نماذج الإدارة الطالحة - عزيز مصر
من وحي سورة يوسف - العزيز

محمد خليفة في الثلاثاء ٠٩ - فبراير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

ورد ذكر العزيز أول ما ورد - عند تناول الحديث عن الأزمة الإدارية الثالثة من ضمن تسعة عشر أزمة إدارية تعرضت لها  وعرضتها سورة يوسف - ، على أنه الرجل الذي إبتاع يوسف، ولم يشر وقتها إلى كونه عزيز مصر، وأغلب الظن أنه لم يكن وقتها قد تقلد هذا المنصب، بل كان في الطريق الصاعد إليه، أي أنه كان في منصب كبير يؤهله للترقي بعدها إلى أن يكون ذاك العزيز.

{  وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ..(21) }

وفي هذه الآية يوصي الرجل زوجته  إكرام[1]  هذا الغلام وحسن تربيته لأنه يأمل في الإنتفاع منه (في الحرس الخاص، أو يكون أحد المعاونين له في العمل، أو المساعدة في أعمال المنزل، أو كانت الأخرى باتخاذه ولدا بالتبني مما يشير إلى أنهما كانا لم ينجبا بعد.

 

 

 

شئ آخر نود أن نلفت النظر إليه، وهو أن الصياغة القرآنية في هذه الآية ذكرت أن الرجل قال "..لِامْرَأَتِهِ. [2]." ولم يقل لإحدى زوجاته، مما يدل على أنها كانت الزوجة الوحيدة، وهذا يبدو مستغربا، فعادة أهل ذلك الزمان كانت إتخاذ أكثر من زوجة، فضلا عن السراري والجواريوالخليلات، مما يرمي بظلال من الشك على فحولة الرجل ، فأغلب الظن أنه كان يفتقد القدرة على إتيان النساء (عنين )،لذا أشار باحتمال تبني هذا الغلامواتخاذه ولدا، وهذه وحدها سوف تفسر بعضا من مواقفه المتخاذلة تجاه إتخاذ بعض القرارات الحازمة في المواقف العصيبة.

وجاء ثاني ظهور للعزيز في السورة عند الإشارة إلى إدارة الأزمة الخامسة من بين تسعة عشر أزمة إدارية إحتوتها سورة يوسف، ثم  تم تناول الحديث عنه ضمنيا - وليس بصورة مباشرة  - حين عرض إدارة الأزمة السابعة ، ثم عادت الإشارة إليه بظهر الغيب في إدارة الأزمة الثانية عشر، حيث أورد الحق حين عرض الأزمة الإدارية الأولى

{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20) وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)}

وسوف نبدأ في إستعراض الجزء الذي يخص العزيز في هذه الآيات والتي تعرضت لعرض الأزمة الإدارية الأولى :

الآيه 21

{ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) }

 

إنتقل المشهد إلي منزل الرجل الذي إشتراه لم يشر إلى إسمه أو كينونته وإنما أشار إلي البلدة التي إنتقلت إليها الأحداث وهي مصر [3]، يوضح المشهد أن الرجل ذهب إلي بيته ومعه هذا الصبي ويوصي إمرأته - زوجته -  مما يشير إلي أن هذا الرجل لم تكن لديه زوجات أخريات كدأب أهل ذلك الزمان، فهو يوصيها بإكرام الصغير غاية الإكرام حيث تشير الكلمات إلي إكرام المثوى، والمثوى هو المكان المعد للنوم فنحن نقول

شيع فلان إلي مثواه الأخير أي رقدته النهائية والتي لا قيام منها إلا يوم القيامة.

