أثناء حضور مؤتمر الأمراض الجلدية فى كوبنهاجن والذى انعقد هذا الشهر، وبينما المحاضرات المبهرة تتحدث عن التقدم المذهل الذى حدث فى هذا المجال سواء فى التشخيص أو العلاج بداية من الديرموسكوب الذى سيصور تفاصيل الجلد من الداخل والأورام فى بداياتها بدون الحاجة إلى عينة، حتى الأدوية البيولوجية التى تعالج الصدفية، هذا المرض العنيد المحبط، مروراً بأجهزة الليزر التى اقتحمت مناطق فى علم الجلد، كنا نرفع أمامها الراية البيضاء استسلاماً ويأساً، وبينما القاعات تمتلئ بأطباء من جميع أنحاء الكرة الأرضية جاءوا وبكل حماس ليتعلموا ويستزيدوا من نهر العلم الذى لا ينضب ولا يجف.
فى وسط هذا الجو الإعجازى إذا بأستاذ مصرى كبير يعلق على هذا التقدم بقوله «ربنا حيوريهم.. بكرة تشوفوا أوروبا وأمريكا والغرب ده كله وربنا بينتقم منهم بعد ما افتكروا إنهم وصلوا القمة وبينافسوا الخالق عز وجل فى صنعه»!!، ثم راح يتلو علينا آية يظن أنها تؤيد رأيه وكأنه يفحمنا، كانت تلك الآية من سورة يونس والتى تقول «حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ»، ألجمت المفاجأة لسانى من الصدمة والذهول، كيف لهذا الرجل الحاصل على درجة الأستاذية أن يكون هذا هو تفكيره ومنطقه؟!، كيف يتبنى منطق التربص الإلهى بعبيده العلماء الذين يريدون شفاء البشر من آلامهم؟!، كيف يتصور أن الخالق عز وجل فى منافسة مع العلماء الذين يسهرون ويكدون ويتعبون لكى يضيفوا بحثاً أو يضيئوا ظلاماً أو يكتشفوا مجهولاً، ويتوعدهم بأنه سيتركهم حتى يصلوا إلى ذروة التقدم ثم ينتقم منهم عقاباً على تجرُّئهم وتبجحهم باكتشاف علاجات لأمراض مستعصية؟!!
كيف لمن طلب منا إعمار الأرض وخلقنا أساساً لذلك الغرض النبيل أن يعاقبنا على أننا عمرناها وبنيناها وطورناها وعالجنا مرضاها؟، لماذا لم يفهم الآية على أن الإنسان أكمل مشروعه الدنيوى وجعل أرضه جنة، وأن يوم القيامة ليس عقاباً على هذه الجنة الأرضية واليوتوبيا الدنيوية ولكنها مجرد توقيت وميعاد توقف عقارب ساعة بعد وضع الرتوش الأخيرة لتلك الحياة الممتدة؟، هذا مجرد فهم ومنطق مغاير لفهم ومنطق آخر عاش فى كهف وهم كبير عنوانه أن العلوم الشرعية هى الخالدة الباقية المفيدة والعلوم الدينية هى الزائلة الفانية الضارة، للأسف هذا الأستاذ ليس الوحيد أو الاستثناء بل يشاركه هذا المنطق العبثى أساتذة جامعيون كثيرون، تعلموا فى أرقى جامعات أوروبا وأمريكا ولكن عقولهم مازال يعشش فيها العنكبوت ولديهم عقدة مزمنة ومرض عضال، من أهم أعراضه أن المساحة التى ينجح فيها العلم هى حتماً وبالضرورة انتقاص واقتطاع من مساحة الإيمان!!
أما أكبر نكتة فهى أن هذا الرجل الذى قرأ علينا تلك الآية بكل خشوع قفز من على كرسيه أثناء حفل العشاء الذى أقيم بعد جلسات المؤتمر ليصور بموبايله راقصة روسية فى أحد المطاعم الشرقية هناك وكان نصيبه تقريعاً أخجل كل المجموعة عندما قالت له إنه اقتحمها ولم يستأذنها، ازدواجية مقيتة وكريهة وعقل مغيب يحتاج إلى ثورة و«فرمتة».