(وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) بالوعظ بالقرآن الكريم

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٩ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

(وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) بالوعظ بالقرآن الكريم

فى مقالنا السابق : ( واغلظ عليهم ) قلنا  إن  الوعظ القرآنى  لمن يكره القرآن يكون  (جهادا كبيرا ) كما يكون ( غلظة عليهم ) ،و أن قوله جل وعلا : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (73) التوبة  ) يفسره قوله جل وعلا : (  فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) الفرقان) .  

والسؤال الآن : كيف يكون الوعظ بالقرآن الكريم غليظا ؟  :  

أولا : سمات الكراهية للقرآن لدى الكافرين الظاهرين والمنافقين المخادعين

1 ـ قلنا إن الوعظ للمؤمن بالقرآن فيه شفاء ورحمة . أما وعظ  بالقرآن للمنافق الكافر فهو أمر غليظ على قلبه الكاره للقرآن ، فالقرآن فرقان يفضح ما فى القلب الكافر حين يسمعه يُتلى عليه . يقول جل وعلا : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) فصلت ). المؤمن يزداد بالقرآن إيمانا ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال ) أما الكافر فيزداد بالقرآن طغيانا وكفرا (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ) المائدة 64 ، 68  ). عن الفارق بين المؤمن والكافرالمنافق يقول جل وعلا : ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة ).

2 ـ  ولكن يظل هناك فرق بين الكافر الذى يتمتع بالسلطة والمنافق الذى يتلون ، يزعم الايمان وقلبه مُتخم بالكفر . كفار قريش كانوا يبطشون بالمؤمنين المستضعفين ، الى درجة ان رب العزة حذر أولئك الكفار الظالمين بأنه أهلك من كان قبلهم وكانوا أكثر منهم بطشا : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) ق )

لذا ننتظر من أولئك الكفار المجرمين رد فعل أقوى من المنافقين ، مثل أن يكونوا على وشك البطش بمن يتلو عليهم القرآن ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا )(72)الحج ). وأن يرفعوا عقيرتهم بالانكار والكفر وسبّ القرآن ، والدعاء لله جل وعلا أن يهلكهم إذا كان القرآن من عند الله ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (31) وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) الانفال ).

يختلف الحال مع المنافقين المتلونين ، يقول جل وعلا عنهم فى سورة ( محمد ) : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) ) أى كانوا يستمعون القرآن عند النبى وفى حضرته يكتمون غيظهم ، فإذا خرجوا من عنده قالوا ساخرين : ماذا قال آنفا ؟ . ويقول جل وعلا عنهم : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) )  يعنى سيماء الكراهية تعلو وجوههم وتظهر على ألسنتهم مهما حاولوا التظاهر بالايمان .  

3 ـ إصلاحهم هو بالتهديد بعذاب غليظ ينتظرهم إذا ظلوا على كفرهم وماتوا به .

 

ثانيا : ( عذاب غليظ ) : الإغلاظ عليهم هو بوعظهم بالعذاب ( الغليظ ) الذى ينتظرهم لو ماتوا على كفرهم

1 ـ يتكرر وصف عذاب الآخرة بأنه عذاب ( أليم ) ، ليس مؤلما على وزن ( مُفعل ) وليس ( آلم ) على وزن فاعل ، بل ( عذاب أليم ) على وزن ( فعيل ) وهو صيغة مبالغة ، مثل ( الرحيم ) و ( العزيز ) و ( الحميد ) . وإستعمال صيغة المبالغة ( أليم ) فى وصف العذاب يعنى أنه فى التعبير التراثى ( اسلوب الترهيب ) أو فيما يخص موضوعنا هو ( إغلاظ ) لهم فى الدعوة . وبالتالى فإن قوله جل وعلا (  ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (73) التوبة ) يعنى وعظهم بآيات العذاب  فى القرآن الكريم ، وهذا أيضا هو معنى جهادهم بالقرآن الكريم جهادا كبيرا : (  فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52) الفرقان).

2 ـ يؤكد هذا وصف عذاب الآخرة بأنه (غليظ ) ، وهو وصف جاء ايضا بصيغة المبالغة ( فعيل ) مثل ( أليم ) ،يقول جل وعلا يصف عذاب الآخرة ( عموما ) لكل الكافرين ( عموما ) : ( فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) فصلت )

3 ـ  يقول جل وعلا فى تفصيل ملمح من ملامح هذا العذاب ( مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17) ابراهيم ) أى يشرب من الصديد الذى يتفجّر من قروحه وجروحه ، يشربه رغم أنفه ، يتجرعه مُكرها ، وهذه الجروع لا تلتئم ولا تنتهى بموت يُريحه من العذاب ، ومن ورائه جهنم ومن ورائه ( عذاب غليظ ). أى خلود فى هذا العذاب . هذا العذاب الجسدى يتحد معه عذاب نفسى حين يتذكر وهو فى النار أعمالا صالحة له فى الدنيا أحبطها الله جل وعلا وأضاع ثمرتها ، فأصبحت لا تغنى عنه شيئا وهو فى العذاب الغليظ ، يقول جل وعلا فى الاية التالية : ( مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) ابراهيم ). الوعظ بهذا الضلال البعيد وذلك العذاب الغليظ  هو أسلوب : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ  ) .