 

وإكرام المثوى يتناسبا طردياً مع قيمة الضيف في نفسك، فلو كان ضيفاً رقيق الحال إفترش الأرض في غرفة نائية، ولو كان الضيف قريباً أو صديقاً خص له فراش خاص، أما إن كان عزيزاً على نفسك قريباً من قلبك فإنك سوف تتنازل له بمحض إرادتك عن مكانك في غرفة النوم الخاصة بك، وهكذا تبين درجة إكرامك لمكان نوم الضيف مكانته عندك، فإكرام المثوى هو أعلادرجات الإكرام وهو غاية لإكرام، والشاهد أن هذا الرجل يريد أن يكرم هذا الصغير غاية الإكرام،لذا فقد أشار على زوجته بهذه الكلمات " أَكْرِمِي مَثْوَاهُ "

ثم أردف" عَسَى أَن يَنفَعَنَا "

بما يعني أن معاملته معاملة حسنة وإكرامه، إنما تهذب نفسه وتزيل عنها مرارة البعد عن الأهل والغربة والوحدة، مما يدفع الصبي لرد الجميل ويقوم بنفع هذه الدار ومَنْ في الدار " أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا "وهذه إشارةإلي أنه لم يكن عندهما أولاد، وهو قد توسم في هذا الصبي وضىء الوجه أن المعاملة الحسنةوالتربية الكريمة قد تجعلهم يتخذونه ولداً، أي أنه يحمل اسمه ويورثه بعد موته ويرتكز عليه عندكبره ويعتمد عليه في إدارة أمواله وبيته.

 

كان هذاالرجل هو الذي سوف يشار إليه فيما بعد بعزيز مصر، ويعد ظهوره في هذا المشهد هو أول ظهور له بشخصه في السورة،  وقد تعلم يوسف في هذا البيت الكثير من العلوم  والإدارة، حيث تتبع ورود مياه النيل للري والزراعة، أيضا تخزين المحاصيل.

وهكذا كان قَدَر يوسف أن يكون في بيت هذا العزيز الموكل إليه شئون الإدارة المحلية، لكي يتعلم من سيده كيفية إدارة شئون البلاد وإدارة المحاصيل، وقياسات واردات المياه للري، وأساليب تخزين المحاصيل للإستخدام اليومي وكذا لإستخدام بعضها كتقاوي للزراعة في السنة القادمة، كما يتعلم إدارة الأموال والتبادل التجاري مع البلاد المجاورة، ويتعلم أيضا ما تصدره مصر من محاصيل ومنتجات، وأيضا ما تستورده مصر من جيرانها.

 

كان هذا قَدَر الله ليوسف، ليتدرب علي كل ذلك ويلم به ويكتسب الخبرة تلو الخبرة والسنة تلو السنة ليتعلم ويزيد من قدرته علي الإدارة، وحرفية إدارة الازمات، مما سوف سيكون له تأثيراً كبيراً عندما يوكل إليه إدراة البلاد أثناء الأزمات الإدارة السليمة، والخروج بالبلاد من عثراتها دون حدوث مجاعة أو أزمة إقتصادية أو حروب أهلية أو حوادث شغب وقطع الطرق.

 

 

وإلى أول ظهور للعزيز بشخصيته

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُرَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) }

وظهور " رَبِّي " هنا إنما تشير إلى شخصية العزيز.

وإلى ثاني ظهور لشخص العزيزفي مشاهد السورة حيث سيكون البطل الرئيسي لهذه اللقطة الحاسمة في الأحداث

الآيه 25

{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَوَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِقَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَأَوْ عَذَابٌ أَلِيم (25) }

 

إذ  كلما نجح يوسف في إجتياز أحد الأبواب كلما زاد جنونها وانتفض الجسد بأعلى طاقاته ودفاعاته ممدا لها بقوة بدنية خارقة تجعلها تتشبث بقميصه لترده إلي داخل الدار وبين صد ورد وهروب وتشبث، تمزق القميص الذي كان يرتديه يوسف من الخلف (مع أنه يصعب علي الرجل القوي أن يفعل ذلك في حالته الطبيعية) حدث ذلك وكانا قد وصلا الي الباب الأخير والذي منه النجاة وعنده كانت تنتظرها مفاجاة من العيار الثقيل

 " وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ" هي متوهجة الوجناتن منكوشة الشعر معروقته، متصلبة الأطراف، حالها يدل عليها وهو - أي يوسف - يقف لاهثا مطأطأ الرأي ممزق الثياب من الخلف، ولم يكن في ذاك الزمان ملابس داخلية فتمزق القميص سوف يعرض ظهر يوسف للرائي، وقد يكون به خربشات من تأثير أظافرها وقوة قبضتها علي طرف القميص الأعلي.

