تدبر فى قصة موسى والعبد الصالح ( 1 من 2 ) : المنهج القصصى

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٩ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

يقول جل وعلا :( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيه إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً (64) فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (72) قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82))الكهف ) .

أولا : منهج القصص القرآنى :

1 ـ عدم تحديد الأسماء . لم يذكر إسم الفتى :( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ ) ولم يذكر إسم النبى العبد الصالح: (  فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) .وإن كنا نفهم أنه رسول نبى ، لأنه يوحى اليه ، ولأن الله جل وعلا علمه علما من لدنه.  ولم يذكر إسم الغلام (حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ ) ولا أسماء اهل القرية الذين رفضوا ضيافتهما (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا )  ولا أسماء المساكين : (  أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ) ولا إسم الملك (وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ  ) ولا أسماء  أبوى الغلام المقتول : (  وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ ) ولا أسماء الغلامين اليتيمين ولا إسم والدهما الصالح : (  وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ).

2 ـ عدم تحديد الزمان ، فلا نعرف بالتحديد العصر الذى عاش فيه موسى ، ولا عصر فرعون موسى .  وإن كنا نفهم أن هذه القصة حدثت بعد خروج موسى بقومه من مصر ،

3 ـ عدم تحديد المكان : لا نعرف مكان حدوث القصة ، إلا أننا نفهم أن اللقاء تم على الساحل ، أى كانوا وقتها على سواحل سيناء ، البحر الأحمر أو المتوسط . ولا نعرف إسم القرية ولا موضعها (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ  )

4 ـ ترك فجوات فى الاحداث . فقد انتقل موسى وغلامه من مكان الى آخر ، وانتهى دور فتى موسى بعد لقاء موسى بالعبد الصالح . وبينما ذُكر الحوار بين موسى والعبد الصالح عند لقائهما ثم بعد تنقلهما من مكان لآخر إلا إن هناك السكوت عن ظروف هذا التنقل من البر الى السفينة ثم منها بعد خرقها الى البر والتنقل فى البر من مكان الى آخر. علاقات متشابكة حدثت فى هذا المكان وذاك ، لم يهتم رب العزة بذكرها. وذكرها ضرورى فى تسجيل التاريخ ، وللتسجيل التاريخى منهجه فى تحديد الزمان والمكان واسماء أبطال الأحداث . ولكن منهج القصص القرآنى مختلف لأنه يركز على العظة والعبرة  .

ثانيا : العبرة والعظة :

عدم الاهتمام بالتفصيلات السابقة كان للتركيز على العبرة ، وحتى تتحرر الحادثة التاريخية من أسر الزمان والمكان الى ( قصة ) للعظة والاعتبار يستفيد منها القارىء فى كل زمان ومكان . وأهم العبر فى هذه القصة :

1 ـ شخصية موسى الانسانية : ويمكن أن نرى مثيلا لها فى حياتنا اليومية من أى إنسان عاش ظروفه ، حيث نشأ فى قصر فرعون الرهيب الذى لا يتردد فى ذبح الأطفال وصلب الرجال وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف . نشأ موسى فى ظل هذا الفرعون  الوحشى عالما بجرائمه مع قوم موسى ، نشأ وهو يرى زوجة فرعون نفسها ( المؤمنة ) تدعو ربها أن ينجيها من فرعون وعمله وقومه الظالمين: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) التحريم  ) ، وفيما بعد كان الأمير الفرعونى المؤمن يكتم إيمانه خوفا من فرعون : (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28) غافر ) ظل ينصح قومه الى أن يأس فقال لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) ) وكادوا أن يوقعوا به لولا أن أنجاه الله جل وعلا من مكرهم : (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) غافر )  . فى قصر هذا الفرعون نشأ الطفل موسى يحسُّ بالخطر ويتوقعه ، ويتصرف بسرعة دفاعا عن نفسه، لذا قتل المصرى خطأ ، وكاد أن يبطش بآخر ، وعندما عاد من ميقاته مع ربه جل وعلا ووجد قومه يعبدون العجل إشتعل غضبه وألقى الألواح المكتوب فيها الوحى وكاد أن يبطش بأخيه هارون: (  وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) ، (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)  الأعراف ) (قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) طه  )  . كان لزاما أن يتعلم موسى الصبر وعدم الاندفاع . فكان هذا اللقاء التعليمى مع العبد الصالح . ونظن أنه كان بعد إتخاذ بنى اسرائيل العجل وذلك الغضب الهائل الذى تملك موسى .

ومن قراءة القصة نتعلم نحن أيضا عدم الاندفاع فى التفسير وفى رد الفعل ، بل لا بد من التروى وتعقل الأمر ، ونتعلم أن الأمور ليست بظواهرها .

