تدبر فى قصة موسى والعبد الصالح (3 من 5 ) تابع تحديد المصطلحات

آحمد صبحي منصور في الخميس ٣١ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

لا زلنا فى تدبر الآيات الكريمة ( 60 : 82 ) من سورة الكهف . ومع تحديد المصطلحات : 

( الفتى )

1 ــ جاء بمعنى الشاب ( الفتىّ ) فى قوله جل وعلا  عن ابراهيم عليه السلام : ( قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)الأنبياء: 60 ) وعن الفتية أهل الكهف قال جل وعلا : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً)الكهف: 10 ) ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)الكهف: 13 ) .

2 ـ وجاءت بمعنى الخادم ، حين يكون مضافا فى قوله جل وعلا عن خادم موسى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً  فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً  فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً)يوسف:60 : 62 ).  وفى قوله جل وعلا عن يوسف وهو فى بيت إمرأة العزيز : ( وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يوسف:30 )

( الغلام )

1 ـ يأتى بمعنى الطفل المولود ذكرا .

عن تبشير ابراهيم عليه السلام بإبنه اسماعيل ( الغلام الحليم ) قال جل وعلا : ( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102 ) الصافات ). وعن تبشير الملائكة ابراهيم عليه السلام بإبنه إسحاق ( الغلام العليم ) قال جل وعلا : (  وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) الحجر  )  (  إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) الذاريات ).

 وعن تبشير الملائكة النبى زكريا بابنه يحيى قال جل وعلا : ( فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِي الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) آل عمران ) ( يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8) مريم ). وُصف الطفل المولود يحيى بأنه ( غلام ) .

وقال جل وعلا هن تبشير مريم بوليدها المسيح عيسى : (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً (20) مريم  ). وصفته بأنه ( غلام )

2 ــ ـ ويأتى مصطلح ( غلام ) بمعنى الولد الذكر دون البلوغ ، يقول جل وعلا عن الطفل يوسف بعد أن ألقاه أخوته فى الجُبّ : (وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19) يوسف  ). وبنفس المعنى جاءت كلمة ( غلام ) فى قصة موسى والعبد الصالح فى قوله جل وعلا :  (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) الكهف  )، (  وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) الكهف ) .  

( الحوت ):

لم يرد فى القرآن الكريم لفظ ( السمك ) بل وصف لحم الأحياء المائية بأنها ( لحم طرى ) (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً )(14) النحل  ). وجاء وصف السمك بالحوت على نوعين :

1 ـ صغير الحجم الذى يكون فى متناول اليد مثل الحوت فى قصة موسى : (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) ، ( قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيه إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63). وواضح انه سمك يمكن حمله والانتقال به ، وأنه ظل حيا مع فتى موسى ، فلما نساه قفز الى الماء .

2 ـ وقد يكون حوتا ضخما يبتلع الشخص مثل حوت يونس، يقول جل وعلا : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) الصافات ) قوله جل وعلا (فَالْتَقَمَهُ الْحُوت ) إى إبتلعه مرة واحدة أو لقمة واحدة . وهذه  ــ هى حسبما ـ أعلم طريقة الحوت الضخم فى الأكل ، وتختلف مثلا عن التمساح والثعابين المائية  الضخمة التى تبتلع الضحية قطعة قطعة وبتمهل .

 ( البحر ) :

 يأتى فى القرآن الكريم إسما للبحر وللنهر ، يقول جل وعلا : ( وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) فاطر ) . والواضح ان ( البحر ) فى هذه القصة مقصود به البحر المالح .

 (الآثار والقصص ) فى قوله جل وعلا : (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً (64) .

1 ـ  ليس المراد هنا القصص القرآنى مثل قوله جل وعلا (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ )(3) يوسف) وليس المقصود بالآثار عمل الانسان الذى يتم تسجيله وحفظه وكتابته (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) يس  )  ليحمله يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ، كما فى قوله جل وعلا (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء  )

2 ـ إنّما المرد هو (قصُّ الأثر ) ماديا . وهناك حرفة قصُّ الأثر وتتبع الخطوات ، خصوصا فى الصحراء.

  ( مساكين ) .

1 ــ يأتى هذا المصطلح وصفا للفقير المحتاج الى أولى الضروريات للحياة وهى الطعام ، وهو يحتاج الى الطعام  أولا بأول . لذا يرتبط المسكين والمساكين بالحث على إطعامهم ، يقول جل وعلا مثلا : (إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) الحاقة ) ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) المدثر ) (كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) الفجر ) (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) الماعون ).