سوف نلاحظ تعالي ظهور الآداه " و" في الآية الكريمة ( واستبقا الباب & وقدت قميصه & وألفيا سيدها ) وهي تعني التعقيب مع التراخي، مما يعني أن كل واحدة من هذه الحوادث قد إستغرقت وقتا ليس بالقليل.

إكتمل المشهد ويقف السيد حائرا مندهشا مما يري فعاجلته بدهائها الأنثوي وسرعة بديهتها الجِبلـِّية ومخزون الكيد في نفسها    "  قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا "

فالمهم عند المرأة هو الحل ولا يهم الأسلوب - ميكيافيليه واضحه - الغاية تبرر الوسيلة - لا يهمها من سقط أثناء الرحلة، ولا يهمها ماذا تكبد الآخرين المهم أن تنجو بنفسها أو تحل مشكلتها وليذهب الآخرون إلى الجحيم.

قالتها بقوة وحزم سيدة مطعونة في كرامتها، بعد أن إستعادت وبسرعة أنثوية تحسد عليها رباطة جأشها وتفكيرها السريع في الموقف وأسلوب التخلص منه.

 

الآية 26/27

{ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) }

 

لم يبهت يوسف من الرد فحسب، بل بهت أيضا من القوة والسهولة والثقة بل والسرعة التي جاء عليه الرد، واستعاد رباط جأشه ثم بصوت متهاون ضعيف، فهو في موقف لا يحسد عليه

" قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَننَّفْسِي "    لم يقل   " بل هى التى راودتني عن نفسي "

هو عبد فى تلك الدار،  ولا يجرؤ عبد على إقتراف مثل هذه الفعلة مع سيدته، وهو أسير كرم هذه السيد واكرامه غاية الكرم ومعاملته أحسن معاملة، فمن غير المتوقع أن يكون هذا هو جزاء الاحسان إليه، يقول وهو يبتلع ريقه الجاف وشعور الخزي يعتريه علي ما يمكن أن يتصوره سيده فيه، يكاد أن تتراجع الكلمات في فمه فقال بصوت واهن خجل" قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَننَّفْسِي "   

 

لم يتحرك فى هذا السيد نخوة الرجال وغيرتهم على نساءهم، فاستقبل الإتهام والدفاع بهدوء وأرسل إلى قريب لها يعمل فى القضاء، وورد عليه الكثير من أشباه هذه القصة يستفتيه الموقف ويسأله المشورة.

بدأ الشاهد  أولا باحتمال كونها صادقه، لأنها قريبته ويهمه أمرها، فقال إن كان قميصه الممزق قد تم قطعه من الأمام  "قُدَّ مِنقُبُلٍ " فيوسف في هذه الحالة يكون هو المهاجم وكانت هى المدافعه، لذا يكون الأوفق أن يمزق قميصه من الأمام، فإن كان هذا هو الحال الذي حدث فصدقت في إدعائها بأن يوسف أراد بها سوءًا وكذب هو في دفاعه أنها هي التي راودته عن نفسه، وأما إن كانت الأخرى أي أن قميصه قد من الخلفً"من دبرً"فيكون ذلك دليل كذبها وإفتراءها في إتهام يوسف   " وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ".

هكذا نرى  فيما سبق أن الله شهد له بأنه من المُخـْلَصين والشيطان شهد له إلا عبادك منهم المُخـْلَصين وهذه ثالث شهادة له وجاءت من شاهد عدل من أقرباءها   " وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ".

الآية28

{ فَلَمَّا رءا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) }

 

 فبعد شهادة الشاهد من أهلها، وبعد تفحص الدليل المادى على إدانة المرأة وبراءة يوسف وهو أن القميص ممزق من الخلف " قُدَّ مِن دُبُرٍ "إجتمع له الدليل المادي على إدانة المرأة - وهو علي يقين به - فهو عنين أى ليس له فى النساء من شيء فهو لا يأتيها كما يأتي الرجال النساء، وهو يعلم من نفسه ذلك ويعلم في نفسه تقصيره في حقها المشروع لها.

