يقول العالم الألماني الشهير أينشتاين عن التخيل التصوري : بأنه اللغة السائدة للعقل الباطن ، ومصدر حيوي للمعلومات والإلهام ، وهو عبارة عن شكل من أشكال اليقظة نستسلم له بإرادتنا في الوقت والمكان الذي نريد !!
وفي التخيل تستخدم الحواس كلها : من سمع ، وبصر ، وشم، وتذوق ،ولمس ، حيث أن التخيل يوقظ اللاوعي ،ويفجر فيه حواس معينة ، ومن خلاله يتصل اللاوعي بالعقل الواعي ، ويمده بالمعلومات والصور ، ويتفاعل الجسم مع هذه المعومات نفسيا وجسميا
وتكمن أهمية التخيل التصوري عند اينشتاين في أنه مرتبط بالغدة تحت المهاد
HYPOTHALAMUS
وهي مسئولة عن كثير من المهام مثل المناعة ،والغدد الصماء ، الجهازالعصبي الذاتي، وبما أن الجهاز العصبي لا يعرف أن يفرق بين الواقع ،والخيال ، فإن قوة التخيل تكمن في أنه ينشط مركز أو أكثر من مراكز الدماغ ، ويخلق تفاعلات معينة فيه!!
ويذكر أينشتاين أنواعا للتخيل التصوري ، منها : التخيل النشط ، ويضرب له مثالا بتخيل ليمونة في المطبخ كفيل بأن ينشط أماكن في الدماغ تسمى :
CORTEX
كما يفرق بين التخيل السلبي، ويكون بتخيل موقف معين ، فإنك تتأثر به تأثرا سلبيا ، بمعنى أنه سيحدث أعراض خوف ـ قلق ـ زيادة في ضربات القلب ـ شحوب في الوجه، يرتفع ضغط الدم، شعور بعدم الراحة،عرق رجفة..
أما التخيل الإيجابي تتخيل موقفا محببا لك فتشعر بالراحة ،السعادة ،الهدوء وممكن أن تصل لحد الابتسامة ،لأن التخيل يحدث تغيرا ليس فقط في العاطفة ، بل في الوظائف الفسيولوجية !!
ويتناول التخيل التصوري الفعال ، مقابل التخيل التصوري المستقبل .. حيث يعمل الأول على الاستخدام المقصود لصور عقلية معينة للاتصال باللاشعور (للتأثير على النية أو لتغييرها أو لتوصيلها ) .
أما التخيل التصوري المستقبل ،فهو يحدث عندما تنشأ الصور العقلية تلقائيا من اللاشعور.
لماذا يعمل التخيل التصوري ؟ يجيب أينشتاين : بأن أجسادنا لا تميز بين الصور الحسية الموجودة في أذهاننا ،ونحن في حالة معدلة يكون في مقدورنا الشفاء، النمو ـ التعليم ،والتغييربشكل أسرع ، وأكثر قوة !! انتهى .
كان هذاعن التخيل التصوري عند أينشتاين ، فماذا عن التخيل في القرآن ؟ سنحاول ان نأخذ أقرب موقف يعبر عمليا (من وجهة نظري ) وكان هذا مع موسى عليه السلام ، في موقفه الحواري مع فرعون ، والذي يضم السحرة أيضا ، ثم نختتم المقال بتأمل أيتين من سورة الأنفال 43، 44)
أولا ما حدث بين موسى وفرعون عن التخيل عندما رأى موسى عليه السلام ما ألقى سحرة فرعون من عصي ، وذكر كلمة (يُخَيَّلُ ) لوصف تأثر موسى مما رآه من سعي غير حقيقي للعصي ( يخيل ) ، مع وصف رب العزة لهذا الصنيع بأنه كيد ساحر :
قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى(66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى(69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)طه)
وعن نفس الموقف تحدثت سورة الأعراف واصفة ما تخيله موسى بأنه سحر لأعين الناس، يستهدف ترهيبهم، وهذا نراه في الآيات الكريمة: من 116 إلى 122
فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122)الأعراف
بين الرؤيا المنامية والرؤيا المتخيلة
وأخيرا تأمل معي (يُرِيكَهُمْ اللَّهُ )يريكهم فعل مصحوبا بمفعولي الرؤية : (الكاف ) ، و (هم ) في الآية 43 الأنفال) ،وفاعله لفظ الجلالة (الله )، وقد كانت رؤيا منامية رآها الرسول الكريم في منامه وهي خاصة برؤية الجيش المنافس على انه قليل، حتى لا يحدث تنازع في الأمر (والأمر ،هو العزم على القتال) ، ما بين رافض للقتال (بدافع الخوف ) ومؤيد له ،وذلك لأن سبحانه عليم بذات الصدور، ومكنونها :
إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43الأنفال )
أما عند الالتقاء والمواجهة ، فقد رأى طرفي المواجهة كل منهما الآخر قليلا !!واعتقد ان هذه الرؤية متخيلة وذلك لحكمة وأمر أراده الله سبحانه ، يقضى بأن تتم المواجهة والالتقاء الفعلي :
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (44) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45)الأنفال
ودائما صدق الله العظيم