يتحدّث جهاد عودة عضو اللجنة العليا لسياسات الحزب الحاكم التي يترأسها جمال مبارك في مصر عن نهاية محمد البرادعي وتراجع مكانته السياسية بسبب غيابه المتواصل عن البلاد. ويؤكد عودة في مقابلة مع (إيلاف) أنّ الإخوان المسلمون يسعون للانقلاب على مؤسسات الدولة.
جهاد عودة عضو اللجنة العليا لسياسات الحزب الحاكم في مصر |
القاهرة: قال الدكتور جهاد عودة القيادي في الحزب الوطني الحاكم في مصر، إن جماعة (الإخوان المسلمون) انسحبت من جولة الإعادة بالإنتخابات النيابية، لأنها تدبر لعمل إنقلابي، وأضاف عودة في حوار مع "إيلاف" إن المعارضة المصرية والجماعة تسعيان معاً لما وصفه ب"خلق بيئة إنقلابية" على مؤسسات الدولة الرئيسة، مثل إنشاء "برلمان موازي"، معتبراً أن ذلك غير قانوني.
ووفقاً لعودة الذي يشغل عضوية اللجنة العليا لسياسات الحزب الحاكم التي يترأسها جمال مبارك فإن "الدكتور محمد البرادعي أنتهي، وتراجعت مكانته السياسية"، بسبب غيابه المتواصل عن البلاد وعدم استناده إلي مؤسسات الدولة في العمل، وعدم تمتعه بكاريزما.
وأتهم عودة الذي كان أول من تنبأ بالصعود السياسي لجمال مبارك في كتابه "جمال مبارك والليبرالية الوطنية" في العام 2000، الناصريين بأنهم أول من روجوا لما يسمي بـ"التوريث"، نافياً في الوقت نفسه وجود أية نوايا أو تفكير في توريث الحكم لنجل الرئيس في مصر.
وفي ما يلي نصّ الحوار:
ما تقييمك للإنتخابات البرلمانية في ظل استحواذ الحزب الوطني على الاغلبية المطلقة، واتهامات المعارضة بالتزوير؟
قضي الأمر، لم يعد لأي شخص الحق في تقييم الإنتخابات، بعد ان قالت اللجنة العليا للإنتخابات كلمتها، وأعلنت أنها إنتخابات قانونية وسليمة، وبالتالي نزع عن أي جهة أو شخص الحق في التقييم، لأن تلك اللجنة دستورية، وعلى من يري غير ذلك أن يتجه إلي القانون و القضاء، بدلاً من الصراخ والتظاهر، لأن هذه الأفعال غير قانونية.
احتكمت المعارضة والمستقلون إلي القانون منذ البداية، وصدرت عشرات الاحكام ببطلان الإنتخابات، إلا أنها لم تنفذ؟
تلك الاحكام لم تكن باتة، رغم كل ما يقال عن حجيتها، لأن قانون المرافعات المصري، يسمح للمواطن الطعن على أية أحكام أمام أية محاكم أخرى، حتى ولو كانت غير مختصة، وهو قانون أقوى من قانون محكمة القضاء الإداري التي أصدرت هذه الأحكام. وهذا القانون وضع لصالح المواطن الفرد صاحب المصالح المتضاربة والمتناقضة مع الآخرين، ولكنه يستخدم في اللعبة السياسية، وإذا كانت المعارضة ترى أنه خطأ يجب عليها العمل على تعديله. إذن الوضع القائم حالياً قانوني ودستوري، بغض النظر عن خطئه من صحته، أو أخلاقياته.
لكن الطعن سوف يرفض، وتقول المحكمة الجديدة بعدم إختصاصها في نظر تلك الطعون، وسوف نعود إلي المربع صفر، ما موقف المجلس في تلك الحالة؟
سوف تستغرق المحكمة فترة تصل إلى عدة شهور، لتصدر قرارها، عندها سيكون مجلس الشعب قد عقد أول جلساته، وبذلك يكون قد تم تحصينه، واصبح سيد قراره، وهذه أيضاً حالة قانونية ودستورية.