 

لم تشر الآيات إلي ذلك، لكنه إستنتاج منطقى لما جاءت به الكلمات، ونضحت به التصرفات فهو لميغضب لكرامته، ولا قال شيئا بل إستقبل الأمر بهدوء مستغرب عادى جداً، وبعث فى إستشارة القاضى قريب المرأة في ملابسات الحدث، ولا يقوم بمثل هذا الفعل إلا ديوث يقبل السوء علي أهله ومن أهله، ففي نفسه ميل إلي تبرئتها ولو جاء الدليل قاطعاً على إدانتها،  فهو يستجلب لها العذر على ما إقترفت بل ذهب إلي أكثر من ذلك فقد علق على صدرها وساما بأن ما قامت به يعد من الأعمال العظيمة.

 

فقوة المرأة تكمن فى مخزون الكيد لديها، وإستخدامه حين الحاجة إليه، فلما رءا أن هذا الإستخدام قد تعاظم إلي حده الأمثل وصفه بالعظمة   "  إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ".

ليس فى الأمر تقريظاً ولا تقريعاً ولا تعنيفاً، وإنما تهنئة لها علي هذا الإستخدام الأمثل للكيد، ولها أن تتيهبفعلتها على قريناتها، وقد وصف كيد المرأة هنا - كيدكن عظيم -  في حين أن الحق ذكر في سورة النساء الآية 76   

  { الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) }

 

إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، ويعني ذلك أن كيد الشيطان بكل عدواته للإنسان وكل توعده له بسوقه إلى طريق الضلال وإرشاده إلي مدارك المعصية، هذا الكيد وصف بأنه  " كَانَ ضَعِيفًا "، والأداة " كان " هنا لا تعبر عن حدث تم في الزمن الماضي،  أو حال وقوعه كان في الماضي،  وإنما تعبر عن إقرار تأكيدي بحقيقة هذا الكيد.

أي أن المعنى المقصود ليس أن كيد لشيطان كان ضعيفا ثم أصبح قويا، بل كان ضعيفا واستمر على ضعفه وسوف يستمر على ذلك الضعف.

 

الآية 29

{ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) }

ثم يبلغ التخاذل أقصاه، وتصل المهانة إلى أدني مهابطها، وفي صيغة رجاء لمن يعلم أنه بريء من الفعل وبرىء من التهمة وبرىء من الفكرة بأن .."  يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا " ، أي لا تتحدث فيه ولاتذكره أمام أحد وكأن المهم في الموضوع هو ألا يعلم المجتمع عما حدث شيئاً، وهذه هي آفة المجتمعات المنحلة فى أعلا طبقاتها، ليس المهم وقوع الحدث ولكن المهم ألا يعرف أحد أن هناك حدثاً قد حدث، ثم جاءت  " وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ " ، لنلقى الضوء على حقيقتين مهمتين:

أولاهما :  إقرار من الرجل أن ما حدث من زوجته إنما هو ذنب إقترفته بالفعل.

ثانيهما  : أن هذا الذنب يوجب معه الإستغفار، ويشير إلى وجود ظلال من ديانات الوحدانية التي جاء بها نبي الله أدريس، ثم بشر بها نبي الله إبراهيم، وسوف نجد أن ظلال هذا التوحيد موجودة في وجدان الناس،  وعلى أطراف ألسنتهم فى عدة مشاهد من السورة.

 

ثم تأتى ثالثه الأثافي  " إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ "  فإنه بعد التثبيت بالدليل المادي والتيقن بالدليل القلبى علي إدانة المرأة ، فإنه يلتمس لها العذر، ويهون من شأن ذلك الذى قامت به فيصفها بأنها واحدة من الخاطئين.