ثالثا : العذاب الغليظ ينتظر ( السلفيين ) فى كل عصر، أو كل من يتبع ( السلف ) وما وجدوا عليه آباءهم :

1 ـ  تكفى تلك الحسرة الخالدة فى الجحيم حين يرى الكافر أعماله حسرات عليه وما هو بخارج من النار : (كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ (167) البقرة   ) . وهذه الآية الكريمة جاءت فى سياق الكافرين الذين يتبعون دين أسلافهم وما وجدوا وما ألفوا عليه آباءهم ، يقول جل وعلا  بعدها : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة ).

2 ـ وفى نفس السياق عن إتّباع الثوابت وما وجدنا عليه آباءنا يقول جل وعلا فى سورة لقمان : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)) والآية التالية تذكر النقيض وهو الاسلام :  (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (22)) والآية التالية تتحدث عن مصير الكافرين عُبّاد ما وجدوا عليه آباءهم ( وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)) ثم تأتى الآية التالية لتذكر عذابهم ( الغليظ ) يقول جل وعلا : ( نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24) لقمان ). اى هو متاع دنيوى زائل وموقت ، ثم يذهبون رغم أنوفهم الى عذاب أبدى خالد ( غليظ ).

3 ـ وسبق الحديث عن نوع من شراب أهل النار ، وهو الصديد ، نوعا من العذاب الغليظ . ويقول جل وعلا عن طعام أهل النار من شجرة الزقوم : ( أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ (68)الصافات ) بعدها يصف السمة العامة لأهل النار : ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) الصافات )، أى كانوا يعبدون ما وجدوا عليه آباءهم .

4 ـ وبهذا فإنه ينطبق على المحمديين فى عصرنا ما قاله رب العزة جل وعلا فى وعظ الكافرين والمنافقين بالعذاب الغليظ  أو الاغلاظ عليهم بآيات ( الترهيب )، عسى أن يتوبوا .

رابعا : ملامح أخرى من العذاب الغليظ  بدون ذكر الوصف ( غليظ )

1 ـ يقول جل وعلا  عن مصير من يكذب بآياته : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً (56) النساء ). تنضج جلودهم فتتبدل لأن العذاب خالد .

2 ـ يقول جل وعلا عن ثيابهم النارية وإستحمامهم بنار الحميم الذى يصهر جلودهم وبطونهم ثم يحاولون الفرار فلا يستطيعون :  ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج ).

3 ـ يقول جل وعلا عن الحرية المطلقة فى الايمان أو الكفر ومقابل ذلك عذاب غليظ لمن يختار الكفر : ( وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) الكهف ). النار هنا محيطة بهم ، ويستغيثون فيأتيهم الغوث سائل الحميم يشربونه فيشوى وجوههم .

4 ـ يقول جل وعلا عن نوعية صراخهم بأنه ( إصطراخ ) نوع من الصراخ لا مثيل له فى عذاب خالد لا موت فيه ولا تخفيف ولا خروج :  ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) فاطر )

5 ـ يقول جل وعلا أيضا عن طعامهم من شجرة الزقوم التى هى مثل اللافا أى الجمرات الملتهبة التى تغلى فى البطون ، ثم يكون ماء الحميم الملتهب شرابا وإستحماما : ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان ).  ( ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56) الواقعة ).

6 ـ يقول جل وعلا عن لباسهم ووجوههم وهى فى النار وهم مقيدون فى الأغلال : ( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) ابراهيم )، وعن تقلب وجوههم فى النار  ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) الاحزاب ) ، وعن سحبهم على وجوههم فى النار : ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (47) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48) القمر) ، وتنهال عليهم النار على وجوههم وقبل دفعها عن وجوههم تتساقط على ظهورهم ويظلون هكذا يحاولون ــ دون فائدة ـ دفع النار المتساقطة عليهم من أمام ومن خلف : ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40) الانبياء )

7 ـ ويقول جل وعلا أيضا عن شرابهم من الحميم ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) يونس )، وهو حميم يقطع أمعاءهم : ( وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15) محمد )، وعن طوافهم بين خزانات الحميم تنهمر عليهم وأصل النار تندلع فى أجسادهم : ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44) الرحمن ).

أخيرا :

1 ـ فى عصرنا الكئيب هذا ، فإن الذى يكذّب بالقرآن فى قلبه إذا قرأ هذه الآيات ـ ومثلها مئات الآيات ـ شعر بمدى (الغلظة ) فى الدعوة . وهذا معنى الجهاد بالقرآن جهادا كبيرا ، والاغلاظ على الكافرين والمنافقين . والهدف هو الاصلاح للنجاة من هذا العذاب الغليظ .

2 ــ أى إن فى هذه الغلظة ( رحمة ) . ولهذا ارسل الله جل وعلا رسوله الكريم بالقرآن الكريم رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء  ). الرحمة معروضة ومُتاحة لمن أراد النجاة من عذاب غليظ .

3 ـ وقال جل وعلا : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)  يونس )

 ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 9423