بعد قطع المعونة السعودية للبنان وما تبعها من تصعيد سياسي سعودي وسحبها لرعاياها، ثم لجوء حلفاء المملكة في الخليج لنفس الخطوة لنا أن نسأل..ماذا تريد المملكة بالضبط؟..وما سر التصعيد في وقت تكاد فيه الأزمة السورية على وشك الحل؟..وما الفائدة التي عادت على السعودية من هذا التصعيد ؟..وهل يمكن القول أن من يدير دفة القيادة في المملكة يحسب خطواته جيدا أم يفتح أبوابا متعددة للصراع في عز أزمتهم الاقتصادية والعسكرية في اليمن؟
حسب ما أعلنت الخارجية السعودية أن دوافع التصعيد هي عدم انسجام الموقف اللبناني مع المملكة، ولكن هذا تصريح غامض وليس مبرر لهذا الشكل من التصعيد، فالسياسة لا تعنى التطابق في المواقف بل التباين على أساس المصلحة المشتركة، وأي مصلحة مشتركة تجمع اللبنانيين والسعوديين بعد اتفاق الطائف؟..في الحقيقة توجد مصلحة واحدة وهي أن وحدة لبنان ونسيجها الاجتماعي والطائفي أهم ما يفيد المملكة بصفتها من رعت هذا الاتفاق وخرج بفضلها إلى النور.
أي أن التصعيد السعودي ضد لبنان يضر الموقف السعودي نفسه ويشكك في نزاهة رعايتها الاتفاق من الأساس، فإذا كانت الحجة هي إساءة حزب الله فما أكثر من أساء لإيران من فريق 14 آذار وتيار الحريري وجعجع ورغم ذلك لم تتخذ إيران مواقف مماثلة للموقف السعودي، فإذا قيل أن إيران لا تدعم الجيش اللبناني قلنا هذا غير صحيح فالعرض الإيراني المقدم للجيش تم الإعلان عنه وما زال على الطاولة رهن الموافقة، أو ربما التصعيد السعودي يهدف لمنع الهبة الإيرانية من الأساس، رغم استبعادي لذلك فالحلول في هذه الظروف تأتي في سياق المنافسة لا المنع، أي كان يمكن للسعودية زيادة هذه الهبة ومعدل الدعم كي لا تقارن مساعداتها بمساعدات أي طرف آخر..خصوصا إيران.
لو كانت الحجة –كما أعلن- هي عدم انسجام المواقف فنفس الحال حاصل بين الحلفاء في الشرق والغرب، مصر التي دعمت التدخل الروسي في سوريا هي نفسها من تأخذ المعونة الاقتصادية والعسكرية من أمريكا والتي من المفترض أنها الخصم المقابل والمكافئ لروسيا في المعادلة السورية، باكستان التي تأخذ المعونات الأمريكية والسعودية هي نفسها باكستان حليفة إيران وجارتها وشقيقتها في العرق الآري، ومؤخرا انفتاح باكستاني إيراني على أعلى مستويات الاقتصاد والأمن والسياسة.
بكل الأحوال الطريقة التي تم الإعلان بها عن التصعيد السعودي ضد لبنان غير مقنعة وتخفي في بواطنها أسباب غير مرئية، وهو ما أشار إليه مجتهد بأن دوافع التصعيد لأسباب تتعلق باعتقال الأمير السعودي المتهم بتهريب مخدر الكبتاجون، أو ربما أسباب أخرى تتعلق بصراع الجيش اللبناني مع جبهة النصرة في مدينة عرسال اللبنانية في الحدود مع سوريا، أو ربما يأتي التصعيد ضمن خطة سعودية لتوسيع رقعة الاحتقان الطائفي بعد إشارة بدءها في سوريا واليمن.
فالمجتمع اللبناني من أكثر المجتمعات العربية تمثيلا للشيعة، وهم يشكلون ضمن نسيجه الاجتماعي نسبة تقترب من النصف، والشيعة العرب بالعموم في العرف السعودي متهمين بالولاء والتبعية لإيران، ومن هذا المنطلق حشدت السعودية جيشها على حدود اليمن وأطلقت عدوان عاصفة الحزم ضد اليمنيين منذ ما يقرب من عام، وشكلت تحالفها من كتلة سنية 100% وكذلك تحالفها الإسلامي الذي ظهر أنه تحالف سني بالأساس، أي أن التوجه السعودي واضح وهو السير في طريق حشد السنة ضد شيعة العرب بوصفهم عملاء لإيران، رغم تصريح وزير الدفاع السعودي بن سلمان من قبل أن فرصة حرب المملكة مع إيران غير واردة، فلماذا ياسيادة الوزير تحارب شيعة العرب بتهمة إيران؟!