والخاطئين جمع مذكر أي أنه يلمح إلى أن الخطأ إنما يكون بإيحاء من الذكر (أي الرجل) ويكون سبباً مباشراً له وإنما تكون المرأة الضعيفة الجناح تابعة له ولإغراءاته المتتالية،  وهذا البعد على ما فيه من مجافاة للحقيقة إلى أنه يهون على نفسه وعليها أثر ذلك الحدث.

 

أيضاً هو لم يقل من الخاطئات ذلك لأن عدد الخاطئات، وهن اللائي يبدأن الخطيئة قليل جداً إذا ما قيس بعدد الخاطئين من الرجال فنسبتها إلى الخاطئات قد تـُظهرها في نسبة عالية أما نسبتها إلي الخاطئين جميعا (الرجال والنساء) فتقلل من أهمية هذه النسبة بإنعدامها، وهنا أيضا يحاول أن يهون من تأثير ذلك على نفسه وعليها.

 

وإستكمالاً لما جاء في الآية (29)ومما يدل علي ديوثية الرجل ، أنه بعد أن تيقن من براءة يوسف

 - وكان علي ثقة منها في وجدانه - وتأكد من أن زوجته هي المذنبة، وكان أيضاً علي ثقة في إقترافها الخطأ، وبعد أن هون علي نفسه ونفسها الإحساس بمغزي الحدث وأسبابه، لم يقم بإبعاد يوسف عن القصر فكان يمكن أن ينقله إلي قصر آخر أو يرسله إلي بلدة أخري أي يبعد النار عن الحطب، لكنه لم يفعل ذلك تاركاً زوجته تعاود محاولة تنفيذ الفكرة التي سيطرت عليها، فمن المؤكد أنها ستحاول تكرارها، وكأن ذلك أشبه بمن يشجعها علي المحاولة مرة أخري، لكن علي أن تكون أحرص في المرات القادمة من إنكشاف فعلتها، فالمهم عنده ليس الفعل، لكنه إنكشاف هذا الفعل وذيوعه، فإن لم تكن هذه هي الديوثية فماذا تكون إذن؟

 

ثم إلى ثالث إهلالات هذه الشخصية في السورة، ونعني بها إشارة غير مباشرة لشخصه، لكنها تفصح عن بصمته، وأسلوبه في إدارة الأحداث، خاصة تلك المتلعقة بزوجته

{ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) }

بدأت الآيات بالأداة " ثُمَّ "وهي تعني التوالي مع التراخي البعدي الزمني، بمعني مرور عدة أيام قد تصل إلي عدة أسابيع وقد يحتمل أن تكون عدة أشهر،  ولم يحدد القرآن مدة زمنية بعينها، إلا أن إستخدام الأداة " ثُمَّ "تعني مرور وقت طويل بين أحداث وأزمان الآية السابقة (34 )،وبدء أحداث وزمان هذه الآية التي نحن بصددها ثم تأتي " بَدَا لَهُم " لم يقل  ( بدا لهن )  وهو الإستمرار المنطقي لسرد الأحداث التي بدأت في الآية (30)فقد كان الحديث كله دائراً مع مجموعة من النساء يأمرن وينهين ولهن الكلمة العليا، لكن جاءت هنا " بَدَا لَهُم "أي أن القائمين علي الأمر من الرجال وصانعو القرار منهم هم الذين رأوا بعد أن هدأت العاصفة وإنصرف المجتمع الراقي إلي شئونه أن يدبروا له تهمة ويلصقوها به لإدخاله السجن، وأغلب الظن أن المجتمع الراقي (كما سبق واخترنا له وصفاً لا ينطبق عليه) قد تسامع بما حدث لإمرأة العزيز ثم تسامع بعدها بما قامت بهالنسوة زوجات هؤلاء الرجال من تقطيع أيديهن وتهالكهن علي يوسف، فقرروا أن يودعوه السجن دون ذنب جناه بل كان هو كبش الفداء الذي قدم علي مذبح الفضيلة المدعاة درءاً للفضيحة وذراً للرماد في العيون.

