عرض مقدمة ابن خلدون: ب3 (ف39 :47)الظلم والاستبداد سبب إنهيار الدولة

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٧ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

تابع الباب الثالث:( في العمران السياسي ) في الدولة العامة والملك والمراتب السلطانية

الفصل التاسع والثلاثون

الجباية وسبب قلتها وكثرتها

قاعدة الجباية : كثرة الضرائب تقلل الإنتاج

      وضع إبن خلدون قاعدة رائعة  في ذلك تقول : إن الجباية في أول الدولة تكون قليلة الأسباب (أي المنابع) ، ولكنها كثيرة الجملة ، أي ينتج عنها الكثير من الدخل والإنتاج . والجباية في آخر الدولة تكون كثيرة الأسباب وقليلة الإنتاج .

شرح القاعدة

     ويشرح ذلك بأن الدولة إذا سارت على هدى الدين فليس لها من الجباية  إلا المغارم الشرعية من الصدقات والخراج والجزية . وهي قليلة خصوصا مع التسامح والإكرام ، وإذا قلت جباية الدولة قلت الوظائف وقلت الضرائب فينشط الناس للعمل فيكثر الإنتاج ويزداد العمران خصوصا مع قلة الغرامات والضرائب ، وبالتالي فإن الجباية المحدودة تتكاثر بزيادة الإنتاج .

     فإذا أصيبت الدولة بالترف والشراهة فيكثرون الضرائب والمغارم طلبا في زيادة الجباية والمكوس ، وبزيادتها تضعف عزائم الناس عن العمل لأن ناتج عملهم تأخذه الدولة ، وحينئذ تنقص الضرائب بقلة الإنتاج وتدهوره ، ويزداد الأمر سوءا بتدهورالإنتاج باستمرار تناقصه مع زيادة الضرائب ، فينتج عن ذلك خراب العمران .

                                          الفصل الأربعون

                            ضرب المكوس في آخر الدولة

    الدولة في بدايتها تكون بسيطة لاتعرف الترف والإسراف فتكفيها الجباية القليلة التي تجمعها. وعندما تدخل دور الترف والإسراف تحتاج إلى زيادة الجباية ، ثم تصاب الدولة بالهرم وتضعف عن جباية الأموال مع زيادة النفقات والتعود على الترف فتضطر لإستئجار الحاميات وزيادة من الضرائب وموظفي جمع الضرائب فيعم الخراب والكساد ويختل العمران . وقد وقع هذا أثناء إضمحلال الدولة العباسية والدولة الفاطمية وملوك الطوائف بالأندلس ، وبعد سقوط الدولة تقوم دولة جديدة تبدأ عهدها بالغاء  الضرائب والمكوس الظالمة .

                                       الفصل الحادي والأربعون

               التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجباية

الدولة المترفة تلجأ إلى زيادة الضرائب مع عملها في التجارة والزراعة

      إذا وقعت الدولة  في الترف وكثر إسرافها إحتاجت إلى زيادة الضرائب تحت أسماء مختلفة، وتتفنن في محاسبة موظفي الضرائب خشية أن يأخذوا شيئا لأنفسهم ، ثم يقوم السلطان أو الدولة بمباشرة الزراعة أو التجارة.

أضرار عمل الدولة في النشاط الإقتصادي وكيف يؤدي إلى نقص إيراد الدولة

      ويرىإبن خلدون رأيا رائعا ينطبق على كل عصر ، وهو أن عمل السلطان أو الدولة في التجارة والزراعة خطأ عظيم ، لعدة أسباب منها :

     1- منافسة ومضايقة الفلاحين والتجار في شراء البضائع وهم ليسوا أهلا لمنافسة الدولة أو السلطان.

  2-  إستخدام النفوذ السلطاني أو الرسمي في الشراء بثمن بخس . وإستخدام النفوذ في إرغام المزراعين أو التجار على الشراء من السلطان بالسعر الرسمي .

 3- والبضائع تبقى راكدة ، وقد يستخدمون النفوذ في تحميل البضائع الراكدة  وإلزام المزارعين والتجار بشرائها.

