في ظلال حكم العسكر
يدور الجدل والنقاش في مصر الآن حول قضية عسكرة الحياة المدنية، بتولي عسكريين سابقين لمواقع القيادة الرئيسية بالبلاد. يتشيع البعض لحكم العسكر، فيما يعتبره بعض آخر طريقاً نحو الديكتاتورية، التي لابد وأن تقود إلى الفشل.
لا نتحدث هنا عن حالة قيام المؤسسة العسكرية بحكم البلاد، وهو ما قد يصح لتقييم الحالة المصرية الآن، أو على الأقل القول بأننا في الطريق إلى ذلك. لكننا نتحدث عن تولي أفراد من ذوي الخلفية العسكرية للمناصب المدنية في مؤسسات الدولة. الحقيقة أن العسكريين السابقين يتفوقون على القادة المدنيين المصريين (وليس على المدنيين بصورة مطلقة) بقدرتهم على الحسم واتخاذ القرارات، وقيادتهم الصارمة وضبطهم للعاملين تحت إدارتهم. فهي ظاهرة صارت معلومة للكافة، أن القادة في جميع مواقع المسئولية بكافة مستوياتها في سائر المؤسسات، يفتقدون للروح وللشخصية القادرة على اتخاذ القرارات، ويلجأون للتهرب منها، عن طريق اللوائح والقوانين العتيقة غير الصالحة، منتقين منها ما يحقق لهم "جانب الأمان safe side"، حتى لو أدى ذلك إلى شلل المؤسسة وفشلها في أداء دورها. وقد تفاقمت هذه الحالة بصورة فادحة بعد ثورة 25 يناير 2011، لما حدث من محاكمات للوزراء، وصدور أحكام قضائية بإلغاء تعاقدات سابقة للدولة مع جهات استثمارية داخلية وخارجية. بحيث وصل الأمر إلى أن يقوم عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية لتجشيع المسؤولين على اتخاذ قرارات جريئة، بالقول أنه مادام هناك من يموتون من أجل مصر مكافحة للإرهاب، فلابأس أن تسجن من أجل مصر إذا ما اتخذت قرارات هي في صالح البلاد!!
في المقابل نجد قصوراً خطيراً في منهج القائد عسكري الخلفية، مقارنة بالمدني المؤهل تأهيلاً جيداً، من حيث آلية اتخاذ القرار، التي لا تستند في الحياة المدنية إلى ما يقرره الرئيس الأعلى كما في العسكرية، وإنما بناء على دراسات عميقة متشعبة، قد تدخل فيها السياسة مع الاقتصاد مع علم الاجتماع وغيرهاـ وهي الأمور التي غالباً ما لا يكون لدى القائد العسكري دراية بها أو اعتباراً لها. فخبرات ومؤهلات العسكريين السابقين تنحصر في مجال محدد هو المجال العسكري، ومن الظلم لهم قبل ظلم المؤسسات التي يوضعون في مراكز قيادتها، أن نلقي بهم فيما لا علم ولا دراية لهم به.
في وضع مصر الحالي تظل القضية متأرجحة، بين الفشل المؤكد للقائد المدني غير الصلب والحاسم والقادر على اتخاذ القرارات الصعبة، وبين منهج السمع والطاعة العسكري، الذي سوف يصطدم بقضايا وحقائق الحياة المدنية، فيكون مصيره أيضاً الفشل الذريع، وهو ما تثبته خبراتنا الطويلة مع حكم العسكر.
فلنتوقف إذن عن الاستقطاب الحاد الحادث الآن، بين من يهللون لحكم العسكر، وبين من ينددون به ويعتبرونه وصمة. فالأمر ليس أمر شعارات وهتافات يرددها هذا الطرف أو ذاك، وإنما تحتاج تلك القضية المصيرية الراهنة إلى تدبر متأن وموضوعي، بمنأى عن الانحيازات المهنية أو السياسية، وإلى عدم إصدار أحكام عامة قاطعة. ربما الأفضل تدبر كل حالة منفصلة عن الأخري، وفق طبيعة المنصب، وشخصية المدني أو العسكري المرشح له.
Kamal Ghobrial