هل عادت الحرب بين الفرس والروم؟

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٩ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


1 ـ فى هذه الحلقة لا زلنا نتأمل الحرب الدائرة فى لبنان بين حزب الله وايران من جهة واسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، ونرى أنها ستعيد الصراع القديم بين الامبراطورية الكسروية الفارسية والامبراطورية الرومية البيزنطية ، والذى استمر الى أن ظهر العرب المسلمون فجأة على مسرح التاريخ العالمى فأسقطوا الامبراطورية الشرقية الفارسية ، وحطموا الامبراطورية الغربية البيزنطية وأبقوها رأسا كبيرا فى عاصمتها دون جسد ملائم.

قد يكون هذا الطرح غريبا لذا نرجو من القارىء أن يصبر علينا الى نهاية المقال.

فى المقال السابق وصفنا الصراع بين ايران وأمريكا بأنه صراع على (الجاز) أى البترول ، وأن ايران ترى نفسها الأحق بمناطق البترول فى الخليج والعراق ، وأن هذه المنطقة هىالتى تحتفظ بمعظم احتياطى البترول فى العالم ، ومعنى ذلك أن القوة فى المستقبل ستكون الى جانب الذى يتحكم فى آخر حقل بترول فى هذه المنطقة ، وبدون هذا البترول ـ الذى يتناقص إحتياطييه يوميا ـ فلن تسير مركبة ولن تدور آلة ، إنه العجلة التى تجرى عليها حضارة العالم ، ومن يتحكم فى هذه العجلة ـ يمسك من الآن ـ بزمام المستقبل.

فى مقالات قادمة قد نتعرض لطبيعة الحرب الجديدة فى هذا القرن ،والتى لم تستوعبها أمريكا بعد ، ودور الحرب الأمريكية فى العراق فى دخول العالم الى نهاية عصر الانفراد الأمريكى وتكوين مراكز قوى عالمية جديدة ، ليست ثنائية الأبعاد كما كان من قبل ، ولكن تتوزع أقطابه وتحالفاته ، بينما تتركز فيه المواجهة بين ايران وأمريكا.

وبدون الدخول فى تفصيلات ـ نقول إن الحرب فى هذا القرن تعطى لايران عناصر قوة تستطيع بها مواجهة بل وهزيمة أمريكا. وهذا فى حد ذاته يجيب على دهشة الذين يتعجبون من قيام ايران طرفا فى مواجهة حربية مع امريكا بحيث تعيد الصراع الفارسى البينزنطى القديم.

دعنا نتخيل صراعا يجرى بين ديناصور ونحلة . الديناصوريبلغ حجمه ناطحة سحاب ، مغرور بعضلاته وقوته ، ولكن حجم مخه أقل من واحد على مليون من جسده ، يسير فى الأرض يزلزلها ولكنه لا يرى ما تحت قدميه. النحلة ذكية ورشيقة ولها قرون استشعار تعرف الأرض والهواء والماء ، أى تفهم ميدان المعركة جيدا ، أهم من ذلك أنها تعرف مدى قوة الديناصور وتعرف كيف تستغل قوته ضده. يدور الصراع بينهما ، تلسعه النحلة فينطلق غاضبا يحطم كل شىء ليقبض عليها بمخالبه ، تزوغ منه وتفر سالمة ، ثم تلسعه فى عينه فتصيبه بالعمى فيضرب عشوائيا هنا وهناك محاولا العثور عليها ، تطن الى جانب أذنه فتجتذبه فى هيجانه الى أن يسقط فى وهدة هائلة بين الجبال صريعا تتساقط فوق جسده الهائل أطنان الأحجار والتراب ، بينما تصعد النحلة الذكية الشقية بين الغبار منتصرة.

مقاييس الحرب فى هذا القرن تجعل ايران النحلة الشقية الذكية، وإذا ظلت الادارة الأمريكية تتعامل بعضلاتها مع شعوب العالم فسيكون مصيرها ذلك الديناصورالمسكين.