4- عند تكرار ذلك تتضاءل أرباح المزارعين والتجار ويقل حماسهم للعمل مما يؤدي إلى نقص مايدفعون من الضرائب ، ثم إلى خراب  الإقتصاد والعمران .

كيفية زيادة الجباية

    وجباية الضرائب بالعدل هي التي تؤدي إلى زيادة إيراد الدولة منها ، وترك الناس يعملون ويدفعون ضرائب عادلة .

                                         الفصل الثاني والأربعون

                      ثروة السلطان وحاشيته وتكون في وسط الدولة

 أحوال السلطان وأعوانه بين الثروة والسلطة من بداية الدولة إلى سقوطها

     في بداية قيام  الدولة يتوزع إيراد الدولة على القائمين بتوطيد سلطانها ، ويكتفي السلطان بسلطته ونفوذه دون حاجة إلى الأموال ، وتكون حاشيته فقيرة المال فقيرة في النفوذ.

    وبعد توطيد الدولة وتأكيد نفوذها ينفرد السلطان بأموال الجباية وتتمتع حاشيته بالثروة والسلطة ، بينما ينكمش نفوذ وثروة الذين أسهموا من قبل في إقامة الدولة .

     وعندما تدخل الدولة في الهرم والشيخوخة يحتاج السلطان إلى تقوية نفوذه بالجنود لمواجهة الثورات المضادة ، ويتعاظم الظلم والإسراف وفرض الضرائب ، ويرى السلطان أنه أحق وحده بالأموال ، فتكثر الثورات وينتشر الخراب ، وتسقط الدولة .

السلطان لايستطيع الفرار بأمواله من بلده

     ولايستطيع السلطان أو صاحب النفوذ أن يفر بالأموال  من بلده إلى بلد آخر ليتمتع بما جمعه من مال بعيدا عن متاعب المملكة الآيلة للسقوط . لأن العصبيات أو أصحاب النفوذ في الدولة لن يسمحوا للملك بالفرار ، كما لن يسمح له بذلك المنافسون له في الملك . أما إذا كان الراغب في الفرار بأمواله صاحب نفوذ أقل من الملك فإن الملك لن يسمح له بالفرار خوفا على مايعلمه من أسرار وعلى مالديه من كنوز وأموال حيث يرون أن تلك الأموال هي أموال السلطان . وكان ملوك الأمويين في الأندلس يمنعون أعيان دولتهم من السفر للحج خوفا من ذلك .

     ثم إذا نجح أحد الملوك بالهرب بما لديه من أموال فإن صاحب المملكة التي يفر إليها ذلك السلطان السابق لن يتركه إلا بعد أن يستنزف مالديه من أموال . وهذا ما حدث من السلطان الناصر محمد بن قلاوون حين هرب إلى الإسكندرية السلطان أبو يحيى اللحياني الحفصي صاحب تونس سنة 718. ذلك أن الناصر محمد بن قلاوون أكرم ضيفه اللحياني الهارب ، ثم إستخلص أمواله شيئا فشيئا حتى لم يبق لديه شئ ومات سنة 728 لايملك سوى المرتب الشهري الذي فرضه له إبن قلاوون .

ملاحظة : ماذا لو عاش ابن خلدون عصرنا ؟ عصر تهريب الأموال وغسيلها ؟

                                       الفصل الثالث والأربعون

                   نقص العطاء من السلطان نقص في جباية الضرائب

    الدولة أو السلطان هي سوق الأموال وأصل العمران ، فإذا إكتنز السلطان الأموال وحجزها عن الدوران – أي دوران رأس المال ، حل بالناس الكساد وتوقف العمل التجاري والإقتصادي وبالتالي قلت الضرائب وقلت إيرادات الدولة ، فالمال يتردد في دورته بين السلطان والحاشية والرعية .. فإذا إكتنزه السلطان وقع الناس في الكساد ولحق الفقر بالدولة وإيراداتها.

