامات الاستفهام كثيرا فى الموت الغامض والمفاجىء للخلفاء الأمويين ( وغيرهم ). بعضهم كانت الدلائل واضحة فى الاغتيال مثل الشاب معاوية الثانى الذى عهد اليه أبوه يزيد بالخلافة فإعتزل وسرعان ما مات وهو في العشرين من عمره بعد أن ظل خليفة أربعين يوما فقط .أكثر من هذا فقد إنتقل الحكم من ذرية معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية الى ابن عمه مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية . اى دفع ابناء معاوية الثمن ، مات ابنه يزيد وحفيده معاوية بن يزيد ، ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله

وتولى مروان الخلافة عام 64 ، وسار على سُنّة معاوية فى المكر فدفع الثمن سريعا إذ مات فجأة فى هلال شهر رمضان عام 56 بمؤامرة مكشوفة نجا فيها القاتل من العقاب . وحكم ستة أشهر أو ثمانية أشهر ، وكان عمره 64 عاما . أى دفع جزاء مكره السىء ، وتولى ابنه عبد الملك فقتل ابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص ، وسار الخلفاء الأمويون من ابناء عبد الملك على سُنة ابيهم فدفعوا الثمن أيضا . ونعطى بعض التفصيلات .

أولا : لمحة عامة عن المكر السىء ( الأموى ) فى تداول السلطة :

1 ـ بإعتزال الشاب معاوية بن يزيد بن معاوية الخلافة وموته وإعلان ابن الزبير نفسه خليفة في مكة ،انضمت إليه العراق ومصر ومعظم الشام ، وذلك بتحالف قبائل قيس معه لحقدها على قبائل "كلب" المتحالفة مع الأمويين ،ولكن الأمويين عقدوا مؤتمر الجابية سنة 64هـ وفيه اتفقوا على اتحاد كلمتهم، وان يتولى الخلافة مروان بن الحكم ، ثم يتولاها بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق )، وكذلك أرضى ذلك المؤتمر كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات لاحقة في البيت الأموي الحاكم . ذلك أن مروان بن الحكم بعد أن تولى الخلافة تحلل من قرارات مؤتمر "الجابية" ومات سنة 65هـ بعد أن عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك بن مروان ثم عبد العزيز بن مروان .

2 ــ وتولى عبد الملك بن مروان (65ـ 86هـ) فتخوف من أطماع عمرو بن سعيد ابن العاص( الأشدق ).وفعلا ثار ( الأشدق ) على ابن عمه ( عبد الملك ) لاعتقاده أنه صاحب الحق فى الخلافة وفقاً لقرارات مؤتمر "الجابية".  وبعد ان أعطاه عبد الملك الأمان والعهود والمواثيق غدر به وقتله . ثم عزم عبد الملك على خلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد بن عبد الملك. وحاول استرضاء أخيه عبد العزيز ليتنازل عن ولاية العهد فلم يقبل ، وتدخل القضاء والقدر فمات عبد العزيز ، وصفا الجو لعبد الملك فعهد بالخلافة من بعده لولديه الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك.

3 ــ وتولى الوليد بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) وكان عصره عصر توطيد ورخاء وفتوحات وصلت إلى مشارف الهند والصين شرقاً وإلى حدود فرنسا غرباً ، وعزم الوليد قبيل موته على خلع أخيه سليمان وتولية ابنه عبد العزيز بن الوليد ، واستشار كبار الدولة فوافقه الحجاج ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم ، وعارضه ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان الذي قال له: " إن لك ولأخيك سليمان بيعة واحدة في أعناقنا فإما تبقى وإما أن تسقط ولكنها لا تتجزأ."،  وغضب الخليفة الوليد على ابن عمه عمر بن عبد العزيزبن مروان ، فعزله عن ولاية المدينة وحبسه ، ومات الوليد ( فجأة ) قبل أن يعزل أخاه سليمان ولى عهده .

