جلستُ ذات مساء أمام بساتين مرقومة، وأسوار عالية موسومة، وطاب المقام فعكفت على قراءة النجوم، فلما جئت خاتمة الرابعة تبادر إلى الذهن سؤال محير، جعلني أعود القهقري بحثا عن فاتحة المذكورة، كالصادي اللهفان لجرعة ماء، وما إن فتحت عيني حتى أبصرت ضالتي بساحل ربع مررت به ألف مرة، وتالله ما كانت صاحبتي محجبة، ولا بعيدة عن المارين بمياه الديار، ولكن حجاب القرب كالبرق يعشي العيون، ويذهب بالأبصار.
شرح المتن: قرأت سورة النساء، فلما بلغت قوله جل وعلا: ((وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء....176))تبادر إلى الذهن سؤال جعلني أعود إلى مبتدأ السورة فوقع بصري على كلمات تشبه التي بالمختتم، أبرزها هذا التوأم: ((رجالا كثير ونساء...1)).فعرفت الجواب فورا، وبقيت أعجب من غفلتي. وأتساءل كيف حفيت علي هذه المعاني من قبل، ومن شدة فرحتي بالكنز الذي انكشف لي تسمرت أمام المكتب من التاسعة ليلا إلى الفجر وأنا أفكر في الأمر حتى عرفت أنه نوع من التناظر الهندسي الدي يربط ويوصل الجملة القرآنية دات الدلالة القريبة الجلية بإشارة جملة أخرى (أي: بدلاتها الخفية)، مهما كان موقع الآية من الكتاب كله.. أي : (يربط دلالة العبارة أو إشارتها بالتوأم المفسر الشارح) وهذا بواسطة كلمات (مفتاحية) تكون مكررة متماثلة شكلا ودلالة بالفعل، أو متماثة من حيث الذلالة في الظاهر فقط .. ومن خلال دراستي لهذه الروابط يمكنني القول ـ باطمئنان ـ أنها ليست مجرد ظاهرة وإنما هي قانون ونظام محكم، (لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا ويجمعها بأختها) أو قل : لا يترك عبارة ولا إشارة إلا ويربطها بمثيلاتها المبثوثة في مواقع شتى من السور القرآنية، وصدق من قال القرآن يفسر بعضه بعضا .. والجدير بالذكر والتأكيد ـ في هذا المقام ـ أن البرهنة على شمولية هذا القانون تحتاج إلى استقراء المجال كله، ويا له من مجال (بحر تمده سبعة أبحر) . والأمل معقود على رجال المعلوماتية وعباقرة الحساب، وعسى أن يرفع الحجاب ـ قريبا ـ عن أبصار المسلمين، ويُضبط قانون الشبكة كله، لتوظيفه في فهم النصوص بشكل لا تشوبه الشكوك والخلافات، ويعود الناس كما أمروا إلى الكتاب، ويرد الأمر إلى الله العزيز الوهاب.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [ النِّساء:59 ].
ملاحظة : لقد حاولت من قبل إبراز مدى أهمية الظاهرة المشار إليها أعلاه، وهذا من خلال المقارنة بين قصتي (يوسف وموسى) عليهما السلام. وإليك نموذج واحد من هندسة عناصر القصتين، لتكتشف بنفسك أوجه الشبه والتناظر بينهما
تأمل جيدا لعلك تراها، وهي عشرة عناصر على الأقل: يوسف/ رجل يأمر زوجه كما الشيوخ عبيدهم: ((... وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا )) .21/12 ثم تنقلب الصورة وتعكس، في سورة القصص، وقصة موسى : ((وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)). ها هنا امرأة تطلب بأدب من زوجها فيلبى الطلب برغم خطورته.
........................................
ربيعي بوعاقل بريش ـ مارس 2001