أولا :
قالوا إنه كان فارس العرب مشهورًا بالشجاعة، ، وأنه أسلم ثم ارتد ، ثم عاد الى الاسلام ، وشارك فى الفتوحات العربية فى المشرق ، واشتهرت بطولته فيها . وقالوا أن عمر كتب إلى النعمان بن مقرن القائد فى حرب فارس : ( استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو بن معد يكرب، ولا تولهما من الأمر شيئًا،) . طليحة هو الذى زعم النبوة فى حرب الردة ، ثم بعد هزيمته عاد الى الاسلام ، وشارك فى الفتوحات وكان بطلا فيها ، مثله مثل صاحبنا عمرو بن معد يكرب . وقد كان عمر بن الخطاب معجبا بعمرو بن معد يكرب ؛ يستمع الى نوادره وبطولاته . نقتطف منها هذه الرواية التى تكررت بصيغ مختلفة عن إحدى مغامراته فى الغزو والسلب والنهب وسبى النساء ( العربيات ) من القبائل الأخرى قبل دخوله فى ( الاسلام ): .
1 ـ فى رواية تقول أن عمر سأله :( يَا أَبَا ثَوْرٍ ، لَقَدْ حَدَّثْتَ عَنْ نَفْسِكَ بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ ، وَلَقَدْ لَقِيتَ النَّاسَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلامِ ، فَأَخْبِرْنِي : هَلْ صَدَفْتَ ( أى إنصرفت ) عَنْ فَارِسٍ قَطُّ " ؟ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَدْ كُنْتُ أَكْرَهُ الْكَذِبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا مُشْرِكٌ ، فَكَيْفَ إِذْ هَدَانِي اللَّهُ لِلْإِسْلامِ ؟ وَلَقَدْ قُلْتُ ذَاتَ يَوْمٍ لِخَيْلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ : هَلْ لَكُمْ فِي الْغَارَةِ ؟ قَالُوا : عَلَى مَنْ ؟ قُلْتُ : عَلَى بَنِي الْبَكَّاءِ . قَالُوا : مَغَارٌ بَعِيدٌ ، عَلَى شِدَّةِ كَلَبٍ وَقِلَّةِ سَلَبٍ . قُلْتُ : فَعَلَى مَنْ ؟ قَالُوا : عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ كِنَانَةَ ، فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ رِجَالَهُمْ خُلُوفٌ . فَخَرَجْتُ فِي خَيْلٍ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى وَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ ، فَدُفِعْتُ إِلَى قَوْمٍ سُرَاةٍ . فَقَالَ عُمَرُ : " وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهُمْ سُرَاةٌ " ؟ قَالَ : انْتَهَيْتُ إِلَى قُبَابٍ عَظِيمَةٍ مِنْ أَدَمٍ ، وَقُدُورٍ مُثْفَأَةٍ ، وَإِبِلٍ وَغَنَمٍ . فَقَالَ عُمَرُ : " هَذَا لَعَمْرِي عَلامَةُ الْيُسْرِ " . وَقَالَ عَمْرٌو : فَانْتَهَيْتُ إِلَى أَعْظَمِهَا قُبَّةً . فَأَكْشِفُهَا عَنْ جَارِيَةٍ مثل الْمَهَاةِ ، فَلَمَّا رَأَتْنِي ضَرَبَتْ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهَا ، وَبَكَتْ . فَقُلْتُ : مَا يُبْكِيكِ ؟ قَالَتْ : مَا أَبْكِي لِنَفْسِي وَلا عَلَى الْمَالِ . فَقُلْتُ : عَلامَ تَبْكِينَ ؟ قَالَتْ : عَلَى جَوارٍ أَتْرَابٍ لِي ، قَدْ أَلِفْتُهُنَّ ، وَهُنَّ فِي هَذَا الْوَادِي . قَالَ : فَهَبَطْتُ الْوَادِيَ عَلَى فَرَسِي ، فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ قَاعِدٍ يَخْصِفُ نَعْلا لَهُ ، وَإِلَى جَانِبِهِ سَيْفٌ مَوْضُوعٌ ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ عَلِمْتُ أَنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ خَدَعَتْنِي ، وَمَاكَرَتْنِي . فَلَمَّا رَآنِي الرَّجُلُ قَامَ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ ، ثُمَّ عَلا رَابِيَةً ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى قُبَابِ قَوْمِهِ مُطَّرِحَةً ، حَمَلَ عَلَيَّ .. ثُمَّ حَمَلْتُ عَلَيْهِ ....فَاخْتَلَفْنَا ضَرْبَتَيْنِ ، فَأَضْرِبُهُ أَحْذَرَ مِنَ الْعَقْعَقِ ، وَيَضْرِبُنِي أَثْقَفَ مِنَ الْهِرِّ ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِي قَرَبُوسِ سِرْجِي فَقَطَعَ الْقَرَبُوسَ ، وَعَضَّ بِكَاثِبَةِ الْفَرَسِ ، فَوَثَبْتُ عَلَى رِجْلِيَّ قَائِمًا ، وَقُلْتُ : يَا هَذَا ، مَا كَانَ لِيَلْقَانِي مِنَ الْعَرَبِ إِلا ثَلاثَةٌ : الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ لِلْسِنِّ وَالتَّجْرِبَةِ ، وَعَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ لِلشَّرَفِ وَالنَّجْدَةِ ، وَرَبِيعَةُ بْنُ مكدِّمٍ لِلْحَيَاءِ وَالْبَأْسِ ، فَمَنَ أَنْتَ ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ؟ قَالَ : بَلْ مَنْ أَنْتَ ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ؟ قُلْتُ : أَنَا عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ ، قَالَ : وَأَنَا رَبِيعَةُ بْنُ مُكَدَّمِ . قُلْتُ : فَاخْتَرْ مَنِّي إِحْدَى ثَلاثِ خِصَالٍ : إِمَّا أَنْ نَضْطَرِبَ بَسَيْفَيْنَا حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا ، وَإِمَّا أَنْ نَصْطَرِعَ ، فَأَيُّنَا صَرَعَ صَاحِبَهُ قَتَلَهُ ، وَإِمَّا الْمُسَالَمَةُ . قَالَ : ذَاكَ إِلَيْكَ . فَاخْتَرْ . قُلْتُ : إِنَّ بِقَوْمِكَ إِلَيْكَ حَاجَةً ، وَبِقَوْمِي إِلَيَّ حَاجَةً ، وَالْمُسَالَمَةُ خَيْرٌ لِي وَلَكَ . ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ أَصْحَابِي ، وَقُلْتُ لَهُمْ : خَلُّوا مَا بِأَيْدِيكُمْ ، فَلَوا رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ لَخَلَّيْتُمْ وَزِدْتُمْ . سَلُونِي عَنْ فَرَسِي مَا فَعَلَ . قَالَ : فَتَرَكْنَا مَا بِأَيْدِينَا وَانْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ " .هذه الرواية جعلوها حديثا ( موقوفا ) .