ولنتذكر أن الديناصور كان فى عصره المتحكم فى العالم برا وبحرا وجوا ، ثم انتهى عصره وجاء عصر جديد لم يفهمه ولم يتأقلم معه ، إنه عصر الثدييات . أكلت بيضه الفئران ـ الثدييات الصغيرة الشقية الماكرة. عجز عن رؤيتها والقضاء عليها. قضت هى عليه فتحول الى حفريات .

حفريات الديناصور أهم مافى المتاحف الأمريكية ، لكن لم تعتبر الادارة الأمريكية بمصير الديناصور وتاريخه، وتلك هى المشكلة الحقيقية للادارة الأمريكية الحاليةفى التعامل مع المسلمين والشرق الأوسط . إنها لا تفهم التاريخ ولا تستفيد من دروسه. بل إن كلمة تاريخ فى الثقافة الأمريكية تعنى شيئا مات وانتهى ولا فائدة منه، فعندما يقول الأمريكى عن شىء ما أو عن شخص ما إنه أصبح تاريخا فهو يعنى أنه مات وانتهى ولم يعد موجودا. أما فى ثقافة العرب والمسلمين فهو العكس تماما ، فالشىء التاريخى والشخص التاريخى والذى يدخل التاريخ هو الأكثر حياة ووجودا حتى بين الفنانين (تأمل حين يتحدث مطرب عريق عن تاريخه الفنى، او تفتخر السيدة الفاضلة فيفى عبده بتاريخها الراقص العريق الذى يربو على نصف قرن )

مشاكل الشرق الأوسط بالذات لها جذورها التاريخية والدينية والمذهبية والطائفية، ولا يمكن أن تتعامل معها دون فهم خلفياتها التاريخية ، فالشرق الأوسط هو مهبط الرسالات السماوية وبداية الحضارة الانسانية ، ومنه تفرع التاريخ الانسانى. وهو الآن مخزن الطاقة البترولية للبشرية، ومن ثم فهو ميدان الحرب فى هذا القرن .

أمريكا تدخل هذا الميدان بعضلاتها فقط معتبرة تاريخ الشرق الأوسط مجرد عدم وماض ميت. العملاق المريكى مجرد طفل وليد لا يتعدى عمره ثلاث قرون من الزمان ، فكيف إذا قيس عمره بعمر أى قرية أو مدينة فى مصر أو الشام أو العراق أو ايران ؟

باختصار فالنحلة الايرانية تعرف أرضها وتاريخها ، بل إن تاريخها هو أساس دينها الشيعى ، فالتاريخ لديها مقدس، وطقوسه جزء من حياتها اليومية والسنوية تمارسه فى المكان وفى الزمان ؛فى المساجد والحوزات ، و فى عاشوراء وسائر الأعياد والموالد. اما الديناصور الأمريكى فهو يكرر خطأه فى فيتنام ، ولا يعتبر بسقوط غريمه ـ الديناصور السابق ـ الاتحاد السوفيتى فى كهوف أفغانستان.مع إنها نفس أفغانستان التى تحتضن جبالها القاعدة الآن، ومنها تشن حربا فكرية فى وجه أمريكا . هذه الحرب الفكرية أساسها الدين والتاريخ. والادارة الأمريكية تطارد هذه الحرب الفكرية بعضلاتها العسكرية فهل تستطيع كل صواريخ العالم أن تطارد أفكارا دينية ؟ والادراة الأمريكية تحتل العراق،فتضع نفسها بجانب عش النحلة الايرانية وتتعرض للسعها . والآن تفرض النحلة الشقية الذكية على العملاق الأمريكى أن يخوض حربا مجهولة فى المستنقع العراقى كلما حاول الخروج منه ازداد غوصا فيه، ومع ذلك لا يعتبر ولا يفهم ، ويزداد تمسكا بخطئه فتجذبه النحلة الشقية الماكرة ومعه اسرائيل الى مستنقع لبنانى أكثر تعقيدا وخطورة، وقد يكون هو الوهدة الأخيرة للنظام العالمى الجديد !!