نحن هنا أمام إشكالية قانونية وليست سياسية، إذ أن قانون المرافعات يحتاج إلي تعديل، بحيث يتم حصر نظر مثل هذه الدعاوى القضائية في إطار محاكم مجلس الدولة فقط. وهناك إشكالية أخرى تخص اللجنة العليا للإنتخابات، حيث منحها الدستور ولاية كاملة على الإنتخابات، لكنه لم يوضح مدي حجية أحكام القضاء الإداري عليها.
وأنا في اعتقادي أن إنتخابات 2010 ، أثارت العديد من الإشكاليات القانونية والدستورية. وسوف تستمر مع أية انتخابات مقبلة، ما لم تتدخل السلطة التشريعية لحلها.
هذا الوضع يصب في صالح الحزب الحاكم الذي يهيمن على السلطة التشريعية، وقد لا يتدخل لحلها؟
ليس للحزب الحاكم أي دخل بها، إنها إشكالية قانونية في صالح أفراد. و يبدو أن المعارضة لا تجيد اللعبة السياسية، فضلا على أن موقفها القانوني ضعيف، وقد أدركت ذلك مؤخراً، ولذلك خف صوتها.
هذا هو الرأي القانوني، لكن ما تقييمك للإنتخابات كسياسي و قيادي في الحزب الوطني؟
بوصفي قيادي في الحزب الوطني، أعتقد أن الإنتخابات سليمة. وليس معني سقوط أو هزيمة رموز المعارضة أنها ليست كذلك، وهناك الكثير من الأسماء كنا جميعاً نتوقع سقوطها، بسبب ظروف تغيير الدائرة التي ترشحوا فيها، أو بسبب عدم تقديم خدمات واضحة للأهالي، أو بسبب إنشغاله عن دائرته بأمور أخرى.
لكن منظمات المجتمع المدني التي أرتضاها الحزب الوطني مراقباً للإنتخابات قالت إنه وقعت أعمال تزوير واسعة؟
لم تكن تلك المنظمات تراقب الإنتخابات، بل تتابعها. لأن من يراقب يمكنه التدخل في أي وقت، وإيقاف ما يعتقد أنه تجاوز أو مخالفة، ويعتبر ذلك تدخلاً في عمل اللجنة العليا للإنتخابات، التي تمتلك وحدها سلطة التدخل في سير العملية الانتخابية.
كما أن تلك المنظمات مارست عملها بناء على حكم قضائي، وليس بناء على رغبة الحزب الوطني، ووفقاً لحكم القضاء، فإن دورها يقتصر على المتابعة من خارج اللجان، و ليس المراقبة، وبذلك تكون التقارير التي أصدرتها غير قانونية، لا يمكن الإعتداد بها، لأنها تقارير مراقبة موضوعية، وليس تقارير متابعة شكلية. إذن القول الفصل كان للجنة العليا للإنتخابات التي قالت إن الانتخابات سليمة.
لكن هناك الكثير من التجاوزات التي رصدتها كاميرات الإعلام، وكانت سبباً في إنسحاب الوفد و الإخوان من جولة الإعادة؟
في رأي الشخصي، حزب الوفد لم ينسحب من جولة الإعادة، كما أنه على مدار تاريخه منذ منتصف الثمانينيات، لم يحصل في أية إنتخابات إلا على 5 أو 6 مقاعد، وهو الرقم نفسه الذي حصل عليه في انتخابات 2010.
