إنها علاقة المافيا بالسلطة والملوك، وقبل أن أتطرق إلى "الثعلب كارلوس" أود أن أوضح ماذا أعني بكلمة "الملوك" فكل حاكم عندي هو ملك، عملاً بقوله تعالى {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء} صدق الله العظيم، فكل حاكم هو ملك، سواء أكان رئيساً أم أميراً أم سلطاناً أم ملكاً، أم رئيساً للوزراء بصلاحيات موسعة.
أما "الثعلب كارلوس" فهو لمن لا يعرفه، كان زعيماً لمافيا عالمية، كان يسيطر على كافة الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، كان له صولات وجولات، رجل إستوحى منه المؤلفون حكايات وروايات، له من القدرات الخارقة، والملكات الشخصية الكثير، فهو بارع في التزوير والتخفي، وقد عصى على أعتى أجهزة المخابرات العالمية، ولم تتمكن من إلقاء القبض عليه، حتى سقط عام 1994م، في دولة السودان، ليحاكم في فرنسا، بعدة تهم منها مقتل ثلاثة أشخاص في باريس عام 1975م، منهم شرطيين فرنسسين وشخص ثالث، أيضاً إتهامه في الضلوع في هجمات نفذت في فرنسا وأودت بحياة أحد عشر شخصاً، بخلاف تفجير قطارات، والهجوم على مطارات إلخ، يقطن الآن تحت المراقبة والحراسة المشددة بسجن "لو سانتي" بفرنسا، هو السجين X رقم 872686، فمن يكون :
هو "إليتش راميريز سانشيز"، وإسمه الحركي كارلوس، ولقبته أجهزة الأمن والمخابرات العالمية بـ "الثعلب كارلوس" ولد يوم 12 أكتوبر 1949م، لأسرة فنزويلية ثرية، ودرس المرحلة الجامعية في موسكو، قبل أن ينضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ودخل الإسلام عام 1975م، وأعلن إسلامه عام 1991م، بالأردن في عهد الملك حسين، عاش فترة من صباه في لندن ثم إنتقل إلى لُبنان، تعاطف مع القضية الفلسطينية حتى إنضم إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1975م.
أشهر جرائمه، إحتجاز وزراء النفط في الدول الأعضاء في منظمة الدول المنتجة للبترول "أوبك" في العام 1975م، أثناء اجتماعهم في فيينا العاصمة النمساوية، حيث إختطف هو وخمسة من رجاله أثناء ذلك الإجتماع، 70 شخصاً بينهم 11 وزيراً للنفط ! وبعد الإختطاف قام بنقلهم إلى الجزائر.
إن جرائم "الثعلب كارلوس" ومغامراته ليست هي محور كتابي هذا، فالمحور الرئيسي هو العلاقة بين المافيا والملوك، والتي قد تستخدم أحياناً، بشكل علني، بدون حرج من الملوك، نعم تلك حقيقة مرة، إن "لثعلب كارلوس" كان أحد الداعمين بشدة للقضية الفلسطينية، لكنه في ذات الوقت، زعيماً لمافيا دولية، لا تعمل إلا لحساب الكبار، وعلى رأسهم الملوك، إضافة إلى ذلك، كان كارلوس، صديقاً لهم، بينما هم من يحكمون شعوباً بالملايين.
إننا عندما نمر على الدول التي عاش بها كارلوس وبعض رحلاته، سنكتشف العلاقات الوطيدة بين كارلوس والملوك :
فقد سمح له الرئيس الجزائري "هواري بومدين" بالهبوط بالطائرة التي حملت المختطفين من وزراء البترول عام 1975م، وإستقبله في المطار وقتها وزير خارجية الجزائر "عبدالعزيز بوتفليقة" رئيس الجزائر الحالي، وزودت الجزائر الطائرة بالوقود، بل وحصل كارلوس على مبلغ خمسين مليون دولار، حتى يفرج عن الرهائن.
عاش كارلوس في الجزائر في العام 1975م، في إحدى الفيلات التي أهداها له الرئيس الجزائري/ هواري بومدين، كما رفضت الجزائر تسليم كارلوس، على الرغم من تعدد طلبات الدول بتسليمه.
في سبتمبر عام 1976م، تم إلقاء القبض على كارلوس ببلجراد عاصمة يوغسلافيا، ولكن الرئيس اليوغسلافي/ تيتو، أمر بإطلاق سراحه بعد أربعة أيام من القبض عليه.
بعد العام 1976م، سافر كارلوس إلى سوريا، برعاية من الرئيس/ حافظ الأسد، الذي أمن له السيارات والحراسات.
في العام 1977م، إنتقل كارلوس إلى اليمن الجنوبي، ليقطن بأحد القصور التي دفع ثمنها الرئيس الليبي/ معمر القذافي، وتحت رعاية رئيس اليمن الجنوبي/ سالم ربيع علي.
إنتقل كارلوس في العام 1991م، ليعيش بالسودان تحت رعاية الزعيم/ حسن الترابي.
بقي سؤال هام، لماذا يصادق الملوك زعماء المافيا، وهم الخارجون عن القانون، بينما الملوك، هم داعمي دولة القانون أمام شعوبهم، إنها علاقة التناقض، لكنها موجودة، حتى وقتنا هذا، فالمافيا في إيطاليا، على علاقات وطيدة ببعض الملوك، ومعظم أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية، ذلك لأن المافيا، يحتاجها الملوك، فهي تقدر في مواقف، على ما لا تقدر عليه الدول، فعلى سبيل المثال : طلبت سوريا من كارلوس في العام 1982م، تفجير مجلة الوطن العربي بباريس، لأنها كانت تنتقد نظام الأسد في سوريا !.
قد يرد البعض بأن "الثعلب كارلوس" كان أحد المدافعين عن القضية الفلسطينية، وأحد المحاربين ضد الصهيونية، لكن الإجابة، هي أن كارلوس، كان يقتل أبرياء، وكان يحصل على المقابل المادي نتيجة أعماله، فلا مبرر لقتل النفس بدون وجه حق، كما أن أصحاب القضية، لا يناضلون لأجل مقابل.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت