القرءآن يتكلم ... فهل من آذان صاغية أم هى لاهية ( 8
صلاةِ الجمُعة ما لها وما عليها
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " الجمعة 9
هذه الآية الكريمة من سورة الجمعة هي الأصل في فرض صلاة الجمعة وفي أهمِّ تفصيلاتها . وينبغي التوقف هنا على النص/كلماتِ الله لنلاحظ أن صلاة الجمعة يُقصد بها اجتماع الناس ( يوم الجمعة من كل أسبوع) لسماع ءايات من ذكر الله تعالج مسأ لة عامة مُحدَثة تُهم الناس.
إن ترْك البيع بالذات يُقصد منه شلُّ الحركة التجارية في البلد لفترة معينة لتحقيق ما هو خير من البيع والشراء أي لتحقيق منفعة أكبر للناس ، لأن كل أمر لله عز وجل يجب أن تتحقق بفعله منفعة/مصلحةٌ فيها إحياءٌ لهم.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " الأنفال 24
وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ " الرعد17
وإلاّ فلا يكون هذا الأمر من الله ولأن الناس أُمروا أن يسعوا إلى ذكر الله.
أن ذِكْر اللهِ يومَ الجمعة يجب أن يكون ءايات من الذكر الحكيم/القرءآن تُختار لتـُربط بواقع الناس .. أيْ بمشكلة حقيقية يسعى الناس سعيا إلى معرفة حلها الأمثل من كتاب الله ، لا من خرافات ومرويات تراثية طال عليها الأمَد حتى لم تعد صالحة للإستهلاك الآدمي . ولأن هذه المشكلة تُهم الناس فهُم يسعون سعيا إلى سماع معالجة لها من الذكر الحكيم الذي هو القرءان بينما أمَرَهم ربهم طلبا للرزق فقال:
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " (الجمعة 10
ومعنى هذا أنه ما لم يتحقق ما ذُكِر فَهْما للنص والتزاما به فإن صلاة الجمعة لم تُـقـم . فما الذي يَخرج به المصلون مما يُحييهم/ينفعهم بعد أيّ صلاة جمعةٍ في أيّ مسجد في العالَم كله بما فيها المسجد الحرام ؟
الجواب :لا شيء .... بدليل أن كثيرا من المصلين يغفون أثناء الخطبة كما أن كثيرين آخَرين يبحثون عـن مسجد يقصر فيه الخطيب الخطبة ليتخلص الناس من عبء ثقيل عليهم طالما أنه لا ينفعهم بشيء.
فلِـكي يتحقق ما يريده رب الناس من أمره لهم بالسعي إلى ذكر الله ليكون خيرا لهم ، وللتخلص من فوضى خطب الجمعة وتناقضها وضحالتها بل عدم نفعها للناس ، فإن الهدف من خطبة الجمعة لا يتحقق اليوم إلاّ بأن تكون خطبةً واحدةً جامعة بشرط أن يُجمع فيها بين آيات من كتاب الله وواقع الناس لتستحق ما يجب أن يُسعى إليه مِن ذِكْر الله . فإذا تحقق هذا ، فسينتفع الناس بصلاة الجمعة أكثر بكثير من الواقع الحالي البائس الذي لا ينفع الناس بشيء ، وسنرى أنّ خمسين صلاةِ جمعة في سَنة واحدة ستُحدثُ انقلابا إيجابيا في تفكير الناس وتوحيد أدائهم العام.
هل نُحافظ بهذا الفَهم والأداء على الهدف من صلاة الجمعة كما أداها الرسول النبي الكريم حسبما أمَره ربه عز وجلّ ليجتمع الناس بها ويتوحّدوا على أمْرٍ جامع. لقد أمَـره ربه:
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ " العنكبوت 45.
فكان يتلو على الناس أحدث ما نزل عليه من آيات الذكر الحكيم طيلة الأسبوع لتعالج مشكلة مستجدة ، ويقيم بعدها الصلاة مع ملاحظة أن صلاة الجمعة لم تُفرض ( لكي يتحقق الهدف منها ) إلاّ بعد أن وُجد المجتمعُ الإسلامي ذو السيادة الذي يستطيع فيه وليُّ الأمر أن يقول ما ينفع الناس وأن يُنفذه مع الناس . ولم يكن الناس بحاجة إلى الشرح والتطويل لأن اللسان العربي القرءاني كان لسانهم ، كما أنّ مشكلاتهم كانت بسيطة بساطةَ حياتِهم ومداركهم.