 

أرجو بهذا التبسيط أن يعرف القارىء أن ايران كفؤ لأمريكا فى حرب جديدة تعرفها ايران جيدا بينما تجهلها أمريكا جيدا.

 

2 ـ يأتى السؤال التالى ، طالما نحن فى الشرق الأوسط وجذوره التاريخية الحية المؤثرة فهل هناك من تشابه بين الحرب الحالية بين ايران وأمريكا والحرب القديمة بين الفرس وبيزنطة؟

أقول نعم.

ونعطى بعض الملامح فى ايجاز.

· النظام الايرانى الآن سياسيا وثقافيا وشيعيا أقرب ما يكون الى النظام الكسروى، نفس الدولة الثيوقراطية ، والتشيع الاثناعشرى فى ايران هو ترديد أمين للعقائد الفارسية القديمة قبل الاسلام ولكن برموز وأسماء عربية واسلامية.

· أمريكا أقرب ما تكون الى روما ونظامها السياسى ومجالس شيوخها من السناتورز ، ومع هزيمة روما وسقوطها وتحول القوة الى الدولة الرومانية البيزنطية فى القسطنطينية فإن وجه الشبه لا يزال فى الثقافة المسيحية بين الادارة الأمريكية الجمهورية من المحافظين الجدد والتمسك بالمسيحية لدى البيزنطيين.

· كان الفرس والروم يتنازعان السيطرة على الشرق الأوسط ، وهو ما يحدث الآن بين ايران وأمريكا ، وهذا التنازع سيحتدم فى المستقبل القريب .

· كانت الحرب بين الفرس والروم تتم أحيانا بالمواجهة بين ( القوتين العظمتين )، وتقع المواجهة فى مناطق النفوذ وهى الشام والعراق وآسيا الصغرى. وإذا قامت تلك المواجهة المباشرة بين ايران وأمريكا اليوم فستكون فى نفس المنطقة بالاضافة الى الخليج العربى.

· كانت الحرب تتم أحيانا عبر وسيطين أحدهما تابع للفرس والآخر تابع للروم. بعد سقوط سد مأرب هاجر معظم العرب القحطانيين من اليمن ، منهم من هاجر الى جنوب العراق ، واستطاع المناذرة منهم تكوين إمارة على الحيرة تدين بالولاء للفرس. بينما هاجر بنو عمومتهم الغساسنة الى جنوب الشام وأقاموا لهم إمارة تتبع النفوذ الرومى. وتحارب أبناء العم ( الغساسنة والمناذرة ) بالوكالة عن أسيادهم الفرس والروم. هذا ـ تقريبا ـ ما يحدث الآن فى لبنان . العرب وبنو اسرائيل ساميون أبناء عمومة ، ينتمون معا الى ابراهيم عليه السلام. وهم يتحاربون بالوكالة عن ايران وأمريكا. لا تقل إن أمريكا منحازة الى إسرائيل ، بل قل إن أمريكا منحازة الى البترول. إسرائيل هنا تابع لأمريكا ، وستفهم فى المستقبل ـ ربما بعد فوات الأوان ـ إنها الخاسرة فى هذا التحالف مع أمريكا، وربما نرجع لهذا الموضوع فيما بعد.

 

3 ـ قد يتساءل القارىء: ولماذا ايران ؟ لماذا لا نقول إن العرب هم الذين فى الصدارة ، وان ايران تساعدهم ضد اسرائيل وامريكا ؟

أقول: إن الدول الحقيقية فى المنطقة هما إثنان فقط ، ايران و مصر. ما عداهما وما بينهما دول مؤقته، ظهرت واندثرت عبر التاريخ ، وستظهر وستندثر فى المستقبل ، ولكن ستبقى ايران ومصر. قد تكون مصر أو ايران محتلة وقد تكون غائبة عن ساحة التأثير ، ولكن تبقى مصر وتبقى ايران دولتين حقيقيتين ، ويبقى إمكانية أن تستفيد أحداهما من عجز الأخرى فى ظل التنافس الأبدى بينهما، ذلك التنافس الذى يظهر حينا ويختفى أحيانا ولكنه موجود ومستمر برغم دورات القوة والضعف لكل منهما. هذه حقيقة تاريخية لا مجال للتفصيل فيها الآن .

