الغانيات كُنّ أهل الحل والعقد فى عهد الخلفاء الفاسقين
القاموس القرآنى : ( الملأ ) : ( كوميديا أهل الحلّ والعقد )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٠ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : ( الملأ ) : ( كوميديا أهل الحلّ والعقد )

الغانيات كُنّ أهل الحل والعقد فى عهد الخلفاء الفاسقين

أولا : ليس فى الاسلام إستبداد سياسى أو كهنوت دينى ..وبالتالى ليس فيه ( أهل الحلّ والعقد )

1ـ قلنا أنه ليس فى الدولة الاسلامية الحقيقية ( حاكم ) لأن الاسلام يمنع  تميز فرد على الآخرين بالدين ( فليس فيه كهنوت ) ولا فى الدنيا فليس فيه طاغية مستبد أو طاغوت ، ولأن هذا التميز ظلم ، والله جل وعلا لا يرضى بالظلم ، ولأن الشعب هو مصدر السلطة ، وهو الذى يمارسها عبر ( أولى الأمر ) أى أصحاب الاختصاص أو أصحاب الشأن أو الأمر المُحتاج الى خبراء . وهم تحت المساءلة وإحتمال العزل والعقوبة ، أى نحن هنا مع موظف يخدم الشعب و ليس حاكما متسلطا على الشعب يعلو على الشعب . وقلنا إن الديمقراطية المباشرة أو الشورى الاسلامية يتم تطبيقها فى بعض الدول الغربية ، كما تقترب منها الديمقراطيات الأخرى التى تمارس التمثيل النيابى بانتخاب ممثلين عن الشعب وبانتخاب سلطة تنفيذية تخدم الشعب . وقلنا أنه بقدر إقتراب الديمقراطية الغربية من الدولة الاسلامية الحقوقية التى وضع أُسُسها القرآن وطبقها خاتم المرسلين عليهم السلام ـ فإن النقيض هو فى الدول التى أقامها المسلمون بدءا من الخلفاء ( الراشدين ) ثم الخلفاء الذين أقاموا حكم الأسرات بالوراثة ( من أمويين وعباسيين وفاطميين وعثمانيين  ) مع دول عسكرية ودينية .  ولا تزال تلك النُّظُم السياسية موجودة حتى  الآن فيما يسمى بالعالم الاسلامى ، أو ( المحمديين ) كما نسميهم . لا يزالون عارا على البشرية  وخصما عتيدا للاسلام ودولته الحقوقية .

2 ـ ولآنه لا يوجد فى الدولة الاسلامية الحقيقية حاكم ، ولا توجد فيها أسرة حاكمة تتوارث الحكم ، ولا توجد فيها طبقة تحتكر الثروة والسلطة ـ فبالتالى لا يوجد فيها ( الملأ ) أى تلك الحاشية التى تتراقص حول السلطان تتعيش من نفاقه ، وتأكل من فُتاته . هذه ( الملأ ) كان فى النظم الاستبدادية قبل نزول القرآن ، وحكى عنه رب العزة فى القصص القرآنى ، ثم عاد للظهور هذا ( الملأ ) فى دول الاستبداد فى ( الخلافة ) ، وصاغ له فقهاء الاستبداد مصطلحا رشيقا هو ( أهل الحلّ والعقد ) أى الذين بيدهم الحلً ( حل المشكلات ) وبيدهم أيضا ( العقد ) أى إتخاذ القرارات .

3 ـ نرجع الى حديث القصص القرآنى  عن ( الملأ )

ثانيا : أنواع الملأ   فى القصص القرآنى :

1 ـ هناك ( الملأ الأعلى ) أى الملائكة المقربون ، وقد كان منهم ابليس قبل أن يعصى ربه ويرفض السجود لآدم ، فيطرده رب العزة ملعونا من الملأ الأعلى . وهذا ما جاء فى سياق هذه القصة فى سورة ( ص ) : (مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإٍ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) ص ). ويقول جل وعلا عن الجن ومنعهم من التسمع للملأ الأعلى : ( لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإٍ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) الصافات )

2 ـ وهناك ( الملأ ) الذى كان فى خدمة سليمان عليه السلام : ( قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) النمل )

3 ـ وهناك ( ملأ ) من البشر ليس فاسدا مثل الملأ من بنى اسرائيل : .( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) البقرة )

4 ـ هناك ملأ يحكم بنفسه ـ كما يبدو ـ  فى قصص الأمم البائدة : (  لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60) الاعراف ) ( وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (66) الاعراف ) (  وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) (73) ...  ( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75)   الاعراف ) ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ..)  (85)  ( قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) الاعراف ).