2 ـ جاء المسعودى فى تاريخه ( مروج الذهب ) ( 1 / 538 : 541 ) بنفس الرواية مع اختلاف قليل تحت عنوان : ( عمرو يحدث عمر عن فراره ). قال المسعودى : ( وقد كان عمر آنس عمرا بعد ذلك، وأقبل يسأله ويذاكره الحروب وأخبارها في الجاهلية فقال له عمر: يا عمرو، هل انصرفت عن فارس قط في الجاهلية هيبة له ؟قال: نعم، والله ما كنت أستحل الكذب في الجاهلية فكيف استحله في الإسلام ؟ لأحدثنك حديثاً لم أحدث به أحداً قبلك: خرجت في جريدة خيل لبني زبيد أريد الغارة ، فأتينا قوما سراة .فقال عمر: كيف عرفت أنهم سراة ؟ قال: رأيت مزاود وقدروا مكفأة وقباب آدم حمرا ونعماً كثيرا وشاء .قال عمرو: فأهويت إلى أعظمها قبة بعد ما حوينا السبي ، وكان متبددا من البيوت ، واذا إمرأة بادية الجمال على فرش لها . فلما نظرت إلى والي الخيل استعبرت ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقالت : والله ما يبكي على نفسي ، ولكن أبكي حسدا لبنات عمي يسلمن وأبتلي أنا من بينهن .فظننت والله أنها صادقة ، فقلت لها : وأين هن ؟ قالت : في هذا الوادي .فقلت لأصحابي : لا تحدثوا شيئاً حتى آتيكم ، ثم همزت فرسي حتى علوت كثيراً ، فإذا أنا بغلام أصهب الشعر ، أهذب ، أقنى أقب ، يخطف نعاله وسيفه بين يديه وفرسه عنده . فلما نظر إلي رمى النعل من يده ثم أحضر غير مكترث ، فأخذ سلاحه وأشرف على ثنية . فلما نظر إلى الخيل محيطة ببيته ركب ثم أقبل نحوي.. فحملت عليه .. ثم حملت عليه بالفرس ، فإذا هو أروغ من هرّ (قطّ ) ، فراغ عني ، ثم حمل على فضربني بسيفه ضربة جرحتني . فلما أفقت من ضربته حملت عليه ، فراغ والله ، ثم حمل علي ، ثم صرعني ، ثم استاق ما في أيدينا . ثم استويت على فرسي ، فلما رآني أقبل .. فراغ والله عني ، ثم حمل على فضربني ضربة أخرى . ثم صرخ صرخة ، ورأيت الموت والله يا أمير المؤمنين ليس دونه شئ وخفته خوفا لم أخف قط أحداً مثله ، وقلت له : من أنت ثكلتك أمك ؟ فوالله ما أجترأ على أحد قط إلا عامر بن الطفيل لإعجابه بنفسه ، وعمرو بن كلثوم لسنه وتجربته ، فمن أنت ؟ قال : بل من أنت ؟ خبرني وإلا قتلتك . قلت : أنا عمر بن معد يكرب . قال : وأنا ربيعة بن مكدم. قلت : اختر مني إحدى ثلاث خصال : إن شئت اجتلدنا بسيفنا حتى يموت الأعجز منا ، وإن شئت اصطرعنا ، وإن شئت السلم ، وأنت يا ابن أخي حدث ، وبقومك إليك حاجة .قال : بل هي إليك ، فاختر لنفسك . فاخترت السلم .ثم قال : انزل عن فرسك .قلت : ياابن أخي قد جرحتني جراحتين ، ولا نزول لي .فوالله ما كف عني حتى نزلت عن فرسي ، فأخذ بعنانه ، ثم أخذ بيده وانصرفنا إلى الحي وأنا أجر رجلي حتى طلعت علينا الخيل . فلما رأوني همزوا خيولهم إلي فناديتهم : إليكم . وارادوا ربيعة ، فمضى والله كأنه ليث حتى شقهم ، ثم أقبل علي فقال : يا عمرو لعل أصحابك يريدون غير الذي تريد .فصمت والله القوم ما فيهم أحد ينطق وأعظموا ما رأوا منه .فقلت : يا ربيعة بن مكدم ، لا يريدون إلا خيراً . وإنما سميته ليعرفه القوم ، فقال لهم : ما تريدون ؟ فقالوا : وما تريد ؟ قد جرحت فارس العرب وأخذت سيفه وفرسه . ومضى ومضينا معه ، حتى نزل ، فقامت إليه صاحبته وهي ضاحكة تمسح وجهه....الخ ).