كذلك فمنطق معاقبة دولة بالكامل وجيشها بحجة تمرد حزب فيها على السياسة السعودية تطعن في نزاهة هذه السياسة وحقيقة دعمها للبنان، فالمنطق يقول إذا خان أحد الأصدقاء صديقه ليس مبررا لقطع العلاقة مع كل الأصدقاء، لكن يبدو أن المملكة انتبهت لذلك وصدر تصريح سعودي بأن العلاقات ستظل طيبة مع حلفائها في لبنان، وأنباء-غير معلنة-بنوايا سعودية بتسليح حلفائها ضد حزب الله وإشعال حرب أهلية كالتي دارت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وتكررت بلمحة سريعة في 7 أيار عام 2008، وكأن قيادة السعودية مصممة أن يكون تدخلها في لبنان سلبي وعدواني بتحريض وتأليب الطوائف ضد بعضها كما يحدث الآن في اليمن باتهام الزيود في الشمال بالتبعية لإيران رغم نفي أمريكا إمكانية الاستدلال بعلاقة الحوثيين بإيران أصلا..!
أما عن أدوات المملكة في التصعيد ضد حزب الله فهي تمس كل اللبنانين وأمن دولتهم، فالسعودية على علاقة وثيقة بالمجموعات التكفيرية السورية العاملة في لبنان، ومن أرضها شن هؤلاء الهجمات ضد الجيش السوري بدعم المخابرات السعودية، وقيل يوما ما أن تفجيرات الضاحية الجنوبية التي قتل فيها العشرات من الشيعة والموالين لحزب الله هي من تخطيط وتمويل وتأمين المخابرات السعودية، كما أن الأمير السعودي المعتقل بتهمة تهريب المخدرات يجري الحديث وسط مجموعة 8 آيار أنه مسئول عن دعم الجماعات الإرهابية الموجودة في عرسال، وإن كان لم يتأكد ذلك بشكل قاطع أو حتى إمكانية إثباته ، لأن دعم الإرهاب في السر لا يمكن إثباته في العلن بمجرد التشكيك بل بأدلة قاطعة كما أثبت بوتين علاقة أردوجان بداعش بعد شراءه النفط منهم عبر الحدود.
كل هذه الأسئلة والإشكاليات مطروحة على الجانب السعودي أن يجيب عنها بكل شفافية، لماذا تصعيدكم الآن ضد لبنان؟..ما طرحتموه في الإعلام غير مقنع حتى لحلفائكم من الغرب، الاتحاد الأوروبي-حسب صحيفة الديار- يسأل عن الأسباب الحقيقية للتصعيد، وتخوف غربي من أن يكون التصعيد السعودي ضد لبنان يهدف لتفجير أزمة اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان وطردهم لأوروبا في مشهد قد يوحي باتفاق سعودي تركي على ذلك.
إن أي محاولة للسير في فلك المملكة وسياساتها التصعيدية ضد لبنان هو هدم للدولة اللبنانية بالكامل، وإعادة إحياء ثقافة الانتقام والسلاح التي انتهت منذ عقدين، والرسالة موجهة لحلفاء السعودية في لبنان، خاطبوا ضمائركم وقدموا مصلحة لبنان العامة على مصالحكم الحزبية الخاصة، فلبنان للجميع ولن ينجح أي طرف في إقصاء خصومه، وأحسن ما قيل من زير الخارجية اللبناني- في سياق هذه الأزمة- حين قال أن الوحدة الوطنية اللبنانية مقدمة على الإجماع العربي، كفاكم سنوات من الحروب التي يتضح جليا أنه يجري الإعداد لها بشكل وثيق.
وبالنسبة للمعونة فأن تحيوا كراما خير لكم من إذلالكم كما فعل السعوديون، مع اعتقادي ويقيني الكامل أن هذه المعونة لم تكن لتفيد الشعب اللبناني بدلالات أزمة النفايات والرئيس وما قيل أن فئة صغيرة من رجال الأعمال هي من تستفيد منها دون توزيعها بشكل عادل، لقد عشتم سنوات مع هذه المعونة لم يتغير شئ، وبعد قطعها لن يتغير أيضا، فلبنان ساحة جذب استثماري ومالي جيدة فيما لو استقرت الأوضاع، وهذا لن يتحقق إلا بالسلام في سوريا وتحرير عرسال، فاسعوا إلى ترسيخ ثقافة السلام والتعايش ودعم الجيش والدولة..هذا أبلغ رد منكم على خصومكم وربما في صالحكم فيما لو قررتم الاتحاد على مبادئ وأسس وليس على دعم إقليمي مشبوه رهين بالحسابات الطائفية الضيقة.