( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) صدق الله العظيم

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٧ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) صدق الله العظيم

مقدمة :

جاءت هذه الرسالة من استاذة جامعية مثقفة محترمة ، أنقلها وأرد عليها : تقول : ( بعد أن قرأت المقارنة التي عقدتها بين موسى ومحمد عليهما السلام وبعد أن قرأت النصوص التي التي فيها تنبيه وتأنيب للرسول الكريم تعاملت مع هذه النصوص بالقبول والرضا ذلك أنها تثبت أن الكمال لله وأن أبناء ادم خطاؤون مهما كانوا . ولكن هناك من ينكر ذلك ويقول هذا لا ينسجم مع قوله  سبحانه وتعالى : "وأنك لعلى خلق عظيم" ولا تنسجم مع قوله سبحانه وتعالى : "وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين" . لذلك فسرت هذه الآيات بما ينفي تنبيه الله سبحانه للرسول الكريم ، فاحدى هذه التفاسير لسورة عبس يقول مفسروا الشيعة أنها نزلت تأنيبا لعثمان بن عفان فما رأيكم؟ ) . وهى فرصة لتوضيح عدة قضايا  ، ونرتبها كالآتى :

أولا : لا عوج فى القرآن الكريم :

1 ـ وصف رب العزة جل وعلا كتابه الكريم بأنه لا عوج فيه . قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) الكهف   ) (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) الزمر).

2 ـ بتدبر القرآن الكريم يتأكّد الراسخون فى العلم أن القرآن الكريم لا عوج فيه ولا إختلاف برغم ما فيه من تفصيلات وتكرار . هذه التفصيلات وهذا التكرار لو كان فى كتاب من تأليف البشر لوقع فيه إختلاف كثير ، يقول جل وعلا : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82) النساء )

3 ـ وعرضنا كثيرا لكيفية تدبر القرآن من داخل القرآن ، فالقرآن يفسر بعضه بعضا (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الفرقان ) وآياته مثانى ، أى يتكرر شرح الاية فى آيات أخرى فيكون بها القرآن الكريم أحسن الحديث (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ ) (23) الزمر ) ، وعليه يكون بيان القرآن بالقرآن ، وتكون آياته ( بينات ) بنفسها قد بينها رب العزة فى داخل القرآن ، بحيث لا يحتاج الأمر سوى التلاوة وعدم الكتم ، يقول جل وعلا يتوعد من يكتمون الحق القرآنى المبين الواضح بيانه بنفسه : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) البقرة) .

وليس الأمر عسيرا فى التدبر القرآنى ، لأن مصطلح ( التدبر ) يحوى فى داخله منهج التدبر . أى أن تسير فى ( دُبُر ) الآية أى خلفها ، أى تكون الآية القرآنية ( أمامك ) بالهمزة المفتوحة أو ( إمامك ) بالهمزة المكسورة ، تبحث الموضوع بلا هوى شخصى أو رأى مسبق تحاول إثباته ، أى تتعرف على مفهوم الكلمة القرآنية من داخل القرآن ، ثم تتبع سياقها المحلى قبل الاية وبعدها فى نفس السورة ، ثم تتبع سياق موضوعها فى القرآن الكريم كله ، وبعد تجميع الايات تفهمها معا ، لو كان فيها متشابه سترى آيات أو آية محكمة تحكم غيرها من الايات المتشابهة ، وفى النهاية تصل الى رأى قرآنى فى الموضوع الذى تبحثه .

ثانيا :أعداء القرآن يبغون القرآن عوجا .

1 ـ هذا التدبر هو ما يقوم به الراسخون فى العلم القرآنى ، أما غيرهم فلهم منهج آخر ، يقول جل وعلا : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) آل عمران  ). من فى قلوبهم زيغ يدخلون على القرآن الكريم بهذا الزيغ ، يغيرون مفاهيم ألفاظه ، ويلوون معنى الآية لتوافق هواهم ومعتقداتهم وأحاديثهم ، ويتجاهلون الآيات الأخرى التى تتناقض مع هواهم ، فيقسمون آيات القرآن تبعا لأهوائهم وبالتالى ينطبق عليهم وصف الرحمن بأنهم ( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) الحجر ). وموعدهم مع رب العزة يوم الحساب : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) الحجر ).