حدث ذلك بعد شهادة الشاهد الذي شهد بصدق يوسف وبراءته من تهمة السوء التي حاولت أن تلصقها به إمرأة العزيز، وهي آية ناصعة علي بياض صفحة يوسف خاصة مع وجود دليل مادي حاسم علي براءة يوسف          ( قد القميص من دبر) ، وحدث هذا بعد وجود دليل مادي آخر   "  قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ "  وهي آية ناصعة أخري علي براءة يوسف وأنه من الصادقين، وبعد توالي هذه الأدلة وهذه الآيات الحاسمة بطهر يوسف وبراءته كان لابد من تحرك رجال الطبقة الحاكمة دفعاً للشبهة عن أنفسهم، ولإظهار أن المدان في هذه القضية هو يوسف حتي يهدأ الصخب ويقل الجدل وتبقي نسائهم علي طهرهن المزعوم، وأدخلوا يوسف السجن حتي حين، لم يكن الحكم إلي حين، فإستخدام إلي تعني تحديد مدة زمنية أما إستخدام حتي فهي مدة مفتوحة بغير نهاية محددة.

وهنا تظهر بصمة العزيز واضحة جلية، فمع يقينه ببراءة يوسف، وأن المدان في هذه الفرية ليست سوى زوجته، لكن الضغط الإجتماعي والذي تشكله نظرات الذين  يحيطون به وأقوالهم، بل همساتهم وإيماءاتهم، دفعته إلى الإستجابة لإلحاح زوجته في تنفيذها لوعيدها ليوسف بإيداعه السجن إن لم يرضخ لرغباتها المحمومة.

فكان أن أمر بسجنه، فالمنطق يقول أنه ليس من سلطان أحد أن يحكم على ربيبه وتابعه بأي حكم، إلا من خلاله وبعلمه .

وإلى ثالث  ظهور للعزيز بشخصيته،  وذلك في الآية (50)حيث أورد الحق وعلى لسان يوسف

{ ...ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّرَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) }

و " رَبِّي" هنا تشير إلى سيده العزيز

ثم إلى آخر هذا التواجد لشخص العزيزفي مشاهد السورة، سوف نجد ظهورا مباغتا في إشارة بظهر الغيب إليه، حيث كان يكمن في وجدان نبي الله يوسف، خشية أن يظن العزيز-  الذي رباه وأكرم وفادته وكان له من الأيادي البيضاء الكثير عليه -  أنه ربما ضعف تابعه وربيبه أمام توحش زوجته ورغباتها المجنونة فمارس معها خيانة له  ، كان هذا الشعور يؤذي  يوسف ويعذبه، ويشقيه ويتعسه، لذا صاح وبمجرد أن ظهرت وتأكدت براءته

{ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}

 

وهذه الكلمات هى ما نطقه يوسف  " ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ "  فيوسف حتى هذه اللحظة، لازاليحمل جميلالعزيز الذى تربى فى بيته، و يصعب على نفسه أن يتهم فى أنه راود زوجة الرجل الذىأحسن إليه، وفى هذاإساءة لا تعدلها إساءة، فبعد أن ثبتت براءة يوسف كان حريصاً على أن يكون أول من يبلغه نبأ هذه البراءة هو العزيز نفسه، لذا قال يوسف ما معناه ذلك، ليعلم العزيز أننى أنا ربيبه لم أقم بخيانته لا فى أهل بيته ولا فى غيرهامما يغيب عنه رؤيته أو مشاهدته ، فأنا لست بخائن، حيث أن يوسف يعلم يقيناً أن الله يمقت الخيانة ويكره الخائنين وهو لا يستر عليهم ولا ييسر لهم طريق الخيانة و يحبطأعمالهم ويرد كيدهم إلى نحورهم وسوف يكشفهم ليسأمام مجتماعتهم فحسب، بل أمام أنفسهم حيثيصغرون بنفوسهم أمام نفوسهم.

