مر الآن وإلى كتابة هذه السطور أكثر من 300 يوم على العدوان السعودي على اليمن، هذا العدوان الذي قام بحجة إعادة شرعية الرئيس اليمني المخلوع.."عبدربه منصور"..وقد أفضنا في دراسات وبحوث سابقة كيف أن هذا الرئيس لا يتمتع بشعبية في اليمن، وأنه تعرض لثورة شعبية في سبتمبر 2014 أفقدته حساسية الشارع وأدت لإقالته حكومة بحاح في استجابة لم تُرض المتظاهرين حينذاك..
وعرضنا بعد ذلك لوضعية هذا العدوان الذي استهدف مقدرات الشعب اليمني بالأساس، ومن ضمنها مؤسستي الجيش والشرطة التي يزعم العدوان أنها تواليه، والعديد من مؤسسات الدولة كالمستشفيات والجامعات والمرافق العامة التي بعد استهدافها يعلن السعوديون أنها كانت مراكز تخزين سلاح، وهي حجة معتادة منذ الحرب العالمية الثانية لتبرير قصف المرافق والمؤسسات المدنية والعامة.
في السطور القادمة سأتعرض لتحليل موجز للوضع الميداني العسكري والسياسي في محاولة موضوعية لتصور مناطق السيطرة والنفوذ، على أمل أن يساعد ذلك المختصين والباحثين في الشأن اليمني..
وسنقسم ذلك إلى أربعة مناطق سيطرة واشتباك بين الأطراف وهي:
أولا: مناطق نفوذ وسيطرة الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح والقبائل المتحالفة معهم..
ثانيا: مناطق نفوذ السعودية والإمارات ومواليها من قوات عبدربه منصور والقبائل المتحالفة معهم.
ثالثا: مناطق نفوذ وسيطرة القاعدة والميليشيات المتحالفة معها.
رابعاً: مناطق اشتباك..
والتقسيم يدل على أن ثلاثة أطراف متصارعة في اليمن-حتى الآن-على غير ما أعلن عنه في بداية عاصفة الحزم أن المواجهة بين طرفين..وطول أمد الأزمة وامتدادها لعشرة أشهر قصف وحصار يدل على أن البُعدين الأمني والسياسي ليسا كما يتناوله الإعلام وخصوصا الإعلام الخليجي..
أولا: مناطق نفوذ الحوثيين وقوات الرئيس علي عبدالله صالح والقبائل المتحالفة معهم، وعندما نقول الحوثيين فهم ممثلين في جماعة.."أنصار الله"..الذراع العسكري والسياسي للجماعة، وعندما نقول قوات صالح فهم حزب المؤتمر الشعبي ، إضافة لجنرالات وقادة الجيش اليمني والحرس الجمهوري الموالية له، وعندما نقول قبائل متحالفة معهم فهم قبائل.."خولان والطيال ونهم وبكيل وحاشد وهمدان وعبس وريمة وبني حشيش وبني مطر وقبائل أخرى..
ومناطق نفوذهم تضم إقليمي .."آزال وتهامة "..بالكامل..إضافة لنصف إقليم .."الجند"..وهذه جميعاً تشكل10 محافظات وهي محافظات.."صنعاء وصعدة والمحويت وعمران وحجة والحديدة وذمار وريمة وإب والبيضاء"..عدا بعض التسللات والاختراقات من أبين لمحافظة البيضاء لكن في الميزان العسكري لا تسمى خطوط تماس أو اشتباك لأن تواجد الطرف الآخر فيها ضعيف.
كذلك في محافظة إب..حدث اختراق منذ أشهر ولكن سرعان ما تم تداركه وطرد الجماعات من المحافظة بالكامل، وتبقى إبّ في الأخير موالية لأنصار الله والمؤتمر الشعبي..
كذلك في الاختراق الأخير لمديرية ميدي في محافظة حجة والصراع في منفذ الطوال الحدودي مع السعودية، لم تصل لمرتبة الاشتباك الحقيقي لأن تواجد الطرف الآخر فيها أيضاً ضعيف...