مصر وايران ـ معا ـ ركيزتا الشرق الأوسط ، وما بينهما ( الشام والعراق والجزيرة العربية والخليج) مجرد مناطق جغرافية تظهر وتختفى فيه الدول المؤقتة حسب الصراع الدولى فى حالة ضعفهما ، وهو عمق متنازع عليه بينهما إذا كانتا فى تمام عافيتهما.

 

وبسبب التنافس بينهما فهما مختلفان غالبا فى التوجه السياسى والدينى والمذهبى. ينطبق هذا على أدوار التشيع والتسنن هنا وهناك ، فحين كان فى مصر نظام حكم فاطمى شيعى كانت ايران تحت نظام حكم سنى ، وحين عادت مصر عمقا للسنة ظهر فى ايران حكم شيعى متعصب للشاه اسماعيل الصفوى ، وحين تقمصت مصر دور الزعامة للقومية العربية كان الشاه يفخر بفارسيته وعرش الطاووس الايرانى ، وحين دارت مصر فى الفلك السوفيتى كان الشاه الحليف الكبير لأمريكا والصديق المخلص لاسرائيل ، وحين إنضم السادات الى المعسكر الأمريكى وتصالح مع اسرائيل ظهرت ايران الخومينية تعتبر أمريكا الشيطان الأكبر وتحتفل بمصرع السادات الذى استضاف الشاه فى محنته.

مصر فى عهد حسنى مبارك قدمت استقالتها من أى عمل مؤثر ، وبتراجع دورها برز على الساحة من ركب أكتاف مصر من زعماء القومية العربية والمذهبية السنية فى الدول المؤقتة المرحلية فى العراق وشمال أفريقيا والجزيرة العربية. أولئك حاولوا ملء الفراغ المصرى وتزعم ما يعرف بالعالم العربى ففشلوا وفشل بهم العرب وضاعت القومية العربية ، وقام بتشييع جنازتها صدام حين احتل الكويت ، وقرأ القذافى عليها مراسم الدفن حين تحول الى أفريقيا. لا وجود للعرب أو القومية العربية بدون مصر فاعلة ومؤثرة.

بدون مصر خلت الساحة لايران لكى تسيطر على العرب والشرق الأوسط ، ولكى يكون لها موقع فى المستقبل لا بد لإيران أن تسيطر على إحتياطى البترول فى الشرق الأوسط قبل أن تستنفده أمريكا. هذا البترول سيكون فى المستقبل رحيق الحياة.

تسيطر أمريكا واسرائيل على الشرق الأوسط فى ظل الغياب المصرى. أى انهما معا مشكلة ايران فى سعيها للسيطرة على العرب . بمواجهة أمريكا واسرائيل تتحقق الزعامة الايرانية ، ليس فقط فى الشرق الأوسط بل على مستوى العالم ، وذلك فى ظل معطيات حرب جديدة تجيدها النحلة الايرانية بقدر ما يجهلها الديناصور الامريكى.

 

4 ـ قد يتساءل القارىء: واين الأمة الاسلامية ؟ لماذا لا نقول الأمة الاسلامية هى التى تتصدر، وان ايران المسلمة تساعد أمتها الاسلامية ضد اليهود والنصارى؟