 

إذاً....     فظهور العزيز في سورة يوسف جاء في سبعة مواقع على نمطين

الشكل الأول:وهو ظهوربشخصه في ثلاثة مواضع  في الآيات21  & 25 & 28

{ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) }

{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَوَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِقَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَأَوْ عَذَابٌ أَلِيم (25) }

{ فَلَمَّا رءا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) }

 

الشكل الثاني:وهو ظهور بشخصيته في أربعة مواضع  في الآيات 23 & 35 & 50 & 52

{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُرَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) }

{ ثُمَّ بَدَالَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) }

{ ...ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّرَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) }

{ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}

 

ومما سبق نستطيع أن نستشف لمسات الإدارة في تصرفات وأقوال العزيز وذلك بتفحص الآتي :

 فقد أوصي العزيز زوجته بإكرام مثوى هذا القادم الغريب،بما يعني أن معاملته معاملة حسنة وإكرامه إنما تهذب نفسه وتزيل عنها مرارة البعد عن الأهل والغربة والوحدة مما يدفع الصبي لرد الجميل ويقوم بنفع هذه الدار  " أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا "   وهذه إشارةإلي أنه لم يكن عندهما أولاد وهو قد توسم في هذا الصبي وضىء الوجه أن المعاملة الحسنةوالتربية الكريمة قد تجعلهم يتخذونه ولداً أي أنه يحمل اسمه، ويورثه بعد موته، ويرتكز عليه عندكبره ، ويعتمد عليه في إدارة  أمواله وبيته.

 

مدلولات وتداعيات حادثة اللقاء المفاجئ لدى الباب

1.     الهدوء لحظة اللقاء المزري، وإظهارمجرد الدهشة والحيرة.

2.      التسمع باهتمام لأقوال زوجته، والإستماع فقط لقول يوسف.

3.     تجاهل الهيئة التي كانت عليها زوجته والتركيز على قميص يوسف المقدود من الخلف.

4.     محاولة الإنهاء السريع للموقف، فهو أثقل من أن يثقل بالشرح.

5.     اللجوء إلى حكمة القضاء ياستشارة حكما من أهلها فمن الجائز أن يمالئها.

6.     الميل لتبرئة زوجته، مع وضوح وقطعية الشواهد على إدانتها.

7.     التعاطف القلبي مع يوسف لإحساسه الدفين ببراءته.

8.     محاولة تخفيف قسوة الحكم على زوجته بالنصيحة الهادئة بالإستغفار من الذنب.

9.     تكريم الزوجة بوصف كيدها بأنه كيد عظيم.

10.                        عدم إبعاد يوسف عن المكان، والإكتفاء بتحديد إقامته في إحدى حجرات القصر، مع علمه اليقيني بأن زوجته يمكن أن تعاود المحاولة.

11.                         الإستجابة لضغوط غريزة القطيع الإجتماعي المحيط، وضغوط الزوجة، وزج يوسف في السجن بغير تهمة مبينة، وبغير مدة محددة




[1]
 إستخدم الرجل مصطلح " أكرمي مثواه " للدلالة على مدى الإكرام المفروض أن تبذله الزوجة لهذا الغلام

   فالعادة تجري على أنه عند إستقبال ضيف رقيق الحال في البيت فإنه يكتفى بتجهيز فراش متواضع في أحد الأركان البعيدة في المنزل،  أما إذا كان الضيف من ذوى القربى أو كان من الأصدقاء المقربين، فإنه سوف يخصص له فراش خاص في غرفة خاصة باستقبال الضيوف،  فإن كانت الثالثة أي كان يربط هذا الضيف علاقة شديدة الخصوصية بمن في المنزل ( الوالدان مثلا أو صديق حميم ) فإن المرؤ يتنازل عن فراشه هو شخصيا  للضيف، وفي ذلك أبلغ تعبير عن مدى إعزاز صاحب البيت للضيف.

    وهذا يعني أن درجة إكرام المثوى تمثل أعلا درجات الإكرام، وكانت هذه هي درجة الإكرام التي طلبها هذا الرجل ليوسف.

 

[2] التساؤل الأول  :

وردت عبارة  "...عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ..." مرتان

الأولى

{  وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) } يوسف

والثانية

  { وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) } القصص

     وتقرأ هذه الآية قراءتين

القراءة الأولى  :" وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا .."