3 ـ وذكر المسعودى نفس الحادث برواية أخرى تقول :( عمرو بن معد يكرب يغير على بني كنانة ) ( وقد كان عمرو بن معد يكرب بعد ذلك بزمان أغار على كنانة في صناديد قومه ، فأخذ غنائمهم ، وأخذ امرأة ربيعة بن مكدم . فبلغ ذلك ربيعة –وكان غير بعيد- فركب في الطلب على فرس عرى ومعه رمح بلا سنان حتى لحقه . فلما نظر إليه : يا عمرو ، خل عن الظعينة وما معك .فلم يلتفت إليه ، ثم أعاد عليه ، فلم يلتفت إليه . فقال : يا عمرو ، أما أن تقف لي ، واما أن أقف لك . فوقف له ربيعة ، فحمل عليه عمرو حتى إذا ظن أنه قد خالطه السنان اذا هو لبب لفرسه ، ومر السنان على ظهر الفرس . ثم وقف له عمر ، فحمل عليه ربيعة فقرع بالرمح رأسه ، ثم قال : خذها إليك يا عمرو ، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك .فقال عمرو : لن ينصرف إلا أحدنا ، فقف لي . فحمل عليه حتى اذا ظن أنه قد خالطه السنان اذا هو حزام لفرسه ، ومر السنان على ظهر الفرس .ثم حمل عليه ربيعة فقرع بالرمح رأسه أيضاً ، وقال : أخذها إليك يا عمرو ثانية ، وانما العفو مرتان .وصاحت به إمرأته : السنان لله درك .فأخرج سنانا من سنخ ازاره كأنه شعلة نار ، فركبه على رمحه ، فلما نظر إليه عمرو ، وذكر طعنته بلا سنان قال له عمرو : يا ربيعة ، خذ الغنيمة . قال : دعها وانج . فقالت بنو زبيد : أترك غنيمتنا لهذا الغلام ؟ فقال لهم عمرو : يا بني زبيد ، والله لقد رأيت الموت الأحمر في سنانه ، وسمعت صريره في تركيبه . فقالت بنو زبيد : لا يتحدث العرب أن قوما من بني زبيد فيهم عمرو بن معد يكرب تركوا غنيمتهم لمثل هذا الغلام . قال عمرو : أنه لا طاقة لكم به ، وما رأيت مثله قط ، فانصرفوا عنه ، وأخذ ربيعة امرأته والغنيمة وعاد إلى قومه.).
ثانيا :
1 ــ عمرو بن معد يكرب دخل بعدها الاسلام قبيل موت النبى محمد عليه السلام ، ورأى عليه السلام قبيل موته العرب يدخلون فيه أفواجا . يقول جل وعلا عن هذا النصر : (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) النصر ). محمد عليه السلام رأى الظاهر فقط ، وهو ( الدخول الظاهرى ) فى الاسلام ، رأى الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، تطبيقا لقوله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). محمد عليه السلام لم يكن يعلم غيب السرائر وغيب القلوب ، أو مدى تغلغل الاسلام القلبى العقيدى فى نفوس من حوله من الصحابة ، بل كان من كبار أصحابه القريبين منه من مرد على النفاق ، كان لا يعلمهم ، وقد أخبر جل وعلا أنه سيعذبهم مرتين ثم يردون يوم القيامة الى عذاب عظيم : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة )، أى سيعيشون بعد موت النبى وبعد إنتهاء الوحى نزولا وحين يكونون آمنين من نزول الوحى يفضحهم ، عندها يستطيعون تدمير ما أرساه الاسلام من ( سلام ) ، وهذا ما حدث فعلا فى الفتوحات التى قام بها الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان والأمويون.
وقد عوقبوا مرتين بسبب هذه الفتوحات الظالمة فى طاعون عمواس وفى مجاعة عام الرمادة ، وما أغنى عنهم شيئا ما نهبوه من كنوز الأمم المفتوحة ومن فرض الجزية عليهم ومن فرض الخراج الظالم . ثم كانت حروبهم فى الفتنة الكبرى عذابا آخر نبّأ به رب العزة من قبل فى سورة مكية تؤكد أن قريش ( فى معظمها ) تكذب بالقرآن ، قال جل وعلا : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الانعام) . وصدق الله العظيم (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )، وقد عاشوا حتى شاهدوا وعلموا ..
ولا يزال المحمديون على هذه السُّنّة يتفرقون شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض ، من مقتل عثمان وهم فى نفق الفتنة الكبرى سائرون ، يرفضون نقد كبار الصحابة ، بعد أن تحول هؤلاء الصحابة الغزاة الظالمون مجرمو الحرب الى آلهة فى الأديان الأرضية للمحمديين .
