أولا : هناك فارق :
1 ــ هناك فارق بين ( مجرم ) يقتل فردا و( قائد فاتح ) أكثر إجراما يقتل مئات الالوف من الافراد . وهناك فارق بين (مجرم) يسرق شخصا ، و( قائد فاتح ) أكثر إجراما يسرق شعبا. وهناك فارق بين (مجرم) يظلم فردا و ( قائد فاتح ) يقهر شعبا . وهناك فارق بين (مجرم) يغتصب إمرأة و(قائد فاتح ) فاتح أكثر إجراما يسبى ويغتصب جنوده مئات الألوف من النساء . الفارق شاسع حسب عدد الضحايا . ولكن هناك فارقا مؤلما بين المجرم العادى وبين القائد الفاتح . المجرم العادى يكون مثواه السجن تشيعه اللعنات ، أما المجرم الأكبر ( القائد الفاتح ) فمثواه فى صفحات التاريخ مُحاطا بالتكريم موصوفا بالعظمة يتراقص فى موكبه المؤرخون ، وينسى الجميع أنه يجلس على عرش تكون من جماجم وأشلاء مئات الألوف من البشر الغلابة ، وأنه شرب أنهارا من دماء القتلى الأبرياء .
هنا تتجلى عظمة القرآن الكريم فى هذا الحرص الزائد على حق الحياة وحُرمة قتل النفس البشرية البريئة ـ أى نفس بشرية بريئة .! وهنا أيضا يتجلى ظُلم التاريخ وظُلم التشريعات البشرية التى تستهين بحق الحياة للنفس البشرية وتبيح قتل المُسالمين الأبرياء تحت مسميات (الفتح ) و ( الجهاد ) و ( طاعة الحاكم ) و ( الخروج على الدين ) و بتهم خاسئة مثل لإبادة الأحرار مثل ( مفارقة الجماعة ) و ملفقة مثل ( الخيانة العظمى ) .
2 ـ هناك فارق بين ( فاتح علمانى ) يسعى للثروة والسلطة والمجد بغزو واحتلال الشعوب واستعبادها وقهرها وإستنزاف مواردها وأموالها ــ وبين ( فاتح يرفع لواء الدين ) وهو فى الحقيقة يسعى ــ أيضا ــ للثروة والسلطة والمجد بغزو واحتلال الشعوب واستعبادها وقهرها وإستنزاف مواردها وأموالها.
( الفاتح العلمانى ) أمثاله كثيرون :تحتمس الثالث ورمسيس الثانى والاسكندر الأكبر وقمبيز ودارا (الفارسى ) وقيصر وهرقل وجنكيزخان وهولاكو وتيمورلنك وهتلر وتوجو اليابانى وموسولينى الايطالى و..جورج بوش الأمريكى . هذا ( الفاتح العلمانى ) لا يزعم أنه يقتل ويسلب وينهب ويسبى ويقهر ويحتل ويغتصب بإسم الله جل وعلا . أى إنه يظلم البشر فقط . أما ( الفاتح الذى يرفع لواء الدين ) فهو يؤكد أنه بإسم الله وبأوامره جل وعلا وبشريعته يقتل ويسلب وينهب ويسبى ويقهر ويحتل ويغتصب ، وأنه تنتظره جنات الخُلد جزاء ( جهاده ) ، وأنه لو فاته ( إغتصاب ) نساء العالمين ففى إنتظاره ( الحور العين ) . وإنه لو تخلى عن ( جهاده ) فسيغضب منه رب العالمين . بهذا فإن ( الفاتح الذى يرفع لواء الدين ) لا يظلم فقط الناس بل أيضا يظلم رب الناس . أبرز مثل لهذا( الفاتح الذى يرفع لواء الدين ) : ( الخلفاء الراشدون ) أبو بكر وعمر وعثمان .
3 ـ الفاتح العلمانى يحتل صفحات الفخار فى التاريخ ، وهكذا أيضا ( الفاتح الذى يرفع لواء الدين )، إلا إن ( الفاتح الذى يرفع لواء الدين ) يحتل موقعا أكبر ، هو موقع التقديس وهوما نفعله فى تعاملنا مع الخلفاء ( الراشدين : أبى بكر وعمر وعثمان ) . إرتقوا من مجرد أبطال فى التاريخ الانسانى ــ الذى يحفل بأخبار الفاتحين المجرمين ـ الى سدة الألوهية ، تحولوا الى آلهة مقدسة معصومة من الخطأ ، ولا يجوز نقدها بل التسبيح بحمدها ونقش إسمها على حوائط المساجد بجانب إسم رب العزة جل وعلا . باحثو التاريخ لهم الحق فى نقد الفاتحين العلمانيين من تحتمس الى هتلر وجورج بوش ، ولكن من يتعرض لنقد تاريخ ( الفاتح الذى يرفع لواء الدين ) يكون خارجا عن الدين ــ ليس دين الله جل وعلا بل الدين الأرضى الذى أنتجته الفتوحات القرشية . الدليل هو هذا الهلع الذى يحسّه القارىء لنا ونحن نذكر أسماء ابى بكر وعمر وعثمان فى هذا المقال .