2 ـ  ، ونتعلم أن الحتميات التى يرجع تدبيرها لرب العزة جل وعلا لا مفرّ منها ولا سبيل لتعليلها وتفسيرها . ومثلا عن تدبيره جل وعلا فى قضائه وقدره قال جل وعلا يخاطب موسى : (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنْ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40 ) طه ) كل شىء حدث لموسى كان بقدر، من الوحى لأم موسى الى إيصال الوليد الرضيع موسى ليقوم فرعون نفسه برعايته ، الى خروجه الى مدين ثم رجوعه منها والوحى المباشر له عند الشجرة المباركة فى جبل الطور . وفى هذا القدر تدخل الأشخاص فى تطبيق هذا القدر بما فيهم فرعون نفسه الذى جعله رب العزة سخريا ، سخره لتنشئة موسى ، وكان موسى سبب هلاك فرعون وقومه وجنده وآله ونظام حكمه . وفى هذه القصة نفسها يقول العبد الصالح يفسّر ما فعله وأنه بأمر الله جل وعلا وليس بدافع شخصى منه : (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ).

3 ــ ثم نفهم عدم تقديس الأنبياء وعدم عصمتهم . هذا هو موسى بشخصيته الانسانية الذى أوقعه إندفاعه فى كثير من الأخطاء ، ومع ذلك فقد وصفه ربه جل وعلا بمناقب عالية . قال جل وعلا عنه : ( وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء ) وكان جل وعلا يُناجيه وجعله مقربا له جل وعلا ، ويكفى التمعن والتدبر فى قوله جل وعلا عن موسى:(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (53) مريم ) وصفه رب العزة جل وعلا بانه كان مخلصا بفتح اللام ، أى نقيا ، وأنه جل وعلا قربه يناجيه ، بل إنه جل وعلا استجاب لرغبة عبده موسى وجعل أخاه هارون نبيا معه . أى إستجاب رب العزة لدعاء موسى ووهبه أخاه هارون نبيا . موسى دعا ربه فقال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) طه ) (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) الشعراء ) (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً (36) الفرقان  ) . ثم هل هناك أروع من قول الله  جل وعلا لموسى فى خطاب مباشر له : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه ) .

4 ــ ومن خلال هذا يجب أن يكف ( المحمديون ) عن تفضيل ( محمد ) عمن سبقه من الأنبياء ، فما قاله جل وعلا لموسى فى حياة موسى لم يقله جل وعلا لمحمد فى حياة محمد . أليس كذلك ؟

5 ــ العبد الصالح : مع أنه كان نبيا يعيش بالقرب من موسى ، وارسله الله جل وعلا ليتعلم منه موسى إلا إن إسمه ليس مذكورا فى هذه القصة التى كان بطلا لها . والله جل وعلا لم يقص علينا كل قصص الأنبياء فى القرآن الكريم : ( وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ) ً (164) النساء ). وبعض الأنبياء جاء قصصهم بدون أسمائهم وبدون ذكر إسم قريتهم:(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14) يس) ومع هذا فقد صنع المحمديون إسما زائفا لهذا النبى هو ( الخضر ) وجعلوه وليا صوفيا يحقق لهم زعمهم بأن الولى الصوفى أعلى شأنا من النبى طبقا لقول ابن عربى :

مقام النبوة فى برزخ     فوق الرسول ودون الولى

ثم صنعوا لهذا ( الخضر ) حياة أبدية خالدة لا يموت بل ينتقل من مكان الى مكان يستجيب للداعى إذا دعاه فيما يزعمون . هذا مع أن الله جل وعلا قال لخاتم المرسلين أنه ( ميّت ) (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) الزمر ) وقال له جل وعلا : (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ (35) الانبياء  )

وكان أبوهما صالحا

إهتم الصوفية أيضا بوالد الغلامين اليتيمين ووصفه بأنه كان صالحا ، وصنعوا المثل الشعبى المصرى ( التقوى تنفع الذرية ) . وهو رأى صحيح فيما يخص الدنيا فقط ، لأن الله جل وعلا يقول : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (9) النساء ). أى أن من يتقى ويحافظ على تقواه حتى الموت فإذا ترك ذرية صغارا ضعافا فإن الله جل وعلا يرعاهم . وفى المقابل فإن الفاسد الذى يجمع المال السُّحت ويُكاثر فى الأموال والأولاد يكون أولاده وتكون امواله نقمة وعذابا له فى الدنيا ويموت كافرا بما جمع . يقول جل وعلا يخاطب النبى عن أثرياء المنافقين :( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة). أما فى الآخرة فسيفر كل منا عند البعث والحشر من أخيه وامه وأبيه وصاحبته وبنيه (فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس ) لن تدخل الجنة إلا بعملك ، ولن تدخل ذريتك الجنة إلا بعملها ، يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) الطور) القاعدة يوم القيامة أن كل نفس ستكون رهينة بعملها : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) المدثر ). وليس هناك وقتها أنساب (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ (101) العبرة بميزان العمل :( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103) المؤمنون ) ، لذا يأمر الله جل وعلا المؤمنين مقدما وبخطاب مباشر لهم بالانفاق فى سبيله قبل ان يأتى اليوم الآخر المختلف عن يوم الدنيا ، فإذا كان فى الدنيا واسطة وصداقة وشفاعة فلن يكون هذا فى يوم الدين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ (254) البقرة  ).

أين هذا من خرافات المحمديين فى أساطير الشفاعة ؟ 

اجمالي القراءات 10857