مقدمة : من الحياة
1 ـ لا أقول ( اللغة العربية كائن حىّ متغير ) لأن كلمة ( لغة ) من ( اللغو ). أقول ( اللسان العربى كائن حىّ متغير ) . ولأن القرآن الكريم نزل بلسان عربى مبين ، فله مصطلحاته التى تختلف عن التطورات المتتابعة للألسنة العربية تبعا للزمان والمكان . ولا يزال ( اللسان العربى الفصيح ) مستعملا ، أو ما يسمى ب ( اللغة العربية الفصحى )، وبجانبها لهجات تختلف أيضا حسب الزمان والمكان . وسبحان الله.! لا نستطيع فهم لهجات بعضنا البعض ، ولكن نستطيع فهم القرآن الكريم بلسانه العربى الذى نزل من 14 قرنا ، وكان ولا يزال آية فى اليُسر والعُمق معا .
2 ـ الاختلافات فى اللهجات العربية كثيرة حتى فى البلد الواحد . والاختلافات بينها وبين اللسان القرآنى كثيرة أيضا ، وأيضا بينها وبين اللسان العربى الفصيح ، أو كما يقولون ( اللغة العربية الفصحى ).
3 ـ فى موضوعنا عن مصطلح ( أحسن ) نعرض لبعض إستعمالاته الخاصة فى اللهجة المصرية : فيقال :
( أحسن ) بمعنى ( عشان ، لأجل ، أو بسبب )، ومنه أغنية شادية : قولوا لعين الشمس ما تحماش ( أحسن ) حبيب القلب صابح ماشى
و ( أحسن ) بمعنى تستحق : مثل النكتة المصرية عن صعيدى وقع على الأرض فانكسرت رجله فقال :( أحسن ).
( أحسن ) بمعنى : ( وإلا ) كقول الأب المصرى لابنه : أسكت أحسن اضربك . هذا عدا الاستعمالات الشائعة لكلمة ( أحسن ) .
4 ــ فماذا عن كلمة ( أحسن ) فى السياق القرآنى ؟ لها إستعمالان : أحسن فى المفاضلة ، وأحسن من الاحسان فى العمل .
أولا : ( أحسن ) فى المفاضلة :
يوجد فى اللسان الانجليزى :( حسن ، أحسن من ، والأحسن )( Good, better than, the best)، لا توجد هذه الدرجات الثلاث فى اللسان العربى . فيه فقط ( حسن و أحسن ) . وفى اللسان القرآنى تداخلات فى إستعمالات كلمة أحسن ، يمكن فهمها حسب السياق . ونعرض لها :
1 ــ ( أحسن من) : فى المفاضلة أو المقارنة بين شيئين :
1 / 1 : كقوله جل وعلا : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) (86) النساء ). المقارنة أو المفاضلة هنا بين التحية والرد عليها بأحسن منها .
الدين السلفى المتعصّب يحرّم رد التحية على المسيحى ويحرم رد التحية على من لا يلتزم بلفظ ( السلام عليكم ) أى لا ترد التحية على من قال لك : بنجور ( مثلا ). أما التشريع الاسلامى فيقول : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) يعنى، أنّ أى تحية بأى لسان ومن اى شخص وحتى بالاشارة ( Gesture ) يجب أن ترد عليها بمثلها أو بأحسن منها .
1 / 2 : وكقوله جل وعلا : ( قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِئْياً (74) مريم )، فالكافرون يعتقدون انهم الأحسن من المؤمنين ، والله جل وعلا أهلك كافرين قبلهم، وكانوا أحسن منهم مظهرا . 1 / 3 : ومنه قوله جل وعلا فى تفضيل أهل الجنة : كقوله جل وعلا : ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (24) الفرقان ).
1 / 4 : وفى ضوء قوله جل وعلا : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا )(160) الانعام ) نفهم أن أجر أصحاب الجنة هو ( أحسن ) مما قدموه من عمل وأفضل مما كانوا يعملون. يقول جل وعلا:( لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) التوبة )( لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ) (38) النور ) ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) العنكبوت ) (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)الزمر)، ( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)النحل )
2 ــ أحسن ( الأفضل على الاطلاق ): أى بالمعنى الانجليزى ( The Best)
وهذا فيما يخص رب العزة جل وعلا ودينه وحكمه وكتابه الكريم وما يتعلق به.
