مَنْ ذا الذي دفن وأهدر حكم النقض في قضية «الأخوان بكري»؟
بقلم فريد الديب المحامى ١٠/١/٢٠٠٨
تابعت مع ملايين المشاهدين في ليلة رأس السنة من خلال برنامج «القاهرة اليوم« علي شاشة «الأوربت« حديثاً للأستاذ مصطفي بكري، رئيس تحرير جريدة «الأسبوع»، قال فيه إنه ليس صحيحاً ما ذكره متحديه الأستاذ طلعت السادات في البرنامج نفسه من أن حكم محكمة النقض في القضية المتهم فيها مصطفي وشقيقه محمود بكري بالقذف والسب في حق الدكتور محمد عبدالعال حسن، قد أوقف تنفيذه بقرار من النائب العام.
وقال بكري في البرنامج إن الصحيح هو أن وقف التنفيذ تم بحكم من محكمة الجنايات التي كان يرأسها المستشار أحمد العشماوي (وألمح إلي ما هو معروف عن المستشار أحمد العشماوي من تشدد).
وراح يتلو فقرات مما ورد في أسباب الحكم، ثم تلا منطوق الحكم الذي قضي بإيقاف التنفيذ مؤقتاً لحين البت في طلب الالتماس المقدم إلي النائب العام، إما بحفظه أو بتقديمه لمحكمة النقض لكي تفصل فيه. وعند هذا الحد سكت بكري، ولم يذكر للناس شيئاً عما قرره النائب العام في طلب التماس إعادة النظر، هل رفضه أم قدمه لمحكمة النقض خلال الأجل المقرر قانوناً، أو حتي بعد انقضائه للفصل فيه، وهذا هو لب الموضوع.
وكان غريباً للغاية أن أحداً من محاوريه (الأستاذ عمرو أديب والأستاذ أحمد موسي)، لم يسأله في هذه المسألة، وتركاه يأخذ المشاهدين والسامعين بعيداً، يطوف بهم ويقلبهم حول موضوعات أخري، وكأنه فرغ من إيضاح سلامة موقفه، علي الرغم من المعلومات المغلوطة التي ذكرها.
ولأنني رجل قانون يجل ويقدس الأحكام القضائية، لم أستطع الصمت علي حق أعرفه جيداً، وقررت إجلاء الحقيقة الكاملة في هذه القضية، وإذا كنت أنشر هذا المقال في «المصري اليوم»، فإنني أدرك جيداً مدي مصداقيتها وانحيازها الدائم للرأي والرأي الآخر، وهو ما يمنح الأستاذ مصطفي بكري أو أي طرف آخر في هذه القضية حق الرد والتعقيب، في الجريدة نفسها، ولست بحاجة إلي التأكيد علي أنني أنحاز أيضاً للحوار والنقاش الإيجابي والحر حول جميع القضايا.
منذ تولي النائب العام، المستشار عبدالمجيد محمود، مهام منصبه الرفيع والخطير تميز عمل النيابة - بدءاً من النائب العام ونزولاً إلي أصغر معاون نيابة - بالشفافية، والعدل، والمساواة بين الجميع، واحترام أحكام القضاء، وعدم تمييز أي إنسان كائناً من كان شأنه، وزيراً كان أو خفيراً، مسنوداً كان أو غير مسنود.
ومن هنا اختفت المجاملات، مثلما اختفي الرضوخ لأي ضغوط، كما اختفي الإفتئات علي حقوق الأمة، فانتشر العدل، وسادت الطمأنينة بين ربوع الوطن.
وكل ذلك علامة فارقة هائلة تميز عهده وشخصه النزيه.
غير أن الناس يتهامسون ويتغامزون في جميع أنحاء البلاد حول السر الذي يكمن وراء قضية مصطفي بكري - رئيس تحرير صحيفة «الأسبوع»، هو وشقيقه، ويثيرون لغطاً، نعوذ بالله من أن يعْلق بالثوب الأبيض الناصع.
