قبل أن نطلب إجابة هذا السؤال عن توقيت وكيفية تصالحنا مع العالم، لا بد أن نناقش أسباب خصام المسلمين مع العالم وصعوبة اندماجهم فى تلك الحداثة بمجتمعاتها وأفكارها وقيمها، ولماذا يتحول هذا الخصام من مجرد خصام فكرى وقطيعة معرفية وعزلة اجتماعية إلى عدوانية وإرهاب وكراهية وتربص وتفخيخ وانتحار وتدمير؟!، حاول علماء الاجتماع فى نهاية السبعينات مع بداية تنامى ظاهرة الإرهاب تحليل تلك الظاهرة ومعرفة أسبابها ودوافعها، عرضوا علينا كل بضاعة النظريات من كافة المدارس وكنا نحفظها عن ظهر قلب ونستريح نتيجة إلقاء عبء فهمها على تلك الأسباب التى للأسف لم تفسرها بل زادتها وزادتنا اضطراباً وتشويشاً، اتهموا الفقر وقالوا إنه المجرم الحقيقى والفاعل المستتر خلف كل العمليات الإرهابية، وعندما ظهر بن لادن ابن أغنى عائلة سعودية والذى تلقى تعليمه فى أرقى جامعات الغرب ومعه الظواهرى سليل الحسب والنسب الذى يمتد إلى «الظواهرى» شيخ الأزهر ومنارة الطب من ناحية الأب، و«عزام» أول أمين عام لجامعة الدول العربية من ناحية الأم، سقطت حتمية تلك التفاسير السهلة، ذهبوا ناحية مستوى التعليم فقالوا إنه الجهل صانع الإرهاب، واجهنا الظواهرى رافعاً شهادة دكتوراه الجراحة، وزعماء الإخوان من أساتذة الجامعة مهندسون وأطباء وصيادلة ومعهم الانتحارى محمد عطا الذى فجر برجى التجارة فى أحداث سبتمبر هو ومجموعته والذى كانت شهادته من هامبورج فى تخطيط المدن تقبع فى شنطة الهاندباج التى احترقت مع جثته!!، اتجه علماء الاجتماع إلى حل آخر لتفسير ظاهرة الإرهاب بالتفسير المكانى الجغرافى، من يعيش فى ثقافة البداوة لا بد أن تكون احتمالات تشربه للفكر الإرهابى واقتناعه واعتناقه له كبيرة، أما من سيعيش فى بلاد النور والتحضر والحداثة كفرنسا ويتعلم تعليمها وينخرط فى مجتمعاتها ومنتدياتها ومسارحها وأوبراتها.. إلخ حتماً لن يكون إرهابياً، وكأن القدر يلعب مع علماء الاجتماع لعبة توم وجيرى، إذا بفرنسيين مسلمين مولودين فى فرنسا ومن أصل عربى يفجرون ويطلقون الرشاشات على رسامين فى مجلة ساخرة ثم على رواد مسرح ومطعم وملعب كرة قدم، وهنا يثار تساؤل: لماذا لم تؤثر فيهم الثقافة الفرنسية العلمانية ومدارسها المتفتحة؟، لماذا لم يعودوا إلى مجتمعاتهم العربية المسلمة التى يجدون فيها اليوتوبيا والجنة الموعودة والإسلام الصحيح؟!، هذا هو الحل الأسهل بدلاً من القتل والتدمير والتفخيخ، المدهش أن كثيراً منهم فى فرنسا وغيرها من بلاد أوروبا وأمريكا مرتباتهم عالية وحياتهم رغدة، ومن يعانى منهم من بطالة يقبض معونة من الدولة التى يكفّرها!!، يرى أمريكى مسلم باكستانى كيف يتعامل الأمريكان مع المعوقين على سبيل المثال بمنتهى الرقة والإنسانية والاهتمام ثم عندما يقرر إطلاق النار يختار هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة!!، يهاجر أحدهم من شمال أفريقيا إلى بلجيكا والآخر من جحيم سوريا إلى اليونان معرَّضاً للغرق والموت فى قارب كسيح مشتاقاً للوصول إلى شاطئ أى مدينة أوروبية ليشكلا خلية إرهابية لتفجير أوروبا!!، تبنى أوروبا لهم المساجد من ضرائب أبنائها وتسمح للسعودية وغيرها ببناء مراكز إسلامية فخمة ممتدة بطول أوروبا وأمريكا وعرضها، لتصبح هذه المساجد والمراكز للأسف منصة إطلاق صواريخ التكفير على رؤوس مواطنى تلك البلاد التى تندهش وتتساءل: «عملنا فيهم إيه الناس دول عشان يعملوا معانا كده؟!»، بعد اليأس من كثرة التحليل ومطاردة الأسباب قال الباحثون فى علم الاجتماع وشئون الإسلام السياسى إنه الفن، من يتذوق الموسيقى لن يذهب إلى حيث أمير الجماعة ولن يحمل السكين ليذبح إنساناً، حتى ظهر لنا المطرب الجهادى فضل شاكر، والذى كنا نراهن على عذوبة صوته ورقى إحساسه!!، إذن أين المشكلة؟، ما السبب فى هذا الخصام وتلك القطيعة بين المسلم والحداثة؟، لماذا هذا الإحساس العدوانى تجاه الغرب؟، بالإضافة إلى تلك الأسباب من المؤكد أن الأساس والجذر هى أفكار قابعة فى بطون كتب المسلمين قد خلقت هذا الخصام وتلك العدوانية التى تفوقت على -وابتلعت فى جوفها- أى أفكار أخرى تحض على السلام والمحبة.