1 ـ تأتى ( بفتح الجيم ) و ( بضم الجيم ) بمعنى القريب . يقول جل وعلا فى سورة النساء - الآية 36: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِالْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ). هنا الأمر بعبادة الله جل وعلا وحده ، والنهى عن إتّخاذ شريك معه ، والأمر بالاحسان للوالدين وذوى القربى واليتامى والمساكين والجيران من الأقارب والأصجاب وابن السبيل والرقيق ملك اليمين . ( والاسترقاق لم ينته من هذا العالم ، فلا يزال موجودا رسميا فى بعض الدول (موريتانيا )، وبصورة عُرفية ( الكفيل فى بعض بلاد الخليج، وإستغلال الأطفال والنساء فى بعض دول آسيا وأمريكا اللاتينية ) وبصورة غير رسمية وإجرامية فى العالم كله كالرقيق الأبيض ).
وفى كل هذا لا يُشترط أن يكون الوالدان والأقارب واليتامى والمساكين والجيران والأصحاب وابناء السبيل ـ من المسلمين القائلين لا إله إلا الله . هم مستحقون للإحسان بصفتهم المنصوص عليها . مثلا : الاحسان الى الجيران بوصفهم جيرانا ، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من الملحدين ، والاحسان الى اليتيم غنيا كان أو فقيرا ، قريبا أو بعيدا ، والاحسان الى المسكين لكونه مسكينا ، والاحسان لابن السبيل أى الغريب ( أو السائح ) بغض النظر عن ملته وإعتقاده ولونه وجنسه .
مصطلح ( الجنب ) هنا جاء بفتح الجيم وضمها ليشمل كل أنواع الجيران من الأقارب بالنسب والمصاهرة والجار القريب فى السكن ، والصاحب الجنب أى القريب من صاحبه.
2 ــ وقريب من هذا المعنى ( جنب الانسان ) ، أى هذا الجزء من جسده ، يقول جل وعلا فى سورة يونس – الآية 12 : ( وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ).
تخيل نفسك فى حالة مرض جسدى أو نفسى مرتاعا ، تتقلب على ( الجنبين ) وتقوم وتجلس وتدور فى الغرفة ، وتضجُّ بالدعاء لربك جل وعلا أن يكشف عنك الكرب أو المرض أو المحنة . ثم إذا كشفها عنك عُدت الى عصيانك وجحودك. كلنا يقع فى هذا . كلمة ( لجنبه ) تصوير حركى للإنسان وهو يتقلب على جنبيه عند القلق والكرب يبحث عن راحة لا يجدها.
3 ـ وبمعنى القرب من الرحمن بالطاعة ، يقول جل وعلا فى سورة الزمر – الآية 56 : ( أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ). الله جل وعلا ( قريب ) من عباده ، وإذا سأله عباده ودعوه فهو قريب منهم يجيب دعوة الداعى إذا دعاه: ( البقرة 186 ) فهو جل وعلا الذى يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف عنه السوء (النمل 62 ) . العاصى الذى يموت بلا توبة سيندم يوم القيامة حيث لا ينفع الندم . ولهذا يحذّر رب العزة مقدما العصاة فى الاية 56 من سورة الزمر . وفى الآيات قبلها يفتح لهم باب التوبة وألا يقنطوا من رحمة الله جل وعلا الذى يغفر الذنوب جميعا لمن يتوب توبة صادقة فى حياته ، وأن يُنيب ويرجع الى ربه يُسلم له جل وعلا طاعة له قبل أن يأتيه العذاب وقبل أن يتحسر يوم القيامة على أنه فرّط وعصى ولم يقترب بقلبه وطاعته من ربه جل وعلا (الزمر 53 ـ ) ، وهو الذى ستكون رحمته جل وعلا يوم القيامة قريبة من المحسنين : ( الاعراف 56 ).
4 ـ الاجتناب من مشتقات كلمة ( جنب ) ويفيد بالعكس ـ اى الابتعاد . تأتى كلمة الاجتناب ، مشتقة من ( جنب ) ، يقول جل وعلا فى سورة ابراهيم – الآية 35 : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ )، ومصطلح ( الاجتناب ) أو الأمر بالاجتناب يعنى عدم الاقتراب . وبهذا جاءت الأوامر والنواهى بعد الاقتراب من الزنا وبإجتناب الفواحش والخمر والميسر والأنصاب ( القبور المقدسة ) والأزلام ( الزعم بعلم الغيب ) وإجتناب الرجس من الأوثان وقول الزور من الأحاديث المفتراة وخرافات الأديان الأرضية .
وفى نفس المعنى يقول جل وعلا فى سورة الأعلى – الآية 11 : ( وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ).
5 ـ وقريب من هذا المعنى ( الاجتناب ) أن تأتى كلمة ( جُنُب ) بمعنى ( الجنابة ) أى المعاشرة الجنسية ( مُلامسة النساء ) ونزول المنى من الرجل ، والعادة أن يكون هذا بعيدا عن الناس ، وفى خلوة ، أى ( مجتنبا للناس) . يقول جل وعلا فى سورة النساء - الآية 43 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا )، ويقول جل وعلا فى سورة المائدة – الآية6 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).
وهذا يعنى أن الطهارة الجُزئية للصلاة (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) يقطعها البول والغائط . وأن الجنابة تستلزم الطهارة الكاملة ( الغُسل )( حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ). وقبل الصلاة فلا بد من إعادة الطهارة الجزئية بعد البول والغائط ، ولا بد من الغُسل بعد الجنابة . وفى حالات المرض والسفر وعدم وجود الماء فيمكن التطهر بأى شىء طاهر نظيف ، ليس التراب ، بل (صَعِيدًا طَيِّبًا ) . والصعيد أى ( المرتفع ) الذى يعلو ويرتفع عن الأرض وترابها مثل المنديل والملابس النظيفة .
6 ــ وبضم الجيم أيضا ( جُنُب ) بمعنى القريب والبعيد معا، يقول جل وعلا فى سورة القصص – الآية 11: ( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )، أى أن أم موسى بعد أن أوحى الله جل وعلا اليها أن تلقى برضيعها موسى الى نهر النيل ـ أمرت إبنتها أخت الرضيع موسى أن تتابعه وتقتصٌّ أثره ، فأخذت تتبع التابوت الذى فيه موسى عن قُرب ، ولكن دون أن يشعر بها أحد من قوم موسى. فهنا ( قُرب ) و ( إجتناب ) ايضا ، يمكن أن نتخيله فى أى شخص يتتبع شخصا خلسة .