وفي رأيي لم ينسحب سوى جماعة الإخوان المسلمون. ولم يكن انسحابها نتيجة للتزوير، فقد حدثت تجاوزات وعنف أكبر في الإنتخابات الماضية في العام 2005، ولم تنسحب الجماعة، ولكن جاء قرار الإنسحاب بسبب تغيير الإخوان استيراتيجيتها للسعي لعملية إنقلابية، وهناك اجتماعات سرية جرت في هذا الإتجاه، منها إجتماعاً عقد في مكتب الإرشاد بين المرشد العام الحالي محمد بديع والمرشد العام السابق مهدي عاكف، الذي اتهم خلاله الأخير الأول بأنه ساهم في تدهور أحوال الجماعة، وزرع بذور الانشقاق بين أعضائها، و عدم تحقيق مكاسب في الإنتخابات، وخسارة المقاعد التي حصلت عليها في 2005.
و يعتبر قرار الانسحاب خروجاً على تقاليد الجماعة التي تسعي دائماً للمشاركة، فحسن البنا كان يشارك في الإنتخابات رغم سقوطه فيها كل مرة، ولذلك فهي تسعي للعودة إلي العمل التنظيمي السري مرة أخرى.
وكل ما يقال حالياً حول ما يسمي بـ"البرلمان البديل أو البرلمان الشعبي" الذي تدعو إليه المعارضة والإخوان يعتبر في سياق "خلق بيئة انقلابية"، من حيث إهدار شرعية مؤسسات الدولة الرئيسية. وليس محاولة للتغيير السلمي. وتلك أعمال غير قانونية.
المعارضة تقول إنها تلجأ إلي التظاهر و إنشاء المؤسسات الموازية، بسبب إغلاق المنافذ السياسية الشرعية في وجهها؟
كانوا يقولون ذلك في الماضي، عندما كان قانون الطوارىء يشمل كل أوجه الحياة، لكنه في الوقت الراهن لا يطبق في إلا في قضايا الإرهاب والمخدرات فقط، ولم يعد لها حجة في عدم ممارسة العمل السياسي، لأنها أحزاب ليس لها أي أرضية لدي المواطن، وليس لديها أي تنظيم حزبي مؤسسي، بعكس الحزب الوطني الذي يمتلك بنية مؤسسية تنظيمية راقية جداً.
وكان الحزب الوطني نفسه لا يختلف عنها كثيراً من حيث الضعف إلي كان العام 2005، الذي كان عاماً فارقاً في تاريخ الحزب، إذ كشفت الإنتخابات النيابية عن وجود أزمة بداخله، فضلاً على ضعف تنظيمي بداخله، فقام بإحداث عدة تغييرات، خرج الراحل كمال الشاذلي من أمانة التنظيم.
وهل فوز الحزب الوطني ب 424 نائباً في مجلس الشعب يعبر عن شعبيته في الشارع؟
هناك فرق بين التمثيل الشعبي والتمثيل البرلماني، فمثلاً عمرو دياب لديه شعبية طاغية، لكنه لو ترشح للإنتخابات في دائرته، لن ينجح.
وكذلك لاعبي كرة القدم. إنه تمثيل مصالح في كل دائرة، فالناس تذهب إلى صناديق الاقتراع، لاختيار الأقدر على تحقيق مصالحها.
وبالتالي فإن النتائج لا تدل على شعبية أي حزب سياسي، بل تدل على شعبية النائب في دائرته، لأنها انتخابات فردية وليست بنظام القائمة الحزبية.
في اعتقادك هل أحزاب المعارضة قادرة على تقديم مرشح للإنتخابات الرئاسية ينافس الرئيس مبارك؟
أي مرشح سوف ينافس الرئيس مبارك سوف ينال هزيمة ساحقة، لأن الرئيس مبارك قيادة تاريخية، هذا في حالة ترشحه، وهذا هو الاحتمال الأرجح، وحتّى الآن لا يوجد قرار في الحزب يحدد مرشح الرئاسة، ولا من هو البديل في حالة عدم رغبة الرئيس في الترشح.
من وجهة نظرك، هل تعيين سبعة أقباط في مجلس الشعب محاولة لترضيه الاقباط بعد حادثة كنيسة العمرانية؟
لا، مطلقاً. لأن الترضية تعني إختيار شخصية مؤسسية، أي تنتمي إلي مؤسسة الكنيسة، وأعتقد أن الشخصيات القبطية السبعة، ليس من بينهم من هو يعمل في الكنيسة.