ويأمل الناس أن يصدر قرار حاسم سريع من النائب العام يضع حداً لهذه الملهاة، بل هذه المأساة المفجعة، التي أصابتنا وتصيبنا بصدمة هائلة، ولا نشك في أن تفصيلاتها - التي سنوضحها حالاً - خافية علي سيادته، وأننا متي وضعناها بين يديه فسوف يبادر إلي قرار يقضي علي أي همهمة.
وفيما يلي تفصيلات المأساة وتحت يدنا جميع المستندات التي تثبت صحة كل كلمة:
١ ـ بجلسة ٢٢ من أكتوبر سنة ١٩٩٨ أصدرت محكمة جنايات القاهرة «دائرة المرحوم المستشار حسيب البطراوي شهيد القضاء» حكمها في الجنحة الصحفية رقم ١٥٥٦٦ لسنة ١٩٩٦ جنح حدائق القبة المتهم فيها محمد مصطفي بكري وشقيقه محمود مصطفي بكري بالقذف والسب في حق الدكتور/ محمد عبدالعال حسن،
وقضت فيه حضورياً بمعاقبة المتهمين المذكورين بحبس كل منهما سنة واحدة مع الشغل فضلاً عن إلزامهما بالتعويض المدني المؤقت للمجني عليه المدعي بالحقوق المدنية، وسجّلت محكمة الجنايات في أسباب حكمها وقائع القذف والسب التي قارفها المحكوم عليهما فيما نشراه بصحيفة الأحرار «آنذاك».
٢ ـ وما إن صدر هذا الحكم حتي هّبت بعض القوي الخفية بُغية إنقاذ المحكوم عليهما من الحبس بحجة أنهما طعنا علي الحكم المذكور بالنقض، مع أن مجرد الطعن بالنقض لا يوقف في حد ذاته تنفيذ الحكم المطعون عليه، لكن هذه القوة نجحت في الحصول علي قرار بوقف تنفيذ الحكم لحين الفصل في الطعن بالنقض،
وترتب علي هذا القرار أن ظلّ المحكوم عليهما حرين، طليقين، يمرحان، بعد تجاهل حكم محكمة الجنايات الصادر ضدهما، ويسببان أسي وحسرة لكل المحكوم عليهم الذين دخلوا السجن تنفيذاً لأحكام قضائية واجبة النفاذ، ويتساوون مع الأخوين بكري في المركز القانوني.
٣ ـ وهكذا ظل الأخوان طليقين، يمارسان نشاطهما في صحيفة جديدة أنشآها اسمها الأسبوع، واستمر هذا الوضع زهاء خمس سنوات، حتي نزلت عليهما الصاعقة بالحكم الذي أصدرته محكمة النقض في طعنهما المقيد بجدول محكمة النقض تحت رقم ١٨٤ لسنة ٦٩ القضائية، إذ بجلسة الأول من يونيو سنة ٢٠٠٣ قررت محكمة النقض «دائرة الأحد الجنائية أ» منعقدة في غرفة المشورة عدم قبول الطعن.
فماذا فعل الأخوان بكري..؟
لقد قاما بأمور غريبة أدهشت الناس، ونجحا في الالتفاف حول حكم أعلي محكمة في البلاد.
ممَّا أثار التساؤل: إيه الحكاية بالضبط...؟
وهل يعلم النائب العام الحالي بكل ذلك الذي لم يجر في عهده.. وهل يوافق عليه..؟
٤- ذلك أنه بتاريخ ٣/٦/٢٠٠٣ (أي بعد صدور حكم محكمة النقض بيومين) قدّم وكيل المحكوم عليهما عريضة للنائب العام السابق المستشار ماهر عبد الواحد قال فيها إن هناك واقعة جديدة استجدت ولم تكن تحت نظر محكمة الجنايات التي أصدرت حكم الإدانة،
وأن هذه الواقعة الجديدة هي صدور حكم بتاريخ ٢٥/٥/٢٠٠٣ ضد المجني عليه في قضيتهما (الدكتور محمد عبد العال) بإدانته عن بعض التهم في القضية رقم ١٨٥٤ لسنة ٢٠٠٢ جنايات العجوزة المقيدة برقم ١٩٦ لسنة ٢٠٠٢ كلي شمال الجيزة (وهي تهم لا علاقة لها البتة بوقائع القذف والسب التي أدين الأخوان بكري عنها).