وعلى سُنتهم كان ( الملأ ) القرشى ، يقول جل وعلا عن موقفهم من القرآن والرسول محمد عليه السلام : ( وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (7) أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8) ص ). هذا الملأ كان يحكم بنفسه بدون حاكم يتزلف إليه .

5 ـ وكان ( ملأ ) يحيط بمستبد طاغية مسرف فى الاستبداد والفساد والتوحش ، مثل فرعون موسى . هنا نلاحظ على ( الملأ ) فى هذه الحالة :

5 / 1 : أنه طبقات ، الملأ المحيط بالفرعون فى قصره ، ثم هناك درجات من الملأ موزعين فى المدن فى إطار دولة مركزية يُمسك الفرعون بكل مفاصلها ، ويسيطر من خلال هذا الملأ على كل مدينة و( قرية ) و ( حىّ ) . هو ما يحدث الآن فى دول الاستبداد الشرقى . وعاشته مصر مبكرا فى عصر الرعامسة ، حيث كان الفرعون الرعمسى هو المالك لمصر والقائد لجيشها و ( الرب المعبود ـ أستغفر الله العظيم ) لأهلها . هذا كان سائدا فى عراق صدام وليبيا القذافى ومصر عبد الناصر . حيث كات تتغلغل السلطة بأجهزتها الأمنية فى كل بلد ، بل أحيانا فى كل عائلة تُحصى عليها أنفاسها .

وفى قصة فرعون موسى نعرف أن موسى قتل بدون قصد رجلا مصريا فى أحد الشوارع ، وسرعان ما وصل الخبر الى الجهة الأمنية فى نفس المنطقة ، أو ( الملأ ) المحلى فى هذا الشارع ، وأسرع رجل من أهل المدينة الى موسى يحذره : ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) القصص ). هذا الملأ توسع وملأ العمران المصرى وقتها ، والذى كان ليس مجرد ( مدن ) بل ( مدائن )، وعن طريق هذا الملأ المتشعب تم تجميع السحرة من كل ( المدائن ) فى أنحاء مصر ، وتم أرسالهم الى العاصمة فى وقت محدد وفى غاية التنظيم : ( قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) الشعراء ) وتغلغل هذا الملأ السّرى بين جموع الناس يدعونهم لحضور المباراة الكبرى بين موسى والسحرة . وعن هذا الهمس من الملأ يقول رب العزة جل وعلا :( وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ (40)الشعراء ). هذا (الملأ ) الأمنى تغلغل فى قوم موسى ، واصبح له بينهم عملاء و مخبرون ، فعاش أغلب قوم موسى فى هلع ، يعبر عنه رب العزة فى هذه الآية الكريمة : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس ).

وأوحى الله جل وعلا لموسى عليه السلام بالخروج سرا من مصر وبالتحذير بأن عملاء فرعون يتتبعون خطواته وخطوات قومه : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) الشعراء )، وحين بدأ التحرك للخروج من مصر سرأ  وصلت الأنباء الى فرعون ، وكالعادة أرسل منشورا الى كل ( المدائن ) يحشد أعوانه ، ويقول المنشور رسالة موحدة : ( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ( (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) الشعراء )

5 / 2 : ثم هناك الملأ من حاشية فرعون المقربين . وهؤلاء لهم طبيعة خاصة فى التعامل مع فرعون ، أنهم لا يرفضون له طلبا ، بل يتفننون فى قول ما يحلو له ، أى هم صدى فرعون وبوقا لما يريد قوله . ومن الإعجاز القرآنى هنا أن الله جل وعلا ينسب القول مرة لفرعون ونفس القول مرة أخرى للملأ الفرعونى تأكيدا على أن فرعون وملأه شىء واحد . ولنقارن بين قوله جل وعلا فى سورة الأعراف  : ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الاعراف ) بقوله جل وعلا فى سورة غافر (  فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26)غافر ). هى نفس الأقوال ، مرة يقولها الملأ ومرة يقولها فرعون . وفى كل الأحوال ففرعون هو الذى يملك وحده الحقيقة المطلقة والذى يملك الصواب : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر ). هذا هو الدستور الواقعى للمستبد الشرقى . كان ـ ولا يزال .

