النبى محمد عليه السلام لم يفرق بين ابنته زينب وزوجها الكافر
أولا : ننقل من السيرة ( النبوية لابن هشام ) ما نقله عن سيرة ابن اسحاق .
1 ـ يقول : ( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ بن الربيع مِنْ رِجَالِ مَكّةَ الْمَعْدُودِينَ مَالًا، وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً. وَكَانَ لِهَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ( أى كان ابن هالة بنت خويلد ) وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ. فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُزَوّجَهُ ( إبنته زينب بنت محمد ) . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُخَالِفُهَا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ . فَزَوّجَهُ. وَكَانَتْ تَعُدّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا. فَلَمّا أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنُبُوّتِهِ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ وَبَنَاتُهُ ، فَصَدّقَنْهُ ، وَشَهِدْنَ أَنّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقّ، وَدِنّ بِدِينِهِ ( اى أصبحن على دين الاسلام ) وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ. ).
2 ـ ( سعى قريش فى تطليق بنات الرسول من أزواجهن ) :
( وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ.( يعنى لا يعرف هل هى رقية أم أم كلثوم ). فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا : " إنّكُمْ قَدْ قَرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ." فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ : " فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ." قَالَ : " لَا وَاَللّهِ إنّي لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ." وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا، فِيمَا بَلَغَنِي. ثُمّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، فَقَالُوا لَهُ : " طَلّقْ بِنْتَ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نُنْكِحُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت." ، فَقَالَ : " إنْ زَوّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتُهَا ". فَزَوّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ( أى لم يكن قد دخل ببنت النبى )، فَأَخْرَجَهَا اللّهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا، وَهَوَانًا لَهُ . وَخَلَفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بَعْدَهُ . ( أى تزوجها عثمان بعده . )
3 ــ ( أبو العاص عند الرسول وبعث زينب فى فدائه ) :
( وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا يُحَرّمُ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ . ( أى كان النبى بمكة لا يستطيع أن يُحلّ أو أن يحرم شيئا )، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ ، حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَلَمّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ ( أى لما خرج جيش قريش الى بدر ) صَارَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ ، فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. ) ( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا،( أى حين تزوجها )، قَالَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً ، وَقَالَ : " إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا، فَافْعَلُوا. " فَقَالُوا: " نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ" . فَأَطْلَقُوهُ وَرَدّوا عَلَيْهَا الّذِي لَهَا . )
4 ـ ( خروج زينب الى المدينة ) :
( قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ ، أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ. وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيُعْلَمُ مَا هُوَ. ( أى اتفق النبى معه سرا على أن يرسل زوجته الى المدينة ). إلّا أَنّهُ لَمّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ وَخُلّيَ سَبِيلُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ ، فَقَالَ : " كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتّى تَأْتِيَانِي بِهَا". فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا، أى بعث النبى بمن ينتظر زينب فى مكان متفق عليه فى الطريق بين مكة والمدينة . )، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ. فَلَمّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكّةَ أَمَرَهَا بِاللّحُوقِ بِأَبِيهَا، فَخَرَجَتْ تَجَهّزَ، ( أى تتجهز للسفر الى المدينة ).
