القاموس القرآنى : الإلحاد

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٦ - ديسمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : الإلحاد  

مصطلح ( ألحد ) ومشتقاته يعنى الميل ، أى  ( مال الى ). ويتنوع هذا على حسب السياق الى الآتى :

أولا : ( الالحاد فى ).

1 ـ القرآن الكريم هو الصراط المستقيم ، يقول جل وعلا عنه : ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) الانعام ). الدخول ( فى ) هذا الصراط المستقيم بالميل أو بالزيغ أو بالتحريف هو (الالحاد فى ) آيات الله القرآنية. يقول جل وعلا: ( إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ( فصلت 40 ). هذا تحذير لمن يدخل على القرآن الكريم بهواه ( يُلحد ) فى الايات أى ( يميل ) بمعناها حسب هواه . الله جل وعلا يحذر ويهدد بأنه يعلم بهم ، ويضع أمامهم الاختيار بين الجنة والنار ، ويكرر تهديده بأن يعملوا ما يشاءون إنه جل وعلا بما يعملون بصير. هنا (الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ) بمعنى تحريف المعنى القرآنى .

إن الله جل وعلا قد ضمن حفظ ( النّص ) القرآنى فأصبح أعدى أعداء القرآن الكريم هم من يتفانى فى ( حفظ النصّ القرآنى ) كتابة بنفس كتابته الفريدة ، ولكن ينصبّ عداؤهم على التحريف فى المعنى ، بالتأويل وتغيير معانى المصطلحات القرآنية ، وإخضاعها لأسباب النزول بما يجعل القرآن الكريم مرتبطا بزمانه ومكانه لا شأن له بعصرنا ، وليس صالحا للعظة أو للتطبيق . وبهذا نجح المحمديون فى ( إتخاذ القرآن مهجورا )، أى أن يكون موجودا مجرد نصوص محفوظة ولكن بعيدة عن الواقع ، أى موجود ومهجور ، وهم إتخذوه كذلك ، فاصبح القرآن الكريم أغنية فى مناسبات العزاء و( تميمة ) فى البيوت والسيارات . هذا هو الالحاد العملى ( فى ) آيات الله ، والذى أنتج تغييب القرآن الكريم ونفيه عن الواقع المُعاش ليكون مجرد ( مصحف ).  

2 ـ أسماء الله جل وعلا هى التى يسمى جل وعلا بها ذاته ، ومن يتدخل من المخلوقات يخترع أسماء لرب العزة لم ترد فى القرآن الكريم إنما هو ( يُلحد فى أسماء الله الحسنى ) لأنه حين يفعل ذلك إنما يفرض هواه على شأن يخص رب العزة . وهذا يرفضه البشر ، فأنت لا ترضى أن يُطلق عليك الناس أسماء بلا إختيار منك . ولكن العادة السيئة لأصحاب الديانات الأرضية أنهم ( يفرضون ) على رب العزة ما ( يرفضونه ) لأنفسهم. بهذا نفهم قوله جل وعلا : ( ولِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( الاعراف 180 ).

لا بد لمن يدعو الله جل وعلا أن يلتزم بأسمائه الحسنى ، لأنها عبادة ، ونحن يجب أن نعبد الله جل وعلا بما أمر وليس بأهوائنا . فعندما تقول يا رب ، وتذكر إسما من أسماء الله الحسنى فلا بد أن يكون هذا الاسم من أسماء الله الحسنى فى القرآن الكريم ، أى أن تقول ( الله الرحمن الرحيم العزيز الحكيم الرءوف .. ) . وهنا نتذكر بعض أسمائه الحسنى فى القرآن الكريم ، مثلا فى :( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة ) وفى : (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْبِ (24) الحشر ). ومن ذلك تسمية الناس بأسماء مثل ( عبد الله ) ( عبد العزيز ) ( عبد الحميد ) ..ويقع الالحاد عندما يسمون ( عبد الموجود ) ( عبد المقصود ) ، ( عبد الستار ) فليس الموجود والمقصود والستار من أسماء الله الحسنى . وهذا إلحاد فى أسمائه جل وعلا . وأفظع منه تسمية الشخص بأنه عبد لبشر ، مثل ( عبد الحسين ) ( عبد على ) ( عبد المسيح ) ( عبد النبى ) ( عبد الرسول ) ( عبد الصالحين ) ( عبد الأمير ).