مع وقف القراءة عند " لَا " ، وهي تعني أن امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ  تتنبأ بأن الرضيع سيكون قُرَّةُ عَيْنٍ لِها فقط، وسيكون وبالا على فرعون لأنها قالت " وَلَكَ .... لَا "

 

القراءة الثانية  : " وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ ..."

بمعنى الاستمرار في القراءة مع التوقف عند "تَقْتُلُوهُ " وفيها ترغيب لفرعون بتبني الرضيع بدلا من قتله.

 

ولم  تظهر ثالثة في القرآن كله، وهي تعني أن المتحدث بها يعاني من مشكلة في القدرة على الإنجاب، أي أن الناطق بها هو المعيب، فقد كانت امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ عاقراً وكانت تتمنى الولد، لذا فقد جرت العبارة على لسانها، أيضا في الآية (21) من سورة يوسف، وجاءت العبارة المذكورة على لسان الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ، وكان عنينا لا يقرب النساء.

 

التساؤل الثاني  :

متى يطلق الحق على الزوجة صفة امرأة ؟

الجواب  :   يطلق الحق على الزوجة صفة امرأة في ثلاث حالات

الحالة الأولي  :أن يكون هناك اختلاف في العقيدة بين الزوج وزوجته

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) } التحريم

  {  وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) } التحريم

 

الحالة الثانية  :  أن تكون الزوجة غير منجبة ( عاقر )، وتجلى ذلك على لسان نبي الله زكريا في رجاءه المتسائل في ثلاث آيات

  {  قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) } آل عمران

  { وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5)  } مريم

  { قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) } مريم

 

لكن الحق حين استجاب له، ووهب له يحي، تحولت الصفة من امرأة إلى زوجة

{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) } الأنبياء

 

الحالة الثالثة  :

وهي حالة وفاة الزوج، أو غيابه لفترة طويلة

003035  { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) } آل عمران

فليس من حق الزوجة أن تتصرف في حملها دون الرجوع إلى الزوج.

 

[3]  مصر والتي ذكرت في القرآن، أربع مرات (21) ، (99) يوسف & (87) يونس (موسى)، (51) الزخرف (موسى)

ليست هي وادي النيل - وذلك كما يتبادر إلى الذهن من الوهلة الأولى -  حيث كان يطلق على وادي النيل لفظ الأرض السوداء أو أرض القبط (Egypt)، ومع انتشار الدين المسيحي في وادي النيل فقد ارتبط في الأذهان بأن القبط هم الذين يدينون فقط بالديانةالمسيحية، وفي هذا مجافاة للحقيقة، فهناك قبطي مسلم، وكذا هناك قبطي مسيحي، فهما سكان واديالنيل.

أما مصر القرآنية، فهي مقاطعة تقع في شمال شرق وادي النيل، وتضم أيضا جزء من شمال غرب صحراء سيناء، وقد احتلها ( الملوك الرعاة ) والذين أطلق عليهم سكان وادي النيل - الإجيبتيون - لفظ ( الهكسوس )، وقد ذكرها الحق مرتين، مرة عند قص قصة نبي الله يوسف، والأخرى عند عرض قصة نبي الله موسى وذكر معها خروج بني إسرائيل من مقاطعة مصر فرارا من بطش حاكم ظالم وأحد طغاة ذلك العصر وهو يدعى " فرعون " وهو اسم ذلك الطاغية والذي ورد بالقرآن ( 74) مرة على هيئة إسم العلم، ولم يأت مطلقا معرفا بالألف واللام - الفرعون -، أو مجموعا - الفراعين - مما يجزم بأنه كان إسما مجردا،  وليس لقبا بأي حال كما يدعون، وما تكون مصر الفرعونية أو الفراعنة العظام أو قدماء المصريين إلا مجرد أباطيل يراد  زجها في الوجدان المسلم، ولكي تتناقلها الأجيال على أنها حقائق وقعت بالفعل، بل وتدافع عنها وتعتبرها جزءا من منظومة المعرفة التراثية الثابتة واليقينية.

 

 

اجمالي القراءات 11583