2 ـ عمرو بن معد يكرب دخل الاسلام قبيل موت النبى محمد عليه السلام ، رأى فيها النبى ساعة أو نحو ذلك ، ثم سارع بالردة مع معظم الأعراب ، وتبدد الاسلام الاسلام السلوكى بمعنى السلام . عرف العرب الاسلام السلوكى فترة وجيزة فعاشوا فى فترة سلام مؤقتة ، ثم بموت النبى رأوا قريش تعود للسلطة بزعامة كبار المهاجرين فى المدينة وكبار الأمويين فى مكة ، وقد تغير الوضع الذى أرساه عليه السلام فى دولته المدنية التى تقوم على الحرية الدينية دون إكراه فى الدين ، ومنها أن تكون الزكاة المالية حرية يدفعها القادر حُرا ليتم توزيعها على الفقراء فى قبيلته . جاء ابو بكر والملأ القرشى معه بإلزام الأعراب بدفع الزكاة المالية له ، وبفرض السُّلطة القرشية عليهم ، فثاروا مرتدين على حُكم قريش ، وتكاتف الأمويون الذين ( أسلموا ) من قليل مع زعماء القرشيين المهاجرين فى المدينة ومنهم الذين مردوا على النفاق ، وبعد عناء شديد هزمت قريش كل المرتدين من مسيلمة الكذاب فى نجد الى طليحة بن عبيد الله وعمرو بن معد يكرب وقومه فى اليمن وحضرموت .
لو عاش مسلمة الكذاب لكان مثل رفيقيه طلحة بن عبيد الله و عمرو بن معد يكرب ، الذين صاروا من أبطال الفتوحات . قريش بعد إخماد حركة الردة رأت أن تقود الأعراب المرتدين سابقا ــ وغيرهم ـ فى الفتوحات لتوجه قوتهم الحربية وغرامهم بالسلب والنهب الى خارج الجزيرة العربية ، لتكسب بسيوفهم مُلكا جديدا ولتنجو من شقاقهم وسيوفهم . وهذه الفتوحات ( التى حملت إسم الاسلام زورا وبهتانا ) هى نفس الحروب الجاهلية بين القبائل وما تتضمنه من سلب ونهب وقتل و سبى ، ولكن خارج الجزيرة العربية ، وعلى نطاق عالمى واسع . وكان الأمر مغريا للأعراب فقد سوغته لهم قريش بزعامة الذين مرودا على النفاق بأن هذا ( جهاد إسلامى ) يدخلون به الجنة وفى نفس الوقت يمارسون فيه غرامهم فى السلب والنهب والاسترقاق على أنه جهاد اسلامى مفروض .
3 ـ عمرو بن معد يكرب دخل الاسلام قبيل موت النبى محمد عليه السلام ، رأى فيها النبى ساعة أو نحو ذلك ، ثم سارع بالردة مع معظم الأعراب ، ثم عاد للاسلام ، وأتاحت له الفتوحات أن يمارس بطولاته الجاهلية من سبى وسلب ونهب وقتل تحت إسم الاسلام . ولهذا جعلوه ( فارس العرب فى الجاهلية وفى الاسلام ). ولهذا جعلنا العنوان هو (عمرو بن معد يكرب فارس العرب فى الجاهلية والفتوحات العربية الجاهلية ) . كان المنتظر أن يُقال ( عمرو بن معد يكرب فارس العرب فى الجاهلية والإسلام ) . لو قلنا هذا لارتكبنا خطيئة فى حق الاسلام .