                                   الفصل الرابع والأربعون

                                الظلم مؤذن بخراب العمران

 على قدر الظلم يكون التقاعس عن العمل

  من آرائه الرائعة أن العدوان على أموال الناس يثبط آمالهم في الكسب والعمل طالما يرون أن ثمرة عملهم يأخذه السلطان . وعلى قدر العدوان على أموال الناس يكون تقاعسهم عن العمل والسعي ، فإذا كان الإعتداء عاما على كل أبواب المعاش كان القعود عن العمل عاما في الناس .

وعلى قدر العمران يكون السعي للعمل وتناقص الظلم

     وتتوقف درجة العمران على مقدار سعي الناس ونشاطهم ، فإذا قعدوا عن العمل والسعي كسدت الأسواق وحل الخراب وهجر الناس الأسواق وهاجروا من البلدة وإستشهد إبن خلدون بقصة فارسية أوردها المسعودي تؤكد أن  الظلم يخرب العمران . ويؤكد إبن خلدون على التناسب المطرد بين إزدهار العمران وتناقص الظلم والعدوان ، ويقول أنه قد تنهار الدولة الظالمة قبل أن يقع خراب  البلد وتجئ دولة أخرى تحاول الإصلاح .

الظلم هو إغتصاب أي حق مادي أو معنوي

 وفى مواجهة الظلم السائد فى عصره يؤكدإبن خلدون بشجاعةعلى أن  المقصود بالظلم ليس مجرد أخذ المال أو الشئ من صاحبه بدون تعويض بل هو أعم من ذلك ، إذ يشمل إغتصاب الحقوق العينية والمالية والمعنوية ، وكلها تعود على الدولة بالخراب الآجل أو العاجل ، وتلك هي حكمة الشرع في تحريم الظلم حتى لايفنى الجنس البشري ، ولذلك كانت الحكمة العامة في الشرع هي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال .

السخرة من أفظع أنواع الظلم

وكانت السخرة عُرفا مشروعا فى عصره ، وقد خرج ابن خلدون على هذا العُرف فقال إن السخرة أفظع أنواع الظلم لأنها إغتصاب لعرق الضعفاء من العمال الذين لا مكاسب لهم إلا من خلال عملهم البدني الشاق ، ويؤكد على أن تكرار السخرة يؤدي إلى خراب العمران.

الإحتكار في البيع والشراء من أفظع أنواع الظلم ويؤدي إلى سقوط الدولة

    وبنفس طريقته يرى أن من أفظع أنواع الظلم إستخدام التسلط والنفوذ في الشراء بثمن بخس وفرض السلعة على الناس بثمن مرتفع وذلك بالاكراه والغصب في الحالتين ، وذلك لتحقيق ربح أو لتعويض خسارة ، وفي كل الأحوال تقع الخسارة على التجار والمزارعين والمنتجين والمستهلكين . ويقع الكساد ويتكاسل الناس عن العمل ويقل الإنتاج، وبالتالي يقل إيراد الدولة ويحدث ذلك بالتدريج ، ويؤدي الظلم والفساد إلى سقوط الدولة . ولذلك حرص الشرع  على القسط في التعامل مع الناس، وحرم أكل اموال الناس بالباطل .

وقال إن الدولة فى ترفها تحتاج الى تغطية اسرافها بكثرة الضرائب وأكل أموال الناس وعرقهم بالسخرة والاحتكار ، مما يؤدى الى سقوطها.

الفصل الخامس والاربعون

كيف يقع الحجاب فى الدولة وكيف يتعاظم عند هرمها

متى يبدأ الحجاب فى الدولة

الحجاب يعنى إتخاذ السلطان حجابا بينه وبين الرعية من الحراسة والحاشية  .

ويقول ابن خلدون ان الدولة تبدأ بسيطة تقوم بالعصبية ، وبعيدة عن أبهة الملك ، سواء إعتمدت على الدين أم على بساطة البداوة .وبعد توطيد الحكم واستقراره ينفرد الملك بالحكم والنعيم ويحتاج الى الحجاب لينعزل عن الناس ، ويبدأ بذلك الحاجب ووظيفة الحجابة .