2 / 1 : يقول جل وعلا عن دينه :( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً) (125) النساء )
2 / 2 : وعن حكمه : ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) المائدة )
2 / 3 : وعن كتابه : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ) (154) الانعام ) ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ )(3) يوسف ).( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) الفرقان ) ( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ )(23) الزمر ) (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً ) (138) البقرة ).
2 / 4 : والله جل وعلا هو وحده ( الفاطر ) أى الذى خلق من لاشىء ، وبلا مثال سابق ، والذى خلق من العدم . ولذا فإن صفة الفاطر لا تكون إلا لرب العزة جل وعلا فهو وحده فاطر السماوات والأرض . ويستطيع الانسان فى ضوء أن الله جل وعلا سخّر له المواد أن يخلق منها ما يستطيع . أى يمكن وصف المخلوق البشرى بأنه خالق . ولكن يوصف رب العزة بأنه جل وعلا (أحسن الخالقين ) .
فى جبل لبنان قديما كان الفينيقيون يعبدون وثنا إسموه ( بعل ) ، وهناك مدينة ( بعلبك ) اللبنانية ، وهناك ( هانيبال ) القائد القرطاجنى الذى تحارب مع الرومان . وإسمه بالفينيقية ( حانى بعل ) . وأرسل الله جل وعلا النبى الياس عليه السلام الى من يعبدون ذلك ( البعل )( بالعين وليس بالغين ) يدعوهم الى ( لا إله ألا الله ) ويقول لهم : ( أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125) الصافات ). دعاهم الى عبادة الله جل وعلا أحسن الخالقين . ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون ).
3 ــ أحسن ( الأفضل النسبى فيما يخصُّ البشر فى التطبيق ):
3 / 1 : الاختبار الحقيقى هو فى تنفيذ الشرع . وقد يكون الأمر الالهى مطلقا ولكن تنفيذه لا يتم فى فراغ بل فى ظروف الزمان والمكان و الانسان . هنا تكون النسبية ليس فيما يخص الأمر الالهى ولكن فى تطبيقه . ومثلا يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء ) ، الردُّ الى الله ورسوله أى الى الرسالة أى القرآن الكريم ، وذلك هو الأحسن عموما ، وهو أمر نسبى فى التطبيق بالنسبة للبشر ، لذا جاء قوله جل وعلا : ( إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر )، والايمان بالله جل وعلا وباليوم الآخر يزيد وينقص ، وهو عامل متغير وليس ثابتا ، وهكذا تكون نسبية التطبيق . ومثله قوله جل وعلا : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35) الاسراء ).ومثله قوله جل وعلا : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(152) الانعام )( 34 الاسراء ).
3 / 2 : وعلى أساس نسبية التطبيق ودرجة الطاعة ومقدار الايمان سينقسم أصحاب الجنة الى فئتين : السابقون المقربون وأصحاب اليمين كما جاء فى أوائل سورة الواقعة. وبالتالى يكون المقربون أحسن عملا من أصحاب اليمين بينما يكون أصحاب اليمين أحسن عملا من أصحاب النار. ومن هنا نفهم قوله جل وعلا:( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )(7)هود )( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)الكهف )( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2) الملك)، ففى الاختبار ستظهر نتيجة الأحسن عملا .
3 / 3 : ويأتى الأمر الالهى بالأحسن ، حتى تكون نتيجة التطبيق أحسن بقدر الامكان ، بأن يتحسّن الضال فيكون من أهل اليمين ، ويتحسن المقتصد المتوسط من أهل اليمين ليكون من السابقين . وبهذا نفهم الحكمة فى أن يأمر رب العزة بأن نتبع ( أحسن ) ما جاء فى كتابه ، كقوله جل وعلا عن التوراة : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ) (145)الاعراف)، وعن القرآن :(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ )(18)( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) (55) الزمر ).
