تدبر فى قصة موسى والعبد الصالح (7 من 7 ) : بين موسى ومحمد عليهما السلام

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٦ - يناير - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

جاء هذا التعليق من الاستاذة داليا سامى  تقول : ( (وقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ  ) .. نفهم من الايات ان نبي الله موسي قتل نفسا بريئة لان الله لم يقل بغير نفس ، ثم نفهم ان تلك الواقعه اورثت الهموم فى قلب النبي موسي فمن الله علية بالهدوء والارتياح .. لولا ان حضرتك قلت يا دكتور احمد ان القصص القرآني لا نستمد منها تشريعات ،  ولكن ما هي الا للموعظة والعبر لتساءلت اين دية القتل الخطأ ؟ واين تعنيف الله لنبية على التسرع والعجله التي اودت بحياة برئ !! وهل قتل النفس اهون من تجاهل اعمي !! التي عنف الله بها نبية محمد (عبس وتولي ان جاؤه الاعمي ) .؟ .. وأقول :

أولا :

1 ـ إن تشريع الدية فى القتل الخطأ جاء فى القرآن الكريم ، ولم يكن موجودا قبل ذلك ، ثم إن الفرعون كان يطبق شريعته الخاصة يذبح الأطفال ويسبى النساء . وكانت مشكلة الشاب موسى وقتئذ هى النجاة بحياته ، علاوة على أن هذا القتل الخطأ كان ضمن الأقدار المقدرة سلفا ، وله موقعه فى حياة موسى ، التى تنقسم الى مراحل متعاقبة : من أحضان أمه الى قصر الفرعون ـ النشأة فى قصر الفرعون ـ القتل الخطأ وهروبه الى مدين ، ثم عودته الى مصر . وفى عودته كلمه ربه جل وعلا عند جبل الطور ليرسله رسولا  لفرعون مهمته إرجاع بنى اسرائيل الى الأرض التى كتبها الله جل وعلا لهم . وقد قال له ربه جل وعلا  عند جبل الطور ، يشير  الى تلك المراحل بإختصار  : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) طه).

2 ــ إلا إن المهم هنا هو المقارنة بين نشأة موسى ونشأة محمد ، والتى يتضح منها الفارق بين العناية بموسى حين قتل نفسا ولوم محمد حين وعبس وتولى . وهذا هو موضوع هذا المقال .

ثانيا : الجذور الاجتماعية للأنبياء :

1 ـ من القصص القرآنى نعلم أن بعض الأنبياء كان ينتمى الى ( الملأ ) و ( علية القوم ) . وبعضهم مثل موسى كان ينتمى الى المستضعفين .

 النبى ( صالح ) عليه السلام كان ذا مكانة فى قومه ( ثمود )، وإحتجّ عليه كبار قومه بهذه المنزلة ، فقالوا له : ( يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) هود).

 النبى شعيب عليه السلام  فى ( مدين ) قال له المستكبرون الملأ من قومه : (  قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) هود ). أى بسبب عائلة أو أسرة أو ( رهط ) شعيب لرجمه الملأ .  

النبى ( محمد ) عليه السلام كان ينتمى الى بنى عبد مناف ، والذين تفرعوا الى  أسرتين قادتا مكة وقريش ، وهما ( بنو عبد شمس بن عبد مناف ـ ومنهم بنو أمية بن عبد شمس ) وبنو هاشم بن عبد مناف . والايلاف الذى تزعمت به قريش قبائل العرب كان يقوم على رعاية البيت الحرام وهذه وظيفة بنى هاشم بن عبد مناف ، وعقد محالفات مع القبائل العربية فى طريق القوافل فى رحلتى الشتاء والصيف ، والتى كان يقودها بنوأميه بن عبد شمس بن عبد مناف . كان محمد طفلا يتيما ولكنه كان من أسرة ينطبق عليها وصف ( الملأ ) . ولقد وقفت الى جانبه معظم أسرته تحميه بزعامة عمه أبى طالب ، حتى قاطعتهم قريش كلها . وتحملت أسرته هذه المقاطعة تعصبا لابنهم ( محمد ) عليه السلام .

يختلف الوضع مع موسى الذى كان ينتمى الى قوم يتسلى الفرعون بذبج أبنائهم ويسومهم سوء العذاب . هذا الفرعون الطاغية أرعب زوجته وجعل أميرا من أقاربه يكتم إيمانه خوفا .. فكيف بشاب ينتمى للقوم المستضعفين يعيش فى كنف الفرعون وتحت رحمته ؟ وكيف إذا كانت إمرأة فرعون نفسها التى تحميه هى التى ترتعب خوفا من فرعون وتدعو ربها تقول (  رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) التحريم )؟

2 ـ من القصص القرآنى نعلم وصف هذا الملأ بالاستكبار ، وطالما آمن المستضعفون فأولئك المستكبرون يكفرون : ( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (76) الاعراف ).

وكان من حُجة المسكبرين من آل فرعون كيف يتبعون موسى وهارون وقومهما يعبدون الفرعون وآله : ( ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) المؤمنون )

3 ـ  ونعلم وصفهم بالمترفين ، وهم دائما يكفرون بالحق لأنه يهدد مكانتهم التى تكونت وترسخت بالظلم ، وأصبحت دينا أرضيا ، من الثوابت والتقاليد الاجتماعية المتوارثة وما وجدنا عليه آباءنا ، يقول جل وعلا فى حُكم عام : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) سبأ ) وحدث نفس الحال فى قريش يقول جل وعلا : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) الزخرف  ) لذا يجعلها رب العزة قاعدة عامة فيقول : (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف )

4 ــ ومن القصص القرآنى نعلم تأفف الملأ من إتباع الحق لأن الحق بما فيه من عدل سيجعلهم على قدم المساواة مع المستضعفين . قالها قوم نوح لنوح عليه السلام ، يصفون المستضعفين المؤمنين بالأراذل: ( فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) هود  )، (  قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ (111) الشعراء ) . أى كيف يثقون فيه ويطمئنون اليه وأتباعه من الغوغاء . لذا طلبوا من نوح أن يطردهم من حوله حتى يؤمنوا له ويطمئنوا له ويثقوا به .