4 ـ وتولى سليمان بن عبد الملك (96 ـ 99هـ)فحفظ الجميل لابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله كالوزير ، وانتقم من قادة الفتوح الذين أيدوا الوليد بن عبد الملك حين أراد عزله عن ولاية العهد. ومن حسن حظ الحجاج أنه مات قبل تولي سليمان الخلافة ، ولكن سليمان انتقم من آل الحجاج وبقية القادة مثل محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وعبد العزيز بن موسى بن نصير. وكان سليمان يريد أن يعهد بعده لابنه أيوب بدلاً من أخيه يزيد بن عبد الملك ، ثم قبل أن يعزل أخاه يزيد بن عبد الملك مات سليمان فجأة فى تمام صحته وشبابه ، وقد حققنا فى مقتله المفاجى ببحث منشور هنا عنوانه :  (التحقيق فى جريمة قتل غامضة حدثت عام 99 هجرية ) ، ومات ابنه الصبى أيوب ، وفي النهاية استخلف عمر بن عبد العزيزبن مروان بن الحكم ، على أن يكون بعده ( يزيد بن عبد الملك ) حتى لا ينقطع الحكم في نسل عبد الملك بن مروان.

5 ــ وتولى عمر بن عبد العزيز الذي أرجع العدل والأمن ، وقد ناقشه الخوارج في مسئوليته عن تولية العهد من بعده ليزيد بن عبد الملك ، وتأثر عمر بأقوالهم ، وخاف بنو أمية أن تصل إصلاحات عمر بن عبد العزيز إلى ولاية العهد فبادروا بقتله بالسم فمات في 25رجب 101هـ .

6 ــ وتولى يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105) المشهور بالمجون. وكانت ولاية العهد لأخيه هشام ، ثم بدا له أن يعزل أخاه ليولي ابنه الوليد بن يزيد ، وأرسل لهشام مبعوثاً يحسّن له خلع نفسه من ولاية العهد في نظير أن تكون له ولاية الجزيرة ملكاً خاصاً له ، وكان ذلك المبعوث خالد القسري ، واستجاب هشام ، ولكن خالد القسري نصحه بالرفض ورجع إلى الخليفة يخبره بتصميم هشام على الرفض وتمسكه بولاية العهد. ونصح خالد القسرى الخليفة بأن يظل هشام والياً على أن يتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك. ووافق الخليفة.

7 ــ وتولى هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) فكافأ خالداً القسري بأن ولاَّه العراق والشرق فأصبح مركز قوة كبرى ومعه قبائل اليمن القحطانية . وكان هشام كالعادة قد حاول عزل ابن أخيه الوليد بن يزيد عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه ابن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته.

8 ــ وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد ، وأشتهر الوليد بالمجون مما أثار عليه الكثيرين فتجمعوا تحت قيادة  (يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ وتولى مكانه الخلافة وظلّ فيها خمسة أشهر، وكان صالحاً  إلا أن الدولة الأموية دخلت في دور الانهيار السريع بسبب صراع القبائل وانشقاق البيت الأموي وتكاثر خصومها من الشيعة والخوارج والموالي .

9 ــ ولذلك جاء مروان بن محمد بن مروان ثائراً بحجة الحرص على أبناء الوليد المقتول، واستطاع أن يتولى الخلافة . ومروان بن محمد هو آخر خلفاء بني أمية (127 ـ 132هـ) وكان صاحب دهاء ومكر وفروسية ، ولكنه جاء في أواخر الدولة المنهارة المنقسمة على نفسها ، فانغمس في حرب القبائل الثائرة عليه في الشام ، وفى حرب الشيعة في العراق ، وحرب الخوارج بين العراق والحجاز واليمن ، وانشغل عن الخطر القادم إليه عبر خراسان حيث ظهر أبو مسلم الخراساني بالدعوة لبني العباس . وبعد أن انتصر مروان بن محمد على خصومه في العراق والشام والجزيرة العربية فوجئ بالمارد الآتي من الشرق الأوسط يحمل اللواء الأسود ، وقد استولى على خراسان ثم استولى على العراق . وبويع أول خليفة عباسي وهو عبد الله السفاح في الكوفة في ربيع الأول 132هـ . وأرسل الخليفة الجديد جيشاً هزم مروان في موقعة "الزاب" في 11 جمادي الآخرة سنة132هـ ،فهرب مروان إلى مصر ، وقتله العباسيون فيها في آخر ذي الحجة 132هـ ..