وفي اعتقادي أن اختيار المعينين العشرة، يخضع لاعتبارات أخرى، لها علاقة بالكفاءات الفنية والسياسية، فمثلاً تعيين المستشار محمد الدكروري يخضع لإعتبارات فينة لأنه كفاءة قانونية، وكذلك المستشار انتصار نسيم، في حين جاء اختيار جمال أسعد وامينة شفيق سياسياً. إذن الإختيارات لم تتم بناء على فرضية المسلمين والأقباط.
هل تراجعت أسهم الدكتور محمد البرادعي مؤخراً خاصة في ظل غيابه فترة طويلة عن مصر خلال الانتخابات، حسب وجهة نظرك؟
البرادعي انتهى، بمعني أن السياسة المصرية قد تجاوزته بمراحل، لكن ما يحدث من محاولات المعارضة والإخوان لخلق بيئة إنقلابية، مثل الدعوة لتأسيس مؤسسات موازية لمؤسسسات الدولة الشرعية، أعادت إحياء البرادعي مرة أخرى، فبدأ في عقد مؤتمرات والظهور إعلامياً.
وفي رأيي أنه لن ترتفع أسمه من جديد كما كان في السابق، لأنه ليس لديه كاريزما ولا يعتمد على مستشارين إعلاميين، فضلاً على أنه شخصية وظيفية أي انه موظف أكثر منه سياسي، وليس لديه برنامج سياسي واضح. هذا بالإضافة إلي انه غير متواجد في مصر باستمرار، و كلما غاب، كلما تعرض للنسيان من قبل الجماهير.
بمناسبة ما تقول إنه "خلق بيئة إنقلابية"، هل من الممكن إعتقال البرادعي في إتهام كهذا، بما أن القانون يحظر ذلك؟
لا، البرادعي لن يتم أعتقاله، فقد هبطت مكانته في السياسة المصرية، وصار هناك رموز أخري مثل حمدين صباحي، مصطفي بكري. وهو لن يستمر طويلاً، لأنه لا يستند إلي نظام مؤسسي، كما لم يستطع اخرون الإستمرار، ومنهم ايمن نور، عبد الحليم قنديل، عزيز صدقي، حسن نافعة. فضلاً على العديد من الحركات السياسية المعارضة مثل "كفاية"، كلها لم تستطع الإستمرار، لأنها لا تستند إلي مؤسّسة، ولا تمارس العمل السياسي من خلال مؤسسات الدولة.
البعض يري أنك أول من تنبأت بالصعود السياسي لجمال مبارك، وحاولت التأصيل لما يسمي بـ"التوريث"، ما تعليقك؟
الأستاذ جمال مبارك تعلم أو استوعب الدرس من المعارضة مبكراً، وبدأ صعوده السياسي مؤسسياً من خلال الحزب الوطني، فقد كان يريد العمل من خلال حزب جديد هو حزب المستقبل، لكنه لما فكر جيداً، وجد أنه من الأفضل العمل من مؤسسات الدولة القائمة.
ولم يهبط على الحزب بطريقة فوقية، بل جاء بفكر متطور، وتفرغ للحزب. وبالتالي استمر في الصعود السياسي.
هل هناك تفكير او إتجاه لتوريثه الحكم، حسبما تروج المعارضة خاصة بعد إجراء التعديلات الدستورية الأخيرة؟
ليس للتعديلات الدستورية أية علاقة بجمال مبارك، وليست هناك أية نوايا أو تفكير في التوريث. وفي إعتقادي أن الناصريين هم من يقفون وراء "موضوع التوريث"، فالحزب العربي الناصري أول من بدأ الحديث عن التوريث، في إطار الحرب ضد الحزب الوطني، وتزامن ذلك مع صعود حمال سياسياً. لكن ذلك الأمر غير مطروح.