6 ـ وهناك ( ملأ ) يحيط بمستبد معتدل فى إستبداده ، مثل الملأ المحيط بالملك الهكسوسى فى قصة يوسف . هذا الملأ يجد الجرأة ليقول للملك فى وجهه إنه كان يحلم بأضغاث أحلام وما هم بتأويلها بعالمين : ( وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ (44) يوسف ).

ومثل الملأ المخلص لملكة سبأ حين إستشارتهم فى شأن رسالة سليمان : ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) النمل ).

ثالثا : الملأ ( أهل الحلّ والعقد ) بين التنظير الفقهى والواقع التاريخى السياسى

1 ـ كتابات الفقهاء فى الطهارة وفقه النصف الأسفل تكاد تبلغ الجبال طولا . أما الكتابات فى التنظير الفقهى السياسى فليس كبيرا وليس عظيما ، عدا شذرات فى مقدمة ابن خلدون ، وقد عرضنا لمقدمة ابن خلدون فى كتاب خاص منشور مقالاته هنا . وهو ـ ومع الأسف ـ كان يؤمن بالثيوقراطية أو الدولة الدينية ، أى أسوأ انواع الاستبداد ، وأباح للحاكم إكراه الناس فى الدين . وبالتالى كان مؤمنا باسطورة ( أهل الحل والعقد ) .

2 ـ وبعض النظر عن المكتوب القليل والتافه فى التنظير لموضوع ( أهل الحل والعقد ) فقد كان أيضا بعيدا عن الواقع التاريخى لعصر الخلفاء الراشدين والفاسقين . بل من العجب أنه كان أيضا بعيدا عن ( الملأ ) الفرعونى وملأ ملكة سبأ والملأ الخاص بالملك الهكسوسى فى مصر . إذ يبدو أنه كان هناك ما يشبه التنظيم للملأ الهكسوسى والملك ( السبئى ) ، وبالتأكيد كان هناك تنظيم محكم ومتفرد وعبقرى للملأ الفرعونى على كل المستويات . ولكن لم يكن موجودا ذلك التنظيم فى  (الملأ ) أو ( اهل الحلّ والعقد ) فى تاريخ الخلفاء الراشدين والخلفاء غير الراشدسن والخلفاء الفاسقين . كان الخليفة يستشير أو لا يستشير ، حسب إرادته ، وهذا هو المفهوم التراثى للشورى التراثية ( الاستبدادية )، فليس المستبد الشرقى ملزما بالشورى . هو نفس الحال السائد حتى الآن .

3 ـ المعروف تاريخيا أن أبا بكر كان من أقرب مستشاريه عمر وعبد الرحمن بن عوف وأحيانا الزبير وطلحة . وهم نفس الفرقة تقريبا مع عمر . جاء عثمان فجعل مروان بن الحكم متحكما فى كل شىء ، فدفع عثمان الثمن . (على ) كان يستشير من حوله كابن عمه عبد الله بن عباس ، ولكن تميز بعصيان النصائح التى كانت تقال له . معاوية كان يسمع ويستشير ويخدع ويمكر . ومثله مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان ، وهذا هو الشأن فى مؤسسى الدول ، مثل أبى جعفر المنصور . ولكن فى عصور التمكين والترف كأن أقرب مستشارى الخليفة هم رفاقه فى المجون والمحظيات من الغوانى والجوارى .

4 ـ ولا نعتقد أن الحال تغير كثيرا فى بلاط المستبد الشرقى .  ومعظم أسرار المستبد الشرقى محفوظة بين سيقان الغانيات .!!

اجمالي القراءات 11277