وبدأ حكم جديد هو الخلافة العباسية. إلا أنه استعمل نفس طريقة العهد لأكثر من واحد وعزل الأخ لصالح الابن.

ثانيا :   مروان بن الحكم ينقض إتفاق الجابية

1 ـ قرر مؤتمر الجابية سنة 64هـ تولى الخلافة مروان بن الحكم، ثم بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق ). بعد عدة أشهر وفى عام 65 نقض الخليفة مروان بن الحكم قرارات مؤتمر الجابية وجعل العهد لابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز على التوالى . ولأن قبيلة كلب هى الرقم الصعب فى المعادلة الأموية ( المتحالفة مع الأمويين والمسيطرة على جنوب الشام ) فقد اتفق معها مروان على أن تؤيد خلع عمرو بن سعيد بن العاص لصالح ابنى مروان .  كان عمرو بن سعيد قد هزم مصعب بن الزبير فى فلسطين ، فأحسّ عمرو بالفخر ، وعزّز هذا أحقيته فى ولاية العهد ، وخاف مروان منه ، فاتفق مروان مع حسان بن مالك بن بحدل زعيم قبيلة كلب على خلع عمرو . تقول الرواية ( في هذه السنة أمرمروان بن الحكم بالبيعة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز.وكان السبب في ذلك أنعمرو بن سعيد بن العاص لما هزم مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطينرجع إلى مروان وهو بدمشق قد غلب على الشام ومصر، فبلغ مروان أن عمراً يقول: إنالأمر لي بعد مروان، فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايعلابنيه عبد الملك وعبد العزيز وأخبره بما بلغه عن عمرو، فقال: أنا أكفيك عمراً،فلما اجتمع الناس عند مروان عشياً قام حسان فقال: إنه قد بلغنا أن رجالاً يتمنونأماني، قوموا فبايعوا لعبد الملك وعبد العزيز من بعده، فبايعوا عن آخرهم.).

 ثالثا : عبد الملك بن مروان يقتل عمرو بن سعيد ( الأشدق ) عام 69

1 ـ .  عبد الملك وعمرو يلتقيان في النسب في العاص بنأمية، هذا عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وذاك عمرو بن سعيد بنالعاص بن أمية، وكانت أم عمرو أم البنين بنت الحكم عمة عبد الملك.وكان عمرو بن سعيد أحد مؤسسى المُلك الأموى ، ولم ينس حقه فى الخلافة . وواتته الفرصة للوثوب على الخليفة عبد الملك بن مروان عام 69 ، وفشل ، ودفع حياته ثمنا لفشله .

 2 ـ كان عمرو بن سعيد مع عبد الملك فى حملة عسكرية لحرب زفر بن الحارث فى قرقيسيا . وأقنع عمر بن سعيد إثنين من زعماء قبيلة كلب وهما (حميد بن حريث الكلبي وزهير بن الأبرد الكلبي ) فانسحبا معه من الجيش الأموى بقواتهما ، ورجعوا الى دمشق حيث إستخلف عبد الملك عليها عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفى ، الذى هرب سريعا ، ودخل عمرو بن سعيد دمشق واستولى على خزائن الأموال ، تقول الرواية :  (  ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنه وهدم دار ابن أمالحكم، واجتمع الناس إليه فخطبهم ومناهم ووعدهم.) . ورجع عبد الملك سريعا بما تبقى من جيشه وحاصر ابن عمه عمرا فى دمشق ، وصارت قبيلة كلب قسمين ، أحدهما مع عبد الملك والآخر مع عمرو بن سعيد الأشدق . وخوفا من أن يهلك الأمويون بعضهم بعضا وتهلك معهم قبيلة كلب تم الاتفاق على الصلح بين عبد الملك وابن عمه عمرو الأشدق ، وكتب عبد الملك كتاب أمان للأشدق . تقول الرواية : ( ثم أن عبد الملك وعمراًاصلحا ، وكتبا بينهما كتاباً ، وآمنه عبد الملك، فخرج عمرو في الخيل إلى عبد الملك،  فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب عبد الملك ، فانقطعت وسقط السرادق، ثم دخل على عبد الملكفاجتمعا.، ودخل عبد الملك دمشق يوم الخميس، فلما كان بعد دخول عبد الملك بأربعةأيام أرسل إلى عمرو أن ائتني . )

