عرض مقدمة ابن خلدون: ب5:(ف9: 22 )التجارة والاحتكار والصنائع

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١١ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

  تابع الباب الخامس :  في اقتصاد العمران في المعاش ووجوه من  الكسب

            والصنائع وما يعرض في ذلك كله من الأحوال ، وفيه مسائل

                                                 الفصل التاسع

                                         في التجارة ومذاهبها وأصنافها

    التجارة هى محاولة الكسب بتنمية المال عن طريق شراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء ، وذلك بخزن السلعة إلى أن يرتفع ثمنها أو نقلها من مكان لآخر يرتفع سعرها فيه . وقد قال بعض شيوخ التجارة عنها كلمتين : إشتراء الرخيص وبيع الغالي .

                                             الفصل العاشر

أي أصناف الناس يحترف بالتجارة ، وأيهم ينبغي له اجتناب احترافها         

علاقة الربح برأس المال

     ربح التجارة قليل بالنسبة لرأس المال ، إلا أن المال إذا كان كثيرا أصبح الربح كثيرا لأن القليل في الكثير كثير .

مصاعب التجارة

       وهناك مصاعب تواجه التجار هي قلة أصحاب الذمة ووقوع الغش وتطفيف الكيل والميزان والمماطلة في الدفع وجحود الحقوق ،وعدم وصول الحقوق عن طريق القضاء إلا بصعوبة وبعد مدة طويلة .

صفات التاجر الناجح

     لذلك لا يفلح في التجارة إلا من كان جريئا على الخصومة بصيرا بعواقب الأمور شديد المماحكة مقداما عند الحكام . أو أن يكون صاحب جاه ونفوذ يستند إليه حتى يضمن حقوقه طوعا أو كرها .

من ينبغي له الإبتعاد عن التجارة

       أما من ليست لديه جرأه ونفوذ فينبغي له الإبتعاد عن مهنة التجارة وإلا صار فريسة للباعة والرعاع ، لأن الناس وخصوصا الباعة شرهون إلى ما بأيدي الغير ولولا سلطة الحكم لأصبحت  أموال الناس نهبا بين الناس .

                                           الفصل الحادي عشر

                                خُلق التجار نازلة عن خُلق الأشراف والملوك

     لابد في البيع والشراء من المساومة وهي بعيدة عن المروءة وأخلاق الملوك والأشراف ، وقد يضاف إلى المساومة أخلاق السفلة من الغش والأيمان الكاذبة ولذلك تجد أهل الرئاسة يتحامون التجارة ، ويندر من يكون تاجرا شريفا سليما من هذه الرذائل .

                                               الفصل الثاني عشر

                                             نقل التاجر للسلع

الأفضل في النقل السلعة متوسطة الجودة

   التاجر الحاذق ينقل السلعة إذا كانت مطلوبة من الجميع من الغني والفقير ، وإلا كسدت تجارته بعد أن يتكلف نقلها ، وينبغي أن تكون السلعة المنقولة متوسطة الجودة لأن الصنف العالي يختصه المترفون وهم أقلية ، والأغلبية تستهلك السلعة متوسطة الجودة .

يرتفع ثمن السلعة المنقولة من بعيد أو من مكان خطر

     ويرتفع ثمن السلعة إذا أتت من مكان بعيد أو اجتازت طريقا خطرا ، لأنها في هذه الحالة تكون نادرة ، بعكس إذا أتت من مكان قريب وطريق آمن فإنها تأتي بوفرة ويكثر عرضها فيقل ثمنها ، ولذلك فإن التجار الذين يسافرون لمجاهل السودان هم أثرى الناس . إذ ينقلون منه السلع التي لا ينقلها غيرهم وتكون نادرة ، وبطبيعة الحال غالية الثمن .

                                                الفصل الثالث عشر

                                                       الإحتكار

   واشتهر عند أهل الحذق من التجار أن الإحتكار مشؤوم في الزرع ، والسبب اضطرار الناس للشراء لحاجتهم إلى الطعام ، وبسبب إكراههم على دفع الأموال فإن نفوسهم تحمل على المحتكر الكثير من الحقد والحسد فيفسد ربحه .