ثانيا : هل هم خلفاء راشدون ؟
1 ـ أولئك الخلفاء لم يصفوا أنفسهم بالراشدين ، هذا الوصف تم إطلاقه عليهم فى العصر العباسى ، بدأ به المؤرخون للتفريق بين حكم ( الملأ ) فى عصر ابى بكر وعمر وعثمان وعلى ، وبين الحكم الوراثى لبنى أمية ومن جاء بعدهم . تم إطلاقه عليهم فى عصور عرفت تقديسهم ضمن تقديس الصحابة والأئمة والأولياء ، فأصبح مصطلح ( الخلفاء الراشدون ) المصنوع فى العصر العباسى من معالم أديان المحمديين الأرضية . ولا تزال تلك الثقافة سائدة ، بل زاد تغلغلها بإنتشار الوهابية السنية عبر قطار النفط السريع ــ الملعون . فهل يصح ـ قرآنيا ـ إطلاق وصف الراشدين عليهم ، وهم الذين ارتكبوا موبقات الفتوحات ثم جعلوها جهادا فى سبيل الله جل وعلا .
2 ـ إن ( الراشدين ) قرآنيا هم الذين يكرهون الكفر والفسوق والعصيان ، ويحبون الطاعة والايمان ، يقول جل وعلا : ( وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ (7) الحجرات ). أبو بكر وعمر وعثمان أحبوا الكفر والفسوق والعصيان فليسوا براشدين . هم بفتوحاتهم وما ارتكبوه فيها إختاروا طريق الغواية وليس طريق الرشاد ، وبكفرهم السلوكى فى الفتوحات وبتكبرهم صرف الله جل وعلا قلوبهم عن تشريع القرآن فإختاروا سبيل الغى و ليس سبيل الرشاد ، يقول جل وعلا : ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ) الأعراف 146). والعادة أن الشيطان حين يتحكم فى الانسان يزين له الباطل حقا والحق ضلالا ، ويقلب الرشد غيا والغى رشدا ، يقول جل وعلا : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر ). وهكذا فعل الشيطان بفرعون موسى ، هو طاغية مفسد متكبر مسرف فى العدوان ، ولكنه كان يعتقد أنه على سبيل الرشاد : ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ) غافر 29 ). وعلى سُنة فرعون وعلى نهجه وعلى ( دأبه ) سارت قريش فى عدوانها وصلفها وفسادها ، فقال جل وعلا عنهم ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران ) (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الانفال ) ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال ). وجاء ابو بكر وعمر وعثمان يسيرون على منهج كفار قريش ، مع فارق أساس : أن قريشا كانت ترتكب الموبقات ولا تجعلها شريعة اسلامية ، أما أبو بكر وعمر وعثمان فقد جعلوا البغى جهادا اسلاميا . عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
ثالثا : التقديس الآثم للخلفاء ( الفاسقين )
1 ـ هذا الهلع الذى يحسّه القارىء لهذا المقال يؤكد إنه تشرّب تقديس هؤلاء الخلفاء الذى أصبح من ( ثوابت ) الأديان الأرضية للمحمديين على إختلاف بينها ، وأن هذه الثوابت و ( ما وجدنا عليها آباءنا ) قد أصبحت جزءا أساسا فى مناهج التعليم وفى الثقافة التى تنشرها أجهزة الاعلام ومؤسسات الدولة الدينية ، وبالتالى لا يمكن قيام نهضة حقيقية مع وجود هذه الأصنام المقدسة فى العقل الجمعى . هذه الأصنام المقدسة هى القاسم المشترك بين داعش وأخواتها وبين معظم المحمديين . وطالما يظل الهلع من وصف أولئك الخلفاء بالفاسقين بدلا من الراشدين فسيظل المسلمون المحمديون دواعش فى الثقافة والدين .
2 ـ هذا الهلع الذى يحدث للمحمديين عند إنتقاد الخلفاء الراشدين لا يحدث عند سماع الكفر برب العزة جل وعلا . إذا سمع أحدهم شخصا يتندر على رب العزة فى (نُكتة ) فربما يضحك وربما يغضب ولكنه لا يمكن أن يفزع . هو يفزع إذا سمع إنتقادا ـ مجرد إنتقاد لأبى بكر أو عمر . أى مع التسليم بأن المحمديين يقدسون رب العزة ويقدسون معه الخلفاء ( الراشدين عندهم ) فإن نصيب التقديس لرب العزة أقل كثيرا من تقديسهم لخلفائهم ( الراشدين ) .