متى يتعدد الحجاب فى الدولة

وعندما يتسع المُلك تتحول أخلاق السلطان الى ما يسميه ابن خلدون بخُلُق المُلك ، وهى اخلاق غريبة تحتاج الى نوعية خاصة فى التعامل ( الاتيكيت ) ، ومن يجهلها يقع فى المتاعب لأنه لا يعرف آداب التعامل مع الملوك . وهذه الآداب يعرفها الخواص من الحاشية الذين يعرفون كيفية التخاطب مع الملك ، وهم يحجبونه عن الناس ، ثم لا يلبث أن يتخذوا لنفسهم حجابا عن غيرهم من اناس ، وهذا هو الحجاب الثانى . ثم يحدث حجاب ثالث عندما يتم الحجر على صاحب الدولة عند شيخوخة الدولة وتحكم الموالى فى السلطان . ويبدأ المتحكمون فى السلطان بحجب أبناء السلطان وأصدقائه عن الوصول اليه ، بحجة أن هيبة السلطان تستدعى ذلك ، ويكون ذلك إيذانا باضمحلال الدولة وقرب سقوطها .

ملاحظة : ينطبق هذا فى عصرنا على الدولة السعودية الراهنة . مؤسسها عبد العزيز ــ الذى أعطاها اسم اسرته عام 1932 ــ فى بداية عهده كان بابه مفتوحا ويمكن لأى فرد أن يقابله وأن يحادثه . من تولى من اولاده من ( سعود) عام 1953 الى الآن إنعزلوا عن الناس بقصورهم وحواشيهم وحراساتهم ، أو ما يسميه ابن خلدون بالحجاب .  

الفصل السادس والاربعون

إنقسام الدولة الواحدة بدولتين

 الترف هو السبب فى الانقسام .

اول مظاهر الانهيار فى الدولة إنقسامها . ذلك أن الملك عندما يصاب بالترف والاستبداد والاستئثار بالمجد والنعيم يقتل من يشتبه فى إحتمال من يثور عليه من أهله وغيرهم ، وهذا يرغمهم ــ تحت الضغط ــ الى الهرب بعيدا ليؤسّس أحدهم بذرة لدولة صغيرة ، تنقسم بها الدولة الكبرى الى قسمين . وصقر قؤيش عبد الرحمن الداخل هرب من متابعة العباسيين ، وما لبث أن استقل بالاندلس ، ونفس الشىء مع ادريس فى المغرب.

إزدياد التقلص والانقسام بزيادة ضعف الدولة

وعندما يرداد ضعف الدولة يزداد الانقسام ، ولذلك فإن الأغالبة ما لبثوا ان إستقلوا بتونس عن العباسيين، ثم جاء بعدهم الفاطميون فانتزعوا من العباسيين مصر والشام . وانقسمت بذلك الدولة الى ثلاث : العباسية و الفاطمية والأموية فى الاندلس . هذا بالاضافة الى إنقسامات أخرى فى شرق العراق وإيران . وحدث نفس الشىء مع السلاجقة ؛ استولوا على آسيا الصغرى والعراق وايران والشام ، ثم تفككت دولتهم الى دول . وأعطى ابن خلدون أمثلة أخرى فى شمال افريقيا ، من صنهاجة والموحدين وملوك الطوائف فى الاندلس . ويقول فى النهاية: ( وهكذا شأن كل دولة ، لا بد وأن تعرض عليها عوارض الهرم بالترف والدعة . ).

الفصل السابع والأربعون

الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع

شيخوخة الدولة أمر طبيعى ، كما يحدث للإنسان والحيوان  .  والأمور الطبيعية لا تتغير . وقد يحاول بعض السياسيين إصلاح الدولة الهرمة العجوز ، ولكن دون جدوى . فالسلاطين تعود آباؤهم الترف والاسراف ، ولا يمكنهم تغيير تلك العادات الراسخة ، ولأن الترف يكون ضروريا لهيبة الدولة ، فإذا زالت الأُبّهة ضاعت الهيبة . إلا إنه قد يحدث للدولة قبل سقوطها ومضة قوة ، ولكنها صحوة الموت.

اجمالي القراءات 34356