4 ـ الشهرة الكبرى لعمرو بن معد يكرب أنه فارس مشهور ، وتتأسّس شهرته طبقا للثقافة العربية على الغزو والإغارات بُغية السلب والنهب والسبى والاسترقاق .تلك هى ( القيم العليا ) فى الجزيرة العربية والتى اكتسب بها عنترة بن شداد شهرته برغم كونه عبدا . وبها نال عمرو شهرته وإحترامه ونال إعجاب عمر بن الخطاب الذى قام بتحويل ثقافة العرب الجاهلية ــ فى الإغارة والسلب والنهب والسبى والاسترقاق ــ الى جهاد اسلامى ، مع تناقضه مع تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام ، ومع تشريع الاسلام القائم على العدل والسلام والرحمة وتحريم الظلم والبغى ،
ثالثا : سطور من تاريخ الطبرى عن الفتوحات فى ايران والسلب والنهب والسبايا
بعد القادسية توغلت جيوش العرب تستكمل الاجهاز على الامبراطورية الفارسية . ونقتطف من بين أحداث الفتوحات بعض سطور عن السلب والنهب والسبى :
1 ـ يروى ابن لأحد جنود الفتح ( عبيدالله بن محفز عن أبيه قال: إني لفي أوائل الجمهور مدخلهم ساباط ومظلمها وإني لفي أوائل الجمهور حين عبروا دجلة ودخلوا المدائن ولقد أصبت بها تمثالا لو قسم في بكر بن وائل لسد منهم مسدا ، عليه جوهر فأديته) من الغنائم تمثال من الجواهرسلبه هذا الجندى وحده . فكيف بالباقين .!
2 ـ ويقول ( فلما لبثنا بالمدائن إلا قليلا حتى بلغنا أن الأعاجم قد جمعت لنا بجلولاء جمعا عظيما وقدموا عيالاتهم إلى الجبال وحبسوا الأموال ، فبعث إليهم سعد ( ابن أبى وقاص القائد العام ) عمرو بن مالك بن عتبة بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة . وكان جند جلولاء اثني عشر ألفا من المسلمين، على مقدمتهم القعقاع بن عمرو وكان قد خرج فيهم وجوه الناس وفرسانهم. فلما مروا ببابل مهروذ صالحه دهقانها على أن يفرش له جريب أرض دراهم ففعل وصالحه . ). أى استرضاهم حاكم بابل مهروذ بأن فرش لهم مساحة جريب دراهم ، فتركوه .
3 ـ ويقول عن معركة جلولاء : ( ثم مضى حتى قدم عليهم بجلولاء ، فوجدهم قد خندقوا وتحصنوا في خندقهم ومعهم بيت مالهم ، وتواثقوا وتعاهدوا بالنيران ألا يفروا. ونزل المسلمون قريبا منهم. وجعلت الأمداد تقدم على المشركين كل يوم من حلوان وجعل يمدهم بكل من أمده من أهل الجبال . واستمد المسلمون سعدا فأمدهم بمائتي فارس ثم مائتين ثم مائتين . ) ، وجاءت أمداد للعرب فيهم صاحبنا عمرو بن معد يكرب : ( وجاء في الأمداد طليحة وقيس بن المكشوح وعمرو بن معد يكرب وحجر بن عدي، فوافقوهم قد تحاجزوا مع الليل) وانتهت المعركة بنصرة العرب ، يقول الراوى : (وأتبعهم المسلمون فلم يفلت منهم إلا من لا يعد ، وقتل الله منهم يومئذ مائة ألف، فجللت القتلى المجال وما بين يديه وما خلفه ، فسميت جلولاء بما جللها من قتلاهم.).
4 ــ ويقول الجندى الراوى إنه دخل الفسطاط بعد هزيمة الفرس : ( فيه مرافق وثياب، وإذا فرش على إنسان، فأنبشه فإذا امرأة كالغزال في حسن الشمس ، فأخذتها وثيابها، فأديت الثياب، وطلبت في الجارية حتى صارت إلي ،فاتخذتها أم ولد ). يعنى عثر على فتاة فخلع عنها ثيابها وقام بتسليم الثياب على أنها غنائم ، وطلب تملك الفتاة ، فأعطوها له .! يا للشهامة العربية .!!
5 ــ ويروى آخر : ( أن خارجة بن الصلت أصاب يومئذ ناقة من ذهب أو فضة موشحة بالدر والياقوت مثل الجفرة إذا وضعت على الأرض وإذا عليها رجل من ذهب موشح كذلك فجاء بها وبه حتى أداهما . ) أى سلب الذهب والفضة والدرر، وسلّم الجميع لقادة الجيش ..
