أسلوب ( الإلتفات ) فى خطاب التنزيل المدنى فى سورة الاحزاب ( 3 من 4 )
التشريعات الخاصة :
هناك تقسيمات للتشريعات الاسلامية القرآنية ، منها الصالح تطبيقه فى كل زمان ومكانه ، ومنها التشريعات الخاصة التى يمكن تطبيقها فى نفس ظروفها ، وقد عرضنا لنماذج لها فى سورة الأحزاب . وهناك تشريعات خاصة لا يمكن تطبيقها لارتباطها بنفس الزمان والمكان والأشخاص ، وهى ما يتعلق بالنبى عليه السلام وأزواجه. ونعرض لها من خلال اسلوب الالتفات :
النبى وأزواجه :
1 ـ يقول جل وعلا : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) ). فى الآية السابقة خطاب عن الغائب فى القسم الأول من الآية : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهم المؤمنون فى وقتها فى : ( إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً (6) ).
التشريع الخاص هنا فى كون أزواج النبى أمهات للمؤمنين وقتئذ ، لذا لا يجوز أن ينكحهن ( النكاح هو عقد الزواج ) رجل بعد موت النبى أو بعد طلاقهن . وقد تعزز هذا التشريع الخاص بقول رب العزة فى نفس السورة : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (53)). هنا تشريع خاص لا يلزمنا فى شىء سوى العبرة .
2 ـ وواضح من سورتى الأحزاب والتحريم أن النبى عليه السلام عانى من أزواجه الكثير ، ففى السورتين تهديد بطلاقهن . ففى سورة التحريم يقول جل وعلا لهن : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً (5)).
3 ــ وفى سورة الأحزاب نتوقف باسلوب الالتفات مع قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ ) هنا مخاطب هو النبى أن يقول لأزواجه فى إلتفات الى مخاطب آخر هن نساء النبى فى : ( إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ ) ثم إلتفات الى المتكلم وهو النبى:( أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28) ثم إلتفات الى المخاطب : نساء النبى فى : ( وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ ) ثم إلتفات الى الحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ ) ثم الى المخاطب : أزواج النبى : ( مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) ثم إلتفات لهن بالخطاب : ( وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً ) ثم إلتفات مركب بالمتكلم وهو رب العزة جل وعلا مع إشارة الى الغائب وهن نساء النبى ، فى : ( نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً (31) ، ثم المخاطب نساء النبى فى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إِنْ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) ثم إلتفات الى الغائب فى ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) ثم عودة اليهن فى الخطاب فى : ( وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ ) ثم إلتفات الى المخاطب نساء النبى فى : ( عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ )ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة فى قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34)) .
3 ـ ونضع هنا بعض ملاحظات على الآيات السابقة :
3 / 1 : التشريع هنا خاص بأزواج النبى ، سواء فى الأجر المضاعف مرتين ، أو العقاب المضاعف مرتين ، وفى قوله جل وعلا لهن (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ ). وجاءت لهن تشريعات خاصة بعدم مغادرة بيوتهن ، وعدم إلانة القول مع الناس ، وقبلها فرض الحجاب أو الستارة فى الحديث مع الغرباء ، وعدم التبرج كالجاهلية الأولى .
3 / 2 : العقوبة المضاعفة لهن فى الوقوع فى الزنا يعنى أن تكون 200 جلدة ، وهذا يؤكد أن عقوبة الرجم للزانى المحصن أُكذوبة كبرى . فالرجم يعنى القتل ، وليس هناك قتل مرتين ، بل جلد مرتين فى هذه الحالة . وكما لا يمكن تضعيف الرجم كذلك لا يمكن تنصيفه ، أى جعل الرجم نصف قتل ، ذلك أن عقوبة المملوكة المتزوجة إذا زنت نصف عقوبة الحرة فى قوله جل وعلا : (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ )(25)النساء)، أى خمسون جلدة. هذا علاوة على أن وصف العقوبة ب( العذاب ) فى كل الحالات يعنى إستمرار حياة من يتعرض للعقوبة وليس قتله .