حقائق القرآن الكريم وحقائق التاريخ وحقائق الواقع المعاش فى العراق الآن ينفى ما يسمى بالأمة الاسلامية. نعم هناك (أمم شيعية ) بمذاهب شيعية تتفق فى الأساسيات وتختلف فى الفرعيات ، وهناك أمة سنية لا يمكن أن تتفق أبدا مع الأمم الشيعية . الحرب بين الأمتين الشيعية والسنية بدأت مع بداية الفتوحات العربية ولا تزال تلك الحروب بين السنة والشيعة متصلة حتى الآن. وبعض هذه المعارك تشكل أساس الدين الشيعى مثل كربلاء وعاشوراء، ومن يقرأ تاريخ العصور الوسطى فى الخلافة العباسية يرى ما عاناه حى الشيعة فى الكرخ فى بغداد طيلة قرون من اعتداءات السنة، ومسلسل معاناة الشيعة مستمر من العصور الوسطى الى العصر الراهن ، والعداء بين المتعصبين من الجانبين يهون الى جانبه عداء الفريقين معا لأمريكا واسرائيل. وكل محاولات التقريب بين المذاهب هى فترات التقاط أنفاس وهدنة فى صراع متصل بين الفريقين ، ومحاولة لأن يخدع بها احد الطرفين غريمه.

هذه حقائق مؤلمة لا بد من قولها والاعتراف بها إذا أردنا حلا حقيقيا لها. أما القفز عليها بشعارات خادعة فهو تضليل آن له أن ينتهى حرصا على الدماء البريئة التى تجرى كل يوم فى العراق.

ليس هناك أمة مسلمة واحدة ، هذه حقيقة. ولكن هناك حقيقة أكثر إيلاما ، هى أن هذا الشتات من المذهبيات السنية والشيعية المتنافرة والمتصارعة يفتقر الى زعامة قوية وقضية يتحد حولها ضد عدو مشترك . بل إن هذا الشتات يمكن أن يستضيف شتاتا آخر من كل العالم غير المسلم تحت راية المستضعفين من الأرض، هذا العالم يتكون من الجماهير الساخطة والباحثة عن زعيم يأتى من رحم الغيب على فرس أبيض يحمل لهم الخلاص والعدل والرفاهية ، لايهم إن كان فيفا زاباتا أو جيفارا أو المهدى المنتظر، لا يهم أن يكون القائد شافيز أو حسن نصر الله ، المهم أن يكون العدو أمريكا.

وعليه فأنها فرصة لايران الشيعية أن تسود المسلمين وغيرهم من المستضعفين فى الأرض تحت شعار الجهاد ضد المستكبرين فى الأرض ؛أمريكا واسرائيل. وسياسة أمريكا المتحيزة وقسوة اسرائيل فى الهجوم على المدنيين فى فلسطين ولبنان يعطى ايران بشائر للنصر من الآن ، ويكفى ان القاعدة ـ أكبر تنظيم متعصب ضد الشيعة ـ مد يديه للجبهة الايرانية ، اى إن الحرب التى تخوضها أمريكا واسرائيل على لبنان وفلسطين اليوم ستمكن ايران من أن تتزعم بليون ونصف بليون مسلم بالاضافة الى مئات الملايين من الشعوب الأخرى فى هذه القرية الكونية الصغيرة ، وتواجه باسمهم العملاق الأمريكى .

 

5 ـ ولا يزال القارىء يتساءل: إذا كان الأمر هكذا ، فماهى العلاقة التاريخية بين ايران والفرس وبين أمريكا والروم؟ وما صلة ذلك فى الصراع العالمى بينهما؟.

 

أقول : منذ أن بدأ التاريخ العالمى والعالم ينقسم الى قوتين عظمتين متصارعتين ، شرقية وغربية. بدأ الصراع الحربى بين القوة الغربية تمثلها مصر الفرعونية فى عهد رمسيس الثانى والقوة الشرقية فى دولة الحيثيين ، وعقدت أول معاهدة صلح فى التاريخ ، ثم استمر صراع الشرق والغرب ، وأتسعت بينهما المنطقة الوسطى التى يدور حولها وفيها الصراع والاستقطاب ، وهى الشرق الأوسط.

 

فى القرن الماضى برز الاتحاد السوفيتى مقابل أمريكا، واتسعت أرض المواجهة لتشمل الى جانب الشرق الأوسط أماكن أخرى فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.