5 ـ ( هند تحاول تعرف أمر زينب ) :
( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ حُدّثْت عَنْ زَيْنَبَ قَالَتْ: " بَيْنَا أَنَا أَتَجَهّزُ بِمَكّةَ لِلّحُوقِ بِأَبِي لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، فَقَالَتْ : " يَا بِنْتَ مُحَمّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك تُرِيدِينَ اللّحُوقَ بِأَبِيك "؟ قَالَتْ فَقُلْت: " مَا أَرَدْت ذَلِكَ . " فَقَالَتْ : " أَيْ ابْنَةَ عَمّي، لَا تَفْعَلِي، إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ بِمَتَاعِ مِمّا يَرْفُقُ بِك فِي سَفَرِك، أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلّغِينَ بِهِ إلَى أَبِيك، فَإِنّ عِنْدِي حَاجَتَك، فَلَا تَضْطَنِي ( أى لا تتحرجى ) مِنّي، فَإِنّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النّسَاءِ مَا بَيْنَ الرّجَالِ. " . قَالَتْ : " وَاَللّهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إلّا لِتَفْعَلَ قَالَتْ وَلَكِنّي خِفْتُهَا، فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذَلِكَ وَتَجَهّزْت . )
6 ـ ( ما أصاب زينب من قريش عند خروجها ومشورة أبى سفيان )
قال : ( فَلَمّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَهَازِهَا قَدّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا بَعِيرًا، فَرَكِبَتْهُ، وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ، ثُمّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا ( البعير )، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا. وَتَحَدّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى، وَالْفِهْرِيّ، فَرَوّعَهَا هَبّارٌ بِالرّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا- فِيمَا يَزْعُمُونَ- فَلَمّا رِيعَتْ ( فزعت ) طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا، ( أى أُجهضت ) ، وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ، ثُمّ قَالَ : " وَاَللّهِ لَا يَدْنُو مِنّي رَجُلٌ إلّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا"، فَتَكَرْكَرَ النّاسُ عَنْهُ ( أى تراجعوا ). وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلّةٍ ( أى جماعة ) مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ : " أَيّهَا الرّجُلُ كُفّ عَنّا نَبْلَك ( سهامك ) حَتّى نُكَلّمَك " ، فَكَفّ. فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ :" إنّك لَمْ تُصِبْ.( أى لم تفعل الصواب ) خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمّدٍ ، فَيَظُنّ النّاسُ إذَا خَرَجْتَ بِابْنَتِهِ إلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، أَنّ ذَلِكَ عَنْ ذُلّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الّتِي كَانَتْ، وَأَنّ ذَلِكَ مِنّا ضَعْفٌ وَوَهْنٌ . وَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ، وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ، ( أى غضب شديد ) وَلَكِنْ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدّثَ النّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا، فَسُلّهَا سِرّا ( أى أخرج بها سرا )، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا." قَالَ فَفَعَلَ.فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ )
7 ـ ( إسلام أبى العاص بن الربيع .. المسلمون يستولون على مال لأبي العاص ، وقدومه لاسترداده ، و إجارة زينب له )
يقول : ( قال ابن إسحاق : وأقام أبو العاص بمكة ، وأقامت زينب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، حين فرق بينهما الإسلام ، حتى إذا كان قبيل الفتح ، خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام ، وكان رجلا مأمونا ، بمال له وأموال لرجال من قريش ، أبضعوها معه ( أى جعلوها بضاعة معه ) ، فلما فرغ من تجارته وأقبل قافلا ، لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصابوا ما معه ، وأعجزهم هاربا ، فلما قدمت السرية بما أصابوا من ماله ، أقبل أبوالعاص تحت الليل حتى دخل على زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستجار بها ، فأجارته ، وجاء في طلب ماله ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح - كما حدثني يزيد بن رومان - فكبر وكبر الناس معه ، صرخت زينب من صُفَّة النساء : " أيها الناس ، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع . " قال : فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة أقبل على الناس ، فقال : " أيها الناس ، هل سمعتم ما سمعت ؟ " قالوا : نعم ؛ قال : " أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم ، إنه يجير على المسلمين أدناهم ." ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل على ابنته ، فقال : " أي بُنيَّة ، أكرمي مثواه ، ولا يخلصن إليك ، فإنك لا تحلين له" ) .
8 ـ ( المسلمون يردون على أبى العاص ماله ، وإسلامه بعد ذلك )
يقول : (قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص ، فقال لهم : " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، و قد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له ، فإنا نحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحق به" ؛ فقالوا : " يا رسول الله ، بل نرده عليه ."، فردوه عليه ، حتى إن الرجل ليأتي بالدلو ، ويأتي الرجل بالشَّنَّة وبالإداوة ، حتى إن أحدهم ليأتي بالشِّظاظ ، حتى ردوا عليه ماله بأسره ، لا يفقد منه شيئا . ثم احتمله إلى مكة ( أى أن أبا العاص حمل المال الى مكة راجعا به ) ، فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله ، ومن كان أبضع معه ( اى من أرسل بضاعة معه ) ، ثم قال : " يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه ؟ " ؛ قالوا :" لا ، فجزاك الله خيرا ، فقد وجدناك وفيا كريما "، قال : " فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم ، فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت . " ، ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
9 ـ ( الرسول يرد زينب الى أبى العاص ) : ( قال ابن إسحاق : وحدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال : رد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب على النكاح الأول لم يحُدث شيئا بعد ست سنين " ).