لذلك ، فمن قرابة خمسمئة خطبة جمعة خطبها الرسول النبي الكريم طيلة السنوات العشر لم تَـذكر المراجع التاريخية منها شيئا يُذكَر لأن تلك الخطب كانت كلها تلاوةً لأحدث ما نزل من آيات الله.
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ .."الرعد30
وحتى تكون خطبة الجمعة نافعة للناس بدون غوغائيات أو مراءاة للناس أو لأُولي الأمر ... يجدر أن يُلقيها عن تشاوُرٍ إمّا وليُّ الأمر ( إن كان ذا قُدرةٍ ) وإمّا غيرُ موظف ممن لا يسأل عليها أجرا ليكون مَرضيّا عنه من الله والناس وأدعى لتأثُّرِ الناس به . فهذا خير للناس وخيرٌ لأُولي الأمر.
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ " (سورة الأَنعام 90
أن اجتماع الناس على أمْرٍ جامع يومَ الجمعة يتحقق اليومَ باجتماع الناس في المساجد وغيرها مما يمكن أن تُؤدى فيها صلاة الجمعة : بدءاً بالإستماع إلى ذِكر الله عَبر وسائل الإعلام التي لم تكن ميسرة للناس قبل خمسين سنة ولا معروفةً من قبل ذلك ... وانتهاءً بالصلاة نفسها . وهذا خير بكثير من ألصلاة في الشوارع.
بهذا يمكن لكل النساء والأطفال والشيوخ الكبار وذوي الأعذار أن يجتمعوا ليستمعوا إلى ذكر الله وأن يقيموا الصلاة في بيوتهم دون أدنى خروج عن النص القرءاني الذي هو الأصل في عبادتنا لله تبارك وتعالى . وبذلك تُحل مشكلات كثيرة عالقة تتعلق بصلاة الجمعة .
أمّا توقيت صلاة الجمعةإذا كانت الدولة واسعة ممتدة الأطراف وفيها أكثر من توقيت فإن النص القرءاني الذي يُلزم المؤمنين بالرجوع إلى القرءان – بل يُلزِمهم بكل كلمة وحرف فيه - يقول ( مِن يوم الجمعة ) وليس ( ظُهر الجمعة ) ولو أراد اللهُ وقت الظُّهر تحديدا لذكَرَه " أتُعَلِّمونَ اللهَ بدينِكُم " . فحرف الجر هذا يوجب أن تكون صلاة الجمعة في بعض يوم الجمعة – مِن للتبعيض – بشرط أن يكون هذا الوقت خلال وقت البيع الذي على الناس أنْ يذروه ويمتد عادة من الصباح حتى الآصال ، إذ صلاة الجمعة هي الصلاة الوسطى لتوسطها البيعَ المحبب إلى التجار . وبهذا يتمكن الناس من السعي إلى ذكر الله في دائرة جغرافية واسعة ملتزمين بالشرطين اللذيْـن يُفهَمان من النص:
1- ( مِن يوم الجمعة ) وليس ( ظُهر الجمعة ) ...تكون صلاة الجمعة في بعض يوم الجمعة
2- يكون هذا الوقت خلال وقت البيع... ويمتد عادة من الصباح حتى الآصال.
وعلى ذلك يمكن أن القول بأن صلاة الجمعة ركعتين والخطبة على جزئين لتحل مكان صلاة الظهر فهو قول باطل فى إعتقادى الشخصى وحسب النص القرءآنى ولا علاقة بين صلاة الظهر وصلاة الجمعة.
إن إصلاح خطاب الجمعة لِيؤدي الهدف الإصلاحي الكبير الذي شرعه الله سبحانه (الذي هو المُشرِّع الوحيد) يجب أن يكون على رأس الأولويات ، لأن المساجد لن يصلح حالُها إلاّ إذا صلَح مفهومنا للصلاة ولصلاة الجمعة وذِكرِ الله فيها بحيث يكون خطابا واحدا على مستوى الإقليم السياسي أحيانا وعلى مستوى الأمّة أحيانا أخرى.
" إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ "
وصدق الله العظيم...