عدل حمودة يكتب:حكم الكنيسة أقوي من حكم الدولة

في السبت ١٨ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

حكم الكنيسة أقوي من حكم الدولة

 الصفحة رقم   3

حكم الكنيسة أقوي من حكم الدولة
 
 

عادل حمودة يكتب:
حكم الكنيسة أقوي من حكم الدولة
هل يصبح البابا شنودة نقيباً للصحفيين حتي ينقذهم من السجن كما فعل مع الأقباط المحبوسين علي ذمة قضية كنيسة العمرانية؟

لم يكن البابا شنودة في حاجة لأن يقول: إن "دماء الأقباط ليست رخيصة "وأن الكنيسة" لن تتخلي عن أبنائها" كي يشعل النار في عروق الأقباط.. فالأقباط معبأون بالحزن والغضب
لا أطالب الكنيسة بأن تدير خدها الأيسر لمن ضربها علي خدها الأيمن.. وإلا تحولت ساحتها إلي حلبة ملاكمين.
لكنني.. أخشي أن يصل غضبها علي ما يجري لرعاياها إلي أن تخرج عن القانون وتستهتر به.. فتصبح دولة داخل الدولة.. وسلطة دينية تناطح السلطة الزمنية.. وتعطي ما لله لقيصر.. وما لقيصر يصبح لله.
لم يكن البابا شنودة في حاجة لأن يقول: إن "دماء الأقباط ليست رخيصة "وأن الكنيسة" لن تتخلي عن أبنائها" كي يشعل النار في عروق الأقباط.. فالأقباط معبأون بالحزن والغضب.. بحيث تكفي كلمة واحدة من "سيدنا" لينفجروا.. ويفجرونا معهم.
لقد شهدت مدن مصر من بحر الإسكندرية إلي جبال الصعيد أحداث عنف طائفية رفع فيها شباب الأقباط السنج والسيوف علي شكل صلبان في دعوة لجهاد مقدس لا يختلف كثيرا عن جهاد التكفير والهجرة.. ليتجاور الإخوان المسيحيون مع الإخوان المسلمين في حلف الدولة الدينية.. لنكون نحن أنصار الدولة المدنية كمن يخرج من حفرة ليقع في بئر.
والإخوان المسيحيون هم الذين قاموا بأحداث الشغب الشرسة الأخيرة في العمرانية.. حيث صرخوا.. وضربوا.. وحرقوا.. وكسروا.. وانفلتوا.. صحيح أنهم كانوا مشبعين بعقيدة الاستشهاد.. يدافعون عن بيت من بيوت الله.. لكن.. صحيح أيضا أنهم لعبوا بالنار.. وتصرفوا بتهور وصل إلي حد الفتنة.. في بروفة حية لحرب أهلية.. صليبية.
وهؤلاء هم الذين وصفهم البابا شنودة بالأبناء الذين لن تتخلي عنهم.. وضغط علي الدولة ــ بالتهديد والاعتكاف ــ ليخرجوا من حبسهم الاحتياطي.. في حالة إضافية من حالات الاعتراف بأن القانون قطعة من «الاستيك» قابلة للشد والجذب.. وليس قواعد مجردة.. لا تفرق بين وزير وخفير.. ولا بين مسلم ومسيحي.. ولا بين بابا الكنيسة وشيخ الأزهر.
والحقيقة، أنني متعاطف مع هؤلاء "الأبناء" ومتفهم لنبل حماسهم وجرأة غيرتهم علي دينهم، وتمنيت أن يناموا في بيوتهم من أول يوم قبض فيه عليهم.. ولكن.. بشرط أن يحدث ذلك بقرار من النيابة لا بأمر من الكنيسة.. وإلا وضعنا القوة فوق القانون.. ونسينا جملتنا الشهيرة: "الدستور يا اسيادي". إن الحق مطلب من مطالب الكاتب.. وكذلك الحقيقة.. وإذا كانت كليات الحقوق تعلم خريجيها كيف يدافعون عن قطاع صغير من الناس فقد علمتنا الصحافة أن نكون محامين عن المصريين كلهم.