وقالت العريضة إن الحكم علي الدكتور محمد عبد العال في تلك الجناية تنطبق عليه الحالة الثانية والحالة الخامسة من الأحوال الخمس المنصوص عليها في المادة ٤٤١ من قانون الإجراءات الجنائية التي تتكلم عن التماس إعادة النظر، وانتهت العريضة إلي المطالبة بتقديم هذا الالتماس لمحكمة النقض لنظره في أقرب جلسة.
وقد أشّر النائب العام السابق علي تلك العريضة في نفس اليوم - أي في ٣/٦/٢٠٠٣ - بإحالتها إلي المكتب الفني للفحص والعرض.
وانقضي حتي اليوم أربع سنوات وخمسة أشهر دون أن يصدر أي قرار سواء بحفظ الطلب والالتفات عنه أو بتقديمه إلي محكمة النقض...
مع أن المعلوم عن المكتب الفني للنائب العام أنه سريع الفحص.. سريع العرض.. فضلاً عمَّا هو معلوم أيضًا من أن النائب العام يتابع كل هذه الأمور المهمة، بل الأمور التي تقل عنها أهمية.
فما هو السبب في أن طلب الالتماس ظل قيد الفحص والعرض - دون أي فحص أو أي عرض - حتي ترك النائب العام السابق منصبه بعد أكثر من عامين كاملين، ثم بقي الطلب مدفونًا في ملف القضية حتي اليوم.
٥- إنّ الناس يهمهمون بأن دفن عريضة طلب الالتماس في ملف الدعوي دون تصرف، هو أمر متعمد بعد أن استنفدت تلك العريضة الهدف الخبيث المنشود منها، بما تم من إجراءات لاحقة عليها جرت وقت حدوثها تحت سمع وبصر النائب العام السابق، وتستهدف في النهاية ترك الوقت يمضي في هدوء حتي تسقط العقوبة بمضي خمس سنوات.
ويبدو أن همهمة الناس لها ما يبررها، ونأمل أن يفندها معالي النائب العام الحالي بقرار سريع حاسم من سيادته.
ذلك أنه في اليوم التالي لتقديم عريضة طلب الالتماس للنائب العام السابق (وتأشيرة سيادته عليها بالإحالة إلي المكتب الفني للفحص والعرض) قدّم المحكوم عليهما إشكالاً في تنفيذ الحكم الصادر ضدهما، وتم عرض الإشكال علي محكمة الجنايات دائرة المستشار أحمد العشماوي لنظره بجلسة ٢٣/٦/٢٠٠٣ فحكمت المحكمة - في آخر الجلسة - بوقف تنفيذ الحكم المستشكل في تنفيذه إيقافًا مؤقتًا لحين الفصل في الالتماس المقدم للنائب العام وأمرت بإخلاء سبيل المحكوم عليهما فورًا مع إدراج اسميهما علي قوائم الممنوعين من السفر. ثم ما لبثت الدائرة ذاتها أن حكمت في ٢٣/٣/٢٠٠٤ بإلغاء منع المحكوم عليهما من السفر.
٦ـ وعلي الرغم من أن كلاً من الحكمين المذكورين (حكم وقف التنفيذ لحين الفصل في الالتماس وحكم إلغاء المنع من السفر) حكم خاطئ لأن مجرد تقديم طلب التماس إعادة نظر ليس من حالات الاستشكال في تنفيذ حكم جنائي، إلا أن النيابة لم تطعن عليهما في حينه بطريق النقض،
خاصة أن الحكم الصادر في الإشكال اغتصب سلطة محكمة النقض في الفصل ـ دون غيرها ـ في التماس إعادة النظر، وقال في أسبابه إن تأسيس الالتماس علي الحالة الخامسة من حالات الالتماس المنصوص عليها في المادة ٤٤١ من قانون الإجراءات الجنائية معدوم الأساس، لأنه لا توجد واقعة جديدة ولا دياولو،
أما الأساس الصحيح للالتماس فهو الحالة الثانية من حالات الالتماس المشار إليها، وهذا خطأ من جانب الحكم المذكور، لأن الحالة الثانية من حالات الالتماس المنصوص عليها في المادة ٤٤١ من قانون الإجراءات الجنائية هي حالة ما إذا صدر حكم علي شخص من أجل واقعة، ثم صدر حكم علي شخص آخر من أجل الواقعة عينها، وكان بين الحكمين تناقض يستنتج منه براءة أحد المحكوم عليهما، وليس كذلك حال الأخوين بكري،
لأن الواقعة التي حكم عليهما لأجلها هي واقعة قذف وسب، بينما الواقة التي حكم علي الدكتور محمد عبدالعال لأجلها ليست واقعة قذف ولا سب، وإنما هي واوقعة أخري مختلفة تماماً، ولا ترتبط بواقعة القذف والسب المحكوم بسببها ضد مصطفي بكري وشقيقه محمود، ولا حتي تتداخل فيها بأي وجه من الوجوه، ومن هنا تخلف شرط وحدة الواقعة محل الحكمين المقول بتناقضهما.