ثانيا : ملاحظات :
1 ـ ما ذكره ابن اسحاق ليس دينا وليس جزءا من الاسلام . هو تاريخ مكتوب بيد بشر يحتمل الخطأ والصواب ، وهو إن صدق فهو حقيقة تاريخية نسبية ، وإن كذب فالرواية تعكس ـ بصدق ـ ثقافة عصرها وكاتبها . وليس هنا متسع لمناقشة الاسناد ( حدثنى فلان ) فى هذه الروايات . ونقتصر على المتن والموضوع .
2 ـ موجز الحكاية التاريخية أن زينب بنت محمد تزوجت ابن خالتها ، وعاشا فى سعادة ، وحين أصبح محمد نبيا ، أسلمت زينب وأمها وأختاها ، ورفض الزوج أبو العاص الدخول فى الاسلام ، كما رفض إغراء قريش له بأن يطلق زوجته ، واستمرت حياتهما الزوجية لا تتأثر بما يحدث ، حتى أن النبى هاجر ومعه المؤمنون ورفضت زينب الهجرة وظلت مع زوجها ( الكافر ) فى مكة . وظلت قريش تهاجم المسلمين فى المدينة وتتاجر بأموالهم فى رحلتى الشتاء والصيف . ونزل الاذن للمؤمنين بالقتال الدفاعى ، فكانت موقعة بدر ليستخلص المؤمنين بعض أموالهم من القافلة القرشية التى تمر ليس بعيدا عن المدينة . وبعث أبوسفيان قائد القافلة يستغيث بقريش وتمكن من الافلات ، وأسرع جيش قريش ليعاقب المؤمنين ، وكان ضمن الجيش أبو العاص لأنه مشارك فى القافلة . وانهزمت قريش وكان أبو العاص ضمن الأسرى ، وبعثت زينب تفتديه بمال وقلادة كانت أمها السيدة خديجة قد أهدته لها ليلة زفافها . وأطلق النبى سراح أبى العاص على أن يرسل زوجته الى المدينة . واضح أنه الخوف عليها من إنتقام قريش. وفعلا لم يكن رحيل زينب لأبيها سهلا . وحدث الانفصال بين الزوجين الحبيبين . ثم استولى المسلمون على قافلة أخرى لابى العاص ، وأفلت بحياته ثم تسلل الى المدينة واستجار بزينب فأجارته ، وردّ اليه المسلمون أمواله .ورجع الى مكة ، وبعد أن أرجع الأمانات لأصحابها أعلن لأهل مكة إسلامه ، وهاجر الى المدينة واسترجع حياته الزوجية مع زينب بنت محمد .
3 ـ هى دراما إنسانية عن حب نادر بين زوجين فى وقت ملتهب بالصراعات ، وكانا فى مركز الاعصار، وتأثرا به . ومن الطبيعى أن تتناقل الأجيال هذه القصة الفريدة ليس فقط لما فيها من دراما ، ولكن ايضا لأن البطلة هى بنت النبى محمد نفسه . تناقلت الأجيال شفويا هذه القصة الدرامية ، وسجلها لأول مرة ابن إسحاق ( ت 152 ) فى سيرته بعد حدوثها بأكثر من قرن من الزمان.
4 ـ وكتب ابن إسحاق ( السيرة النبوية ) بأمر من الأمير المهدى إبن الخليفة العباسى المنصور ، ورسم فيها ابن إسحاق شخصية للنبى تقترب من شخصية أبى جعفر المنصور . ولمحات الثقافة العباسية تظهر ناطقة فى سيرة ابن إسحاق حتى فى هذه الرواية عن العاشقين الزوجين ( أبو العاص وزينب ). ونعطى أمثلة :
4 / 1 : يقول ( وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ . فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا :..). المبادأة بالعداوة فى الاختلاف الدينى سمة المتعصبين . الرسول لم يبدأ قومه بالعداء ، بل كان يدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة خوفا عليهم من عذاب يوم عظيم .
4 / 2 : يقول : ( وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا يُحَرّمُ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ . ( أى كان النبى بمكة لا يستطيع أن يُحلّ أو أن يحرم شيئا )، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِه). يريد أن الاسلام أوجب التفريق بين زينب وزوجها ، ولكن النبى وهو فى مكة لم يستطع تطبيق ذلك . وهذا خطأ .