3 ــ ثم أرسل عبد الملك الى عمرو يستدعيه ، وحذّر ( عبد الله بن يزيد بن معاوية ) عمرا من الذهاب ، ولكن عمرا كان معتدا بنفسه مغرورا بقوته فقال : (والله لو كنت نائماً ما انتهبني ابن الزرقاء ( يقصد عبد الملك ) ولااجترأ عليّ. ! ) . قال عمرو لرسول عبد الملك (أنا رائح العشية.). تقول الرواية : (  فلما كان العشاء لبسعمرو درعاً ولبس عليها القباء وتقلد سيفه ... ومضى في مائة من مواليه.).

4 ــ وكان عبد الملك قد أعدّ العدة لقتله ، إذ جمع حوله زعيمى كلب وخزاعة ( حسان بن بحدل الكلبي وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي ) وأخوته أولاد مروان بن الحكم.  ودخل عمرو ومعه مواليه ، وكلما دخل بابا تم حبس بعض مواليه ، حتى لم يبق إلا وصيف واحد معه لا يعرف العربية ، واذن عبد الملك لزعيمى كلب وخزاعة بالخروج . وأغلقوا كل الأبواب . تقول الرواية : (  ودخل عمرو، فرحب به عبدالملك ، وقال: هاهنا هاهنا يا أبا أمية! ، فأجلسه معه على السرير، وجعل يحادثه طويلاً،ثم قال: " يا غلام خذ السيف عنه" . فقال عمرو: " إنا لله يا أمير المؤمنين " . فقال عبدالملك: " أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك ؟"  فأخذ السيف عنه، ثم تحدثا، ثم قال له عبدالملك:  " يا أبا أمية إنك حيث خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لكأن أجعلك في جامعة ". ( أى يقيده ويوثقه )  وبالاتفاق بين عبد الملك وأخوته على السيناريو والحوار ، فقد قال بنو مروان لأخيهم الخليفة : ( ثم تطلقه يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، وماعسيت أن أصنع بأبي أمية؟ فقال بنوا مروان لعمرو :( أبر قسم أمير المؤمنين. فقال عمرو : قدأبر الله قسمك يا أمير المؤمنين.) أى أراد عبد الملك أن يوثق عمرا بلا مقاومة من عمرو . ورضى عمرو . ( فأخرج ( عبد الملك ) من تحت فراشه جامعة وقال: يا غلام قمفاجمعه فيها. فقام الغلام فجمعه فيها. ) وخاف عمرو أن يراه الناس موثقا مقيدا : ( فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أنتخرجني فيها على رؤوس الناس. ) وبعد أن تمكن منه عبد الملك قال له : ( أمكراً يا أبا أمية عند الموت؟ لاوالله ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس. ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسرثنيتيه. فقال عمرو: " أذكرك اللهيا أمير المؤمنين كسر عظم مني فلا تركب ما هو أعظم من ذلك ". فقال له عبد الملك:  " والله لو أعلم أنك تبقي عليّ إن أنا أبقيت عليك وتصلح قريش لأطلقتك، ولكن ما اجتمعرجلان في بلدة قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه" . فلما رأى عمرو أنه يريدقتله قال: أغدرا  يا ابن الزرقاء! ) ( وقيل: إن عمراً لما سقطت ثنيتاه جعل يمسهنا، فقالعبد الملك: يا عمرو أرى ثنيتيك قد وقعتا منك موقعاً لا تطيب نفسك بعدها.) أى لا بد من قتله .