2 ـ ولكننا هنا مع مساكين يعملون فى البحر على سفينة (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ )، لا نعرف إن كانوا يملكونها أو كانوا مجرد عاملين عليها . ولكن المهم أن قوتهم اليومى وطعامهم كان متوقفا على ما يصيدون . لذا كان وصفهم بالمساكين ، مع أنهم يعملون ويتكسبون .    

( ملك )

1 ــ هنا ملك ظالم لا يتورع أن يغصب سفينة يرتزق بها مساكين :(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79)، ومع ذلك فرب العزة جل وعلا يعتبره ملكا .

2 ــ وقلنا فى مقالات سبقت أن الناس لو إرتضوا الخضوع وبالخنوع والاذلال ملكا ظالما وإعترفوا به ملكا عليهم فإن الله جل وعلا يعتبره ملكا عليهم . وهذا هو الحال مع ذلك الملك فى هذه القصة ، وكذا نفس الحال مع فرعون الذى زعم الالوهية ، ومع الملك الذى جادل ابراهيم عليه السلام زاعما الالوهية ، وقال جل وعلا أنه أتاه المُلك : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة ).

3 ــ  وطالما إرتضى الناس بفلان ملكا ظالما فقد إعترف به رب العزة ملكا عليهم . أما إذا أرادوا تغيير ما بأنفسهم من ذل وخنوع الى العزة فإن الله جل يعترف بهذا التغيير (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )  (11)  الرعد  )

 ( قرية / مدينة ) :

1 ــ قلنا فى القاموس القرآنى أن القرية فى المصطلح القرآنى هى المجتمع أو الدولة ، وأن المدينة هى جزء منها . ومن ذلك قوله جل وعلا (  وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) يس ) ثم يقول جل وعلا (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) يس  ). فالبداية بالقرية التى تضم الجميع ، ثم فى التفاصيل أتت كلمة المدينة .

2 ــ نفس الحال هنا : البداية بالقرية ،  فى : (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) أما البيت فكان فى مكان معمور من القرية ـ فى المدينة : ( وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا   (82)) ).

3 ــ  والعادة أن مصطلح القرية فى العموم يدل على كل المجتمع أو الدولة. وتكرر هذا فى القرآن الكريم ومنه مثلا عن إهلاك القرى فى سورة الاسراء : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (17) (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (58)).

( أبواه  )

قلنا سابقا أن من المساواة بين الذكر والأنثى وصف الأب والأم بالوالدين والتوصية بالاحسان اليهما دون تفرقة بينهما . والمساواة بين الأبوين فى الميراث (وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (11)النساء    ) . وجاء هنا وصف الأب والأم بالأبوين (وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ).

( صالح ):

1 ــ  لا يصف رب العزة احدا بالصلاح وهو حىّ يرزق ، بل إن النبى فى حياته يدعو أن يلحقه رب العزة يوم القيامة  بالصالحين ، قالها ـ عليهم السلام ـ  ابراهيم (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) الشعراء )  وقالها يوسف عليه السلام : ( تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) يوسف)، وقالها سليمان عليه السلام : (  وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) النمل ). والرجل ( المؤمن) والد الفتاتين فى مدين قال لموسى عن نفسه ( سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (27)  القصص ). لم يصف نفسه بالصلاح لأن المؤمن لا يزكى نفسه .

2 ــ  الله جل وعلا وحده هو الأعلم بخلقه ، وهو الذى يصف بعض الناس بالصلاح بعد موتهم وقفل كتاب أعمالهم ، ولهذا قال عن والد الغلامين اليتيمين الذى مات من قبل : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ). هذا بينما قال عن أبوى الغلام انهما مؤمنين ( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) الكهف )  أى لأنهما كانا لا يزالان على قيد الحياة . وهما موصوفان بالايمان . وقد يكون الايمان سلوكيا فقط بمعنى الأمن والمُسالمة ، وقديكون سلوكيا وقلبيا معا . ولكن فى كل الأحوال فطالما يكون الانسان حيا فإيمانه يزداد وينقص تبعا لظروفه ومدى نجاحه فى إبتلاء الحياة ، ولا يتحدد عند رب العزة هل هو صالح أو خاسر إلا بالموت وقفل كتاب اعماله .

3 ــ  ولكن من العادات السيئة فى أديان المحمديين الأرضية وصف النفس والغير بالصلاح وتزكية النفس والغير إفتراءا على الله جل وعلا كذبا . وقد قال رب العزة ناهيا عن تزكية النفس بالتقوى: ( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (32) النجم  ) وقال جل وعلا عن بعض أهل الكتاب الذين زكوا أنفسهم : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) النساء  ).

4 ــ  الأنبياء العظام يدعو كل منهم ربه جل وعلا ويتمنى (أن يلحقه ربه بالصالحين ) وغوغاء المحمديين يفترون بكل جُرأة أن فلانا ( صالح )..!

اجمالي القراءات 9216