ثانياً: مناطق نفوذ السعودية والإمارات ومواليها من قوات عبدربه منصور والقبائل المتحالفة معهم، وعندما نقول قوات السعودية والإمارات فهي قوات التحالف العربي المعلن في عاصفة الحزم والذي استقدم قوات مقاتلة من قطر والبحرين والسودان والكويت والإمارات والسعودية، وعندما نقول قوات عبدربه منصور فهم الحراك الجنوبي وبعض ميلشيا الإصلاح/ الإخوان المسلمين، وعندما نقول القبائل المتحالفة معهم فهي قبائل يافع والضالع والعوالق والصبيحي..
ومناطق نفوذهم أكثرية إقليم واحد فقط وهو.."عدن"..الذي يضم محافظات.."عدن ولحج والضالع"..أما محافظة أبين المحافظة -الرابعة في الإقليم- فهي تحت سيطرة القاعدة، كذلك فمحافظة الضالع بها خطوط تماس واشتباك مباشر مع الحوثيين في مديرية دمت التي سيطر عليها الحوثيون منذ شهرين ولا زالت باقية تحت سيطرتهم إلى اليوم..
كذلك يوجد اشتباك وخط تماس مباشر مع الحوثيين في محافظة لحج، بعد سيطرة الحوثيين على معظم مديرية كرش وصولا إلى الحويمي التي تبعد عن مركز المديرية بضعة كيلو مترات..
كذلك فالقبائل المتحالفة مع هذا الطرف هم من ذوي النزعة الانفصالية ويشكلون أغلبية قوات الحراك الجنوبي الذي يطالب بدولة .."جنوب اليمن"..أو الجنوب العربي الذي كان دولة مستقلة في زمن الاستعمار البريطاني..وأعلام هذه الدولة باتت مرفوعة على مؤسسات مدينتي عدن ولحج كمقدمة لإعلان الانفصال بشكل نهائي..
ثالثاً: مناطق نفوذ وسيطرة القاعدة والميليشيات المتحالفة معها، وعندما نقول القاعدة فيعني.."تنظيم الشريعة"..والميلشيات المتحالفة معهم من جماعات داعش وبقايا حزب الإصلاح/ الإخوان المسلمين..
وهؤلاء يسيطرون على إقليم.."حضرموت"..بالكامل، ويضم محافظات حضرموت وشبوة والمهرة، إضافة لمحافظة أبين..
عدا أن هناك خطوط تماس واشتباك مباشر في منطقة بيحان بشبوة ومكيراس في أبين، وهؤلاء تحت سيطرة الحوثيين منذ أكثر من عام..
يُذكر أن سلطة الرئيس المخلوع عبدربه منصور في عدن عينت محافظين لشبوة وحضرموت في محاولة لإثبات السيطرة، ولكن تبين أن سلطاتهم شكلية لا نفوذ لها حقيقي على الأرض، وهو ما أدى بمحافظ حضرموت –المعين مؤخرا-للاستقالة بعد رفضه أن يكون مسئولا بلا نفوذ..
لكن تحاول السعودية والإمارات شراء ولاءات بعض القبائل هناك لتهدئة الأوضاع ، وإعلان ولائهم لعبدربه منصور، لكن تبين أن هذه القبائل ترفض –في معظمها-الوحدة مع الشمال بعدما تبين لهم أن سلطة هادي لا تؤمن بالانفصال بخلاف حكومة بحاح التي ترى في الانفصال جزء من حل مشكلة اليمن..
وهذا الصراع ظهر مؤخراً على السطح بخلاف بين هادي وبحاح ، الأول موالي للسعودية يرى ضرورة إكمال الحرب للقضاء على الحوثيين، والثاني موالي للإمارات يرى الاكتفاء بما تحقق من إنجاز بعد تحرير عدن وإعلانها دولة مستقلة..