5 ـ ( وأذنالمؤذن العصر فخرج عبد الملك يصلي بالناس ، وأمر أخاه عبد العزيز أن يقتله، فقام إليهعبد العزيز بالسيف، فقال عمرو: " أذكرك الله والرحم أن تلي قتلي، ليقتلني من هو أبعدرحماً منك.! " فألقى السيف وجلس، وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب. )

6 ــ وكان يحيى بن سعيد أخ عمرو بن سعيد الأشدق قلقا على أخيه ، فلما رأى عبد الملك يخرج لصلاة العصر وليس معه عمرو جمع أتباعه فوقفوا بباب عبد الملك ينادون على عمرو الأشدق أن يجيبهم ليطمئنوا على حياته . ولمّا لم تأتهم إجابة هجموا على القصر، ( وكسروا بابالمقصورة وضربوا الناس بالسيوف، وضربوا الوليد بن عبد الملك على رأسه، واحتملهإبراهيم بن عربي صاحب الديوان فأدخله بيت القراطيس... ودخل عبد الملك حين صلى فرأىعمراً بالحياة، فقال لعبد العزيز: ما منعك أن تقتله؟ فقال: " إنه ناشدني الله والرحمفرققت له. " فقال له: " اخزى الله أمك البوّالة على عقبيها، فإنك لم تشبه غيرها! " ، ثم أخذعبد الملك الحربة فطعن بها عمراً ، فلم تجز، ثم ثنّى فلم تجز، فضرب بيده على عضده فرأىالدرع فقال: ودرع أيضاً؟ إن كنت لمعداً! فأخذ الصمصامة وأمر بعمرو فصرع، وجلس علىصدره فذبحه وهو يقول:

يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي **

أضربك حيث تقولالهامة اسقوني ).

7 ـ وحدث قتال بين ( يحيى بن سعيد بن العاص ) وأبناء عمه ( مروان بن الحكم بن العاص ) ، وتم حسم الأمر سريعا ، إذ ألقوا رأس عمرو الى الناس ، وقام عبد العزيز بن مروان بإلقاء الأموال للناس ، تقول الرواية : ( وجاء عبدالرحمن ابن أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس، فألقاه إلى الناس، وقام عبد العزيز بنمروان وأخذ المال في البدر فجعل يلقيها إلى الناس، فلما رأى الناس الرأس والأموالانتهبوا الأموال . ) وفيما بعد إسترجع عبد الملك تلك الأموال من الناس ، تقول الرواية : ( ثم أمر عبد الملك بتلك الأموال فجُبيت حتى عادت إلى بيتالمال.)

8 ــ وأمر عبد الملك بقتل يحيى بن سعيد، ( فقام إليه عبد العزيز بنمروان فقال: " جعلت فداك يا أمير المؤمنين! أتراك قاتلاً بني أمية في يوم واحد! " فأمربيحيى فحبس. وأراد قتل عنبسة بن سعيد، فشفع فيه عبد العزيز أيضاً، وأراد قتل عامربن الأسود الكلبي، فشفع فيه عبد العزيز، وأمر ببني عمرو بن سعيد فحبسوا.) ( ثم بعث عبد الملك إلى امرأة عمروالكلبية: " ابعثي إلي كتاب الصلح الذي كتبته لعمرو . " ، فقالت لرسوله: " ارجع فأعلمه أن ذلكالصلح معه في أكفانه ليخاصمك عند ربه" . )  

الخاتمة

الديمقراطية ثقيلة ومُتعبة ولكنها تعطى أسلوبا سلميا لتداول السلطة . أما الاستبداد وتوارث السلطة فهو طريق مفروش بالدماء ، وفى مقدمتها دماء المتصارعين على السُّلطة .

هذه هى حكمة التاريخ ، وقبل ذلك هى قاعدة قرآنية . يقول جل وعلا (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ).   

ولكن المستبدين لا يعقلون ، وهم أيضا لا يؤمنون .

اجمالي القراءات 9994