«لحوم العلماء مسمومة»!! هى أغرب وأعجب عبارة سمعتها وقرأتها فى حياتى، عبارة قمع تُستخدم لإخراس وإفزاع وترعيب وترهيب كل من يجرؤ على انتقاد الفقهاء والشيوخ أو حتى يوجه ليهم كلمة عتاب رقيقة أو توجيهاً هادئاً أو تصحيحاً موثقاً، كل هذا مرفوض، فهم من ذوى الدم الأزرق، محصّنون ضد النقد واللمس وممنوع التصوير والاقتراب، مثل الثكنات العسكرية!!، ترمى هذه الجملة فزّاعة فى وجوهنا حتى لا نفكر فى أن نراجعهم، اللى يقولوه ناخده واحنا ساكتين، لأن ما فى جماجمنا هو مجرد قفص جوافة، أما ما فى جماجمهم فهو المخ الكمبيوتر الرهيب الفتّاك، رغم أن من قال بـ«رضاع الكبير» هو من تلك الزمرة ذات اللحم المسموم، وكان رئيساً لقسم الحديث، إلا أنه عليك أن تُنفذ، وإلا ستُصيبك السالمونيلا المشيخية بتلبُّك فى الأمعاء وإسهال قد يؤدى بك إلى الجفاف والهزال والموت، كذلك من كاونتر وقسم اللحوم المسمومة بسوبر ماركت الإفتاءات، خرج العالم الجليل عمر عبدالرحمن، أمير تنظيم الجهاد الذى قتل وفجّر الآلاف من المصريين، وأفتى بقتل نجيب محفوظ!!، وأيضاً «القرضاوى» الذى أفتى بقتل «القذافى» وتخريب مصر وتسليمها للإخوان، فهو عالم لحمه مسموم، خاصة منطقة بيت الكلاوى!!، وكذلك عبدالرحمن البر، مفتى الإخوان، وأيضاً الشيخ الذى أفتى بختان البنات، والداعية الذى أفتى بسبى النساء.. إلى آخر قائمة اللحوم المسمومة التى يجب ألا تقترب منها، لكى لا تُصاب بإنفلونزا العلماء التى لا براء منها!!، وطبعاً بهارات الحكاية ومشهيات القصة لا بد أن تكون مشفوعة وملحقاً بها بعض القصص الأسطورية، مثل واحد مرة دعا على الإمام الشافعى، فمات بعدها بأسبوع، وشخص بس اتكلم عن الشيخ فلان حصلت له حمى وشلل رباعى وتبول لا إرادى، حتى الشيخ الأزهرى الذى يختلف مع رؤيتهم ينعتونه بأبشع الألفاظ ويهاجمونه مثل ما يحكونه عن الشيخ الجليل «أبورية» الذى كانت كل جريمته أنه راجع أحاديث أبى هريرة بطريقة منهجية موضوعية تاريخية فى كتابه «شيخ المضيرة»، طبعاً اخترع خصومه قصة من وحى اللحوم المسمومة، فاخترعوا فيلماً هندياً عجيباً، ملخصه أن الشيخ «أبورية» ظل فى سكراته الأخيرة يعانى ويحشرج صارخاً: «أبوهريرة.. أبوهريرة»!!! حتى مات، وقبلت روحه أن تصعد إلى بارئها بعد تقديم الاعتذار، مع أن المفروض أن الشيخ «أبورية» أيضاً من ذوى اللحوم المسمومة، لكن الظاهر أن نسبة تركيز السم فى لحوم العلماء تختلف من عالم إلى آخر طبقاً لقربه من الوهابيين!، أما مسألة لحم العلمانيين وعباد الله الفقراء الذين لم يمن الله عليهم بنعمة الانتماء إلى المؤسسة الدينية، فهو بالقطع من الممكن أن يُشوى ويُسلق ويُحمّر ويتعمل صينية بطاطس كمان، وأيضاً لا مانع من أن يُؤكل مفروماً وبانيه وستيك، بشرط أن يكون «Half done»، أما أجمل مذاق للحوم العلمانيين الليبراليين، فهو عندما تؤكل شاورمة، ومن الممكن تجربتها فى مطعم «الدهان» و«أبوشقرة» و«الحارث بن حلزة»!!، هذه الجملة العجيبة التى يتعامل معها الناس على أنها أمر إلهى أو حديث نبوى مصدرها «ابن عساكر»، الذى لم ينسبها إلى الرسول، عليه الصلاة والسلام، فجاء بعده العثمانى «طاش كبرى زاده»، صاحب كتاب «الشقائق النعمانية»، فقال «إن يعقوب الكرامانى رأى فى المنام رسول الله، فقال يا رسول الله نُقل عنك أنك قلت لحوم العلماء سموم، من شمها مرض، ومن أكلها مات، أهكذا قلت، فقال الرسول لحوم العلماء مسمومة..»!!، بالطبع اخترعها واستخدمها الفقيه التركى لتحويل الفقهاء إلى «ظل الله فى الأرض»، حتى يرضى السلطان، والسؤال: هل تدار حياتنا بالمنامات والكرامات؟!!، عبارة حتى الآن لا أعرف سر ومصدر قوتها، إلا أنها عصا لتأديب كل من يُفكر فى نقد الشيوخ أو مؤسسة الأزهر أو يُفنّد كتب التفاسير أو يُناقش صحة الأحاديث من حيث المتن.. إلخ، هى مجرد سوط لجلد كل صوت، ويجب أن يعرف جيداً كل من يروّج لتلك المقولة معلومة علمية مهمة، وهى أن معدة المصريين تهضم الزلط والسم أيضاً.