2 ـ هؤلاء ( المقتسمون ) هم الذين يصدون عن القرآن الكريم ـ وهو سبيل الله جل وعلا ـ  يبغونه عوجا ، وهو الذى لا عوج فيه .! . وصفهم رب العزة جل وعلا بالكفر والضلال البعيد ، وتوعدهم بعذاب شديد   يقول جل وعلا  لهم فى هذه الدنيا مقدما : ( وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) ابراهيم ).

ويوم الحساب سيأتى الأشهاد من ( أهل القرآن ) يشهدون عليهم وعلى أحاديثهم الضالة وعلى تكذيبهم بآيات الله القرآنية وعلى صدهم عن سبيل الله القرآنى ومحاولتهم جعله عوجا مستخدمين نفوذهم الدنيوى وتصورهم أنهم معجزون فى الأرض . فى هذا يقول جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22) هود ). وبعد دخول اهل الجنة الجنة ودخول أصحاب النار الى النار ينادى أصحاب الجنة أصحاب النار : ( أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) الاعراف ). التأكيد وقتها بهذا المؤذن بأن الظالمين الملعونين هم الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا لأنهم إستحبوا الحياة الدنيا ومن أجلها كفروا بالآخرة .

هل تريد أن ترى أمثلة لهؤلاء .. هم آلاف من دعاة الأديان الأرضية يتزاحمون فى القنوات الفضائية والمواقع الاليكترونية ، يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ، وخلفهم طُغاة ينفقون أموالها ليصدوا عن سبيل الله ، فسينفقون تلك الأموال ثم تكون عليهم حسرة ، يقول جل بأسلوب المضارع يُنبىء بما حدث ويحدث الآن : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الانفال ).

3 ــ هؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله ويتخذونها عوجا هم انفسهم الذين يسعون معاجزين فى آيات الله القرآنية ، توعدهم رب العزة بالجحيم فقال : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) الحج )، وتكرر هذا مرتين فى سورة سبأ ، بأسلوب الماضى : ( وَالَّذِينَ سَعَوْ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5) ) والفعل المضارع للتأكيد على أنه عادة سيئة مستمرة  فقال جل وعلا :( وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) سبأ ).

4 ـ ومن مظاهر سعيهم فى آيات الله معاجزين وصدهم عن سبيل الله يبغونها عوجا تلاعبهم بقوله جل وعلا : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وقوله جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).

ونتدبرهما قرآنيا .

ثالثا :  (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) :

1 ـ كلمة ( خُلُق ) جاءت مرتين فى القرآن الكريم ، بمعنى ( الدين ) . والدين نوعان : دين الله الحق الذى يعبر عنه القرآن الكريم ، والدين الأرضى الباطل الذى يعبر عن الثوابت والتراث والسلف وما وجدنا عليه آباءنا .

2 ـ فى قصة قوم (عاد ) مع رسولهم ( هود ) عليه السلام ، دعاهم الى تقوى الله جل وعلا فقال : ( أَلا تَتَّقُونَ (124) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (125) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (126) ، وإستمر فى وعظهم فقالوا له :  ( سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ (136) إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ (137) الشعراء )، أى مهما وعظهم  فهم مستمسكون ب( خُلُق ) الأولين ، أى دين الأولين ، أى ما وجدوا عليهم آباءهم والسلف (الصالح ) عندهم .

3 ـ قبلها جاءت كلمة (خُلُق ) وصفا للقرآن الكريم الرسالة الالهية الخاتمة لدين الاسلام ، دين الحق . فى اوائل ما نزل من القرآن يُقسم رب العزة بالقلم وما يسطّره القلم بأن خاتم المرسلين ليس مجنونا حين نزلت عليه نعمة ربه ، وهى القرآن الكريم ، وأنه عليه السلام بهذه النعمة القرآنية على خُلُق عظيم ، اى على الدين العظيم ؛ الاسلام العظيم . يقول جل وعلا : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)). وبعدها تتوالى الايات عن الكافرين ممن يتهم الرسول بالجنون لأنه نزلت عليه نعمة القرآن ، بأن الزمن قادم ليُثبت من هو المفتون وأن الله جل وعلا هو الذى يعلم الضالين والمهتدين ، وينهى رب العزة رسوله عن طاعة المكذبين للقرآن الكريم النعمة الكبرى ، يقول جل وعلا : ( فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّيكُمْ الْمَفْتُونُ (6) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7) فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8)... القلم ) .