 

فى فترة تاريخية استثنائية استطاعت المنطقة الوسطى ـ ميدان المعارك بين القوتين المتصارعتين ـ ان تنهض وأن تمسك بزمام الصراع العالمى وتمثل إحدى القوتين . جاء هذا الانقلاب من نقطة لا يأبه بها أحد فى ذلك الوقت ؛ من الجزيرة العربية . انطلق العرب بعد موت النبى محمد عليه السلام فى موجة غزو هائلة تحارب القوتين الشرقية والغربية معا، وفى مدة قياسية دمروا تماما القوة العظمى الفارسية ، بل تجاوزوها وامتدت فتوحاتهم الى اواسط آسيا وحدود الصين والهند شرقا ، وفى المعسكر الغربى هزموا القوة الرومية وحاصروا عاصمتها مرتين،وأصبح البحر المتوسط بحيرة عربية وواصلوا القتوحات الى جنوب فرنسا.

 

بهذا أصبح العرب يمثلون القوة الشرقية مقابل أوربا والغرب.

بالفتوحات أصبح للعرب عدوان:

أحدهما خارجى يتمثل فى الدولة البيزنطية الرومية ، وقد استمر الصراع بين الدولتين الأموية والعباسية والبيزنطيين ، يتبادلان النصر والهزيمة ، ثم جاء الصليبيون فاحتلوا مناطق من سوريا وآسيا الصغرى، هذا هو العدو الغربى خارج الحدود.

العدو الآخر فى الداخل ، وهو ابناء الامبراطورية الفارسية العريقة التى دمرها العرب ، والتى تحول أهلها داخل الامبراطورية العربية الجديدة الى ( موالى ) أى عبيد او مواطنين من الدرجة الرابعة فى العصر الأموى. كان أولئك الموالى من الفرس أعمدة كل ثورة على الأمويين. وبدأ فيهم ظهور التشيع، وفيه تحولت العقائد الفارسية ( فى الايمان بالاهين أحدهما للخيروالنور وألاخر يمثل الشروالظلام) الى ما يعرف عند الشيعة بالتبرى والتولى ، أو حب وتأليه على بن أبى طالب وبنيه ممثلا للخير والنور، وبغض ولعن أبى بكر وعمر وعثمان ومعاوية ممثلين للشر والظلام . وأذا فكرت فى آلهة الشر عندهم وجدت أنهم الذين قاموا باسقاط الملك الفارسى ( أبو بكر وعمر وعثمان .. الخ ).

ثم استطاع الفرس اسقاط الدولة الأموية فكانوا عماد الجيش العباسى بقيادة ( أبو مسلم الخراسانى ). وكانت ميولة فارسية فقتله العباسيون فثار أتباعه على الدولة العباسية بزعامة ابنته فاطمة. وارتبطت ثورات الفرس التالية على الدولة العباسية باحياء العقائد والأديان الفارسية ، مع وجود الشعوبية أى التعصب للقومية الفارسية ، وأنواع مختلفة للتشيع الظاهر الصريح والخفى الباطنى. واستطاع الشيعة الفرس اقامة دول لهم فى ايران كأن أهمها دولة الصفويين ،وقد قتل بسببها اسماعيل الصفوى أكثر من مليون شخص. وقد قام اسماعيل الصفوى بالايقاع بين الدولتين السنتين المملوكية والعثمانية ، و تسبب فى اسقاط الدولة المملوكية على يد الدولة العثمانية سنة 1517.

وفى النهاية جاءت الدولة الشيعية الفارسية الحالية مزيجا من القومية الفارسية والدين الشيعى الفارسى . جاءت تجدد فى عصرنا سيرة الدولة الكسروية وصراعها مع القوة الغربية التى تصادف أنها أمريكا فى هذا العصر. وصراعها مع أمريكا يحقق هدفها فى تزعم الشرق واستغلال موارده. جاء هذا الصراع فى ظروف مواتية لايران : عالميا بكراهية هائلة لأمريكا واسرائيل ، واقليميا بخروج مصر ـ المعادل الاقليمى لا يران ـ من الساحة، وعربيا بأعلان الجامعة العربية وفاة الأشقاء العرب.

ولا عزاء للأخ الشقيق حسنى مبارك ...!!

اجمالي القراءات 23613