وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً

لطفية سعيد في الإثنين ٣٠ - نوفمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18الجن
ما أروع ان نبدأ بآية تقرر أن المساجد لله بالقصر والتوكيد ، ولذلك فالله سبحانه هو المستحق الوحيد للعبادة ،( فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً )  فكان لزاما  ألا تدعوا غير الله  ...  ونتساءل عن سر وجود الواو في الفعل ( يدعوا )، مع ان ( لا  )التي تنهي من وظائفها حذف الواو من آخر الفعل المعتل  ؟ ولكن الواو هنا للجماعة  ،   يعني النهي للجماعة المؤمنة التي يجب عليها البعد عن مداخل الشرك ، وخلوص العبادة لله الواحد سبحان ، وتكمل الآيات حديثها عن   الإكراه الذي تعرض له الرسول الكريم فقط،  لأنه يدعو ربه ولا يشرك بعبادته احدا ،فقامت   ضد التكتلات التي نفهمها  من :
 وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20الجن)
وبالرغم من أن الرسول محمد  كان يدعو ربه ولايشرك به أحد ،  لم يكرههم على الدخول للإسلام  بل قام وحده بالدعاء  ، وهذا نفهمه  من : ( قام عبد الله يَدْعُوهُ  )  والهاء في يدعوه تعود إلى لفظ الجلالة ( الله )وما كان من القوم  إلا تجمعوا عليه  ، (كادوا يقومون عليه لبدا ) وتعلمه الايات ما يقول   (قل إنما ) التي تفيد  القصر ،  فقط هو يدعو ربه ولا يشرك به أحدا  ، فما الداعي لكل ثورتهم هذه وتجمعهم ؟!! لكن المشركين  كارهون  للتوحيد  ،ولذا  كان السر في التجمع (لبدا )  إذن القضية هي فرض دين الإشراك فرضا  على الرسول ، ولذلك كانت آيات محذرة من التعاطي مع المشركين ، والوصول معهم لأي اتفاق لم  ؟ لأن الشرك ظلم عظيم ، وسنحاول في هذه الايات تحديد بعض ملامح المشركين   ،تأمل معي هذه الآية الكريمةالتي تبدأ بالفعل المنفي  : (ما كان ) وكما عرفنا من  مقالات الدكتور أحمد صبحي أن الفعل الماضي لا يختص بالماضي فقط  ، بل ينسحب على الحاضر والمستقبل في القرآن ، ليقرر حقيقة باقية بقاء الإنسان في الحياة :
 مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17التوبة)
تتناول الاية ، الإعمار الحقيقي الذي يرضاه الله سبحانه  وسنعود للحديث عنه  ونحدده من خلال الآيات الكريمة ،  وارتباطه بــــ ( مساجد ) جمع  بالإعمار الحقيقي ، أولا سنتحدث عن شهادتهم  على أنفسهم بالكفر ،  كيف ...  وهل هناك اعتراف اقوى من ان يشهد الإنسان على نفسه والاية تحمل إعجازا حيث ان طريقتهم في الإعمار تحدد هويتهم ،  فهم فقط  ليس في وسعهم إلا نوع محدد من الإعمار  وهو محكوم عليه مسبقا   (حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )  فهو مقضي عليه ولا قيمة له ومصيرهم النار  .. وحتى لا نطيل عليكم دعونا نقارن بين نوعي الإعمار         
..  الإعمار الحقيقي الذي يرضاه الله سبحانه  من يقوم به  ؟ من يتصف بالإيمان بالله  واليوم الاخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة  وعمليا  يترجم ذلك كله ( إذ أنه لم يخش إلا الله ) فهؤلاء وحدهم من يعمروا  مساجد الله بما امتازوا به من أوصاف ثابتة باقية:  
 إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ(18التوبة)
وتبدا الايات بــ (إنما) التي تدل على التوكيد وتخصيص الحكم ،  فقط من يعمر مساجد الله ،  من اتصف بالإيمان بالله : وهو المؤمن الذي دخل الإيمان إلى قلبه( ليس مؤمنا سلوكيا فقط ،بل وعقيديا أيضا  ) ، وبالتالي هو يؤمن إيمانا صادقا باليوم الآخر،  ويعمل لذلك اليوم ما وسعه من أعمال .. و الارتباط هنا كما اعتدنا  بين الصلاة والزكاة ، فكل ما يقوم به المؤمن  من الصلات والطاعات التي  تربطه بالخالق  (الصلاة  ) لابد أن تتسم بالطهارة والتزكية (الزكاة )  وهي صلات دائمة قوية وثابتة على مدار  اليوم  بالكيفية التي يرضاها سبحانه .. خالصة لوجهه ، خالية من المظهرية من الرياء   وجاء التأكيد قويا في الآية  بالنفي في (لم ) والاستثناء في إلا  (وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ )  و فريق الإعمار هذا يختلف كليا عن فريق الإعمار الثاني (المشركين )  الذي يتصف بعكس ذلك تماما..