رابعاً: مناطق الاشتباك..وعندما نقول مناطق اشتباك فيعني وجود.."سيطرة ونفوذ"..عسكري لأكثر من طرف، وفي العسكرية يختلف التواجد عن السيطرة، فالتواجد قد يكون بلا نفوذ بحيث لو همّ الطرف الآخر بطرده ينجح بسهولة، لذلك فالتواجد في العسكرية لا يعني خطوط تماس مباشرة..
سنجمل مناطق الاشتباك في التالي:
1-إقليم سبأ ويضم محافظتي.."مأرب والجوف"..أما المحافظة الثالثة في الإقليم-وهي البيضاء- فتحت سيطرة الحوثي منذ بدء الحرب.
محافظة مأرب وهي أهم وأشهر مناطق الاشتباك لأهميتها الاستراتيجية من حيث قربها من العاصمة صنعاء، ومن حيث قيمتها الاقتصادية كرافد أساسي للبترول اليمني..ونفوذها بالتساوي بين الطرفين الأول والثاني، فالثاني يسيطر على مركز المحافظة في الشرق والوسط ، بينما الأول يسيطر على ستة مديريات في الغرب هي.."صرواح وبدبدة وحباب وحريب وحريب القراميش ومدغل الجدعان"....
أما محافظة الجوف فنفوذها أيضاً بالتساوي، فمركز المحافظة في الجنوب تحت سيطرة الطرف الثاني، ولكن أغلبية مديريات المحافظة في الوسط والغرب تحت سيطرة الطرف الأول، ومؤخراً حاصر الحوثيون مركز المحافظة –وهي مدينة الحزم-في محاولة لاستعادتها بعد فقدانها منذ شهرين..
2- محافظة تعز وهي أشهر مناطق التماس والاشتباك في الإعلام لما يُحاط بها من حملات إعلامية وسياسية لوقف الاشتباك ورفع الحصار
وتبلغ أهمية تعز كونها أكثر محافظات اليمن سكانا، وأكثرية أهلها شوافع على المذهب السني، وفي الطريقة صوفيون عدا بعض الأحياء التي يسيطر عليها السلفية وحزب الإصلاح.
تعز هي مقسمة أيضاً بالتساوي ولكن لضرواة الحرب فيها فالمعارك بين كر وفر ولا يمكن تحديد خطوط تماس ثابتة يمكن اعتبارها مركز اشتباك، ولكن أشهر مراكز الاشتباك بها في الشرق والوسط والغرب، أما الشمال والجنوب فهي تحت سيطرة الحوثي الذي مكنه من فرض حصار مطبق على المدينة وخصوصا الأحياء والقرى التي يسيطر عليها الطرف الثاني..
وهذا يعني أن أغلبية محافظة تعز تحت سيطرة الحوثي وقوات المؤتمر الشعبي، وأغلب المعارك تدور في الغرب في الوازعية وذباب وباب المندب حول معسكر العمري الذي سيطر عليه الحوثيون من 3 أشهر، وهو المعسكر الاستراتيجي الهام الذي يمكن للقائم عليه فتح جبهات القتال على الجنوب، وهو ما تسعى إليه قوات التحالف السعودي لحماية محافظة لحج التي يشن عليها الحوثيون غارات بعد حينة وأخرى..
والهدف من شدة الصراع في تعز كونها بوابة الجنوب يمكن للقائم عليها الوصول لقاعدة العند في لحج، وبالتالي قرب وقوع عدن تحت مرمى النيران، كذلك كونها تطل على باب المندب الذي يسعى التحالف السعودي للسيطرة عليه، وقد أعلن بالفعل السيطرة عليه منذ أشهر ولكن حتى الآن لا توجد تقارير أو معطيات نهائية تفيد بصحة الادعاء..بيد أن المعارك تدور في هذه المنطقة منذ أشهر ولا قدرة لأي طرف على حسم المعركة لصالحه..