رابعا ـ إما تقديس رب العزة وحده ..وإما تقديس الخلفاء الفاسقون
1 ـ هؤلاء الخلفاء ـ جميعا صناعة بشرية تاريخية . فنحن نعرفهم من التاريخ المكتوب عليهم . لم نرهم ولم نتعامل معهم . هم مجرد شخصيات تاريخية ، فى تاريخ ( مكتوب ) و ( مصنوع ) بعد موتهم بقرنين وأكثر . وقليلون هم الذين يقرأون هذا التاريخ فى مصادره الأصلية ( تاريخ الطبرى وتاريخ المسعودى والطبقات الكبرى لابن سعد ..الخ ) . ولكن الأغلبية الساحقة من المحمديين لا يقرآون هذه المصادر التاريخية وما فيها من مذابح إرتكبها أولئك الخلفاء الفاتحون الفاسقون فى العراق وايران والشام ومصر ، وملايين الدنانير وأطنان الذهب التى سلبوها من أصحابها ، ومئات الألوف من القتلى وأضعافهم من الأسرى نساءا ورجالا وأطفالا ، والذين تحولوا الى رقيق ملأ المدينة ومكة والطائف والكوفة والبصرة والفسطاط والقيروان . الأغلبية الساحقة من المحمديين يتعلمون فى المدارس تاريخا موجزا يمجد الفتوحات ويقدس قادتها . كلهم يقدسون ويعبدون أسماء ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان ولم ترد فى القرآن ( اسماء أبى بكر وعم وعثمان وعلى والحسين ..الخ ).
2 ـ عند عرض تاريخهم على القرآن الكريم فالنتيجة أن (فتوحاتهم ) إعتداء على قوم لم يعتدوا عليهم . ولو تخيل القارىء نفسه يعيش فى قرية مصرية وقت فتح مصر على يد عمرو بن العاص ، ورأى جنود عمرو يهاجمون قريته وينتزعون منه زوجته وبناته فإذا تصدى لهم قتلوه ، ويبعثون بخُمس العدد الى المدينة ويوزعون الباقى عليهم يستحلون إغتصابهن . هذا ما قيل عن افاعيل عمرو بن العاص فى مصر وقت الفتح . وهو نفس ما فعله خالد فى العراق ونفس ما فعله سعد بن أبى وقاص فى ايران . كل هذا فى خلافة ابى بكر وعمر . هذه الفتوحات إعتداء أثيم على قوم مسالمين . والله جل وعلا حين حدّد تشريع القتال وحصره فى القتال الدفاعى فقط أكّد جل وعلا أنه لا يحب المعتدين ، فقال : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ) هذا ينطبق على الفاتح المعتدى العلمانى الذى لا يرفع شعارا دينيا . فكيف بأولئك الخلفاء الذين ارتكبوا كل هذه الموبقات وهم يزعمون أن هذا هو دين الله جل وعلا . إذا كان رب العزة لا يحب المعتدين العاديين لأنهم يعتدون على الناس ، فكيف بألولئك الخلفاء المعتدين على رب الناس ؟ فهم بما إرتكبوا من موبقات الفتوحان وبزعمهم أن هذا هو دين الله جل وعلا فقد ظلموا رب العزة ، وزيفوا بعملهم دينه الاسلام دين السلام والعدل والرحمة . بالتالى فهم ليسوا مجرد معتدين لا يحبهم الله جل وعلا بل هم خصوم لرب العزة جل وعلا . وهم فعلا قد تحولوا الى آلهة مقدسة فى قلوب المحمديين يشاركون رب العزة فى التقديس الواجب له وحده .
3 ـ وبدلا من الهلع الذى يجتاح القارىء للعنوان (الخلفاء الراشدون الفاسقون ) عليه أن يختار بين أولئك الخلفاء الفاسقين ورب العالمين . القضية لا تحتمل التوسط . الله جل وعلا حرّم الاعتداء وأكد أنه لا يحب المعتدين . وأبو بكر وعمر وعثمان إعتدوا وزعموا أن هذا الاعتداء هو دين رب العالمين إفتراءا على رب العالمين . هنا قضية فيها ظالم ومظلوم . الخلفاء ابو بكر وعمر وعثمان هم الطرف الظالم ، ورب العزة هو الطرف المظلوم . وعلى القارىء أن يحدد موقفه : هل هو مع الظالم أم مع المظلوم ؟ هل حق الله جل وعلا هو الأهم عنده أم ( حق ) أبى بكر وعمر وعثمان ؟ هل الذى سيحاسبه يوم القيامة هو الله جل وعلا أم أبو بكر وعمر وعثمان ؟ ومن الأولى بالموالاة والمناصرة هل الله جل وعلا أم أبو بكر وعمر وعثمان ؟ ومن الأولى بالتقديس : هل رب العزة جل وعلا وحده أم أبو بكر وعمر وعثمان ؟ وبناءا على إختيار القارىء فإنه يختار لنفسه مصيره يوم القيامة بين خلود فى الجنة أو خلود فى النار .