6 ــ ويقول عن قائد معركة جلولاء القعقاع بن عمرو : ( وأصاب القعقاع سبايا فبعث بهم إلى هاشم من سباياهم، واقتسموهم فيما اقتسموا من الفيء، فاتخذن فولدن في المسلمين . وذلك السبي ينسب إلى جلولاء فيقال سبي جلولاء ، ومن ذلك السبي أم الشعبي ، وقعت لرجل من بني عبس فولدت فمات عنها ، فخلف عليها شراحيل ، فولدت له عامرا ،ونشأ في بني عبس. ) أى أرسل القعقاع هذا السبايا الى هاشم مندوب سعد بن أبى وقاص ، وتم تقسيم السبايا ضمن الاسلاب أو المنهوبات أو ما أسموه بالفىء . وتحولت الفتيات والنساء الحرائر الى سبايا ، تم توزيعهن ضمن الأسلاب على الجنود ، واشتهرن باسم سبى جلولاء . ومن ذلك السبى أم الشعبى ( عامر بن شراحيل ) الراوية المشهور فى العصر الأموى .
7 ــ أما عن الأسلاب المنهوبة : ( قالوا واقتسم في جلولاء على كل فارس تسعة آلاف تسعة آلاف وتسعة من الدواب ورجع هاشم بالأخماس إلى سعد ) ويروى الشعبى نفسه : ( قال أفاء الله على المسلمين ما كان في عسكرهم بجلولاء وما كان عليهم وكل دابة كانت معهم إلا اليسير لم يفلتوا بشيء من الأموال. وولي قسم ذلك بين المسلمين سلمان بن ربيعة فكانت إليه يومئذ الأقباض والأقسام ...وبلغ سهم الفارس بجلولاء مثل سهمه بالمدائن .. اقتسم الناس فيء جلولاء على ثلاثين ألف ألف، وكان الخمس ستة آلاف ألف. )
8 ـ وكالعادة تم بعث الباقى أو ( الأخماس أو الأربعة أخماس ) الى الخليفة عمر فى المدينة : ( وبعث بالأخماس مع فضاعي بن عمرو الدؤلي من الأذهاب والأوراق والآنية والثياب وبعث بالسبي مع أبي مفزر الأسود فمضيا ) وكانت السبايا من النساء والأطفال ضمن الأخماس التى أرسلت الى عمر فى المدينة .
9 ـ تخيل أطفالك ونساءك سبايا مُرغمون على قطع الطريق من ايران الى المدينة، ثم يتم توزيعهم مماليك وعبيدا على أجلاف العرب .!!
10 ـ متى نكف عن وصف تللك الفتوحات الجاهلية بالاسلامية ؟!!
أخيرا :
1 ـ أبو لؤلؤة جىء به طفلا سبيا ، وتربى فى معسكر إعتقال للأطفال فى العراق ، ونشأ هناك يتيما مقهورا رقيقا مستعبدا ، وتعلم عدة حرف وأصبح مولى ( اى خادم ) للمغيرة ابن أبى شعبة فى خلافة عمر بن الخطاب . خوفا من الانتقام كان عمر قد أجلى أهل الكتاب من الجزيرة العربية ، ومنع الشباب السبى ( أى الذين تم إسترقاقهم وعاشوا فى العراق والشام ومصر ) من المجىء الى المدينة . ولكن إحتاج الى صانع ماهر فأرسل اليه المغيرة بن أبى شعبة أبا لؤلؤة فيروز . عاش أبو لؤلؤة فى المدينة ساكنا هادئا ، لولا أن ذكريات أسره وقتل أهله وإسترقاقه ومعيشته فى معسكرات أطفال السبى فى العراق تجددت وصارت تؤرقه حين رأى أفواجا من أطال السبى يؤتى بهم الى المدينة حيث يُودعون فى معسكرات خاصة بهم. كان يتسلل اليهم ويسمع بكاءهم ، ويمسح على رءوسهم ، ومن هنا تولدت لديه فكرة الانتقام من عمر . كان كالعادة يصلى الفجر مع عمر ، وفى ليلة التنفيذ إقترب من عمر وطعنه فى مقتل ، وطعن عدة أشخاص ، ثم إنتحر.
2 ـ لنتدبر قول الله جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل ) (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ) (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ).
3 ـ ودائما : صدق الله العظيم .!!