 إذ ان إعمار المشركين  يتمثل في شيئين فقط  : سقاية الحج  ، وعمارة المسجد الحرام  ، وعمارة مسجد واحد فقط  (ليس مساجد الله كما سبق في الإعمار الحقيقي   المتمثل في الإيمان بالله واليوم الآخر  وقد  استجدت صفة  هي الجهاد ، الذي هو نتيجة عملية أيضا ومساوية تماما لــ  (لم يخش إلا الله) في الآية السابقة  اقرا معي :
 أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19التوبة 
إذن هناك فرق كبير بين نوعي الإعمار ،  إعمارحقيقي لمساجد الله من قبل المؤمنين  ، وإعمار وهمي مزيف مظهري من المشركين
وسنحاول في الايات التالية  تحديد بعض ملامح المشركين   ،تأمل  هذه الآية الكريمة التي تقوم  بتشريح داخلي لنفسية هؤلاء المشركين  فتؤكد الايات أنههم أشد حرصا على (حياة )بتنكير كلمة حياة، بالتعميم  ، ( حياة )... ولكن هل طول العمر ينقذهم من العذاب ؟   لا ، حيث أننا لو افترضنا جدلا أنهم سيعيشون ألف سنة ، لن تزحزحهم من العذاب تلك السنوات التي عمروها  ،فليس لإعمارهم هذا أي وزن  :   
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)البقرة
 وما زلنا مع بعض صفات المشركين ..(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)البقرة
 هل يحب المشركون الخير للمؤمنين ؟  لا ،  بل لا يودون أن ينزل جزء من خير  خير مهما كان صغيرا ، هذا مع العلم  أن مفاتيح الرحمة  بيد الله  ، وهو سبحانه  يختص  من يشاء برحمته..
لم كان هذا المنع للنكاح من المشركين ، حتى ولو اعجبكم حسنهم  ؟  
وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)البقرة
ومن الطبيعي أن  من يتصف بهذه الصفات ،لا يكون أهلا ليكون شريك للحياة ،مع أن القرآن يعطي الحرية للنكاح فما سبب التحريم لأنهم يدعون إلى النار   فمسوغات التعيين لديهم تؤلهم وبجدارة لنيل هذه المكانة :(أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ )  ، لا يودون  ولا يتمنون   نزول أي خير فهذا يذكرنا بـ ( مناع للخير معتد أثيم ) ، و لكن الله سبحانه يدعو للجنة والمغفرة  بإذنه  ولأنهم كارهون لدين الحق ليسووا مسالمين كما رأينا في (حَتَّى يُؤْمِنُوا ) بنص الآية وهذا هو سبب مهم للتحريم من وجهة نظري وأيضا في سورة الصف حيث تبين الايات ذلك الكره :   
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) الصف 
 ولأن الشرك مذموم في كل كتاب فقد كان من السنة القولية (قل )  للرسول عندما كان يناقش أهل الكتاب  :   
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64آل عمران)
بل جاءالنهي عن الإشراك  في مقدمة ما يتم على أساسه مبايعة المؤمنات للنبي كصفة أولى في سورة  الممتحنة :
) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)الممتحنة
ولانها صفة مذمومة فقد تم نفيها عن إبراهيم عليه السلام
) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (67آل عمران
ودائما صدق الله العظيم 
اجمالي القراءات 17302