ثالثا : موقف الأنبياء  فى الانحياز للمؤمنين المستضعفين

1 ـ ومن القصص القرآنى نعلم رفض نوح عليه السلام طرد المؤمنين بل واجه قومه المستكبرين قائلا  يتحداهم : ( قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) الشعراء  ) وقال يجادلهم : ( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ اللَّهُ خَيْراً اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (31) هود ) أفحمهم بالحجة فقالوا : (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (32) هود ).

2 ـ نفس الحال مع شعيب الذى ( كان ) ذا مكانة فى قومه ، ولكنه لم يساوم  فى قضية المؤمنين المستضعفين معه ورفض الرجوع الى الدين الأرضى لقومه ودعا ربه أن يفتح بينه وبين قومه : ( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) الاعراف )

3 ـ وكانت العادة بعد هلاك المستكبرين أن يتم نجاة النبى والمؤمنين المستضعفين .

رابعا : موقف موسى عليه السلام

1 ـ موسى الذى تربى على التوجس والخوف وسرعة الانفعال كان متعاطفا مع قومه المستضعفين الذين كانوا ضحية سهلة لأى فرد من قوم فرعون . كان عاديا أن يتسلط أى فرد من آل فرعون على بنى اسرائيل يضربه ، وهذا أول مشهد عاينه موسى حين دخل المدينة على حين غفلة من أهلها . نتدبر هذا الجزء من قصة موسى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) كانا يقتتلان ، أحدهما يهاجم والآخر يدافع عن نفسه خشية القتل ، ورأى الضعيف موسى فإستغاث به ، فوكز موسى الطرف المعتدى فقتله . واستغفر موسى : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (17)).  تملكه الخوف بعدها وأخذ يترقب ويتوقع العقوبة ، وسار فى المدينة فوجد نفس الرجل المستضعف يتعرض للضرب ويستصرخ طالبا النجدة ، ونقرأ الآيات : ( فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ (19)). الرجل المستضعف يتوقع الشر ويعيش حالة دائمة من الخوف ، لذا بمجرد أن قال له موسى إنك لغوى مبين تصور أن موسى سيقتله هو فافشى سر القتيل فى اليوم السابق . والملآ الفرعونى طبقات ودرجات ، لذا وصل الأمر الى الملأ المحلى  فتآمروا على قتله ، وحذره رجل من أقصى المدينة ، فهرب :( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) القصص ).

2 ـ جمع موسى بين الخوف والانحياز للمستضعفين من قومه . لم يكن له إختيار فى كونه من بنى اسرائيل ، ولم يكن له إختيار فى تنشئته فى قصر فرعون الطاغية . بعدها كان له الاختيار فى الانحياز للمستضعفين ضحايا فرعون أو أن يكون حسب نشأته ضمن ملأ فرعون وصاحب نفوذ فى القصر الذى تربى فيه . وحينئذ كان سيجد كل الترحيب . ولنتذكر أن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وإصبح من ملأ فرعون . ولا شك أن الفرصة كانت أسهل لموسى وهو ابن للقصر والأقرب الى سيد القصر . إلا أن موسى إختار الانحياز الى قومه فإختار أن يعيش وأن يعايش الخوف الذى يعيش فيه المستضعفون .  وتجلى هذا فى حادث القتل الخطأ الذى وقع فيه بلا قصد . كان من الممكن أن يساعد المعتدى ، أو أن يرفض مساعدة المستضعف الذى يستغيث به ، ولكنه فى لحظة إختيار فارقة تصرف بشهامة فقتل المعتدى دون قصد . لذا نجّاه الله جل وعلا من الغم : ( وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ ) . ( الغم ) شعور مركب من الخوف والقلق والندم والحزن . هذا ( الغم ) تملّك موسى بسبب وقوعه فى جريمة قتل لم يقصدها ، فأنجاه الله جل وعلا منه .

خامسا : إختلف موقف محمد عليه السلام فتعرض للتأنيب

1 ـ إختلف الحال مع خاتم النبيين محمد عليه وعليهم السلام . إختار بمحض إرادته التقرب للملأ ، فتعرض للتأنيب  . بل وعصى ربه مرارا ، نهاه ربه فى مكة مرتين عن طاعة الكفار ،( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) القلم )( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) الانسان )  ثم نهاه مرة ثالثة فى المدينة عن طاعة الكفار والمنافقين قائلا له : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (1) الاحزاب )

2 ــ كان يتحرج من المؤمنين المستضعفين تقربا للملأ المستكبر ، فأمره ربه جل وعلا أن ( يصبر نفسه ) معهم أى أن يرغم نفسه على ذلك ، ونهاه فى نفس الوقت عن طاعة الملآ المستكبرين ، يقول له ربه جل وعلا : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) الكهف ).

3 ــ  لم يفعل ذلك ، بل كان يطردهم فقال له ربه جل وعلا  يحذره أن يكون من الظالمين : ( وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)) وأرشده الى البديل فى كيفية التعامل معهم إذا جاءوا اليه : ( وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) الانعام )

4 ــ فى هذا السياق الموضوعى  نفهم كيف قال عنه جل وعلا فى البداية يٌذكره : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)) .

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 9923