3 / 3 : إن تعبير ( اهل البيت ) فى الآية الكريمة : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) مقصود به نساء النبى ، وليست له صلة على الاطلاق بمصطلح (آل البيت ) لدى الشيعة والذى يقصرونه على ذرية السيدة فاطمة الزهراء . العادة أن أهل بيت الرجل مقصود به الأزواج . ( الزوجات ) . هذا فى اللسان القرآنى وفى العُرف الاجتماعى حتى الآن . وفى قصة ابراهيم حين جاءته الملائكة تبشر زوجه العجوز العقيم ( سارة )بأنها ستلد ( اسحاق ) يقول رب العزة جل وعلا : (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) هود ) لم يكن هناك سوى زوجة واحدة فى بيت ابراهيم ، ولكن خاطبتها الملائكة ب ( أهل البيت ). فالزوجة والزوجات هن اهل البيت .
3 / 4 : وهناك تساؤل يُثار دائما : هل تستحق نساء النبى أن يتنزل بشأنهن هذا الوحى القرآنى ؟ ومن السهل الاجابة بأنه العبرة والعظة . ولكن الأمر يتعدى ذلك ، حين نعرف من التاريخ أن إحدى أزواج النبى قادت أول حرب أهلية فى تاريخ المسلمين بعد موت النبى ، وهى السيدة عائشة . وبالتالى نفهم بعض الإشارات فى الايات الكريم ، ليس فقط فى وعظهن وتهديهن بالطلاق والتسريح ( الانفصال التام ) بسبب مشاكلهن وإرادتهن الدنيا على الآخرة ، بل أيضا لقوله جل وعلا فى خطاب مباشر لهن : (فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً )، أى لسن كلهن محسنات ، اى فيهن من لم تكن موصوفة بالاحسان فى العمل فى حياة النبى نفسه ووقت نزول الوحى ، فكيف بهن بعد موته وإنقطاع الوحى نزولا . ولقد جاءت لهن تشريعات خاصة بأوامر ونواهى : عدم مغادرة بيوتهن ، وعدم إلانة القول مع الناس ، وقبلها فرض الحجاب أو الستارة فى الحديث مع الغرباء ، وعدم التبرج كالجاهلية الأولى . ومستفاد منه أنهن كُنّ يفعلن ذلك .
3 / 5 : ومن الأوامر قوله جل وعلا لهن : (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ )) . ونستفيد من هذا أن الحكمة هى من أوصاف القرآن الكريم الذى كان يُتلى فى بيوتهن ، وهن مأمورات بتذكر ما يتلى من الكتاب الذى هو الحكمة .
زواج النبى بلا صداق ( مهر )
1 ــ الصداق أو الأجر أو بتعبيرنا ( المهر ) فريضة أساس فى موضوع الزواج ، بعدها يمكن التراضى على أى شىء فى عقد الزواج ، يقول جل وعلا يصف الصداق بالفريضة : ( فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (24 ) النساء)، ويقول جل وعلا عن تنازل الزوجة عن بعض صداقها بإختيارها ورضاها : (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4) النساء ).
2 ــ وسبق أن أشرنا الى الوحى التوجيهى بالأوامر والنواهى والذى تاتى عنه إشارات لا حقة فى القرآن الكريم ، كما فى موضوع التبنى . ويدخل فى هذا الوحى التوجيهى هنا وفى نفس السورة أن الله جل وعلا أحل للنبى أن يتزوج بلا صداق ، من أرادت أن تهب نفسها له ، وفى مقابل ذلك جاء التحريم له بعدها أن يتزوج المزيد أو أن يستبدل زوجة بأخرى سوى المملوكة. والآيات تشير الى الوحى التوجيهى مع التشريع الجديد .
3 ــ ونستعرض الايات باسلوب الالتفات : يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) المخاطب هو النبى ، بعده إلتفات من المخاطب الى المتكلم وهو رب العزة جل وعلا فى ( إِنَّا أَحْلَلْنَا ) ثم إلتفات مركب من المتكلم الى المخاطب وهو النبى فى إشارة الأزواج فى : ( لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) ثم إلتفات الى الغائب وهم المؤمنون فى : ( قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) ثم إلتفات الى المخاطب وهو النبى فى : ( لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (50) ثم إلتفات بمخاطب هو النبى ( تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ ) الى الغائب وهن الزوجات فى : ( مِنْهُنَّ ) ثم إلتفات الى نفس المخاطب فى : ( وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنْ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ) ثم إلتفات الى نفس الغائب وهن الزوجات فى : ( ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَين ) ثم إلتفات مركب الى نفس المخاطب مع إشارة الى الغائب أى الزوجات فى : ( بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ )ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ ) ثم إلتفات الى مخطب هو البشر جميعا فى :( مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (51) ، ثم إلتفات مركب الى المخاطب وهو النبى مع إشارة للغائب وهن النساء فى : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ) ثم إلتفات بالحديث عن رب العزة جل وعلا فى : ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52)).