4 ـ أى إن قوله جل وعلا : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)  لا تعنى ( الأخلاق ) ولكن الدين العظيم الذى هو القرآن الكريم .  والدليل هو وصف القرآن الكريم بأنه نعمة الله جل وعلا على رسوله : ( مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)).

5 ـ ونتوقف هنا سريعا لمعنى كلمة  ( نعمة ) فى القرآن الكريم، ونقول :

5 / 1 : لا يمكن أن نُحصى كل النعم الالهية : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) ابراهيم )( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) النحل )

5 / 2 ـ من نعم الله جل وعلا الكتب السماوية ، ومنها ما نزل على بنى اسرائيل ، وقد توعّد الله جل وعلا من يبدل نعمة الله بالتحريف والتخريف فقال : (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) البقرة ). وتكرر هذا فى قوله جل وعلا :  ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) ابراهيم ). وهى آيات تنطبق على المحمديين اليوم بالذات ، ونراها تتحقق فى بوار ديار المحمديين .!!

5 / 3 : جاء وصف القرآن الكريم بالنعمة فى أوائل ما نزل فى مكة ، فى سورة القلم ( مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)) ، وفى الأمر بنشر القرآن الكريم نعمة الله جل وعلا بالتحدث به : ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) الضحى ) . ثم فى أواخر نزول القرىن الكريم بعد أكمل الله جل وعلا دينه وأتم نعمته ورضى لنا الاسلام دينا : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) المائدة ).

المستفاد أن الخُلُق العظيم هو دين الله العظيم وكتابه الكريم. ولا علاقة لذلك بالأخلاق فى مصطلحاتنا .

رابعا : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)

1 ـ فى حياته عليه السلام كان رحمة للمؤمنين من حوله ، وصفه جل وعلا فقال : ( يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ)(61) التوبة  ) وقال أيضا :( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)التوبة ). كان عليه السلام يعيش فى إطار الزمان والمكان المحيط به ، وهو إطار محلى مؤقت ، وانتهى هذا بموته عليه السلام . ولكن القرآن الرسالة الخاتمة بعده هى الرحمة المستمرة الى قيام الساعة ، وهذا معنى قوله جل وعلا :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الانبياء ). أى أرسلناك بالقرآن الكريم بالرسالة الالهية المحفوظة من لدن رب العزة رحمة للعالمين فى كل زمان ومكان بعد موتك . لو كان المقصود ب ( رحمة للعالمين ) هو شخص محمد لاستلزم هذا أن يُقال ( وما أنت إلا رحمة للعالمين ) ولاستلزم هذا أن يظل محمد حيا لا يموت وأن يكون موجودا فى كل مكان يوجد فيه البشر والجن من كل العالمين . هذا يعنى كون محمد إلاها مع الله . ولا إله إلا الله ، فهو وحده الحى الذى لا يموت .

2 ـ وكما أنه عليه السلام مُرسل بالقرآن رحمة للعالمين فهو أيضا مرسل بالقرآن نذيرا للعالمين ، يقول جل وعلا : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الفرقان ). القرآن مُتاح لمن أراد الهداية والرحمة ، والحرية متاحة ايضا لمن حاول الصّدّ عن سبيل الله ، والله جل وعلا يتوعدهم مقدما ويقول : (  إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت ) .

3 ـ الرحمة من صفات الكتاب السماوى ، قبل القرآن الكريم . قال جل وعلا عن الألواح التى تسلمها موسى :( وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154) الاعراف )،أى هى هدى ورحمة للمتقين، وتكرر هذا فى قوله جل وعلا : ( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً )(17) هود )( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (12)الاحقاف )( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) القصص )

( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154) الانعام ).

4 ـ تكرر وصف القرآن الكريم بالرحمة والهدى لمن شاء الهدى ورغب فى رحمة الله جل وعلا : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) الدخان )(هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) الجاثية ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) يونس ) ( مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف  )( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) النحل ) (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل  )( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) النمل )( الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) لقمان ) ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) الاعراف ).

5 ـ وكما يكون القرآن شفاءا ورحمة للمؤمنين به يكون أيضا للظالمين خسارا ، يقول جل وعلا :  (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء ). والخسارة هى فى الدنيا قبل الآخرة . وانظر ما يحدث الآن فى بلاد المحمديين الذين أعرضوا عن كتاب الله فعاشوا فى ضنك برغم ثروات البترول .

أحسن الحديث :

يقول جل وعلا : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) طه)

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 13084