هذه أشهر منطقتين كمناطق اشتباك وخطوط تماس في اليمن، لكن كما قلنا توجد مناطق اشتباك وتماس أخرى لكنها صغيرة وغير مؤثرة في مكيراس بأبين وكرش بلحج وبيحان بشبوة، والقتال فيها منذ شهور ولا قدرة لطرف بالسيطرة والتوسع، وإن كانت قدرة الطرف الأول-الحوثي والمؤتمر الشعبي-ملحوظة وكبيرة في الانتشار بيد أن العديد من قبائل هذه المناطق موالية لهم تحت إسم.."مقاومة العدوان"..و.."التصدي الاستعمار"..وهي القيمة التي خدمت الحوثي من جراء العدوان..
ويظهر كذلك من مناطق النفوذ معالم ميدانية واجتماعية كالتالي:
أولاً: يسيطر الحوثيون وقوات علي عبدالله صالح على أغلبية اليمن من حيث عدد السكان، حيث يبلغ مجموع سكان محافظاتهم أكثر من 20 مليون نسمة، وهي أكثر محافظات الشمال اليمني تميزا بالجبال الشاهقة والمانعة من أي اختراق عسكري .
ثانياً: تسيطر السعودية وحلفائها من قوات هادي والإمارات على موانئ اقتصادية هامة كميناء عدن الاستراتيجي، وحقوب بترول مأرب والجوف، وكذلك على مناطق مفتوحة وصحراوية تصلح لمناطق استكشاف النفط..
ثالثاً: تسيطر القاعدة وحلفائها على مناطق صحراوية شاسعة، وهي أغلبية مساحة اليمن تقريبا، وهو ما يمكنها على البقاء والصمود حيث الطبيعة الصحراوية القاسية التي يتميز القاعديون بامتلاكها كذلك في سوريا والعراق وفي التواجد بها في سيناء..
وسر هذا الانتشار للجماعات في تلك المناطق يعود كما قلت سابقاً أنها بيئة مناسبة للمذهب الحنبلي المتشدد، فالعزلة الصحراوية والبيئة القاسية لا تمكن لأصحابها من التواصل والمعرفة، بحيث تحدث القطيعة مع الحضارة المعاصرة والتنكولوجيا.
أخيراً: بعد هذا العرض هذه قراءة ميدانية تبقى عرضة للتغير حسب مستجدات الأمور، وإن كنت أتوقع أن الحرب ستطول أكثر من ذلك بعد رفض كل الأطراف مبدأ الحوار القائم على الوصاية، وهو ما ظهر في حوار جنيف 2، فالطرف الأول يشترط إيقاف العدوان وفك الحصار كمقدمة للحوار، وكذلك إشراك السعودية في المفاوضات بوصفها الطرف المعتدي ومن يملك قرار وقف الحرب، بينما يصر الطرف الثاني على إعادة هادي كرئيس للجمهورية وانسحاب الحوثيين إلى مركزهم الرئيسي في جبال مران بمحافظة صعدة، والتفاوض مع علي عبدالله صالح لتسليم سلاح الجيش.
وفي تقديري أن كلا الطرفين غير مؤمن بالآخر بالكلية، وهذا ما حذرت منه، أن العدوان السعودي سيتسبب في طول أزمة اليمن وانتشار رقعة الكراهية والتحدي ونشر نوازع الانتقام، قبل ذلك كان يمكن لكل الأطراف الجلوس حول مائدة مفاوضات على مبادئ ومقررات المبادرة الخليجية، لكن بعد إشعال الحرب لا يمكن لروح السلام أن تسود، ولا تحت القصف أن يفكر إنسان في التخلي عن مبادئه ولو مات كما يرى شهيدا..
أرى أن الحل في اليمن هو حل سياسي بتوسط طرف فاعل يحوز على ثقة الطرفين بشريطة الالتزام بالقانون الدولي بوقف قصف المدنيين والمؤسسات الدولية والمحلية، وكذلك فك الحصار عن الشعب..هذا كخيار غير قابل للتفاوض، لأن أي إجراء آخر –دون هذا الخيار-يعني فشل المفاوضات والعودة لنقطة الصفر..