ثانيا : ( ألحد الى )

يعنى ( مال الى ) . وفى هذا المعنى يقول جل وعلا : ( ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) ( النحل 103  ).

الآية الكريمة تستلزم توضيحا لارتباطها بحقيقة قرآنية هى أن النبى عليه السلام هو الذى كتب القرآن بيده ، وأن مصطلح ( أمى ) لايعنى الجهل بالقراءة والكتابة بل يعنى انه وقومه أميون بمعنى لم يأتهم كتاب سماوى سابق قبل القرآن مثل ( اهل الكتاب ) ، وبهذا كان يميز القرآن بين اهل الكتاب العرب وبقيه العرب الذين لم يكونوا يهودا,او نصارى، يقول جل وعلا   :( وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ )و(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )....(ال عمران20، 75 ).

ورب العزة جل وعلا يؤكد على أن النبي محمدا (ص) كان يقرأ ويكتب.فأول ما نزل للقرأن هو امر إلهي :(اقرأ)، والله تعالي لا يأمره بالقراءة إلا إذا كان قارئا ، ولانتصورعقلأ ان يقول له ربه : (اقرأ) فيرفض قائلأ : (ما انا بقارئ)، كما لا نتصور عقلا ان يكون ذلك الراوي لتلك الرواية حاضرا مع النبي محمد(ص) حين نزلت عليه الآية، وحتى لو حضر فكيف يسمع حوار الوحي.إذن هي رواية ملفقة.ورب العزة جل وعلا يؤكد على ان النبى محمدا عليه السلام كان يقرأ القرآن من صحف مكتوب فيها القرآن :( رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ) "البينة 2" اى كان يتلو بنفسه من صحف ،وليس من أوراق الشجر او الاحجار او الرقاع.وأنه عليه السلام قبل البعثة كان لا يتلو كتبا سماوية ،وكان لا يخطها أو يكتبها ، فلما اصبح نبيا تعلم القرأة والكتابة ، واصبح يتلو القرآن ويكتب آياته ،يقول تعالى :( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ "العنكبوت 48".
أى كان من قبل لا يتلو ولا يكتب ولا يخُطُّ بيده كتابا ، فأصبح بعدها يقرأ ويتلو ويكتب ويخطُّ بيده القرآن الكريم . ويقول سبحانه وتعالى عن مشركى مكة واتهامهم للقرآن بانه " أساطير الاولين " : (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ).. " الفرقان 5" ، ويهمنا هنا ان المشركين اعترفوا بان النبى محمدا(ص) كان هو الذى يكتب القرآن بيده، وان أصحابه كانوا لا يكتبون له القرآن ، وإنما كان دورهم فى تملية النبى (ص) فقط إذا ارادوا نسخ بعض السور ليقرأوها ، وكانوا يملون عليه من نسخة أخرى ، وكان ذلك يحدث بكرة واصيلا فى الصباح والمساء ، أى أنه ليس هناك كتبة للوحى كما زعموا.بل إن هناك ايات عديده تؤكد كلها ان النبى محمدا كان استاذا للمؤمنين، يتصرف معهم كما يتصرف الاستاذ الذى يعلم التلاميذ القرآن، يتلوه عليهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة(البقره 129،151، ال عمران77،الجمعه 2 .).