3 / 4 : وهنا تكمن الروعة فى سمو الجانب الخلقى فى الاسلام ، فمثلا فى مجال الدعوة يجب أن يكون الداعية متخلقا بأسلوبها وهو : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(125) النحل)، وفى التعامل مع أهل الكتاب يكون الجدال بالتى هى ( أحسن ) يقول جل وعلا : ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ )(46)العنكبوت ). أما الذين ظلموا منهم فالواجب هو الاعراض عنهم وعدم الجدال معهم . وفى عموم الأحوال يجب أن يقول المؤمن أحسن الكلام : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (53) الاسراء ).
3 / 5 : والسمو الخلقى فى التشريع الاسلامى يتضح أيضا فى ردّ الفعل ، حين يتعرض المؤمن للظلم ، ويقع عليه أذى . هنا يكون الاحسان درجة فوق العدل . العدل هو القصاص ، أما الاحسان فيعنى العفو عن الجانى عند المقدرة عليه . يقول جل وعلا (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)(40) الشورى). يعنى من ضربنى ضربة فمن العدل أن أرد الضربة بمثلها ، ولكن الاحسان أن أعفو وأصلح ليكون أجرى على الله جل وعلا . وفى داخل هذا الاحسان ( الحسن ) درجة ( أحسن ) بمعنى أن الذى ضربنى ضربه أرد عليه بالعفو وإعطائه مالا ـ مثلا ـ وهنا يكون الدفع أو الرد ليس بالحسن ولكن بالتى هى أحسن ، يقول جل وعلا : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) (96) المؤمنون).
والذى يصل الى هذه الروعة من الخلق السامى إنما يخاطب الجانب الطيب فى نفس خصمه ، ففى داخل كل إنسان عوامل الخير وعوامل الشّر ، ولو قابلت أذاه بأسمى درجات العفو سيخجل من نفسه ويصحو ضميره ، ويتصرف ( كأنه ) صديق حميم . وما أروع قوله جل وعلا فى أسلوب الدعوة الاسلامية عن ( الأحسن قولا ) : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)) ( فصلت ). ومقابل هذه الروعة السامية تجد التناقض فى الدعوة السلفية الوهابية التى تحكم بإستحلال دماء الخصوم .
ثانيا : أحسن ( من الاحسان فى العمل ):
1 ـ منه أن الله جل وعلا ( أحسن ) كل شىء خلقه ، يقول جل وعلا (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ )(7) السجدة )، ومنه قوله جل وعلا :( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ) (64) غافر)( )(3) التغابن )( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين ).
2 ـ ومنه إحسان البشر بالعمل تنفيذا لقوله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)(النحل 90 ).
3 ــ ويتداخل الاحسان فى العمل بعمل ( الأحسن ) فيما قلناه سابقا . وتتوالى الأوامر بالاحسان فى العمل ، ومنها قوله جل وعلا فى الأمر بالانفاق فى سبيله : (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)البقرة ) ( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ )(77) القصص ).
4 ـ والله جل وعلا أعدّ أجرا عظيما لمن ( أحسن ) فى الدنيا ، يقول جل وعلا : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) آل عمران ). ويتكرر قوله أنه جل وعلا ( يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)البقرة) (93) المائدة ) وأنه : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) (26) يونس )، وأن من ( احسن فى عمله ) سيلقى الجزاء الحسن هو فى الدنيا والآخرة ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) النحل ) ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ )(10) الزمر)لأن الله جل وعلا لا يضيع اجر من أحسن عملا : ( إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) الكهف ).
وبالتالى فمن أحسن فقد أحسن لنفسه : ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ ) (7) الاسراء). ويوسف عليه السلام ( أحسن ) السلوك حين رفض غواية إمرأة العزيز ، وقال : ( مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ) (23) يوسف )، وكانت النتيجة أن مكّن الله جل وعلا له فى أرض مصر ، و( أحسن اليه ) ورفعه ، وإعترف يوسف بهذا فقال لأبيه بعد أن إستقبله فى مصر : ( وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) (100) يوسف ).