                                               الفصل الرابع عشر

                  رخص الأسعار يضر المحترفين بالرخص ( بالسلعة الرخيصة)

     التجارة هي الربح من بيع السلعة بعد شرائها ، فإذا ظلت السلعة رخيصة ضاع الربح وحل الكساد وقعد التجار عن السعي . وإذا رخصت أسعار المحاصيل الزراعية قلت أرباح الزراع وأصبحوا فقراء ، ويتبع ذلك فقر أصحاب الحرف المتعلقة بالزراعة كالطحن والمخابز ، ويتأثر بذلك إيراد الدولة مما تجمعه من ضرائب تغطي به  نفقاتها على الجند والعسكر . ونفس الحال يحدث مع رخص السكر والعسل والملبوسات ، فالرخص المفرط يجحف بمعاش المحترفين بذلك الصنف الرخيص .

     وكذلك الغلاء الفاحش ، لأن معاش الناس في التوسط وسرعة تغير الأسعار في الأسواق . ومن الأهمية أن تكون أسعار المواد الغذائية رخيصة نظرا لأنها سلع ضرورية يحتاجها الأغنياء والفقراء .

                                     الفصل الخامس عشر

                 خلق التجارة نازلة عن خلق الرؤساء وبعيدة عن المروءة

    لابد للتاجر من المساومة واللجاج والخصومة ، وهذه الأوصاف نقص من المروءة والذكاء ، وتتعود بها النفس على الرذائل لأن النفس تتأثر بما تتعود عليه.

     وتتفاوت هذه الآثار بتفاوت أصناف التجار ، منهم من يتعود السفالة محترفا للغش والفجور في الأثمان والأيمان ، ومنهم من يساعده الجاه على عدم الوقوع في ذلك ، وهو صنف نادر ، قد يكون قد ورث الأموال عن آبائه التجار فاتخذه سبيلا للوصول إلى أهل الدولة ، واستفاد بهذه الصلة جاها ونفوذا يمكنه من اصطناع الأعوان الذين يتاجرون باسمه فلا يختلط بالسوقة ويحتفظ بمكانته بعيدا عنهم . 

                                           الفصل السادس عشر

                                     الصنائع لابد لها من المعلم

الصناعة نشاط عملي فكري

الصنائع بسيطة ومركبة

    ومنها البسيط ومنها المركب ، البسيط يختص بالضروريات ، والمركب للكماليات . والبسيط متقدم في التعليم لأنه مختص بالضروري الذي تتوفر الدواعي لنقله ، ويتدرج تعليمه من النقص إلى الإجادة بالاستنباط والتدريج خلال أزمان وأجيال.

الصنائع ناقصة ومتطورة

    والصنائع في البلاد الصغيرة ناقصة وبسيطة ، فإن تزايدت حضارتها ودخلت مرحلة الترف تطورت الصنائع .

الصنائع ضرورية وكمالية

وتنقسم الصنائع أيضا إلى الضروري المختص بالمعاش ، وغير الضروري المختص بالأفكار كالعلوم والصنائع والسياسة ، فالأول مثل الحياكة والجزارة والتجارة ،والآخر مثل الوراقة والإنتساخ والتجليد والغناء والشعر ومن الثالث الجندية .

                                            الفصل السابع عشر

                         الصنائع إنما تكمل بكمال العمران الحضري وكثرته

السبب

    قبل اكتمال العمران يهتم الناس أساسا بالضروريات ، فإذا دخلوا طور الحضارة احتاجوا الكماليات ، وهذا هو السبب في اكتمال الصنائع باكتمال العمران . وهناك سبب آخر ، فالصنائع والعلوم تعبر عن الجانب الفكري للإنسان أما القوة فترتبط بالجانب الحيواني فيه ، لذا تأتي متقدمة لضروريتها لأي مجتمع إنساني في بدايته ، ثم تأتي الصنائع بعدئذ.

الصنائع في البدو

     وعلى مقدار العمران تكون درجة التقدم في الصنائع والتأنق فيها ، وأما العمران البدوي أو العمران البسيط فلا يحتاج من الصنائع إلا البسيط منها والضروري كالنجار والحداد والخياط والجزار ، وتوجد بدائية ناقصة وبمقدار الضرورة ولاتكون مقصودة لذاتها. أما في العمران المتكامل فيأتي التأنق في الصنائع واستنباط صنائع جديدة بدخول عصر الترف مثل الدهان والحمامي والطباخ والهراس والمغني والوراق وصناعات التجليد والزخرفة .

الصنائع في مصر

      وقد تخرج هذه الصنائع عن الحد إذا كان العمران خارجا عن الحد ، ويستشهد في ذلك إبن خلدون بأحوال مصر في عهده ، يقول " كما بلغنا عن أهل مصر أن فيهم من يعلم الطيور العجم والحمر الإنسية ، ويتخيل أشياء من العجائب .. وغير ذلك من الصنائع التي لاتوجد عندنا بالمغرب لأن  عمران أمصاره لم يبلغ عمران مصر والقاهرة ."