4 ـ ونضع بعض ملاحظات :
4 / 1 : كان معروفا وقتها ملك اليمين، وكانت هناك مصادر شتى للإسترقاق ، كلها مُحرمة طبقا لتحريم الاسلام للظلم . ولكن وجود الدولة الاسلامية مُحاطة بمحيط هائل من البشر والأمم تستخدم الرقيق وتجيز الاسترقاق أوجب تشريعا إسلاميا للعلاج ، وهو منع الاسترقاق من المنبع ، وبذلك لا وجود للرقيق إلا فى حالة الشراء من الخارج أو الهبة، ثم التعامل مع هذا الرقيق القادم بالحث على تحريره بالعتق أو المكاتبة والحث على حسن معاملته وجعله شريكا لمالكه فى المال ، والحث على تزويج ملك اليمين ودفع صداقها ، ومنه حق المالك أن يتزوج ما ملكت يمينه وأن يدفع لها الصداق ، وأن تكون لها كل حقوق الزوجة الحرة ما عدا العدل فى التعدد ( النساء 3 ، 25 ). ونقرأ قوله جل وعلا للنبى ( وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ )، ليس هنا سبى بل فىء ، أى هبة مثل المذكور عن السيدة مارية القبطية المصرية التى أهداها المقوقس ( قيرس ) والى مصر الى النبى . معروف بعدها أن الخلفاء ( الفاسقين ) الذين قاموا بالفتوحات إسترقوا حرائر البلاد المفتوحة وأولادهم ، وفق ما كان متبعا فى الجاهلية قبل نزول القرآن الكريم .
4 / 2 : عن الرُّخصة الخاصة بالنبى دون المؤمنين وهى زواج الهبة قال جل وعلا : ( وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) أى أن المؤمنين علموا ما سبق فرضه عليهم من وجوب دفع الصداق للزوجة سواء كانت حُرّة أو ملك يمين .
4 / 3 : مقابل ذلك الذى كان من قبل بالوحى التوجيهى والذى جاءت عنه الإشارة هنا فقد نزل التشريع الخاص بالنبى وهو ألا يتزوج مجددا بعدها وحتى وفاته : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52).
4 / 4 : قوله جل وعلا للنبى : (وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ) مستفاد منه أن النساء وقتها كُنّ سافرات الوجه ، لأن حُسن المرأة فى وجهها ، وبجمال الوجه يكون المقياس الأول الجمال للبشر. وبالتالى فإن التخلف السلفى بالنقاب ليس إلا مزايدة على شرع الرحمن ، وهذه المزايدة محرمة بقوله جل وعلا محذرا المؤمنين : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) الحجرات ). وجعل النقاب تشريعا يعنى الاتهام للشرع الالهى بالقصور . وبالتالى فهو جريمة تقع فى نطاق الكفر وتشريع ما أنزل الله جل وعلا به من سلطان ، ينطبق عليه قوله جل وعلا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى )، وهذا النقاب هو إتباع لخطوات الشيطان فى التقوّل على الله جل وعلا وشرعه بجعل هذا النقاب دينا ، وهذا التقول منهى عنه فى قوله جل وعلا للمؤمنين : ( وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169) البقرة ) ، وقد قال رب العزة فى المحرمات إجماليا : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33) الاعراف )، فجعل من الكبائر الإشراك بالله جل وعلا والتقول على الله جل وعلا وشرعه بلا علم . والنقاب تقول على رب العزة بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير .
إن التى ترتدى المايوه تكون عاصية ، مجرد عاصية ترتكب ( اللمم ) أى ترتكب ذنبا من السيئات ، ولكن التى ترتدى النقاب على أنه شرع الرحمن فهى مشركة بهذا الاعتقاد . لو إرتدته بدون هذا الاعتقاد فلا شىء عليها .