فى ضوء ما سبق نفهم قول الله جل وعلا : ( ولَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ) ( النحل 103  ). كان من قبل لا يقرأ ولا يكتب ، ثم تعلم القراءة والكتابة على يد رجل أعجمى يقيم فى مكة ، يعرف الكتابة العربية ويعلمها لأهل مكة . وحين نزل الوحى عليه وأصبح يكتب القرآن بنفسه إتهمه كفار مكة بأنه أخذ هذا العلم القرآنى من ذلك الرجل الأعجمى . وهذا الرجل الأعجمى قد يكون مدرسا للخط ومعلما للقراءة والكتابة شأن المدرس الابتدائى ، ولكن لا يمكن أن يأتى بفصاحة اللسان العربى شأن العرب ، ولا يمكن أن تكون له فصاحة اللسان القرآنى العربى المبين .  وكلمة (  يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ  ) هنا تعنى ( يميلون اليه ).  

ثالثا :  ملتحد : أى ملجأ :

1 ـ فى سورة الكهف يقول جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى محمد عليه السلام : ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (27) ). يأمره جل وعلا أن يتلو القرآن كتاب ربه جل وعلا الذى لا مبدل لكلماته ، ولن يجد النبى غيره أو من دونه ملتحدا .

هنا نلاحظ  أن ( الضمير ) بالمفرد فى  (لِكَلِمَاتِهِ ) و (مِنْ دُونِهِ )، مع ان الكلام هو عن الله جل وعلا و ( الكتاب ) . لم يقل جل وعلا (وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِما  وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِما مُلْتَحَداً ). جاء الضمير بالمفرد الواحد تأكيدا على عدم الفصل بين الله جل وعلا وكلامه أى كتابه . فلا مبدل لكلام الله جل وعلا فى كتابه ، وليس للنبى غير القرآن الكريم ورب العزة ملتحدا اى ملجأ ، أى الى ربه جل وعلا الملجأ من خلال كلامه أى قرآنه أى كتابه . وهذا يذكرنا بقول رب العزة عن التمسك بحديثه فى القرآن وحده : (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ) ، هنا لا فاصل بين رب العزة وحديثه فى القرآن ، فكما لا إيمان بإله مع الله جل وعلا فايضا لا إيمان بحديث آخر مع القرآن الكريم . كلام واضح مبين ولكن المحمديين لا يفقهون .!

2 ـ وفى سورة الجن يقول جل وعلا يأمر النبى أن يقول : ( قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) فهو عليه السلام مأمور بإخلاص الدعاء لرب العزة جل وعلا وحده ، ولا يمكن أن يتوسل ببشر أو حجر . الآية التالية : ( قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) أى إنه عليه السلام لا يملك أن يهدى أحدا ولا يملك أن يضر أحدا ، وبالتالى فلا مجال لأن يتوسل به الناس طلبا للرشاد أو منعا للضرر . وبالطبع فهذا يتناقض مع ما يعتقده المحمديون ومع ما يفعلونه بطلب المدد من تلك الشخصية الوهمية الخرافية لالههم المصنوع الذى أسموه محمدا ، ويهتفون بالصلاة عليه على أنها عبادة له ، ويضعون إسمه فى الأذان للصلاة وفى ( التحيات ) فى الصلاة ، ويؤدون له صلاة السُّنّة ، ويحجون الى الرجس الذى ينسبونه اليه فى مسجد أو ( معبد ) مقام لعبادة محمد الذى جعلوه ثانى الحرمين . الاية التالية :( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22 ). هنا نفى الشفاعة المزعومة التى صنعوها لالههم المصنوع الذى أسموه محمدا ، الله جل وعلا يأمر محمدا الحقيقى بأن يعلن أنه لن يجيره ولن ينقذه من الله أحد ، ولن يجد ملجأ إلا رحمة رب العزة إذا قام بتبليغ رسالة ربه وإلا فالخلود فى النار هو مصير العُصاة ، وهذا هو فحوى الآية التالية : ( إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) الجن  )

(وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً )، الملتحد أى الملجأ الذى يتجه اليه الانسان مائلا اليه .

أخيرا :

فى كل الأحوال فإن ( الالحاد ) فى المصطلح القرآنى يخالف المعنى الشائع للإلحاد فى ثقافتنا ، أى الكفر وإنكار رب العزة جل وعلا..

اجمالي القراءات 8584