فقد انتشر الاسلام فى مكة بين النساء والرجال ، وبعض الرجال أسلموا وظلت نساؤهم على دين قريش ، وبعض النساء أسلمن وظل رجالهن على دين قريش . ولم يحدث فى مكة قبل الهجرة إنفصال وفراق بين الزوجين بسبب إختلاف الدين . الهجرة كانت الحدّ الفاصل . هناك مؤمنات هاجرن وتركن أزواجهن الكافرين فى مكة ، وهناك أزواج مؤمنون هاجروا ورفضت زوجاتهم الكافرات الهجرة معهم فتركوهن فى مكة . وهذا الانفصال الواقعى بين الأزواج والزوجات فى معسكرين متعاديين أوجد مشكلة تستوجب حلا . ونزل الحل فى قوله جل وعلا فى سورة الممتحنة : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) الممتحنة ). فالزوجة المؤمنة التى تركت زوجها الكافر وهاجرت إلى دولة الإسلام لا يحل لها أن تستمر فى الزواج بعد ذلك مع هذا الكافر ، ولا يصح أن ترجع إلى عصمته لأنه لا يحل لها ولا تحل له . وفى المقابل فأن المؤمن الذى فارق زوجته الكافرة التى رفضت أن تصحبه ، عليه أن يفارقها ويطلقها ( 60 / 10 ). ويتم دفع المهر لهذا وذاك ، وتتزوج هذه هنا أو هناك . وبهذا التشريع أمكن رسميا تطبيق الانفصال القائم فعلا بين زوجين يستحيل تواجدهما تحت سقف واحد. هذا لا ينطبق على حالة زينب وأبى العاص فقد ظلا يعيشان فى وفاق فى مكة مع إسلامها ومع كفره . ثم جاء عامل خارجى وهو إنتصار بدر وحُمّى الانتقام التى إجتاحت متطرفى قريش بما يهدد حياة زينب ، فكان لا بد من إنقاذها ، وكان هذا بموافقة الزوج العاشق نفسه . إذن كذب ابن اسحاق فيما قال ، وكذب أيضا فى قوله لاحقا : ( وأقام أبو العاص بمكة ، وأقامت زينب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، حين فرق بينهما الإسلام ، ) فالاسلام لم يفرق بينهما . الذى فرّق بينهما هو الخوف على حياتها وعجز زوجها عن حمايتها .
إن تلك التشريعات التى جاءت فى سورة الممتحنة وغيرها عن الزواج والطلاق نزلت فى المدينة . ولم ينزل فيها مطلقا التفريق بين زوجين ــ يعيشان معا ـ بسبب إختلاف الدين ، بل إن الزيجات الباطلة والتى حرمها رب العزة نزل التحريم يمنع حدوثها مستقبلا بعد نزول التشريع بينما يُبقى على الزواج الذى حدث قبله ، ونقصد تحريم نكاح من سبق أن نكحها الأب ، وتحريم الجمع بين الأختين ، يقول جل وعلا : ( وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً (22) (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (23) النساء ), هنا تحريم مستقبلى بعد نزول الاية ولا يسرى بأثر رجعى حرصا على التماسك الأسرى .
وحتى قوله جل وعلا فى تحريم زواج الكافرين والكافرات بمعنى الكفر السلوكى المعتدى لا يسرى إلا على المستقبل ــ أى بعد نزول الآية ، ولا شأن له بالزيجات القائمة فعلا . واضح هذا فى قوله جل وعلا :(وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) البقرة ).
وهذا كله لا شأن له بقضية زينب / أبى العاص .
4 / 3 : ويقول ابن إسحاق : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى السرية الذين أصابوا مال أبي العاص ، فقال لهم : " إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، و قد أصبتم له مالا ، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له ، فإنا نحب ذلك ، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحق به" ). الخطأ هنا قوله زورا على لسان النبى : ( وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم ، فأنتم أحق به ). ابن إسحاق لم يكن يعرف أن الفىء هو الذى يفىء الى بيت المال بلا حرب ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) الحشر )
أخيرا
تبقى الحقيقة ناصعة واضحة . إن التفريق بين الزوجين ليس من الاسلام ، وقصة زينب بنت النبى محمد دليل على هذا رغم أنف روايها ابن إسحاق .