                                        الفصل الثامن عشر

                  رسوخ الصنائع في الأمصار برسوخ الحضارة وطول أمدها

    لأن رسوخ الصنائع من آثار العمران ، ويترسخ بتكراره وثباته واستمراره بتعاقب الأجيال ، وحتى لو تراجع العمران وتناقص تظل آثار الصنائع باقية في الناس ، ويتميز مجتمعهم بهذه الصنائع عن مجتمع آخر ناشئ في دور الحضارة أو داخل في الإزدهار .

    وضربإبن خلدون مثلا على ذلك بالأندلس التي لاتزال فيها أحوال الصنائع باقية راسخة في المباني والمطابخ وآلات الغناء واللهو والولائم والأعراس وكل نواحي الترف ، مع تناقص العمران فيها .

    ونفس الحال في تونس إذ استكملت حضارتها بالدولة الصنهاجية ودولة الموحدين ، وإن كانت لاتصل إلى درجة الأندلس ، ولكن ساعد تونس في حضارتها قربها من مصر وتردد الزيارة والتوافد من مصر إلى تونس وبالعكس ، فتشابهت أحوالها بمصر .

                                                 الفصل التاسع عشر

                                      الصنائع تستجاد وتكثر إذا كثر طالبها

      وذلك لأن الإنسان لا يبيع عمله مجانا ، حيث يتكسب منه ، فإذا كانت الصناعة مطلوبة ومربحة إتجه الناس إلى تعلمها وإتقانها ، وإذا لم تكن تركها الناس ، ثم إن الدولة هي التي ترعى الصنائع الرابحة وتوجه لها الطالبين وتشجعهم على تعلمها .

                                           الفصل العشرون

                  الأمصار إذا قاربت الخراب إنتقصت منها الصنائع

    كما تزدهر الصنائع بالإقبال عليها فإذا تناقص العمران وتراجع الترف وعاد المجتمع إلى الإكتفاء بالضروريات فإن الصنائع تقل ، وأصحاب الصنائع القائمة على الترف تبور صنائعهم ، مثل النقاشة والجواهرجية ، وتنتهي .

                              الفصل الحادي والعشرون

                                     العرب أبعد الناس عن الصنائع

         لأنهم أعرق في البداوة وأبعد عن التحضر وما يستلزمه من الصنائع ، ويرىإبن خلدون أن أهل المشرق والعجم والأوربيين هم أصحاب الصنائع لأنهم أعرق في الحضارة ، ويستدل على ذلك بأن الإبل التي تعين العرب على التوغل في الصحراء والإبتعاد عن العمران – لا توجد في هذه المناطق ، والبربر في شمال أفريقيا مثل العرب ، وبلاد العرب والبربر قليلة الصنائع أو فقيرة بها ، في مقابل التقدم في الصنائع لدى الصين والهند والترك والأوربيين ، حيث ترسخت الصنائع لديهم من عصور الفرس والنبط والأقباط الفراعنة وبني إسرائيل واليونان والرومان . واستثنى إبن خلدون اليمن من بلاد العرب حيث قامت فيه حضارة وأسر حاكمة طال عليها الأمد فبقيت فيه رسوم الصنائع في الثياب والحرير .

                                          الفصل الثاني والعشرون

                        من حصلت له ملكة في صناعة قل أن يجيد صناعة اخرى

       فالخياط مثلا إذا أتقن حرفته فلا يفلح بعدها في حرفة التجارة أو البناء إلا إذا كانت الخياطة لم تسيطر على صاحبها ولم يتحكم فيها بعد .

    ويرى إبن خلدون أن السبب في ذلك أن الملكات صفات للنفس فلا تزدحم داخل النفس الواحدة ، بل إذا بدا الإنسان بفطرته يتعلم إحدى الملكات فإن نفسه تصطبغ بهذه الملكة ويكون أضعف عن قبول غيرها ، ولذلك لاتجد صاحب صناعة أجادها  وتخصص فيها ثم يستطيع أن يجيد  صناعة  أخرى بنفس القدر ، وحتى في مجال الفكر والعلم إذا تخصص عالم في فرع من العلوم وأجاد فيه لاتجده بنفس الإجادة في علم آخر .

اجمالي القراءات 16774