المحامي يتولي عادة الدفاع عن عشرة.. أو عشرين.. أو خمسين مظلوما.. في مدينته أو قريته أو حارته.. أما الكاتب فيضع نفسه تحت تصرف المظلومين بصرف النظر عن لونهم وجنسهم وديانتهم وطائفتهم.. إنه يطارد الظلم الواقع علي الإنسان في أي زاوية من زوايا الوطن.
ولست في حاجة أن أقول إنني كنت أول من نفض التراب عن ملف المتاعب القبطية وجعل الدنيا كلها تقرأ أوراقه .. ورقة ورقة.. ومشكلة مشكلة.. من بناء الكنائس إلي الاعتداء علي رعاياها.. ومن التمييز في الوظائف إلي النظرة الاجتماعية السيئة.. كان هدفي زيادة نسبة الأكسوجين في الوطن.. وتخفيض نسبة ثاني أكسيد الكربون حتي لا نموت جميعا اختناقا.
كنت مسئولا عن تحرير روزاليوسف قبل نحو 18 سنة عندما فتحنا النار علي الداعية عمر عبد الكافي لأنه يهين الأقباط ويطالب بازدرائهم ولم نسكت رغم تهديدات أنصاره إلا عندما ذهب بنفسه إلي الكنيسة واعتذر للبابا.. ولم نكن في حاجة إلي شكر قداسته.. فلا شكر علي واجب.
كنا نضغط لتفعيل حكم القانون وفرض إرادة الدستور كي تصبح المساواة حقيقة واقعية لا مجرد نصوص نظرية.. لكن.. ما لفت نظري وشد انتباهي وأثار فزعي أن الكنيسة راحت فيما بعد تتصرف وكأنها جماعة ضغط مستقلة تحصل علي ما تريد وتغير ما تشاء وتعترض علي ما يعجبها بوسائل الاحتجاج الديني.. لا بوسائل الدفاع القانوني والسياسي.
اعترضت علي الأحكام التي صدرت في قضية الكشح.. ونشرت رأيها في مجلة الكرازة المرقسية المعبرة عنها.. ولو غيرها فعل ما فعلت لكان مصيره العقاب بتهمة التعليق علي أحكام القضاء.. عنوان الحقيقة العلنية التي تصدر باسم الشعب.. وربما كانت التهمة إهانة السلطة القضائية.
وتكرر الشيء نفسه في حكم القضاء الإداري في قضية الزواج الثاني للأقباط.. وسعت الدولة لكسب ودها وأسرعت بوضع القانون الموحد للأحوال الشخصية لغير المسلمين.. وركعت للكنيسة في مشهد علني لا يوافق شراستها مع الجماعات والتنظيمات الدينية الأخري.
ولو كتب صحفي ما يوصف بأنه أخبار كاذبة من شأنها تعكير السلم العام، فإن الحبس والغرامة يكونان في انتظاره ولو لم يحدث شيء ومر النشر مرور الكرام.. لكن.. ذلك لم يحدث مع الكاهن (زوج السيدة كاميليا) الذي ادعي دون حق أنها خطفت وأسلمت.. فقامت القيامة.. مظاهرات قبطية تطالب بعودتها إلي كنيستها.. ومظاهرات سلفية تطالب بتسليمها إلي مسجدها.. لكن.. لا الكنيسة عاقبت رجلها ولا الدولة قدمته إلي محاكمة.. وولدت حصانة دينية أعادت البلاد إلي العصور الوسطي.. ربما تحمس الصحفيون للمطالبة بترشيح البابا نقيباً لهم.. فهو الوحيد القادر علي إنقاذهم من القضايا التي تنزل كل لحظة علي رءوسهم مثل «الدش البارد» في الشتاء.. ومن حسن الحظ أنه مارس مهنتهم في مطلع حياته.. مع كل الاحترام للنقيب الحالي مكرم محمد أحمد الذي يعاني الأمرين منا ومن الدولة.

اجمالي القراءات 4105