وكل ذلك كان يستوجب من النيابة العامة ـ في أضعف الفروض آنذاك ـ الطعن علي حكم الإشكال بطريق النقض، لكنها باركت الحكم، ولم تطعن عليه، ولم تصدر قراراً حتي اليوم في طلب الالتماس، رغم مرور أربع سنوات وخمسة أشهر علي تقديمه..!!
ومادام الحكم الصادر في الإشكال من دائرة المستشار أحمد العشماوي قد انتهي ـ في ٢٣/٦/٢٠٠٣ ـ إلي أن حالة طلب الالتماس المطروح هي الحالة الثانية ضمن الحالات الأربع الأولي المنصوص عليها في المادة ٤٤١ من قانون الإجراءات الجنائية وليست الحالة الخامسة، فإن المادة ٤٤٢ من قانون الإجراءات الجنائية تنص في فقرتها الأخيرة علي أن النائب العام يجب أن يصدر قراره في طلب الالتماس خلال الثلاثة أشهر التالية لتقديمه وهو ما لم يحدث،
فهل نفهم من مضي أكثر من أربع سنوات وخمسة أشهر علي تقديم طلب الالتماس من الأخوين بكري أن هناك قرارا ضمنيا من النائب العام برفض الطلب..؟ إذا كان ذلك، فلماذا لم يتم التنفيذ علي المحكوم عليهما..؟ ولماذا لا يكون قرار النائب العام صريحاً حاسماً قطعاً لدابر أي شك.. إما بحفظ طلب الالتماس ومعاودة تنفيذ الحكم، وإما بتقديم طلب الالتماس ـ إذا اقتنع النائب العام بوجاهته ـ إلي محكمة النقض باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة قانوناً دون غيرها بالفصل فيه..؟
إن الناس يريدون أن يرتاحوا، وأن يتأكدوا من أن الهمهمات الخبيثة معدومة الأساس.
وللعلم قضت محكمة النقض بجلسة ٢١/٣/٢٠٠٤ في الطعن رقم ٣٧١٨٤ لسنة ٧٣ القضائية المقام من الدكتور محمد عبدالعال عن حكم الإدانة الذي صدر ضده بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة، ثم قضت محكمة الإحالة بجلسة ١٦/٢/٢٠٠٥ ببراءته مما أسند إليه، فزال بذلك حكم الإدانة الذي كان قد صدر ضده، فانعدمت تماماً قالة التناقض بين حكمين والتي تمحك فيها الأخوان بكري.
إننا وكل الناس في انتظار قرار النائب العام، فهل يتكرم سيادته بسرعة حسم الأمر، حتي يطمئن الشعب علي احترام حكم محكمة النقض، وعلي المساواة بين أصحاب المراكز القانونية المتماثلة.
إن كل ما تقدم يفرض بشدة أن يحسم الأمر، ويصدر من معالي النائب العام الحالي البيان الرسمي المرتجي الذي يتطلع إليه الناس للاطمئنان علي مصير حكم محكمة النقض الذي أهدر ودفن حتي تكتمل مدة سقوط العقوبة، التي لم يبق علي اكتمالها سوي خمسة أشهر.